|
متى ينتهي العبث بالعراق؟ .. مدونة سيكولوجية
الدكتوراسعد الامارة استاذ جامعي وباحث سيكولوجي التفجيرات والاحزمة الناسفة والسيارت المفخخة بالعراق جهد بلا آجر ، وآجر بلا جزاءا ولا شكورا وهذا ما قال عنه العرب (فاخرة لا دنيا ولاآخرة !! ) هذا العبث الذي يبرد ويسخن ، يغلي ويتجمد , ألا يحق لنا ان نشكك بكل هذه العملية " ديناميكية التفجيرات " مع من فهم العملية وابصر فيها في عيون البوم التي ترى في الظلام اكثر منه في وضح النهار. نحن لا نبخس فعل المقاومة اذا كانت هناك مقاومة حقيقية ، وزال مبرر فعلها بعد انسحاب القوات الامريكية من المدن والقصبات العراقية وتحاول الحكومة العراقية قدر ما تستطيع تحجيم دورهذه القوات ان استطاعت . لا اعتقد ان العراقيين تعودوا على سلوك العنف رغم انهم امضوا فيه خبرة ممتازة زادت على 29 عاما متواصلة ولكن معلوماتنا السيكولوجية تدلنا ان النفس الانسانية تطلب الراحة بعد سنوات العمل الشاق من القتال ولابد للسلاح ان يركن وان المقاتل يرغب بأن يستريح وان المجاهد ايا كان انتماءه تعب واصابه الملل والوهن طيلة كل تلك السنوات . تقول المقولة النفسية الشهيرة ان الانسان يتعلم العنف والسلوك العدواني ولم يُجبل عليه فهو غير موروث لدى جميع البشر ولكن البيئة هي التي تخلقه وتنمي فيه روح العدوان . ان العبث بالعراق وبشعبه بدأ ياخذ صورة المشكلة الشائكة من حيث إنها مصدر لانفعلات شديدة متراكمة في نفوس اهل العراق تارة وتارة اخرى في نفوس من يريد بأهل العراق عدم الراحة والاستقرار اما لاسباب سياسية محضة او لاسباب اقتصادية صرفة او لاعتقاد البعض ان مذهب ما تبوا سدة الحكم بعد سقوط النظام السابق بطريقة دراماتيكية غير متوقعة. ان العبث بالعراق واهله من جماعات ترى نفسها صاحبة الحق في الحكم او ادارة الدولة بات أمر غير واقعي لان الانتخابات افرزت الصالح وابعدت الطالح وللزمن القول الاكيد في ذلك ، اما الاجندة الخارجية التي تظهر الشفقة على اهل العراق فنحن نعلم أننا معشر المشتغلين بعلوم النفس أن الشفقة قد تكون رد فعل لما تنطوي عليه الانظمة واجندتها من قسوة ، وان سلوكهم الرحيم لم يكن إلا انتصارا على نزعاتهم الى القسوة والعنف ضد شعب العراق واطفاله ونساءه وتمزيق جميع ابنيته الاجتماعية والقيمية ، ولكننا قد نرى انه لا بأس عليهم فيما يصدر عنهم إذا كانت الرحمة رائدهم وانه خير لجميع العراقيين ان يقبلوا الرحمة من يبيت لهم العنف والتدمير ولو بالاعلام فقط لان رحمتهم احسن من ان يكونوا عاطلين عن القسوة والرحمة معا في السر والعلن . ان العبث في العراق يأخذ عدة مناحي غير العنف المباشر ، بل العبث بالامن من خلال تنشيط العصابات المنظمة والعبث بالشباب بنشر المخدرات بين صفوفهم والعبث بتغرير الفقراء وشراء بناتهم وبيعها في دول الجواربابخس الاثمان فضلا عن آفة الفساد الاداري ، السرطان الذي ينخر بكل مؤسسات الدولة العراقية ومفاصلها . ان العبث في العراق ناجم عن عدوان دفين لم يجد منصرفا له في السياسة القائمة على قبول الوضع الراهن في العراق وبدلا من ان يميل الى الفتك في الانظمة ذاتها التي تصدر العنف للعراق ، قامت بابعاده وتصديره الى الاضعف وهو العراق في الوقت الحاضر وهي نفس