المرجعية الحركية والمستوى السياسي (الحلقة الاولى)
 

عبدالله العراقي

بعد سقوط النظام البائد انفتحت الساحة السياسية على اوسع ابوابها بعد انغلاق دام خمسة وثلاثون عاماً بسبب تسلط اعتى طواغيت العصرسعياً منه لطمس المعالم الحضارية للبلد السبب الذي ادى لتردي الواقع السياسي وضعف الاداء من قبل المتصدين للعمل السياسي وبعد ان من الله تبارك وتعالى على المنطقة عامة والعراق بصورة خاصة بزوال الظلم المتمثل بصدام بدأت التيارات والاحزاب السياسية التي تمثل مختلف الاتجاهات الاسلامية والعلمانية والليبرالية بالتواجد في تلك الساحة سعيا ً منها لملىء الفراغ والوصول الى دكة الحكم والتحكم بمصالح العباد بعد ان كانت مدعيات هولاء الساسة هي خدمة ابناءهذا الشعب المظلوم بعد وصولهم لتلك المناصب السياسية تبين عكس مايدعون والواقع يشهد بذلك فكان همهم الوحيد هوالحصول على  المكاسب السياسية بعد ان سنحت لها الفرصة التي كانت غير متوفرة لعشرات السنين.
اذ ان معالم الدولة اخذت طابعاً سياسياً جديداًبوجود معادلة سياسية جديدة ودستور جديد ، فكانت المرجعية الحركية واعيةً لهذه المسألة ولاحت افاق مشروعها السياسية منذ اليوم الاول للسقوط فاصدرت البيانات التي تعالج القضايا السياسية واسست المشاريع والمؤسسات التي كانت طرفا ً مهما ً وفاعلا ً في رسم المعادلة السياسية العراقية الجديدة، لذلك كان للمرجعية الحركية كما ً هائلا ً من الاعمال السياسية او التي تصب في هذا الاتجاه والتي لا يمكن اعطاءها حقها في هذا المختصر بكل تأكيد، ولكننا عموما ً سنذكر المهم منها فيما يلي :

1- تأسيسها لحزب أسلامي, حيث ادركت المرجعية الحركية في ظل الظروف التي يعيشها العراق عقب سقوط النظام السابق ضرورة العمل الحزبي في الساحة العراقية بعد ان تكاثرت الاحزاب المتواجدة في الساحة والتي يمثل اغلبها تيارات منافية ان لم تكن معادية للأسلام العظيم وشريعته السمحاء, فأرادت بهذا التشكيل تمثيلا ً للأسلام والمسلمين في المعترك السياسي بحيث يعمل على ايجاد حكومة عادلة ودستورًا لا يتعارض مع الشريعة المقدسة.
كما تهدف الى ايصال الكفاءات الى مواقع المسؤولية والى حفظ حقوق وحريات جميع فئات الشعب وطوائفه، والدفاع عن اتباع اهل البيت واستنقاذ حقوقهم المهضومة والمحافظة عليها، ويهدف الى التمثيل السياسي لشرائح من ابناء مجتمعنا لم يكن لها واجهات سياسية حزبية بسبب ظروف التقية لاسيما شريحة اتباع السيد الشهيد الصدر الثاني (قد)، حيث انها شريحة واسعة وفاعلة في الساحة، فأرادت المرجعية الحركية ان تشكل كيانا ً سياسيا ً يمثل هذه الشريحة ويوصل صوتها ويدافع عن حقوقها بعدما عانت ما عانت من الاضطهاد والحرمان في ظل النظام البائد.
وليست الاهداف المبتغاة من وراء هذا التشكيل تصب في الجانب السياسي فحسب بل انها تعمل بالدرجة الاساس على نشر الفضيلة في المجتمع وصناعة الانسان الفاضل ومنع الفساد والانحراف, كما انها تحاول الارتقاء بمستوى الوعي والثقافة والعلم لدى ابناء المجتمع وترنو الى تحقيق العدالة في الامة والاستقرار والامن وانعاش الوضع الاقتصادي.
