|
السياحة في العراق .. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الكثير من بلدان العالم، تعتمد على مواردها السياحية في تقويم حياتها الاقتصادية ودخلها القومي، حيث تشكل هذه الموارد النسبة الأكبر من هذا الدخل لتحقق لأبنائها دخلا فرديا عالي القيمة، رغم انها قد لا تمتلك شواخص ومعالم سياحية بارزة . ولكنها استطاعت بشكل او بآخر أن تخلق الفرص السياحية وتهيئ الكوادر المدربة لهذا النشاط . كذلك تمكنت من استجلاب رؤوس الأموال القادرة على الاستثمار في هذا المجال وهيأت لها ظروف انشاء مشاريع ضخمة أدت الى تحقق فرص عمل كبيرة، تسببت في دورة اقتصادية كاملة أنعشت اقتصادياتها التي كانت ضعيفة . والإمارات العربية مثال نموذجي لذلك، إضافة الى لبنان وبعض دول جنوب شرق اسيا التي تميزت باستقبال افواج السياح الضخمة من مختلف انحاء العالم مستغلة طبيعتها الجغرافية او المناخية او التاريخية، وكل هذا متوفر في بلدنا ويشكل ثروات هائلة مهدورة لحد هذه اللحظة. ولوعدونا كل هذه المميزات وأخذنا السياحة الدينية فقط لكانت من أعظم أنواع السياحة واكثرها اتساعا واوسعها مردودا اقتصاديا، ولو أضفنا لها المواقع والكنوز التاريخية التي تزخر بها ارض العراق لما كانت تقل عنها في الأهمية الاقتصادية . أينما توجهت، وحيثما وليت وجهك في عراقنا تجد مواردا هامة تساعد على ازدهار النشاط السياحي والثقافي . الآثار العراقية علامات بارزة وفريدة في تاريخ الإنسانية وتراثها الخالد، والعجيب انها تغطي كامل خارطة العراق وتؤرخ لمختلف الحقب التي مرت على البشرية، فمن الآثار المتناثرة على أراضي محافظة البصرة في اقصى الجنوب وأكثرها آثار إسلامية مهمة، إضافة الى مجموعة قيمة من الآثار القديمة، الى محافظة ذي قار التي تبهرك كثرة وتنوع المواقع الأثرية في كل بقعة من ارضها : أور و زقورتها الشهيرة وبيت النبي ابراهيم الذي يجاورها - تلوو - اريدو - أكد - والكثير من آثار السومريين و الاكديين . وحين تصل المثنى او الديوانية فهما لا تقلان عنها شانا من ناحية تعدد المواقع الأثرية وتنوعها، وما ان تقترب من مشارف الحلة حتى تفاجئك اثار بابل العظيمة وجنائنها المعلقة . وفي بغداد ثراء لا يوصف من المواقع الأثرية النفيسة مثل زقورة عقرقوف وتل اسود والمواقع الاثرية العباسية والخانات القديمة . وليس بعيدا عنها ترتفع مئذنة سامراء الملوية الشهيرة وما يحيط بها من الآثار والقصور العباسية في مدينة سامراء. ولا أريد الدخول في التفاصيل الدقيقة والكثيرة حول المواقع الأثرية والتاريخية في هذه الأرض التي تعد مهد الحضارات الإنسانية، حيث أنني لست من المختصين بعلم الآثار ولكنني اعرف أن في الانبار آثارا مهمة وفي المحافظات الشمالية مواقع زاخرة بتراث الأجداد القدماء أما الموصل فآثارها غنية عن التعريف فاسم الحدباء أصبح لصيقا لاسمها لوجود هذا الأثر المعماري والتاريخي الفريد (منارة الحدباء ) وسور نينوى اضافة الى اثار الحضر والآشوريين والكنائس التاريخية . هذا من ناحية الآثار والمواقع التاريخية العظيمة وما ذكرت في هذه العجالة إلا غيض من فيض . اما المراقد والأضرحة الدينية والمساجد المقدسة فحدث ما طاب لك الحديث عنها، من ناحية تعددها وتنوعها فان ترابنا الطهور حوا جثامين أئمة هداة، وأبطالا كماة ..وأنبياء عظماء ومخلدون شهداء، باتت مراقدهم الشريفة، منارة للزائرين، وقبلة للعارفين من مختلف أصقاع الأرض، ومن جميع المذاهب والملل والنحل والطوائف والأديان . المراقد المتواجدة في العراق وبمجرد توفير الفرصة السانحة للمؤمنين و للسائحين سوف يتضاعف عدد الزائرين المسلمين الشيعة وحتى غيرهم من كل أنحاء الأرض لزيارة مراقد الإمام علي بن ابي طالب (ع) في النجف الاشرف والإمام الحسين والإمام العباس والحر ألرياحي في كربلاء المقدسة والإمامين الكاظمين وسفراء الامام المهدي في بغداد، والسيد محمد وعلي الهادي والحسن العسكري ومقام المهدي ومكان غيبته الصغرى والكبرى في سامراء، ومسلم بن عقيل وهاني بن عروة والمختار الثقفي في في الكوفة (عليهم السلام اجمعين ) وغيرهم من الشهداء والصديقين . اما المراقد الاسلامية الاخرى فهي كثيرة ايضا ومهمة جدا مثل مراقد الشيخ معروف والإمام الأعظم والشيخ الكيلاني والشيخ عمر وبشر الحافي والسيدة زبيدة وغيرهم كثير في بغداد وحدها . اضافة الى مراقد اخرى خارجها مثل الحسن البصري في الزبير والسيد الرفاعي قرب مدينة الرفاعي والكثير من الشخصيات والمراجع الاسلامية. وهناك المواقع المسيحية والكنائس القديمة والمواقع اليهودية ومراقد مهمة لأنبياء بني إسرائيل التي تشكل أهمية دينية بالغة للمسيحيين أيضا في مختلف أنحاء العالم . وفيما يتعلق بالثراء الطبيعي والجغرافي للعراق فهو شديد التنوع من جبال وشلالات ووديان في الشمال بما يتبعها من مصايف واعتدال في الجو، الى الصحاري الواسعة غرب وجنوب البلاد التي يمكن ان تستغل للصيد والتخييم وخصوصا في الشتاء العراقي الدافئ , اما الاهوار فحكاية اخرى متفردة .. حكاية تثير الخيال وتستفز العقول بأجوائها الساحرة وطيورها الكثيرة وأسماكها الوفيرة ومياهها الغزيرة (والوضع الحالي هو وضع مؤقت وليس قاعدة وعلى الأغلب ستعود المياه الى مجاريها إن شاء الله تعالى)، اما مناظر القصب والبردي فلا يمكن ان تمحى من ذاكرة المواطن فضلا عن السائح، ان المدن الطافية في المياه و ركوب المشحوف والتجول بين جبال القصب وتلال البردي عبر الممرات الساحرة التي يسميها السكان المحليون ( الگواهن ومفردها گاهن ) متعة لا تجاريها أية متعة في عوالم السياحة والاصطياف . كذلك يجب ان لا يستهان بالمنافذ البحرية ذات السواحل الرملية والجزر الصغيرة الواقعة قبالة السواحل العراقية والتي من السهولة استغلال طبيعتها البحرية الجميلة وسواحلها القابلة للتطوير واستيعاب الكثير من المشاريع السياحية التي تعتمد على وجود السواحل كالسباحة والتزلج على الماء وممارسة هواية صيد الأسماك الممتعة . مواقع تاريخية حافلة بالاثارة .. مراكز دينية مقدسة لدى جميع الطوائف والاديان .. طبيعة ثرية بالجبال والاهوار والصحاري والسواحل والانهار .. مشاتي في الجنوب .. ومصايف في الشمال، هذا ما نمتلكه وهذا هو الكنز الذي نفرط فيه . ثق ايها القارئ الكريم ان مواردنا التي نشيح ببصرنا عنها الى البترول، هي أعظم فائدة، وأكثر نماءا، وأدوم مدة، وأنقى بيئة، وارخص كلفة، من هذا النفط الذي أصبح وبالا علينا فغدونا ننوء بمشاكله اكثر مما نحصد من غلته . الشخصية العراقية يجب ان تغير من طبائعها الحادة وتبحث عن الرزق الحلال والذي يكتنفه بعض المجهود وحتى التعب لان فيه الخير والنماء، وتحسدنا عليه الكثير من شعوب الأرض، ولكن عاداتنا الاتكالية التي غزتنا في السنوات الأخيرة، وتعودنا على الكسل، وابتعادنا عن مشاق العمل، إضافة الى ما ابتلينا به من الحكام الذين لا تهمهم الا مصالحهم وأجنداتهم التي لا تخدم البلد ومنذ عهود طويلة، جعل أرضنا مواتا، وأنهارنا يملؤها الطمي، ومواردنا طي الإهمال والنسيان . حكومتنا الدستورية الحالية مطالبة بالالتفات لتنمية هذه الموارد وتوسيع آفاقها، ولفت نظر الناس اليها، وتوجيه عناية المستثمرين لها، وبعث الحياة في مفاصلها، لاسيما وان العراقيين لا يمتلكون رؤوس الأموال الضخمة المؤهلة لبناء مشاريع سياحية كبيرة . والمستثمرين الأجانب (يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى) بسبب عدم الاطمئنان التام الى الأوضاع في البلد وقلة وجود البيانات الواقعية حول السوق العراقية ورداءة البنى التحتية . صحيح اننا نتجه الى نظام الخصخصة، وتشجيع النشاط الفردي، ورفع يد الدولة من النشاطات التجارية والصناعية، مقابل تشجيع القطاع الخاص . وهذا لا غبار عليه من الناحية النظرية، ولكن اقتصادنا لم ينضج بما فيه الكفاية، ليكون مؤهلا لإدارة مجمل النشاطات وبكل تنوعها، فلا بأس من توفير الدعم المناسب من الدولة للمشاريع الفردية عن طريق القروض طويلة الأجل وتوفير قواعد البيانات والبنى التحتية. بل يمكن ان تقوم الدولة بإنشاء وتشغيل بعض المشاريع الاقتصادية في مجال السياحة بالذات ثم تبيعها بعد ان تثبت وجودها وتقف على أقدامها، بالسعر المعقول والطرق القانونية الى النشاط الخاص لضمان توفير التشجيع الكافي لهذا النشاط الحيوي والذي يعود على البلاد بالكثير من المنافع الاقتصادية و الاجتماعية ويشكل حلا نموذجيا للكثير من مشاكلها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |