تأسيس الأحزاب السياسية  في العراق (الأسباب والظواهر) 

 

 

 حسن ناصر المحنّه

Hassan_nasir98@yahoo.com

 ليست أهمية ظاهرة تأسيس أو تشكيل الأحزاب والكيانات السياسية كظاهرة ترتبط بالنظم السياسية الحديثة في حاجة إلى إثباتها ، بغض  النظر عن أي أحكام حول الظاهرة الحزبية فان النظم السياسية الحديثة تظل غالبا" نظما" حزبية ، سواء أكانت ليبرالية أم سلطوية ، شمولية أم تعددية ، ولعل الارتباط الوثيق بين الظاهرة الحزبية والنظم السياسية الحديثة يضفي أهمية خاصة على موقع وأهمية الأحزاب والكيانات داخل إطار النظم السياسية السائدة للفكاك من أسر التخلف وتحقيق التنمية .

إذا كان من المقدر في العالم الآن أن هناك الكثير من الأحزاب قد تصل إلى أكثر من سبعمائة حزب .

إذا كان هناك تقسيم لعدد هذه الأحزاب والكيانات السياسية على الدول لكانت حصة العراق من هذه الأحزاب تفوق بكثير، بغض  النظر عن التناسل والانشطار في داخل الحزب الواحد وبسرعة متنامية ، ولعل تلك الأسباب تعود إلى التحول والتحديث السريع في خارطة العراق السياسية  وذلك بعد احتلال العراق في 9/4/   2003 وانتقال الدولة العراقية من دولة بسيطة ، إلى دولة مركبة تجمع بين الفيدرالية واللامركزية الإدارية ، ومن النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني ، ومن النظام الاقتصادي الاشتراكي ، إلى النظام الاقتصادي الحر ، ومن النظام الإداري المركزي إلى النظام الذي يجمع بين اللامركزية السياسية ، واللامركزية الإدارية، مما ولد نظاما" إداريا" يشوبه الكثير من الغموض  والتداخل في الصلاحيات والاختصاصات ، وغياب إستراتيجية الدولة ، وعدم الاتفاق بين الأحزاب والكيانات السياسية الحاكمة وغير الحاكمة ، من وضع برنامج محدد لأولويات العمل  وسن القوانين ، وعدم وحدة القرار السياسي ، والصراع على السلطة ، وغياب المشروع الوطني ،  وتفشي الفساد الإداري والمالي ، والمحاصصة السياسية ،  وأزمة الثقة ، وصحوة الضمير لتصحيح الأخطاء، سواء كان ذلك في البناء الدستوري ، أو السياسي أو الاقتصادي ، أو الثقافي ، أو الاجتماعي ، أو الإداري .

ولعل كل هذه الأسباب دفعت إلى تكوين الأحزاب والتجمعات  والكيانات والائتلافات وبصورة سريعة ، ورغم أن الدستور لم يحّرم تشكيل الأحزاب ، بل أجاز ذلك ، ولكن غياب قانون الأحزاب في هذه المرحلة يكاد يكون عاملا" مساعدا" في تفشي ظاهرة تاسييس  الأحزاب من غير  ضابط . ولذلك ترى الناخب قد لا يتمكن من التمييز بين هذا الكيان أو ذاك ، أو بين حزب وآخر، وتكاد تكون البرامج والأهداف متشابهه أو مستنسخة ، في الوقت الذي يراد لهذه البرامج أن تنماز ، ومن واجب قانون الأحزاب  في حالة إقراره أن يؤكد على هذا الضابط .

 ولغرض أن تكون لدينا أحزاب وطنية راسخة تساعد بوظائفها في ديمومة وتحقيق التقدم السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والثقافي ، وان تكون عوامل مساعدة لبناء الدولة ومؤسساتها الدستورية، وأنظمة فاعلة ومؤثرة في المشهد العراقي وليست مجرد كيانات متهالكة أو متصارعة من اجل المكاسب الضيقة.أو لغرض خوض الانتخابات فقط ،وبعد ذلك تتلاشى.

 إن مثل هذه الأحزاب لا يمكن أن توصف على انها أحزاب سياسية ، كون الحزب قبل أن يصبح حزبا" فهو فكرة قبل كل شئ  وهدف سام.

وعليه نرى ما يجب أن يكون عليه قانون تنظيم الأحزاب وفيما يتناوله من ضوابط وإجراءات قد تسهم في تقنين الأحزاب والسير وفق الرؤى الواضحة للعمل والتنظيم الحزبي،  ونوجز ذلك بما يلي :

1-   يجب أن تسهم الأحزاب التي تؤسس طبقا" لقانون الأحزاب في العراق ، تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، على أن تعمل كتنظيمات وطنية وديمقراطية ، وتمثيل المواطنين تمثيلا" سياسيا".

2-   يشترط لتأسيس أي حزب أو كيان سياسي تمييز برنامجه وسياسته وأساليبه في تحقيق البرنامج تمييزا" ظاهرا" عن الأحزاب والكيانات الأخرى، كما تشترط ذلك اغلب القوانين التي تنظم الأحزاب في الدول، مثال على ذلك قانون الأحزاب المصري.

3-   علانية مبادئ وأهداف وبرامج وتنظيمات وسياسات ووسائل وأساليب مباشرة نشاط الحزب أو الكيان ، وعلانية تشكيلاته وقياداته وعضويته ومصادر تمويله وممتلكاته .