لذلك بادرت ومنذ الايام الاولى للسقوط الى تأسيس هذا المشروع الكبير وتابع عملية تأسيسه وتنظيمه بنفسه, كما انها تستقبل وفودهم الزائرة في جميع الاوقات وتبدي لهم النصائح وتعظهم بأن يكون عملهم خالصا ً لله تعالى بعيدا ً عن التحزب لان الحزب وسيلة وليس غاية.
فهي ترى ان العمل ضمن الاطار الحزبي يكون ايجابيا ً اذا كان نظيفا ً في سلوكه واهدافه من حيث النظرية والتطبيق , ولازالت تحذرهم من الانا الحزبية وتغرس فيهم روح الوعي والشجاعة من اجل ان يكون عملهم بمستوى طموح الامة فيهم . لذا رأينا ان هذا التشكيل نجح وبشكل باهر في الانتخابات العامة على مستوى البرلمان وعلى مستوى مجالس المحافظات رغم ضعف الامكانات وحداثة التأسيس وقلة الخبرة، لكن الاخلاص للدين والوطن والمرجعية كان السبب الاساسي في نجاحهم، وقد بينت المرجعية الاسباب والاسس التفصيلية لتأسيس هذا الكيان والخطوط العريضة لاعمالهم .

2- افتاءها بوجوب العمل السياسي في العراق، وهذا الوجوب على نحو الوجوب الكفائي او كما تسميه بالوجوب الاجتماعي، اي ان على المجتمع بما هو مترابط ان يؤدي دوره في العملية السياسية في كل مراحلها لانها الاهم في نظرها لكونها تمثل الخطوة الاولى والاساسية لبناء العراق الجديد, ولانه اذا صلح الجانب السياسي صلحت باقي جوانب الحياة.
فترى المرجعية ان من اهم الواجبات الاجتماعية ادارة شؤون الامة وحفظ مصالحها واقامة العدل في البلاد بل انه يراه (العمل السياسي) من اوضح آليات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واوسع القنوات للقيام بها, فوجوبه من وجوبها لان الفرد العامل يستطيع من خلال موقعه الاداري اصلاح الكثير من الفساد وقضاء حوائج المؤمنين وحل مشاكلهم ورد حقوقهم.
وتقول المرجعية في كلماتها (( كثيرا ً ما ننتقد وجود الفساد الاداري واختلاس اموال الامة والانانية والطائفية وعدم الاكتراث بمطالب الشعب ومعاملتهم بالقسوة والبطش وتسليط الاشرار, ولا نعلم اننا احد الاسباب التي ادت الى هذه النتيجة بالعزوف عن العمل السياسي وترك الساحة لاولئك العابثين بمقدرات الامة, فهذا تقصير غير مغتفر واذا كان له عذر في الزمن الماضي فليس له عذر اليوم لانفتاح الفرصة للقيام بهذه الوظيفة)).
ولم تكتف المرجعية بمجرد اصدار الفتوى , فقد بينة آليات العمل السياسي من خلال تأسيس المجتمع لمنظماته كتشكيل التنظيمات الحزبية والنقابية والاجتماعية والعشائرية وباقي مؤسسات المجتمع المدني لتكون قنوات للعمل وواجهات وكيانات تدافع عن الفرد وتعبر عن مطالبه وتخوض بأسمه، ويمكن مراجعه كتاب (العمل السياسي من الواجبات الشرعية ) او (خطاب المرحلة/55) للتعرف بشكل اكثر تفصيلا ً على هذه الفتوى واسباب مناشئها وآليات العمل بها وشروط نجاحها وامور كثيرة تتعلق بها.
3- مراقبتها ومتابعتها الدقيقة لسير العملية السياسية في العراق ومن الايام الاولى لسقوط الطاغية، وفي هذا المجال قامت المرجعية الحركية بأعمال عظيمة وجليلة وقدمت اقتراحات نافعة تدل على عمق رؤيتها ومتابعتها للساحة العراقية ورعايتها للامة، وهذه الامور لا يسع المقام لذكرها بشكل تفصيلي ولكننا سنذكر الاهم منها وبشكل مختصر في النقاط الاتية:
أ- دعوتها الى الاسراع بتشكيل حكومة عراقية بعد حوالي عشرة ايام من السقوط من خلال التظاهرة التي نظمتها المرجعيةالرسالية الرشيدة والتي انطلقت من المسرح الوطني الى ساحه الفردوس، فكانت اول تظاهرة جماهيرية تدعو لها المرجعية في تاريخ العراق الجديد.
ب- تقديمها مشروع سياسي متكامل لبناء الدولة العراقية الجديدة ولعملية الانتخابات ,وهو اول مشروع سياسي يطرح من قبل الحوزةالحركية، حيث طرحت المرجعية عن طريق الحزب الذي تبنته وقد طـُبقت بعض فقراته في مجلس الحكم الانتقالي (ما يعرف باتفاق 15 تشرين الثاني ) وبعضها طـُبق في الحكومة المؤقتة .
ت – مطالبته المستمرة بضرورة اجراء الانتخابات وباسرع وقت لكي لا تتأزم الامور ويصعب وضع العراق السياسي وذلك من خلال البيانات والمحاضرات وخطب الجمعة والتظاهرات العديدة .
ث - توجيهها رسالة تنبيه وردع وتحذير الى الحاكم المدني (بول بريمر) عندما صرح بانه سيستعمل قرار النقض ضد اقرار الاسلام كمصدر اساسي للتشريع في الدستور العراقي المؤقت او الدائم وقد دافعت المرجعية الحركية عن الاسلام في الرسالة التي بعثتها له واوضحت له حكمة وانسانية بعض تشريعاته وانذرت فيها باحتمال حصول انتفاضة شعبية عارمة ضدهم لأن الشعب العراقي يرفض الظلم والاستبداد، وهذا ما حدث فعلا ً في احداث النجف وبغداد وباقي مدن العراق وهذا مما يدل على دقة قراءتها للساحة العراقية .
ج - اعتراضها على بعض فقرات قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية من خلال البيانات والتحركات السياسية ومن خلال صلاة الجمعة الموحدة التي اقيمت في ساحة الفردوس، حيث اوضحت المرجعيةالحركية في بيانها الذي القي نيابة عنها في خطبتي الصلاة نقاط الضعف والهفوات فيه والتي من شأنها ظلم الشعب العراقي كما وجهت دعوة للاضراب الطلابي عن الدوام في الجامعات للتعبير عن دعمهم لهذه الاعتراضات وقد تحققت تلك الدعوة.
ولكن مع الاسف الشديد فان الامة لم تتجاوب مع المرجعية الحركية بشكل فاعل بحيث تؤثر في قرار أعضاء مجلس الحكم في التوقيع عليه، وها نحن الى اليوم نعاني من سلبيات هذا القانون الذي تحكم بكتابة الدستور الدائم وفي قانون الانتخابات وغيرها من النتائج السلبية لهذا القانون وهذه نقطة سلبية في مجتمعنا كونه لا يتفاعل ولا يدعم الا مع من يريدها ويرغبها أي المرجعية ولتذهب المرجعية الحركية الى الجحيم وليفشل مشروعها وان كان في خدمة الامة وهذه خسارة عظيمة.
ح - مطالبتها مجلس الحكم باضافة مقعدين الى مقاعد المجلس لاتباع السيد الشهيد الصدر الثاني (قد) كونهم يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع العراقي لا يستهان بها ولها كلمتها ولكونها غير ممثلة نهائيا ً في المجلس.
خ - توجيهها رسالة الى المؤتمر الوطني العراقي الذي ضم اكثر من 1300 شخص والذي انعقد يوم 15 / 8 / 2004 واستمر لثلاثة ايام وطالبت الحاضرين فيه بالتوسط لدى الجهات المسؤولة للافراج عن المعتقلين الذين لم تثبت عليهم جرائم وجنايات خصوصا ً علماء الدين والاهتمام الجدي بتحسين الاوضاع المعاشية وايجاد فرص العمل للعاطلين واعادة المفصولين السياسيين واعادة اعمار البلاد بمشاريع واسعة تخفف من آلام الشعب وتمسح على جروحه واعطاء الصلاحيات التشريعية المتعارفة للجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الحاضرين وعدم الاقتصار على الدور التشريعي .
د - مشاركتها الفاعلة في انجاح الانتخابات العامة الاولى من خلال توجيهها المجتمع الى الاشتراك فيها باصداره فتوى وجوب المشاركة فيها لانها ستؤسس مستقبل العراق وتضع معالمه كونها ستكتب الدستور الذي لا بد من المشاركة في وضعه واتقان كتابته حتى لا يكبل أي تحرك لاصلاح المجتمع ونشر الفضيلة كما ان هذه الانتخابات ستؤكد انتماء الشعب العراقي وتبين ولاءه للاسلام وذلك من خلال اختياره الجهات الاسلامية التي تحظى بتأييد المرجعية الشريفة كما انها ستوصل الى مواقع المسؤولية الاكفاء الملتزمين ذوي السلوك النظيف الذين يعملون باخلاص لاعمار البلد وتحسين حال اهله وغيرها من الاسباب والامور التي لا يناسب المقام لتفصيلها.
وكذلك كان لها دور في اعداد قائمة الائتلاف العراقي الموحد وارشاد الناس الى انتخابها كما كانت تشجع ابناء المجتمع على خوضها وعدم الخوف من الاعداء, لذا كانت المرجعية اول الناخبين في مدينة النجف الاشرف لكي تعطي الامة دافعا ً نحو الاتجاه الى صناديق الاقتراع .
ذ - توجيهها رسالة الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية ونوابهم والوزراء واعضاء الجمعية الوطنية الذين ترشحوا عن الانتخابات العامة الاولى، حيث بين لهم خلالها المبادئ الثابتة في السياسة والتي على ضوئها يجب ان يعمل السياسيون وليس على اساس المصالح، وان المصالح الحقيقية انما هي التي تنسجم مع هذه المبادئ.
واشارت لهم الى جملة من هذه المبادئ التي عليهم ان يعوها ويجعلونها الاساس في عملهم والتي منها سمو الهدف بان يكون هدفه ابتغاء رضوان الله تعالى ونظافة الوسائل المستخدمة في العمل والترفع عن حب الدنيا بكل اشكالها وتذويب الانانيات الشخصية او الحزبية او الطائفية او العرقية لانها تؤدي الى التقاطع والتنافس غير المحمود وتؤدي الى القتال، ومنها كذلك حب الناس والرحمة بهم والعمل من اجلهم وانشاء العدل والسلام بينهم وايصال حقوقهم وكذلك الحوار والعمل المشترك مع كل من ترتبط به بقواسم مشتركة سواء كانت دينية او انسانية.
ومنها الصراحة مع الامة فأنها تزيد الرابطة بين القيادة والامة وتعذر القيادة في حال قصورها وتزيد وعي الناس السياسي وتجعل الامة تشارك في تحمل مسؤولية القرار ومنها المصداقية ومطابقة القول للفعل ، وهذا الامر انما يكشف عن حرصها على الاداء الجيد للسياسيين وهو بذلك يؤدي دوره تجاههم ويلقي الحجة عليهم ولكن هل اخذوا بتوصياتها وعملوا بنصائحها؟!!
ر – المتابعة المستمرة من لصياغة الدستور الدائم وذلك من خلال اطلاعها على بعض المسودات التي يعرضها على المرجعية الحركية بعض اعضاء لجنة كتابة الدستور وكانت المرجعية تبدي آراءها فيها وتناقش بعضها وتطالب بتغيير بعض الفقرات وتقترح الصيغ البديلة لها لا سيما فيما يخص فقرات مصدرية التشريع وسن القوانين والمواد المتعلقة بمنح الجنسية العراقية وقضية الفيدرالية واجتثاث البعث الى غيرها من المواضيع الدستورية. وقد كانت للمرجعية الدور البارز في تعديل بعضها الى الافضل والاكمل .

 للحديث تتمة 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com