|
كنت أسمع وانا في سنّ الصغر من زميل اخي الكبير المثقف (يعني يقرأ كتب: رعد هامل) الذي كان يجلس للمسامرة وتجاذب الحديث في رأس شارعنا القديم حيث الاضواء الخافتة التي تمكنني من الانضمام لهم خلسة والاستماع لبعض احاديث الكبار، كان يكرر القول دائما مصطلح (الطريقة العراقية) وفي ذات يوم جاء الحديث عن شراسة النظام البعثي وكيفية تعامله مع من يعارضه في الحكم، فعلق زميل اخي وهو مسترخيا تماما في جلسته بالقول: (وما الغريب في الامر، ان البعثيين يطبقون الطريقة العراقية في ادارتهم للحكم!) وانفض المجلس وانتهت الليلة ومابعدها بستر الله سبحانه لنا جمعا حتى اليوم!!. ومضت السنون لتذهب امم وتأتي اخرى ويحصل في العراق التغيير الكبير وتتطور الامور ويدخل الارهاب بثقله وينتصر العراقيون على شروره حتى الامس القريب عندما حصلت تفجيرات الاربعاء الدامية في 19 / اب / 2009م، وتتقدم حكومة بلدنا المنتخبة للامم المتحدة بطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية في الاحداث متهمة حكومة سوريا بالوقوف وراء منفذي هذا الجرم الابادي الشنيع من بعثية صدامية يتخذون من دمشق مقرا لهم ضد الشعب العراق، وفي المقابل انتفضت حكومة سوريا معلنة رفضها مثل هذه الاتهامات اللااخلاقية ومبررة اتهام حكومة الشعب العراقي بانها تدلّس على شعبها في الحقائق وتخدم اجندات خارجية، وهكذا عندما سُؤل وزير خارجية سوريا السيد وليد المعلم ب : ماذا تعتقدون ؟. ومن وراء هذه التفجيرات الارهابية الدموية المتكررة في العراق ؟. فاجاب الصحافة العالمية بالقول : يبدو ان الاخوة في العراق يريدون ان يصفوا مشاكلهم على الطريقة العراقية المعروفة !!!. عند هذه الكلمة استرجعت شريط ذكرياتي القديم ليقفز صديق اخي صاحب مقولة :(( على الطريقة العراقية ))!!. الآن ماهذه الطريقة العراقية التي احتاجت من نباهتي التي يبدو انها من النباهات التي لايحسد عليها احد لفترة اكثر من خمس وعشرين سنة لادرك ماهية هذه الطريقة العراقية المعروفة لدى جميع الشعوب والامم ؟. وهل حقا ان للشعب العراقي طريقة خاصة في تصفية الحسابات وتسوية المشاكل وخاصة منها السياسية بطريقة خاصة أقلّ مايقال عنها انها ابشع واقسى طريقة لحلحلة المشاكل في الحياة السياسية ؟. أم ان هناك طريقة معينة اشتهر بها بعثية العراق بالخصوص الذي اشار لهم مثقفنا القديم (رعد هامل) ووزير خارجية سوريا الحديث (وليد المعلم) والتي هي هي نفس الطريقة البعثية العراقية القديمة الا انها اليوم في سوريا لتصفية حساباتها السياسية مع العراقيين، بينما كانت في القديم من الزمان في العراق ؟. الحقيقة ان لكل شعب طريقته الخاصة في الحياة كلها، في المأكل والمشرب للعراقيين طريقة خاصة تختلف عن الشعب الياباني، وكذا في الملبس وفي نوعية الصداقات وكيفية التجارات ايضا للعراقيين طريقتهم الخاصة المختلفة عن الشعب العربي الشقيق، وللعراقيين طريقتهم الخاصة في تناول الشاي وتدخين السجائر والتعبير عن عواطفهم وانفعالاتهم الانسانية، تختلف عن الايرانيين الذين يبدون اكثر حرارة عاطفية بشكل مختلف، ولهم طقوس معمقة في استذواق اكواب الشاي الكبيرة او تدخين التنباك الايراني،...... وهكذا الى ان نصل الى حقيقة ان لكل شعب طريقته الخاصة في التعامل مع الحياة والنظر الى الكيفية السليمة في ادارتها وضبط مسارات ومنعطفات طرقها الصعبة في هذا العالم، وبما في ذالك طرق ادراة السياسة في الحياة العامة، فللعراقيين وحسب تلك الحقيقة طريقتهم الخاصة ايضا في فهمها، وكيفية الطريقة الصحيحة لدفعها للحركة والاستمرار، ويبدو بالفعل كان وزير خارجية سوريا الشقيقة (وليد المعلم ) صادقا عندما اشار للطريقة العراقية المعروفة في حلحلة المشاكل السياسية العراقية الداخلية والخارجية، وانها طريقة عُرفت بالدموية والقسوة والانفعالية والوحشية .. عندما تحاول التعبير عن نفسها بالرفض او عندما تحاول ان تنتصر على خصومها في ميدان كالسياسة والحكم او تشارك الاخرين في ذالك، مع انه من جانب اخر لم يكن صادقا المرّة عندما نفى علاقة بلاده في استمرار دوامة العنف الارهابية في العراق !!. وربما نختلف او نتفق جميعا اليوم على ان هذه الطريقة في الحقل السياسي العراقي العامة هل هي اصيلة وفطرية ومتجذرة في صيرورة الشخصية السياسية العراقية ومن ثم الانسانية الشعبية ؟. أم انها طريقة بالامكان تعديل مساراتها والسيطرة على حركتها ومقدرة تعديل المقود فيها ؟. ولكننا من جانب اخر لانستطيع ان نختلف على وجوب ان يكون لكل امة وشعب طريقة في هذه الحياة، ولانستطيع ايضا ان نختلف ان هذه الطريقة لها جذورها الفكرية والنفسية والروحية والتاريخية والعقدية والاقتصادية ... التي تمون من وجودها واستمرار حركتها او كيفية تغيير نمطها وسلوكها، فطريقة حياة الانسان البدوي في جزيرة العرب (مثلا) في اخذه للثأر او التخلص من اعدائه تحت شعار ( قص رأس واخفي خبر ) هي بطبيعة الحال لها جذورها الفكرية والاخرى النفسية ... وهكذا الى ان نصل الى اختلافها عن الطريقة العراقية في نفس المواضيع، وكيف انها ترحب بطريقة وشعار: (قص رأس وذيع خبر) فيبدو هنا ان معادلة كلا المجتمعين مختلفة في كل شيئ في الطريقة وفي السلوك وفي الدوافع وفي ضبط الانفعات وفي الاهداف وفي الغايات وفي غير ذالك، وكل هذا اذا درسناه بعناية سنكتشف الكثير من الاختلافات التي تتباين فيها شخصية الانسان العراقي الحضرية العشائرية المنحدرة من ممالك سومر وبابل واشور وماتعيشه من صراع مجتمعي طبيعي، وما في الانسان الجزيري العربي البدوي من بساطة وبلادة وعدم تعقيد في الحياة وكيفية ادارتها وغير ذالك، مما يرشحنا لنقف وجها لوجه امام مفاتيح اي شخصية انسانية في هذا العالم، ومعرفة بالتالي طريقة عيشها السلوكية والفكرية في هذه الحياة !!. على اي حال يعود بنا الحديث للطريقة العراقية السياسية وكيف انها ظاهريا تتميز بالقسوة والعنف والوحشية في تصفية حساباتها وحلحلة مشاكلها المستعصية على التوافق نفسيا وليس واقعيا والحق اننا لانريد هنا ان نناقش الدوافع والاسباب والجذور لمثل هكذا طرق اجتماعية تحتاج للكثير من الدرس والتأمل، ولكننا نحاول هنا الاجابة على سؤال : ماهي مرجعية هذه الطريقة او تلك ؟. وكيف يمكن تعديل مساراتها الاجتماعية السلوكية ؟. او هل بالامكان تعديل طريقة عيش امة بكاملها ؟. لاريب ان جواب السؤال الاول يتمحور حول : ان مرجعية طريقة اي امة من الامم هي في نظرتها الفكرية والثقافية لهذه الحياة، فنظرة وثقافة واستيعاب الامة العراقية للحياة : ماهي ؟.