ليس تحويل مجاري ألأنهار والتلاعب بكميات المياه المارة من بلد ألمنبع وأي بلد وسيط ( كسوريا في حالة نهر الفرات) الى دولة أخرى كالعراق ، ليس ذلك خرقا" للقانون ألدولي فحسب بل يتعداه الى تهديد ألسلام ومبادىء حسن الجوار والتعاون  في المنطقة وألتسبب بكوارث زراعية وبيئية واقتصادية كما تنص على ذلك  قرارات الأمم ألمتحدة، وتعاليم ألأديان والأخلاق.

 قامت تركيا  ، وتقوم بانشاء عدة سدود لخزن المياه لأغراض المشاريع الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية  على نهري دجلة والفرات، وهذا من حقها طبعا" ، ولكن على أن يتم بالتنسيق مع الدولتين المتشاطئتين معها بالنهرين (سوريا والعراق)  بحيث يتم تأمين حصة مائية لا تقل بأي حال من الأحوال عن معدل كميات المياه التي كانت تصل البلدين في ألعقود وألأجيال السابقة لأنشاء السدود . ولا انقاص لهذه الكميات من أي طرف كان دون اتفاق ثنائي وثلاثي مسبق .  وبعكسه فان تركيا وغيرها تخرق القانون الدولي. واذا تسببت بأي أضرار من الناحية الزراعية والبيئية وألأقتصادية وألصحية (بضخ مياه ألمبازل ومياها" ملوثة وثقيلة الى أحد النهرين وكليهما ) فانها تخرق حقوق الأنسان والحفاظ على البيئة وألأحياء ، حيوانات كانت أم نباتات طبيعية كان وجودها منذ الأزل معتمدا" على المياه ألعذبة لهذين النهرين وأي من فروعهما . ويحق للدول وسكان المناطق المتضررة المطالبة بتعويضات عن أي ضرر وخسائر مادية وبيئية وصحية  لحقت وتلحق بهم عن طريق ألأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في لاهاي / هولندة وهي المحكمة المختصة بمثل هذه القضايا ، حيث حكمت برئاسة القاضي ستيفن م شفبل* بالقضية المعروفة ب (كابكوفو-آشجيماروس)** حول ألقيام ببناء سدود وخزانات بين هنكاريا وسلوفاكيا للسيطرة على الفيضان وتوليد الطاقة الكهربائية وتحسين الملاحة  على نهر الدانوب في عام 1998 على سبيل المثال .
 * Judge Stephen M. Schwebel. 
** Gabckavo-Nagymaros.
 وما ينطبق على تركيا ينطبق على ايران التي لم تقم بانقاص كميات المياه فقط ، بل قطعتها قطعا" تاما" كما هي الحال في أنهار الكارون والكرخة ودوريج والطيب  ونهر الوند  الذي يصب في نهر ديالى الذي سمعنا أنها أعادت فتحه قبل 3 أيام بشكل دائم كما نأمل ، وحسب نزوات مهندسي الري في ايران الذين لا يخرقون القانون الدولي فقط ، بل قواعد الأخلاق وتعاليم الدين الأسلامي ومبادىء حسن الجوار والتعايش السلمي التي تراعيها (دول الكفار) أفضل ألف مرة من الدول العربية والأسلامية.   

ان قطع المياه عن الروافد التي تصب في  ألأهوار أدى الى تناقص المياه فيها ، وجفاف مساحات شاسعة منها مما أدى الى اضرار بيئية فادحة ، وخرق واضح لحقوق الأنسان العراقي ، وتغيير خطير في مناخ المنطقة ، وزيادة مساحة التصحر بشكل كبير .. اضافة الى تلف الأراضي الزراعية  بسبب تحويل مجاري ألأنهار ألأخرى نتيجة تراكم الأملاح ، وأنعدام امكانية غسل التربة وتوجيه المياه المالحة الى المبازل. وهذا خرق واضح للقانون الدولي ومبادىء حسن الجوار وتعليمات الأمم ألمتحدة فيما يخص البيئة والحفاظ عليها كما سنبين في هذه ألمقالة لاحقا".  
وجدير بالذكر أن مشكلة المياه وتعسف الدول التي تنبع منها الأنهار (دول المصدر) مشكلة دولية قديمة عانت وتعاني منها أغلب الدول المتشاطئة ابتداء" من الصين والهند وبنكلادش وباكستان شرقا"، مرورأ" بأيران وتركيا  والعراق وسوريا ومصر والدول المتشاطئة على نهري النيل والكونغوفي أفريقيا ، ونهر الدانوب في أوروبا بين النمسا وهنكاريا وسلوفاكيا وصولآ" الى كندا وأمريكا، وألأخيرة والمكسيك غربا" ، على سبيل المثال لا الحصر.

 وتضمن ألأمم المتحدة وترعى وتفرض أحترام مبادىء حسن الجوار ، وألسلم وألأستقرار وألرفاه الأجتماعي  وألحقوق ألأقتصادية الضرورية للوئام وعلاقات الصداقة بين الشعوب  في البند التاسع من ميثاقها الخاص بالتعاون الأقتصادي الدولي ومصالح الأعضاء الأقتصادية والأجتماعية والتجارية حيث نصت المادة الخامسة والخمسون من هذا البند على ضمان حقوق الأنسان ورفاهه الأجتماعي وألأقتصادي وتعهدت ألأمم المتخدة في المادة السادسة والخمسين على ضمان هذه الحقوق الموروثة منذ آلاف السنين وندون النص الأنكليزي للمادتين في آخر الحلقة الأولى من هذه المقالة. 
 كما أن مؤتمر ألأمم المتحدة بخصوص ألبيئة الذي عقد في  ستوكهولم / السويد  من ألخامس الى السادس عشر من حزيران عام 1972 أثمر عن آلية لمبادرات عديدة لأهم مشاكل البيئة العالمية ، ويعتبر هذا المؤتمر مولدا" لقاعدة ألتنمية ألأقتصادية ألمستقرة والمستمرة التي لا تتأثر بأفعال ألدول الأخرى التي تتصرف دون شعور بالمسؤولية الأخلاقية وألأنسانية والعرف الدولي. وركز مؤتمر ستوكهولم  في اعلانه عن البيئة الأنسانية على أن للدول حقوقا" سيادية في استثمار مصادر ثرواتها (بما فيها المائية) حسب ما تراه مناسبا". وأكد  في نفس الوقت على أن على ألدول ألتي تقع فيها منابع ألمياه أن لا تسبب أضرارا" بيئية للأراضي التي تقع خارج نطاق سيادتها (أراضي الدول الأخرى) كما ورد في ألمادة ( وألقاعدة ) الثانية ألتي أقرها  مؤتمر  آخر للأمم المتحدة بخصوص البيئة وتم عقده من الثالث الى الرابع عشر من حزيران عام 1992 في ريود جانيرو/ البرازيل. 
 ويمكن تلخيص بعض ألأضرار البيئية التي لحقت وتلحق بالعراق نتيجة تجاوز تركيا وايران على حصص البلاد المائية التي قننها الباري عز وجل قبل قيام حكم ولاية الفقيه الذي لم يراع حق الجار الذي أوصى به الرسول (ص) حتى كاد يورثه، وقبل القوانين الدولية  ،  والحكم التركي الأتاتوركي:

 1- ألتصحر : يعاني العراق من هذه المشكلة بسبب تناقص كميات المياه الواردة اليه عن طريق نهري دجلة والفرات وروافدهما ، وبدأت هذه المشكلة تتفاقم في عامي 1974 و1975 حين قام ألأتراك بتخزين ألمياه في سد كيبان  والبعثيون السوريون بملء خزان  سد الطبقة مما أدى الى نقص خطير في كميات المياه الواردة الى العراق من نهر الفرات ، وهذا خرق واضح للقانون الدولي وغيره كما أسلفنا. كما أن تناقص معدل الأمطار ألساقطة على العراق التي بدأت في نفس الوقت تقريبا" أديا الى تصحر مساحات شاسعة من العراق مما أثر على المناخ وزاد العواصف الترابية بشكل كبير جدا".

 2- تقليص مساحة المسطحات المائية : اضافة الى نقصان مياه نهر الفرات التي تصب في الأهوار،  قامت ايران ، وتقوم بتحويل مجاري الأنهار النابعة في أراضيها بشكل تعسفي منذ أربعينات القرن الماضي . وشمل ذلك كافة الأنهار والروافد الصغيرة والكبيرة وهي عديدة ، ففي محافظة السليمانية توجد أنهار صغيرة هي بناوة ، سوتة ، باني ، فزلجة ، رزاوة ، كولة والزاب الأسفل وأهمها نهر سيروان (التسمية التي تطلق على نهر ديالى في كردستان) وفي محافظة ديالى نهر الوند الذي يمر بخانقين ، ونهر قردة توالذي يصب في نهر ديالى ، ونهر كنكير في قضاء مندلي . وفي محافظة واسط نهري كنجان جم في زرباطية ونهر جنكيلات. وخمسة أنهار في محافظتي ميسان والبصرة هي ألطيب ، دويريج ، ألكرخة ، شط الأعمى ، وكارون ألأكثر أهمية ، وهوأهم مزود لشط العرب بالمياه العذبة بكميات تفوق ما يصل شط العرب من مياه دجلة والفرات مجتمعين أضعافا". وقامت ايران بتقليص مياهه تدريجيا" منذ عام 1962،  وقطعته كليا" أخيرا" بعد أن حولت مجراه ليبقى داخل الحدود الأيرانية ، وهذه جريمة ضد ألأنسان البصري والبيئة على حد سواء وأدى الى قطع مياه الشرب والزراعة عن سكان المنطقة ،  لأن تركيز الأملاح  في  مياه شط العرب تضاعفت مرات عديدة مما سبب هلاك ألثروة السمكية وغابات النخيل والمزارع وألحق بالبصريين ضررا" هائلا" يستحقون عنها تعويضات لا تقدر بثمن من الجانب الأيراني حسب أنظمة وتوصيات مؤتمرات ألأمم ألمتحدة بخصوص البيئة ، والقاعدة القانونية المعروفة : لا ضرر ولا ضرار. 
تأثير ذلك على ألأهوار والمستنقعات: ان النتيجة الحتمية لقطع المياه عن الأهوار والمستنقعات ، وانقاصها يؤدي الى انحسارها وجفاف مساحات شاسعة منها ، وهذا يؤدي الى تغيير في الواقع البيئي ينتج عنه هلاك الأسماك ، مصدر الرزق لكثير من سكان الأهوار ، والطيور المستوطنة وألمهاجرة حوليا"، وانقراض النباتات الطبيعية المحلية ، وهروب الحيوانات التي تعيش في المنطقة  التي تحميها قرارات الهيئات الخاصة في الأمم المتحدة ، ومؤتمر لندن الذي عقد عام 1933 بخصوص حماية الحيوانات والنباتات . ويؤدي الى تناقص المناطق الخضراء ، وتضرر الحيوانات ألأليفة التي تسترخي في المياه كالجاموس الذي يعتبر مصدر رزق للكثير من المواطنين أيضا". وكل ما تقدم مخالف لمبادىء وقوانين الأمم المتحدة وتعاليم الدين ألآسلامي والتحلي بالأخلاق الحميدة في العلاقات الدولية،  ويستوجب  ازالة الضرر باعادة المياه الى سابق عهدها دون انقاص وتغيير الا وفق اتفاقيات ثنائية  بين العراق وايران تصادق عليها الأمم ألمتحدة وترعاها. وأرى أن تعويض المتضررين واجب أخلاقي وديني على دول الجوار.

3- الزراعة : عانى المزارعون ولا زالوا يعانون من نقص مياه ألأنهار في العراق ، وخصوصا" المناطق التي تعتمد على مياه الفرات ونهر ديالى حيث تقلصت المساحات المزروعة بشكل كبير وخصوصا" مزارع الشلب / الرز في الديوانية وغيرها التي تحتاج الى مياه عذبة دائمة. كما تأثرت وهلكت الكثير من بساتين الفاكهة بكافة أشكالها في عموم العراق بسبب سياسة تركيا وايران المائية المجحفة ضد العراق مما سبب خسائر اقتصادية كبيرة للعراق والعراقيين.
وختاما" جعل صدام العراق أسدا" جريحا" تتجرأ عليه الثعالب بسبب سياسته وسياسة حزبه الرعناء العدوانية الجبانة أمام ألأعداء ، الشديدة القوة والبطش ضد أبناء شعبها ، وحروبه العبثية البعثية الخاسرة ، فصارت البلاد أشبه ببستان بدون حراس (نواطير) تخرق حقوقها دول الجوار دون أي اعتبار. كما أن قوات الأحتلال مسؤولة عن حماية حقوق العراق وقت احتلالها للبلد وكان عليها حماية موارده من المياه بصفتها قوات محتلة ، كما كان عليها واجب اعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها في حروبها ضد صدام كمحطات الطاقة الكهربائية ومصافي النفط ومياه الشرب والجسور وغيرها.

 وآخر القول ، في هذه الحلقة ، هوأن وزارة الموارد المالية ، الوزارة المعنية بشؤون المياه ، هي الأقل اكتراثا" بمصائب البلاد المائية . وكان عليها ، كجهة مختصة ، اتخاذ كل ما يلزم من أجل حماية حقوق الشعب المشروعة في المياه بما فيها تهديد دول الجوار باللجوء الى محكمة العدل الدولية لأسترجاع حقوق العراق المائية المهدورة وطلب التعويضات عن كل الأضرار الأقتصادية والبيئية والأنسانية ، وتهجير سكان الريف الى المدن ، بسبب شحة المياه وانقطاعها. ونذكر معالي الوزير أن حبه للذهب (على قاعدة السكوت من ذهب ) وهوما معروف عنه (قليل الكلام والأبتسام) كما كنا نراه في اجتماعات المعارضة والمناسبات ألأخرى في لندن ، لا ينفع مع دول الجوار، ونرجوه أن يتحرك ويبتسم يوما" ، ونعاهده ، وعلى مسؤوليتنا ،  أن لا تسبب ابتسامته تسونامي في المحيط الطلسي (ولا نقول ضحكته ، لأننا سنطلب المستحيل). مع تحياتي لمعالي الوزير لطيف رشيد عديل مام جلال ووزير الموارد المائية التي لا ترد منذ عام  2003 ، واذا عرف السبب بطل العجب.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com