الفكرة السيكولوجية التي ترى ان النفس التي لا تجد منصرفا لشحناتها الزائدة ترتد هذه الشحنات الى داخلها فتكون هي كبش الفداء ، فبدلا من ان تكون هي وشعبها كبش الفداء حولت هذه الشحنات الى العراق وهو الاضعف اليوم فاصبح كبشا للفداء. ان العبث بالعراق واستمراره وتصدير العنف اليه انما هو نقل واستبدال هدف بهدف واذا حيل بينه وبين الافراغ او عدم نقله الى العراق فإنه لا يلبث أن يرتد نحو شعوب الانظمة التي تصدر العنف للعراق فتفتك الشعوب بانظمتها بنفسها فاصبح الطريق الاسهل هو تصدير العبث للعراق لكي تحمي هذه الانظمة نفسها ولو لفترة قصيرة. ان الحقائق النفسية تدلنا على ان الصراع لا ينتهي إلا بقبول وجوده وليس بفناء الاخر وان الشئ لا يوجد إلا مع ضده فنحن نعرف كما يعرف قارئنا الكريم ان الصراع ايا كان نوعه ليس سلبيا فقط وربما يكون دافع كما هو القلق عند الانسان حينما يكون قلقا دافعا فالصراع ايضا أمر لابد من وجوده فمثلا الصراع الطبقي لا ينتهي بالغاء الاخر اي ان الطبقة التي وقع عليها الحيف يجب ان لا تنتقم من الطبقة التي استغلتها لعقود او قرون وكذلك الدول التي استعمرت بلدانا عدة ثم اقامت معها علاقات دبلوماسية ، فالصراع بين الدول كما هو الصراع بين الافراد وهو عينه الصراع في النفس الانسانية حيث انها تعيش لحظات مريرة بسبب فكرة ولدت احباطا وهذا الاحباط ولد صراعا وهذا الصراع سبب ازمة نفسية فردية او جمعية او حتى بين الشعوب او الدول . فالصراع كما تدلنا ادبيات علم النفس والطب النفسي يولد الالم ، والالم النفسي يسبب المرض ويصبح الالم تعبير عن مرض ولذا كان وما زال الطب النفسي والعلاج النفسي الحقيقي يتمثل في القدرة على قبول الالم كوسيلة لانهائه وهو مفهوم ربما ينافي المفهوم التقليدي الذي عرف بانه محاولة القضاء على الالم اي نفيه ، وبذلك فإن انهاء الصراع ليس بنفيه وانما بقبوله فمهما كانت المسكنات التي تستخدم في مجال الطب بانواعه او الطب النفسي هي هي نفسها تستخدم في علاج مشكلات العبث بالعراق اذا ما سلمنا جدلا ان العراق يعاني من الالام سببها الصراع وادت الى العبث بكل قيمه وعاداته وحتى لهجته القوية بالشدة وتحولها الى لهجة بها الكثير والجديد من المفردات التي ربما سنتناولها بعرض سيكولوجي ومدى انعكاسها على حالة شعب بأكمله . خلاصة القول ان العبث بالعراق "الذي ينشأ الصراع" لا ينتهي إلا بقبوله وفي ذلك نتفق مع المقولة النفسية التي ترى .. لاتوجد لذة إلا في مقابل الالم ولكن الجديد هو القدرة على التغلب على الالم بقبول الالم ذاته اسوة بقبول السعي وراء اللذة والتغلب على الالم ، فمن يريد العبث بالعراق عليه ان يعي ان الاساليب اختلفت وان الادوات تبدلت وعليهم ان يتعلموا ان نقل العدوان كما تفصح عنه الانظمة يمكن ان يأخذ اشكالا من الممارسات الانسانية لتصبح شكلا مألوفا ببدائل رمزية يفترض انها تكون اقل خطرا واكثر قبولا خصوصا اذا ما امكن ضبط العدوان والسيطرة عليه وإذا ما رافقه حسن التوجيه مع الترويض بأن بقاء الوضع الجديد في العراق امر لابد منه ولعلنا نرجوا ان يتمكن من يريد العبث بالعراق واهله من استعادة السيطرة بعد إفلات .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |