ماذا لو حكم الإمام عليٌ العراق اليوم (1)؟
الدكتور طالب الرماحي
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
info@thenewiraq.com
قال الإمام علي عليه السلام: (ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع، وما جاع فقير إلا بما متع به غني).
قد يبدو عنوان المقال إفتراضاً مستحيلاً، وأنا أيضاً أقر بذلك، لكن الذي لايبدو مستحيلاً هو أن يتخذ الحاكون لبغداد اليوم الإمام علي اسوة في بعض ما حكم به، وخاصة أن أغلبهم ممن يدينون بدين علي ويدعون ولايته ويفخرون أنهم من أتباعه، فحاكم اليوم إنسانٌ لديه من الإرادة ما كانت لدى الإمام من إرادة، في العدل أو الجور، فكان علي عادلاً ولا يستعصي على حاكم اليوم أن يكون عادلاً، علي لم يهادن في الحق وعزل معاوية مع أن عزله كان مدعاة لتقويض حكمه، وهو (لايهادن في الحق) و(ولايطلب العدل بالجور)، ونحن نعتقد أن ذلك ممكن في أي وقت بما فيه زماننا هذا وكل زمان، لكن عندما يطغى حب الدنيا والمنصب على سلوك الحاكم، ويرى الأمور بعين مصالحه الدنيوية، يكون لزاماً عليه، أن يهادن في الحق ويطلب العدل بالجور، وكان في وسعه لوامتلك بعضاً يسيراً من تقوى وحكمة علي أن لا يفعل ذلك، ولعله قد ينال مايريده أيضاً، مع ضمان الآخرة، فالله يأخذ بيد العدل ولا يتبنى الجور .
لوكان علياً عليه السلام حاكماً لعراق اليوم، (لأصدر أمراً صارما بتحديد سقف رواتب مسؤولي الدولة إلى ثلاثة ملايين فقط)، وحول الفرق الهائل من تلك الرواتب لمؤسسة الضمان الإجتماعي لتصل للطبقات الفقيرة التي تعيش تحت مستوى الفقر، وهذه الحقيقة اقرت بها منظمات اقتصادية متخصصة، وبهذه الخطوة نكون قد خطونا خطوة إلهية، نجنب فيها شعبنا الكثير من ويلات الفقر والعوز، هو أصلاً كان يعاني منها في زمن النظام السابق، ولم يستطع حاكم اليوم أن يغير منها شيئا بل أصَّلها، ونحن نعتقد أن 3 ملايين مع الامتيازات الأخرى من سكن وأبهة كافية لأن تجعل الوزير وعضو البرلمان ومن يحيط بهما أن يعيشا بكرامة وغنى، لكن الوزير وأمثاله عندما يستلم مبلغاً مهولاً قد يصل إلى 30 مليون، هذا يعني أن الشخص الواحد من رموز الدولة والحكم يكون سببا في حرمان مايقرب لـ 100 عائلة، هي تعيش الحرمان وتصارع العوز، وهذا مصداق حي لقول الإمام علي عليه السلام : ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع، وما جاع فقير إلا بما متع به غني . إذن مشكلة الفقر هي مشكلة ليس في وسعها أن تستعصي على المجتمع، بل هي إحدى جرائم المجتمع، وهو المسؤول عنها على النحوي الثانوي، وأن المسؤول عنها أولاً هو الحاكم الذي يشرع القوانين ويدعو المجتمع لتنفيذها لتطبيع العدل والمساواة، وأن المشكلة في أنظمة اليوم هو أن الحاكم أصبح سببا مباشرا لانتشار الفقر في المجتمع، فالطبقية اليوم تفرضها الأنظمة الحالكمة على المجتمع، وأن قانون رواتب الدولة المعمول فيه في العراق، يعتبر من أكبر الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي، حيث أوجد هوة شاسعة بين راتب الطبقات العليا وبين رواتب الموظفين العاديين وما يحصل عليه المتقاعد، فعضو البرلمان – مثلاً – يحصل على راتب يصل إلى 25 مليون دينار، فيما يعتبر معدل ما يتقاضاه الموظف المتقاعد 200 ألف دينار، وهذا يعني أن عضو البرلمان مع ما يمتلكه من امتيازات دنيوية وفرص أخرى للنهب والسلب يكون قد تقاضى ما يعادل ( 75 ) ضعفا مما يتقاضاه العراقي الآخر، وإذا قارنا ذلك بما يحصل عليه الإنسان العراقي العادي الذي لم يحصل على وظيفة ما فإن الفرق يشكل كارثة إنسانية فضيعة .
وثمة دراسة لمقدار ما يتقاضاه مسؤولوا الدولة من رواتب وإيفادات إلى الخارج (وأغلبها بالطبع مفتعلة ولا فائدة منها وقليل منها لأغراض تدريبية مهمة) من وزراء وأعضاء برلمانيين وموظفوا الدرجات الخاصة وهو أعدا كبيرة جدا في الدولة وحسب ما علمت أن راتب المدير العام يصل إلى ( 5 ملايين) إضافة إلى الأمتيازات الأخرى، نقول إذا ما دققنا بمقدار ما يتقاضاه هؤلاء فإننا نجد أن هذه المبالغ تستهلك أكثر من 30% من ميزانية الدولة، وهذا المبلغ الهائل يذهب إلى جيوب أقل من 3% من عامة الشعب، ولو أننا استخدمنا الحكمة الإنسانية واستطعنا أن نسيطر على نوازع الجشع في نفوسنا، فإن هذا المبلغ سوف يرفع البؤس والحرمان والفقر عن ما يقرب من 25% من الطبقات الفقيرة، ونكون قد حققنا هدفا إلهيا . وعلى أقل تقدير في هذا الظرف العصيب الاستثنائي الذي يمر به العراق وأهله .
لقد صرح الساعدي يوماً أن دائرة واحدة من دوائر الدولة لديها 100 موظف فقط تتقاضى سنويا 120 مليون دولار سنوياً، ولا أعلم بأي مسوغ يستحوذ هؤلاء القلة على هذا المبلغ الضخم، وهل يعلم المسؤولون عن ذلك أم لا، وهل يدركون جيداً أن الله سوف يسأل الجميع عن كل ذلك ( وقفوهم أنهم مسؤولون ) . إن ألأموال العامة هي ملك لكل الشعب ولا امتياز لأحد على أحد إلا بما يقدمه من خدمة في مجال عمله ووظيفته، لآن ما بعد ذلك سيكون ( مالاً حراما) وفق كل المعايير الشرعية والإنسانية .
أنا أدعو دولة رئيس الوزراء وكل الشرفاء في العراق إلى إعادة النظر بسلم الرواتب التي يتقاضاها المسؤولون الكبار في الدولة، رأفة بالملايين من أبناء هذا الشعب الذين يعانون الفقر إضافة إلى معاناتهم من قلة الخدمات التي أصبحت مبررات ديمومتها من قبل المسؤولين تدعوا للسخرية . أما إذا تركنا الأمر لأصحاب النفوس الجشعة وعباد الدنيا من ميتي الضمائر، فإن ذلك سوف يؤدي بعراقنا الحبيب إلى كارثة إنسانية، وسوف يلعن الله والتاريخ من ورائها أو كان سببا فيها.
يتبع الحلقة القادمة إنشاء الله.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب