|
التعددية الحزبية وأثرها في النظام السياسي والتعايش السلمي
حسن ناصر المحنّه تعني التعددية في الفكر السياسي : توزيع السلطة السياسية عن طريق ترتيبات أو إجراءات أو أشكال مؤسساتية . وفي معظم الأحيان يستخدم المصطلح إشارة إلى أي وضع لا تكون فيه الهيمنة حكرا" على جماعة سياسية, أو أيديولوجية أو فكرية أو اثنيه واحدة . وينطوي عادة على مثل هذا الوضع على تنافس بين كيانات أو بين صفوات أو جماعات مصالح، وغالبا" ما يقابل المجتمع ألتعددي المجتمع الذي تسوده صفوة واحدة، ولا يكون فيه هذا التنافس حرا". وقد كان الأساس النظري للتعددية الاعتقاد بان السلطة هي بطبيعتها موزعة أو يجب أن تكون كذلك بين عدة جماعات ومصالح في المجتمع، وبذلك تعارض التعددية ما يسمى (الواحدية) التي تذهب إلى وجوب أن يكون في كل دولة مصدر للسلطة أعلى، أو مرجع لا ينافسه احد . وقد جنح معظم الكتاب الغربيين تأكيدا" للتعددية إلى الافتراض أن السلطة في المجتمعات الغربية التنافسية، مجزأة، وموزعة، وذلك إن كل فرد يملك مباشرة أو عن طريق جماعة منظمة شيئا" من السلطة، ولا يجوز له أن يملك من السلطة أكثر مما يجب .(1) وتتمثل فكرة تعدد الأحزاب في وجود عدد منها في الدولة لا يقل عن اثنين, احدهما يتولى الحكم والأخر يقود المعارضة. ويقوم هذا التعدد على أساس الاعتراف بحرية تكوين الأحزاب السياسية، وهو ما تؤكده الدساتير في الدول الديمقراطية عادة" . ويجب أن تقوم جميع الأحزاب السياسية على أساس قبول مبدأ التعايش السلمي بينها، تطبيقا" للنظام الديمقراطي، وتمسكا" بمبدأ حرية الرأي والفكر، ولا يسمح بقيام أحزاب ترفض ذلك، لان الحفاظ على الديمقراطية وتأمين مستقبلها يقتضي عدم السماح بقيام أحزاب ذات صبغة دكتاتورية أو استبدادية ... ولنجاح نظام تعدد الأحزاب يجب أن يتفهم المواطنون حقيقته وأهدافه ومراميه، فالنظام الحزبي ليس إلا وسيلة لخدمة الوطن والمواطنين . والأحزاب وان اختلفت برامجها وأهدافها وأساليبها، تعمل جميعا" على تحقيق المصلحة العامة في الدولة بالطريقة التي تراها أفضل، والخلاف الحزبي يجب أن يظل في إطار ممارسة حرية الرأي والفكر، فلا يؤدي إلى المخاصمات أو المشاحنات أو الصدام العنيف بين الأنصار والمؤيدين، فاختلاف الرأي ينبغي ألا يفسد للود قضية، ويلزم ألا يؤدي تنافس الأحزاب على السلطة إلى الإضرار بمصالح الوطن والمواطنين . (2) إن المتغيرات والتحولات في الدولة تؤثر بقوة على ظهور تعدد الأحزاب والكيانات السياسية، ويمكن القول وبشكل عام إن تبلور الأحزاب السياسية فعليا" يرتبط بدرجة معينة من التحديث والتنمية السياسية والفكرية، وتضحى الأحزاب من زاوية معينة البعد السياسي للتنظيم الذي يعتبر بدوره احد سمات المجتمع الحديث، والذي تتوفر فيه لدى الشعب القدرة على إنشاء وصيانة أشكال تنظيمية كبيرة تتسم بالمرونة، وقادرة على القيام بالوظائف الجديدة أو الموسعة التي تستلزم المجتمعات الحديثة القيام بها . كذلك فان القدرة على الاستفادة من الطاقة والتكنولوجيا والمعلومات، لتحقيق السيطرة على الموارد الطبيعية التي تنطوي ليس فقط على مهارات فنية، وإنما أيضا" على إيجاد أشكال تنظيمية مجمعة لإدارة الأفراد والموارد على نطاق واسع، في الصناعة الحديثة، كما يتطلب المجتمع الحديث نظاما" تعليميا" رصينا"، وجامعات قادرة على الإبداع،أو تكييف نفسها مع الإبداع والتطور، ومؤسسات كفوءة لإدارة الإعلام الجماهيري، ووسائل الاتصال الجماهيرية التي تسهل من انتقال المعلومات والأفكار للأفراد . (3) مما يساعد ذلك العديد من الأفراد أن يندمجوا اندماجا" نفسيا" قويا" مع الحزب الذي يفضلونه، ويحفز هذا الإحساس بالاندماج الحزبي وعلى التصويت والمشاركة في الحملات الانتخابية، لإظهار دعمهم للحزب، إذ يهمهم أن يفوز حزبهم، وعلى العكس من ذلك فان المواطنين ذوي الارتباط الحزبي الضعيف أو المعدوم، اقل اكتراثا" بنتائج الانتخابات واقل ميلا" للمشاركة، ولذلك فقد تكون قوة الاندماج الحزبي مؤثرا" مهما" على أنماط المشاركة السياسية. وتزداد المشاركة السياسية أيضا" بالآراء التي تقنع الفرد بضرورة مشاركة المواطنين في السياسة، وان هذه المشاركة سيكون لها فعلها، ويوصف هذا الاعتقاد الأخير بأنه الإحساس بالتأثير السياسي، أي الشعور بأن النشاط السياسي للفرد يمكن أن يؤثر على العملية السياسية، وقد يتناقض إدراك التأثير السياسي مع الواقع، إلا إن هذا الإدراك هو الذي يوجه سلوك الفرد، فيدفع الإحساس بالتأثير السياسي الأفراد لان ينشطوا في مجال السياسة، بينما يؤدي غياب هذا الإحساس إلى الفتور والانطواء السياسي، فإذا لم يكن في مقدور احدنا التأثير على العملية السياسية، فما جدوى المحاولة . إن عدم الرضا بالسياسات المعينة هو موقف سياسي آخر، يمكن أن يؤثر على أنماط المشاركة، كما أن الدور العرضي لعدم الرضا هو نقطة خلاف، ففي جانب يجادل البعض على إن عدم الرضا يحفز على المشاركة في محاولة لتغيير هذه السياسة، ومن هذا المنظور فان نسب الإقبال المرتفعة في المشاركة، تشير إلى انتشار عدم الرضا العام في الحكومة، ومن جانب آخر يؤكد بعض المراقبين على إن الرضا بالسياسة يزيد من دعم العملية السياسية، ومن ثم المشاركة السياسية، ومن هذا المنطلق تشير نسب الإقبال المرتفعة إلى الدعم الشعبي الأساسي للحكومة، وقد يختلف الباحثون على الاتجاه العام لعدم الرضا بالسياسة فان ذلك يعتبر بوضوح حافزا" مهما" يؤثر على مستويات المشاركة السياسية .(4) إن الأنظمة متعددة الأحزاب / multi party system لديها مجموعة من الأحزاب، ودعم من الناخبين، وقوانين انتخابية، تضمن فعليا" أن لا يفوز حزب واحد بأغلبية في السلطة التشريعية، وتجميع المصالح عن طريق المساومة الحزبية بعد الانتخابات له دور حاسم في تشكيل الاتجاهات السياسية، ومثال على ذلك (ألمانيا وفرنسا) دول ذات أنظمة متعددة الأحزاب، وتأييد الناخبين للائتلافات الحزبية على المستوى الانتخابي له أثر رئيسي في تشكيل الحكومات والسياسات . ولا يتسبب وجود أعداد كبيرة من الأحزاب بحد ذاته في عدم استقرار الحكومة، فالأهم من ذلك هو درجة التنافر أو الاستقطاب بين الأحزاب والكيانات السياسية . أما على مستوى النظام التوافقي consensual كما تعمل به بعض الدول ومن بينها العراق في الوقت الحاضر، إذا كانت الأحزاب تسيطر على معظم مقاعد البرلمان غير متباعدة كثيرا" في سياساتها ولديها قدر معقول من الثقة في بعضها البعض، وفي النظام السياسي، فتعد هذه أنظمة حزبية نموذجية، وإذا كان البرلمان خاضعا" لسيطرة أحزاب متباعدة جدا" في مواقفها من القضايا العامة أو كان هناك قدر كبير من عدم الثقة بينها، أو تنافر تجاه بعضها البعض وتجاه النظام السياسي، وكما يعبر عنها المهتمين بدراسة الأحزاب السياسية ومنهم ( جابرييل الموند) الذي يصف ذلك النظام الحزبي بأنه ( متنازع) conflictual ويقول أيضا" إذا كان نظاما" حزبيا" له مواصفات مختلطة، أي لديه كلا النظامين المتوافق والمتنازع، فهو نظام تآلفي أو توفيقي .