4-   المبادئ والأهداف التي يقوم عليها الحزب والوسائل لتحقيق الأهداف.

5-   يجب أن يشمل النظام الداخلي للحزب القواعد التي تنظم كل شؤونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية ، وان يتناول النظام الداخلي اسم الحزب على أن لا يكون مشابها" أو مماثلا" لاسم حزب آخر ، مع بيان المقر الرئيسي ومقراته الفرعية إن وجدت في باقي المحافظات .

6-   تحديد شروط العضوية في الحزب وقواعد وإجراءات الانضمام إليه والفصل من العضوية والانسحاب منها وتعليقها ، ولا يجوز أيضا أن توضع شروط العضوية على أساس التفرقة بسبب الدين أو العقيدة ، أو الجنس أو العنصر ، أو المركز الاجتماعي .إذا كانت هذه الأحزاب تحمل صفة الأحزاب الوطنية، عليها أن تلتزم بهذه الضوابط ، ولكن هذا لا يعني أن الحزب يكون ملزما" بهذه الشروط ويقبل كائنا" من كان خصوصا في من يكون في أجهزة الحزب القيادية وفق اعتبارات وضوابط ومؤهلات خاصة قد يفرضها النظام الداخلي للحزب ، مع مراعاة أن يكون الانتماء إلى الأحزاب العراقية مقتصرة على العراقيين المتمتعين بالجنسية العراقية الأصلية ، ووضع الضوابط والشروط لمن يكتسب الجنسية العراقية من غير العراقيين الأصليين ، وغالبا ما تحددها القوانين بمدة زمنية معينة من تاريخ اكتساب الجنسية على أن يكون متمتعا" بالحقوق السياسية كاملة .

7-   يجب أن يكون النظام المالي للحزب شاملا" ومحددا" فيه مختلف موارده والمصرف الذي تودع فيه أمواله والقواعد والإجراءات المنظمة للصرف من هذه الأموال وقواعد وإجراءات إمساك حسابات الحزب ومراجعتها وإقرارها وإعداد الموازنة السنوية واعتمادها وتبويبها وفق القواعد والأصول .

8-   على من يريد إنشاء حزب أو كيان أن يقدم طلبا" إلى الجهة التي يحددها القانون موقعة من عدد من المؤسسين ، مع فحص كافة بيانات الحزب ونظامه الداخلي ، وفي حالة رفض الطلب من الجهة المخولة قانونا" يجوز الطعن بقرار الرفض إلى جهة قضائية يحددها القانون سواء كانت المحكمة الاتحادية العليا ، أو محكمة القضاء الإداري ، مع مراعاة المدة المحددة للطعن وفق ما ينص عليه قانون المرافعات المدنية ، أو غيرها من القوانين لغرض قبول الدعوى شكلا" ، على أن تنشر القرارات في حالة الرفض أو القبول للأحزاب والكيانات السياسية في الجريدة الرسمية كي يتسنى للأفراد الإطلاع عليها .هذا من جانب ومن الجانب الآخر، في حالة البت في الموافقة على قبول الحزب أو الكيان السياسي يحق له ممارسة نشاطه السياسي وتمتعه بالشخصية المعنوية التي تمكنه من أهلية الوجوب والأداء.

9-   تتولى الدولة تمويل الأحزاب المسجلة رسميا من ميزانيتها لكي لا تبحث الأحزاب عم من يمولها من خارج العراق وتصبح فريسة لتطبيق أجندات خارجية ، على أن تتخذ الدولة  آلية لتخصيص الأموال مع حجم كل حزب أو كيان على أن يقاس حجم الحزب وفقا" لما يحققه من نتائج في الانتخابات التشريعية ، وأن يخضع تمويل الأحزاب إلى الرقابة من قبل ديوان الرقابة المالية ، وان لا يكون المبلغ المخصص ثابتا"، ويتم تحديد ذلك المبلغ مع نهاية انتخابات مجلس النواب العراقي ، وحساب المقاعد التي حصل عليها الحزب ، كذلك على قانون الأحزاب أن يميز بين الحزب كنظام مستمر له وظائف وأنشطة ، وبين الكيان الذي يقتصر وجوده على خوض الانتخابات فقط .

10- ضرورة النص على أن أموال الحزب في حكم الأموال العامة وذلك لغرض تطبيق قانون العقوبات على من يتصرف بأموال الحزب بصورة غير قانونية أو الكسب غير المشروع ، على أن تعفى أموال وممتلكات الحزب من الضرائب.

11- أما فيما يخص تفتيش مقرات الأحزاب يفترض إن الأحزاب لا يجوز تفتيش مقراتها من قبل الجهات الأمنية إلا بأمر قضائي ، وفي حالة التلبس بالجرم المشهود ، أو التيقن  من إن الحزب يقوم بتنفيذ عمليات إرهابية أو يحّرض عليها ،  أو يحث على الفتنة الطائفية ،أو يمارس الضغط على ارادة  الناخبين من خلال التهديد والوعيد ، مع إخطار الجهة المسئولة عن إدارة شؤون الأحزاب التي يحددها القانون لغرض فرض العقوبات الجزائية أو الإدارية على من يخل بالقانون والنظام العام التي قد تصل إلى حل الحزب وتصفية ممتلكاته ، مع تحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال كونها من الأموال العامة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com