وكيف ينبغي النظر اليها؟. وماقيمتها؟. وماهي الطريقة المثلى لادارتها؟..وللحب وللحرب وللتجاة وللذكاء وللاخر وللصداقة وللحكم وللشجاعة وللرجولة وللفحولة وللثأر و .....الخ كل هذا مرتبط سلوكيا بمرجعيته وجذوره الفكرية والثقافية للفرد العراقي، وإذا اردنا مثلا ان نعدل من سلوك الانسان في هذه الحياة لايمكن فعل ذالك اذا لم نوفق في تغيير رؤيته هو لهذه الحياة او اقناعه على الاقل انه قادر على عملية تغيير رؤيته نحو هذه الحياة !!. وصحيح انه من الصعب الطلب من اي انسان ان يغيّر او يبدل (ولنقل يطوّر لما لا ) من رؤيته للاشياء بدون ان نراعي ظروفه الاجتماعية المحيطة به او ظروفه الاقتصادية او النفسية او الروحة او السياسية والمساهمة بتغييرها ايضا، فليس من المعقول ان نطلب من فرد كي يحترم الحياة وينظر لها بمسؤولية، بينما هو يغرق في الحرمان ورؤية الاخر العراقي له بحقاة او دونية او تعالي طبقي او عشائري او غير ذالك، فيجب عندئد ان يكون التغيير اجتماعيا اولا وليس فرديا، اي ان يطلب من المجموع ان يغيرّوا قليلا من رؤيتهم العامة للحياة كي يتسنى فيما بعد المطالبة بتغيير طريقة العيش فيها !!. بمعنى اخر من الصعب محاولة تغيير الطريقة العراقية في كل شيئ وخصوصا بالطريقة السياسية (هذا اذا لم تكن طريقة العراقيين تعجب العراقيون انفسهم بل ويتمسكوا بها ويعبدون العجل المقدس في داخلها!) قبل المحاولة في تغيير رؤية المجموع العراقي للاشياء من حولهم، وتعتمد هذه العملية على حركة متكاملة تربط بين الثقافة والرؤية والافكار من جهة، وتغيير الظروف وتغيير الاشياء من حول الانسان العراقي من جانب اخر لتتكامل العملية، ومثل هذا المشروع هو بحاجة لمؤسسة تشرف عليه بحجم الدولة وامكانياتها الكبيرة والمعروفة !!. ثم بعد ذالك يأتي دور جواب اسألة : هل بالامكان تغيير طريقة عيش العراقيين السلبية بطبيعة الحال وخصوصا منها الطريقة العراقية السياسية التي عُرف عنها القسوة والوحشية والدموية والعصابية والانفعال بين العالمين اكثر من الهدوء والضبط والتحكم ؟. لنقول نعم بالامكان تغيير طرق حياة عيش المجتمعات والشعوب والامم، مع احتفاظها بشخصيتها المميزة لها عن باقي المجتمعات والامم، فليس دقيقا من يقول ان التنازل عن طريقة عيش معينة هو تنازل عن شخصية اجتماعية مميزة، بل ان لكل مجتمع قدرة ابتكار طريقة عيش تضاف الى هويته الشخصية بشكل متجدد، ودقيق الاعتراف ان المعروف عن الطريقة العراقية السياسية اليوم انها طريقة سلبية جدا ولاحضارية ولاانسانية، لكن لايعني ان هذا هو قدر الهوية لطريقة العيش العراقية السياسية، بل انها طريقة وليدة ظروف وتاريح وحالات وتراكمات واقتصادات وافكار وثقافات ورؤى معينة ... اذا تظافرت الجهود المخلصة للعراقيين انفسهم بدراسة هذا المعطى من طريقة العيش وتحليله ووضع الدراسات لتبديله وكيفية تغييره، سنشهد بالمدى المنظور ان هناك ولادة طريقة عراقية جديدة تبصر النور من رحم العراق الجديد ليعرف العراقيون في المستقبل بطريقتهم العراقية الجديدة في ادارة الحكم والسياسة والحب والثأر .. ولكن بشكلها الانساني الايجابي الجديد وليس التاريخي التراكمي القبيح في القسوة والدموية والوحشية !!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |