|
في ليلة القدر كنت أنانياً جداً
د. حامد العطية ليلة القدر، خير من ألف شهر، سلام هي حتى مطلع الفجر، تفتح فيها أبواب السموات، وطوبى للذين يستجاب دعائهم فيها، جدتي كانت واحدة من هؤلاء المباركين، خبرتني حبوبتي العلوية، بأنها في ليلة القدر من شهر رمضان، وبعد زمن قصير من وفاة زوجها، الذي تركها وولدين من دون عائل، في تلك الليلة المباركة رأت في منامها وكأن ابواب السموات قد فتحت، وناداها صوت: يا علوية ماذا تتمنين؟ لم تطلب العلوية كنزاً عظيماً، تنوء بمفاتيحه العصبة، ولا ملكاً لا يكون مثله لغيرها، ولا حتى بضعة دراهم لتشتري بها كسوة العيد لليتيمين، بل أجابت الصوت السماوي: يا مولاي كل ما أريده ما أسد به رمق عيالي! تصوروا أن يكون أحد من رجال السياسة العراقيين، المتدينين والعلمانيين، أو من الرعية المذعنين لهم أو المعارضين، من السادة أو العوام، بهذا الزهد! في اليوم التالي ومن دون تأخير تحقق طلبها، أو هكذا اعتقدت جازمة، زارتها جارة لها فلما عرفت بفاقتها اسدت لها النصيحة التالية: لم لا تعملين يا علوية بخياطة العباءات؟ يقولون إنها مهنة مربحة! كانت تردد: لقد استجابت السماء لدعائي، وبالفعل امتهنت خياطة العباءات، فدرت علي دخلاً، استعنت به على نفقة عيالي، رحمها الله. لو فتحت لك أبواب السماء في ليلة القدر فماذا ستطلب؟ الهدي والستر والعافية والرزق، لك ولأهلك، أن يريد الفرد الخير لنفسه وأهله أمر طبيعي، أما أنا فسأدعو للمسلمين، وأبناء وطني من العراقيين، لأني وببساطة أناني، وأنا بالتأكيد لا أوثر الاخرين على نفسي، فقد أغنى الله الجميع بفضله، والخير يكفي الجميع ويزيد، لولا الأنفس الشح، ولكني اختلف مع الكثيرين من الأنانيين في نظرتي وتطبيقي للأنانية، فأنا أعتقد بأن أنانيتي إيجابية، وجديرة بالتطبيق. ما هي هذه الأنانية الإيجابية التي أدعو لها؟ أحياناً بيان الضد أو الأضداد خير مدخل لتعريف القصد، لذلك سأبدأ بتعريف الأنانية السلبية، هي باختصار أن تجمع أو تتمنى لنفسك وحدك، من دون شريك أو مثيل، تمتلك وهم لا يملكون، تغتني ولو افتقروا، تستحوذ ولو فقدوا، تسود ولو استعبدوا، تتكبر ولو ذلوا، بل أنت تتمنى لويضعفون لتتقوى عليهم، ويخضعون لتتسلط عليهم، ويهاجرون لتستحل ديارهم، ويموتون لترثهم، والأمثلة على ذلك كثيرة: فرعون وهامان وقارون والأشقى عاقر ناقة صالح وابي جهل وأبي لهب، وكذلك الطغاة الذين تعاقبوا على حكم العراق وأتباعهم الأراذل، والأمريكان المحتلون والصهاينة المغتصبون والإرهابيون المفسدون والطائفيون الحاقدون والعنصريون المتربصون والمخربون والمغتصبون واللصوص الذين نهبوا أموال المهاجرين والمهجرين، وسراق الأموال العامة الفارون والمستقرون والمرتشون، هي باختصار أن تردد وتطبق ما قاله الملك الفرنسي لويس الخامس عشر: “Après moi, le déluge” ، أي من بعدي فليحل الطوفان، وبالفعل فقد جرف طوفان دم الثورة الفرنسية الملكية وحفيده ووريثه الملك لويس السادس عشر وزوجته. أما انانيتي الإيجابية فهي الأساس لدعوتي لخير الناس، وبالأخص أبناء ملتي ووطني، أنا اناني عندما اتمنى لقومي الأمن والأمان، فلولا امنهم ما امنت وامن عيالي، وأنا محب لذاتي عندما ادعو لهم بالخلاص من الإحتلال، فهو خسران وذل لنا جميعاً، والسفه ان يردد الواحد مع الشاعر: فلا مطرت ﻋﻠﻲﻭﻻ ﺑﺄﺭﺿﻲ ﺳﺤﺎﺋﺐ ﻟﻴﺲ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﺍﻟﺒﻼﺩﺍ، فهو ضرب من المستحيل، وهل من المعقول أن أرتوي واسقي زرعي لو لم يمتلأ دجلة والفرات؟ أنا أناني حتى العظم عندما ادعو لأمتي بالقوة والمنعة والقيادة الحكيمة، فمن دونهم أنا ضعيف ومحتقر وضائع. ينصحني أعزائي بأن أرفق بنفسي، أن ادع القلم جانباً، وأن التفت لشؤوني، واتمتع بالقليل المتبقي من سنوات عمري، إنهم يخشون ان تذهب نفسي على الآخرين حسرات، يريدون مني أن أكون أنانياً، وأنا بالفعل في ذروة الأنانية. أنا أناني إذن فأنا مؤمن وأنا قومي وأنا وطني، هذه هي الأنانية التي يأمرني بها تديني، وتمليها علي مشاعري القومية، وتستدعيها وطنيتي الحقة، فكيف يشق على المرء أن يكون أنانياً؟ في ليلة القدر كنت أنانياً جداً فلم أطلب لنفسي شيئاً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |