أوباما في الأمم المتحدة: 2009 تاريخ جديد للإنسانية
د. شاكر النابلسي
akhbaarorg@googlemail.com
الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما في الأمم المتحدة في 24/9/2009 كان خطاباً مهماً ومحدداً. والمهم في هذا الخطاب، أن أوباما قال، بأن هذا العام 2009 ، سيكون تاريخاً جديداً للإنسانية.
فهل هذه جملة شاعرية أكثر منها جملة سياسية مسئولة من قائد لأكبر دولة فاعلة على وجه الأرض؟
أم أن هذه الجملة جملة أدبية مجازية، تحمل الكثير من التأويل والتحوير، مما يبعدها عن معناها المباشر العميق، وهو تاريخ الإنسانية الجديد الذي سيكتُب هذا العام 2009؟
ولو أردنا تحليل خطاب أوباما هذا، لكي نستبطن ملامح التاريخ الجديد للإنسانية الذي يقوم أوباما بكتابته بقراراته مع دول قمة العشرين وباقي الدول الأوروبية ومجموعة الدول العربية والإسلامية وباقي أعضاء دول الأمم المتحدة، لوجدنا أن ما يعنيه أوباما في التاريخ الجديد للإنسانية يتحدد ويتشكَّل من خلال الأفعال التالية التي منها ما تمَّ، ومنها في طريقه إلى الكمال خلال الأشهر الأربعة الباقية من هذا العام 2009 ، ومنها ما يُخطط له الآن وتوضع لها الإستراتيجية اللازمة لتنفيذه خلال العام القادم 20010.
خطوات التاريخ الجديد
ما هي الخطوات التي اتخذتها أمريكا، وتدعو بقية دول العالم للعمل معها في هذه الخطوات، لجعل هذا العام 2009 عاماً تاريخياً جديداً للإنسانية كما جاء في خطاب أوباما المذكور؟
وهذا الخطاب يمكن أن نُطلق عليه "مبادئ أوباما السبعة"، على غرار المبادئ الأربعة عشر في تقرير المصير، وتطبيق قيم الديمقراطية، للرئيس الأمريكي وودرو ولسون (1856-1924) من الحزب الديمقراطي، الذي كثيراً ما يُشبَّه أوباما به. ورغم قول كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا: "حكم الربُّ العالم بالوصايا العشر، أما ولسون فقد احتاج إلي أربع عشرة وصية كي يحكم العالم!" إلا أن هذه المبادئ ساهمت في إقامة الأمم المتحدة، وتثبيت حقوق الإنسان. وهو ما يحاول أوباما بمبادئه السبعة الجديدة أن يقوم به، لتفعيل دور الأمم المتحدة، وإقرار العمل الدولي الجماعي، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للإرهاب.
أما "مبادئ أوباما السبعة"، فيمكن استخلاصها وتلخيصها كما يلي:
1- لن تعمل أمريكا وحدها، وإنما بمشاركة دول العالم. فقد افتتح أوباما خطابه بالقول، إن أمريكا ليست هي كل العالم. وعملها بدون مساعدة وتضامن الدول الأخرى لن يأتي بفائدة مرتجاة. وأن القرار الأمريكي الفردي في كل وجوه الحياة الداخلية والخارجية لم يعد قائماً. وكان هناك اعتقاد بأن أميركا انفردت بالعمل في قضايا هامة محددة، ودون اعتبار لمصالح الآخرين. وأدى هذا إلى تغذية مشاعر العداء لأميركا التلقائية تقريباً، وهي التي كانت في أحيان كثيرة بمثابة ذريعة لعدم العمل الجماعي. وأن العمل الجاد والمثمر هو العمل الجماعي لكل الأمم بصوت واحد، ويد واحدة. ولذلك قامت أمريكا الآن بالعودة إلى حظيرة الأمم المتحدة أيضا. ودفعت كل ما عليها من مستحقات. وانضمت إلى مجلس حقوق الإنسان. وهو ما تشير إليه الفقرة التالية في افتتاحية خطابه حين قال أوباما:" أتيت أمامكم متواضعاً بالمسؤولية التي حمَّلني إياها الشعب الأميركي، مدركاً للتحديات الجسيمة في هذه اللحظة من التاريخ، وعازماً على العمل بشجاعة وجماعياً في سبيل العدالة والرخاء. أما أولئك الذين كانوا يؤنبون أميركا لانفرادها وحدها بالعمل في العالم، فلا يستطيعون الآن الوقوف جانباً، في انتظار أن تحلَّ أميركا مشاكل العالم وحدها."