(5) ويكاد يتفق الباحثين في النظم السياسية، إن النظام السياسي في حالة وجود أحزاب عديدة متساوية في القوة في تجميع المصالح المتضاربة ومن ثم تنسيقها بصورة يستطيع فيها النظام السياسي من تقديم أفضل الحلول الواجبة تقديمها في عمله ضمن المجتمع السياسي، أما إذا كانت المطالب المنبعثة من جهات عديدة تعبر عن قضايا متباينة يصعب على النظام السياسي تحقيقها، أو إيجاد قاسم مشترك واحد أو محصلة واحدة مرضية لجميع الأطراف، وهذا ما يؤدي بالنظام السياسي إلى بعثرة جهوده في ملاحقة المطالب أو في إيجاد انسجام وتوافق بين مجموعة المطالب المختلفة، والتي تطالب بحلول سريعة ومباشرة لما تدعو إليه. علاوة على ذلك وجود عدة جهات يرجع إليها الناخب، أي عدة اختيارات لتمثيل رأيه أو لعرض مطاليبه، تبين لنا تفاقم الجهات الوسيطة والتي يمكن أن تكون في حقيقة الحال ليست إلا واجهات خادعة للتعبير عما يريده الناخبون . فالناخب عندما يعطي رأيه في موضوع ما لا يقرر وإنما يترك أمر القرار إلى مجموعة معينة تعمل للبت فيما يخص المجموعة، فيمكن أن يكون عملها واقعيا" محكوما" بظروف النتائج الانتخابية والمساومات التي تحدث بين الأحزاب في سبيل المشاركة في السلطة، وبعيدا" عن الأصوات التي رفعت هذه الأحزاب إلى السلطة . ومن النتائج السلبية للنظام متعدد الأحزاب، هو افتقاد أغلبية متجانسة في البرلمان، مما يربك عمل الحكومة وذلك عند عدم إحراز الحكومة الثقة بصورة مستمرة من قبل الأحزاب العديدة الموجودة في البرلمان. فلذلك إن وجود أحزاب متجانسة ومتحدة يمكن أن يلعب دورا" في إضفاء صفة الاستقرار في الحكومة المنبثقة من البرلمان، وهذا ما يتطلب من الأحزاب المتحدة توفير مستوى عالي من التنظيم والتوجيه بحيث تستطيع التأثير على أعضائها ومؤيديها في انتخاب أشخاص معينين يفترض فيهم أن يتبؤوا مناصب قيادية في التحالفات الفعلية، وهذا الاستقطاب الحاصل من تحالف عدة أحزاب يمكن أن يبرز على شكل وجود نظام الحزبين وليس النظام متعدد الأحزاب .(6) ومهما قيل عن مساوئ تعدد الأحزاب فإنها تبقى أفضل من قيادة الحزب الواحد، علاوة على ذلك إن وجود الأحزاب يسمح للمعارضين لسياسة الحكومة بالعمل العلني المشروع للوصول إلى السلطة بصورة سلمية، عوضا عن الانقلابات, والثورات, وإراقة الدماء، ولا يستندوا إلى ذرائع وحجج تسلط الحزب الواحد في الدولة. وكلما ازداد عدد الأحزاب وتوسيع المشاركة السياسية، كلما برزت المعارضة العلنية، خصوصا" إذا كانت الدولة تعمل بالنظام البرلماني، كما هو وضع النظام البرلماني في العراق الذي يحتاج إلى بروز المعارضة الايجابية والتي نطمح أن يرتفع صوتها تحت قبة البرلمان لغرض تصحيح الأخطاء، وليس المعارضة السلبية، التي تشترك في الحكومة من جانب, ومن جانب آخر, تعارض سياسة الحكومة، إن مثل هذه المعارضة لا يمكن أن نسميها معارضة، كون المعارضة الحقيقية هي التي تختار مظلة البرلمان وتقول كلمتها إذا وجدت هناك خرق للقانون أو تجاوز على الصلاحيات من قبل السلطة التنفيذية، والمعارضة الفاعلة عليها أن لا تقدم وزراؤها لشغل المناصب التنفيذية بحجة حكومة الوحدة الوطنية، وعليه نرى إن حكومة الوحدة الوطنية من خلال إشراك جميع الأحزاب والكيانات الفائزة في الانتخابات في السلطة التنفيذية، إنما هو طعنة للبرلمان الذي يراد له أن يمارس اختصاصاته الدستورية بفاعليه، وتأسيس برلمان يؤدي دوره بمهنية، وهذا التأسيس هو الذي يفتح الباب لممارسة الديمقراطية السياسية الرصينة، وليس إلى الديمقراطية التوافقية التي قادت إلى المحاصصة السياسية، وشخصنة الوزارات ومؤسسات الدولة بأسماء الأحزاب والكيانات والكتل . وعليه يجب أن تكون للمعارضة قوة تستطيع أن تقف بوجه انحرافات السلطة التنفيذية وايقاضها من نشوتها من خلال منبهات المعارضة في البرلمان، ولا يتم ذلك إلا من خلال المعارضة المنظمة التي تستطيع أن تجابه الحكومة وتمنعها من تجاوزاتها، مع التأكيد على أن يكون لرئيس الحكومة حرية اختيار الوزراء كي يتسنى له محاسبتهم في حالة التقصير في مهامهم وحق إعفائهم من مناصبهم،دون الرجوع إلى موافقة أحزابهم، فإذا تمت عملية اختيار الوزراء من قبله يصبح مسئولا" عن الإخفاق الذي يحصل في حكومته ولا تترك له حجة أن ليست له علاقة باختيار أعضاء حكومته ويلقي باللائمة على الأحزاب والكيانات التي ينتمي إليها الوزراء. وبما أننا مقبلون على خوض الانتخابات البرلمانية في 16 كانون الثاني 2010, نوجه الدعوة إلى جميع الأحزاب والكيانات السياسية،القديم منها والحديث، أن تجعل من الانتخابات هذه دعوة إلى الأخوة والمحبة، والتعايش السلمي، وعكس صورة العراق الحضارية بين الأمم والشعوب، ونبذ ممارسات العنف، والقبول بنتائج الانتخابات التي يوقع عليها الناخبون، وعدم سرقتها، وان يكون التنافس مشروعا" بين الكيانات والأحزاب السياسية، وليعلموا إن المشاركة في الانتخابات بحد ذاتها تعد فوزا" للجميع، ونأمل أن يؤسس السياسيين الجدد إلى نظام سياسي يبعث على الاستقرار، ودولة لها هيبتها أمام المجتمع الدولي، من خلال وحدة القرار السياسي، وان يضعوا مصلحة العراق وشعبه نصب أعينهم، وأن لا يفرطوا في المصالح الوطنية لان العراق وشعبه ووحدته، أمانة في أعناقهم وهم مسؤلون أمام الله عن ذلك . الهوامش 1- الدكتور صالح جواد الكاظم، والدكتور علي غالب العاني- الأنظمة السياسية - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي –– جامعة بغداد – كلية القانون 1991 ص 143 2- الدكتور ماجد راغب الحلو – القانون الدستوري - دار المطبوعات الجامعية –الإسكندرية 1997 ص115 3- الدكتور أسامة الغزالي حرب- الأحزاب السياسية في العالم الثالث – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – 1987 ص 107- 108 4- رسل جيه دالتون – دور المواطن السياسي في الديمقراطيات الغربية – ترجمة الدكتور احمد يعقوب المجدوبة ومحفوظ الجبوري – دار البشير – عمان – الأردن – ط1 1996 ص 68- 69 5- جابرييل إيه .الموند .جي بنجهام باويل الابن - السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر – ترجمة هشام عبدالله- مراجعة سمير نصار- الدار الأهلية للنشر والتوزيع – عمان – الأردن – ط 1 1998 – ص 141- 143 6- مشار إليه في الدكتور حسان محمد شفيق العاني- الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – مطبعة جامعة بغداد – 1986 ص 274- 275
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |