بدلاً من التحالفات والائتلافات اتحدوا!

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

قد تبدوا هذه دعوة ساذجة، لأنها وعلى الأغلب ستجابه بالاهمال، وحتى الاستهجان، وعندما تكون كل الخطوط معوجة فإن الخط المستقيم يبدوا نشازاً، ولكن ذلك لا ينقص من استقامته قيد أنملة، والغرض من دعوة الكيانات السياسية المتآلفة والمتحالفة للاتحاد اختبار نواياها الحقيقية، ووضعها امام التحدي الصعب، حتى يتكشف لنا إن كانت مجرد تحالفات تكتيكية انتخابية، الهدف منها ضمان الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات القادمة، ويتبين لنا زيف ادعاءها بوجود اختلافات جوهرية بينها تقتضي بقاء كياناتها على استقلالها ولو تحالفوا وتآلفوا، وان استجاب المتآلفون والمتحالفون لهذه الدعوة وأعلنوا اندماجهم فسيكون ذلك برداً وسلاماً عليهم وعلى كافة العراقيين.

يستدل من أدبيات وممارسات النظم الديمقراطية وجود نوعين من الائتلافات أو التحالفات: انتخابي وحكومي، وفيما يشكل الأول قبل الانتخابات، يحدث الثاني بعدها، كما يوجد اختلاف في أهدافهما، فالهدف من الائتلاف الانتخابي هو الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية، أما هدف الائتلاف الحكومي فهو تشكيل حكومة قادرة على الفوز بثقة غالبية أعضاء البرلمان، ولكي ندرك الفروق الجوهرية بين النوعين من الائتلاف لا بد من التعرف عليهما عن كثب، ولنبدأ بالائتلاف الحكومي أو coalition government

من التقاليد السياسية المعروفة في النظم الديمقراطية تشكيل الائتلافات الحكومية، عندما لا يحصل أي من الأحزاب المتنافسة في الانتخابات على أكثرية برلمانية في الانتخابات، فلا يتمكن بمفرده من تشكيل حكومة تحظى بثقة غالبية أعضاء البرلمان، وهذه ممارسة سياسية ديمقراطية مشروعة، وإن  كانت مذمومة ومكروهة، لأن الحكومة المكونة من تآلف عدة أحزاب تكون غالباً ضعيفة لصعوبة التوفيق بين مواقف هذه الأحزاب، وخاصة في الأمور الهامة والحيوية، وبالتالي فقد تصاب عملية اتخاذ القرارات داخل الحكومة بالبطء أو حتى الشلل، فتقتصر دائرة القرارات على المواضيع الثانوية، وعادة ما تكون أعمار الوزارات الائتلافية قصيرة، كما يشهد تاريخ بعض الدول مثل ايطاليا والكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين.

أما الائتلاف ما قبل الانتخابات أو ما يعرف بـ electoral fusion فهو في سجل الديمقراطيات اجراء نادر، تلجأ إليه الأحزاب الصغيرة لضمان حصولها على مقاعد في البرلمان، قد لا تتمكن لو دخلت الانتخابات، كل على حدة، من الحصول على نفس العدد من المقاعد، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كانت الائتلافات الانتخابية ظاهرة اعتيادية في القرن التاسع عشر، اضطرت لاستعمالها الأحزاب الصغيرة لضمان فوزها بمقاعد برلمانية، كما نجد مثالاً عليها أيضاً في الائتلاف الانتخابي بين حزب رئيسي وحزب أو أحزاب صغيرة، تتفق جميعها على التصويت لصالح مرشح الحزب الرئيسي مقابل حصولها على وعود انتخابية بتحقيق بعض مطالبها.

وفي 1997م نظرت المحكمة العليا الأمريكية في الدعوى التي أقامها تيمونز على حزب التوينستيز اريا الجديد   Timmons v. Twin Cities Area New Party 

وأصدرت قراراً يقضي بمنع الأحزاب من إدراج مرشح حزب آخر ضمن قائمتها الإنتخابية.

لست سنوات خلت كانت معظم الكيانات المتهافتة على الائتلاف اليوم على المحك، شاهد العراقيون حراكها الزئبقي، متنقلة من ائتلاف لآخر، ومتذبذبة بين موقف والضد منه، تغدق الوعود من دون تنفيذ، وتتصارع على المنافع الذاتية لا على خدمة المصالح الوطنية، وتتقاسم فيما بينها المقاعد الوزارية والوظائف الإدارية وكأنها تركة ورثوها عن أبائهم، وقد ألهتهم رواتبهم الكبيرة ومخصصاتهم المتضخمة عن القيام حتى بأبسط واجباتهم الرسمية، والسؤال الملح الواجب طرحه على الكيانات المؤتلفة أو المتحالفة استعداداً للانتخابات القادمة: إن كنتم متفقين حول الأهداف والاستراتيجات والبرامج بدرجة تجعلكم تقدمون على الائتلاف فيما بينكم فلم لا تتحدون وتنصهرون وتندمجون وتكون لكم قيادة واحدة وبرنامج موحد ونظام داخلي واحد؟ اليس ذلك أفضل للعملية السياسية ومصلحة العراق العليا؟ وإن كانت لديكم أسباب جوهرية تعيقكم عن الإندماج فلتصارحوا العراقيين بذلك؟ بينوا لهم الأسباب التي دعتكم للائتلاف، وكذلك دواعي عدم اتحادكم في حزب أو كتلة واحدة، أو انزلوا الانتخابات بقوائم مستقلة، كل حزب وما تسمونه "شخصية سياسية" على حدة، وإن لم تفعلوا فلن يكون أمام الجماهير خيار سوى الحكم عليكم جميعاً بأنكم طالبوا مناصب وصائدوا اصوات ناخبين، وبأن احزابكم وتجمعاتكم وشخصياتكم السياسية مجرد واجهات أو كيانات جوفاء، القصد الوحيد منها إيصالكم إلى مقاعد البرلمان ودائرة  السلطة والقوة، وما يمكن أن تجرها عليكم من نفوذ، وتدرها عليكم وعلى اقاربكم ومحاسيبكم وأعوانكم من منافع مادية ومعنوية، آنذاك سيكون لزاماً على الناخبين العراقيين الامتناع عن التصويت لكم جميعاً مهما كانت شعاراتكم خلابة ووعودكم براقة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com