2- استخدام مبادئ الديانات المختلفة في إقامة روابط جديدة بين الشعوب، وتسخير العلم من أجل السلام. وفي هذا الصدد قال أوباما: "إن المعتقدات الدينية التي نكنها في قلوبنا، قادرة على تشكيل روابط جديدة بين الناس، أو على شقهم وتباعدهم. والتكنولوجيا التي نسخرها، يمكنها أن تُنير السبيل إلى السلام، أو تنشر عليه الظلام إلى الأبد. والطاقة التي نستخدمها، يمكن أن تُديم كوكبنا أو تدمّره. وينبغي لكل بلد أن يعلم، أن أميركا ستلتزم بقيمها، وسنقود بالقدوة والمثل. وقد آن الأوان لهدم الجدران. وينبغي علينا أن نعمل معا في بناء ائتلافات من مختلف الأديان والعقائد، من الشمال والجنوب، والشرق والغرب، والأسود والأبيض، تسدُّ الفجوات وتُجسِّرها.
3- الأفعال هي التي تُشكِّل المستقبل، لا الأقوال. لقد شبعت شعوب العالم الأول والثاني والثالث - على وجه الخصوص - من خُطب الزعماء الرنانة. وحان الآن وقت الفعل لا القول فقط. وكما قال أوباما في خطابه: "فالخطب وحدها لن تحلَّ مشاكلنا - الحل يلزمه العمل الدؤوب."
4- العمل الفوري القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وهو ما عبَّر عنه أوباما بقوله: " آن الأوان الآن للعالم كي ينطلق في اتجاه جديد، إذ علينا أن نتبنى عهداً جديداً من المشاركة القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل. وينبغي لعملنا أن يبدأ الآن." وقد سبق لفرانكلين روزفلت أن قال: "إن بناء سلام العالم لا يمكن أن يكون من صنع رجل واحد، أو حزب واحد، أو دولة واحدة. ولا يمكن أن يكون سلام دول كبيرة ، أو دول صغيرة. بل يجب أن يكون سلاماً قائماً على جهد تعاوني من العالم كله.
5- إنهاء حروب أمريكا الخارجية، وتحقيق عالم خالٍ من الأسلحة النووية، من أجل استقرار السلام في العالم. وقال أوباما في هذا الصدد: " في العراق، نحن بصدد إنهاء الحرب بشكل مسئول. وفي موسكو أعلنت الولايات المتحدة وروسيا أننا سنسعى في سبيل تحقيق تخفيض كبير في عدد الرؤوس النووية الإستراتيجية، ووسائل إطلاقها. وفي مؤتمر نزع التسلح اتفقنا على خطة عمل للتفاوض على وقف إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية. وتعمل الولايات المتحدة بجد في سبيل حل الدولتين - إسرائيل وفلسطين - يستتب فيهما السلام والأمن وتُحترم حقوق الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء."
6- الاستثمار المالي الكبير في الطاقة النظيفة، والتصدي للتغيُّر الخطير للمناخ. وترجَّم أوباما هذا بالأرقام، فقال : " استثمرنا 80 بليون دولار في الطاقة النظيفة للتصدي لظاهرة تغيُّر المناخ. وزدنا زيادة كبيرة كفاءة معاييرنا للوقود. وقدمنا حوافز جديدة للاقتصاد في الاستهلاك. وبدأنا شراكة عبر الأمريكتين. وانتقلنا من دور المتفرج إلى دور رائد في مفاوضات المناخ الدولية." وفي هذا فائدة للعالم أجمع وليس لأمريكا فقط.
7- التغلّب على الأزمة الاقتصادية العالمية التي تجتاح العالم الآن، واستثمار أموال طائلة من أجل إعادة نشاط الاقتصاد العالمي. وقال أوباما في هذا المفصل: " للتغلب على أزمة اقتصادية تمسُّ كل ركن من أركان العالم، عملنا مع مجموعة الدول العشرين على صياغة رد دولي منسق من حوافز منشطة تبلغ قيمتها 20 تريليون دولار، لإعادة الاقتصاد العالمي من حافة الهوة ووضعه على مساره الصحيح. وتضافرنا مع الآخرين من أجل إطلاق مبادرة عالمية للأمن الغذائي بكلفة 20 بليون دولار.
فهل هذه "المبادئ السبعة"، كافية لبناء تاريخ جديد للإنسانية في 2009 أو حتى في 20010؟
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب