دعوة لكتابة تجربة الكتّاب العراقيين مع الكِتاب والمكتبة والقراءة!

 

حميد الشاكر

alshakerr@yahoo.com

بمناسبة برنامج شاهدته على قناة الفيحاء العراقية، وتناول هذه القناة لموضوعة عزوف الجيل الجديد من الشباب العراقي عن القراءة ومصاحبة الكتاب وارتياد المكتبات .... ومن ثم تكوين الثقافة والجيل الواعي المتحضر، تبادر الى ذهني شريط تاريخي كامل من حياتي الشخصية التي اعتقد انها مرّت كباقي من يكتبون اليوم من العراقيين بالشان الثقافي والفكري والسياسي ..بتجربة كالتي يعاني منها جيل الشباب العراقي الجديد اليوم حيث خضع هذا الجيل (كما منعنا من الكتاب وقرائته في الماضي) لماكنة تجهيل وامية بعثية صدامية مقصودة سياسيابهدف تفريغ الانسان العراقي الجديد من كل مضمون داخلي ثقافي او فكري او معنوي او سياسي يخلق من هذا الجيل انسانا حرّا قادرا على المطالبة بحقوقه ومحاسبة دولته وحكومته ان اخطأت او انحرفت عن جادة الطريق الانساني السوي المبين، وكل هذا وغيره كان يسير بتخطيط سياسي بعثي ماكر ومتقن منذ تسلمهم لحكم البلاد الى نهايتهم يوم المعاد لخلق شعب من الاميين الذين يمتهنون حرفة القتال والعنف والتفكك والغزو وطاعة الاوامر والعسكرة للمجتمع فحسب، بعيدا عن مهنة التفكير والتأمل وطلب البناء والتطلع الى السلم ووحدة المجتمع والتعاون على البر التقوى !!.

والحقيقة ان ليس هناك في تحربتي الشخصية مع الكِتاب والاطلاع والتعرف على عالم الثقافة شيئ يميزه عن الاخرين، كما انها تجربة عادية جدا كباقي تجارب مَن يكتبون اليوم على مواقع الانترنت من الاقلام العراقية،وربما مايجعل تجربتي الشخصية وتجارب الاخرين ايضا مع الكتاب والثقافة والكتابة وغيرهامن التجارب الاخرى لباقي الكتّاب انها تجربة تستحق الذكر و تحمل بعض المميزات هي الاسباب التالية:

اولا : انها تجربة مرّت بنفس الظروف القمعية الدكتاتورية السياسية في غايات التجهيل وتجريم الثقافة والقراءة واقتناء الكتاب فيما مضى على الشعب العراقي بصورة عامة من قبل سياسة البعث في العراق .

ثانيا : عندما كنا نخضع لسياسة التجهيل البعثية في ايام الشباب الطرّية ونقرأ بالصدفة لكتّاب كبار نتعجب من الكيفية التي وصل بها هؤلاء الكتاب الى هذه الحرفة الكتابية العالية القيمة ؟. وكنّا ايضا نتطلع لمعرفة كيفية التجربة التي مر بها هؤلاء الكتاب من عالم ماقبل الكتابة الى عالم مابعد الكتابة ؟. وايضا كنّا على شوق شديد لفهم الخريطة التي سار عليها هؤلاء النماذج من البشر حتى اصبحت اسمائهم تقرأ وعناوينهم تنقل ومطولاتهم الثقافية تحفظ بين الصدور قبل الرفوف والمكتبات ؟!.

وعلى هذا الاساس شكلت لنا اسماء الاخرين وكتاباتهم ونتاجاتهم الفكرية وتجاربهم مع عالم الكتابة الحافز والدافع كي نخوض مغامرة القراءة تحت نظام كان يرى في القراءة جريمة حزبية سياسية لاتغتفر وعقوبتها قد ترتقي الى الاعدام بتهمة حيازة الثقافة ووباء الوعي والادراك وصداقة او مجالسة الكتاب .....الذي كان يراه نظام البعث انه اخطر سلاح يمكن للانسان العراقي ان يحوزه في دماغه او تحت جنح طيات صدره المخنوق ليناهض به سلطة التجهيل البعثية او كشف مؤامراتهم القمعية ضد الشعب !.

نعم الشباب العراقي الجديد اليوم وحسب مانسمعه ونشاهده ونقراه من امية ثقافية،وعزوف كامل عن صحبة الكتاب وتذوق الحياة داخل المكتبات،........ الخ بحاجة الى ان يقرأ تجارب جميع الكتاب العراقيين، وانا ادعو جميع من يكتب وصاحب قلم من العراقيين صغيرا او كبيرا مغمورا او مشهورا،ان يتحدث عن تجربته الشخصية مع الكِتاب ويكتبها للقرّاء بصيغة سؤال وجواب تبتدأ اولا:كيف صادف كاتبنا العتيد هذا المخلوق الجميل المسمى كتاباًوتعرّف عليه وعلى هويته وماذا يحمل ؟.

هل صديقا كان السبب في هذه المعرفة ؟.

أم الالهام والغيب والصدفة هي التي قادت هذا القلم الكبير لعشق الكتاب والكتابة وعالم التاليف والثقافة اليوم ؟.

او ربما انها مكتبة الجدّ التي أهُملت سنينا في احد مخازن المنزل القديم حتى صادفت من الاحفاد من يقلب صفحاتها من جديد لتخلق قارئا جديدا ومن ثم كاتبا مرموقا ويستحق الجدل ؟.

وهل في يوم من الايام صادف كاتبٌ من كتّابنا العراقيين انه كان يحمل في جيبه خمسة دنانير فقط بقيمة الكتاب المعروض على الرصيف للبيع وهو يستعطف البائع لينزل من قيمته مقدار اجرة الحافلة ليعود من المحافظة الى بيته في القضاء فيأبى بائع الكتاب الا بخمسة دنانير كاملة وغير منقوصة درهما ( مزنجرا ) مما يضطر القارئ اخيرا لدفع المبلغ كاملا والعودة من المحافظة الى القضاء ( خمسة عشركيلو مترا ) سيرا على الاقدام وهو يحمل بضاعته بين يديه مبتهجا مسرورا فرحا بهذه الغنيمة التي لاتعوّض ؟!.

وكذا الجيل الجديد من الشباب العراقي بحاجة ليقرأ حول تجارب الكتّاب مع المكتبة : وماهي اول فرصة زمنية اتيحت لهذا الانسان او ذاك عندما زار مكتبة عامرة بتنوعات الكتب ؟.

وهل لاحظ جلوس مخبر في اخر القاعة وهو يختلس النظر للداخل والخارج من هذه المكتبة ؟.

أم انه كان سعيد الحظ وشاءت الصدفة ان يكون صاحب المكتبة خيّراً وابن اجواد وحمولة ويحفظ السرّ ؟.

ثم مع القلم والثقافة اخيرا كيف بدأ كتابنا كتابة اول مقال قرأه اخرون له بصوت عال ؟.

وماذا كان شعور الكاتب عندما ادرك ان غيره معجب بكتابته او اسلوبه او الافكار التي يحتويها قلمه ؟.

هل شعر احد كتابنّا بالزهو عندما عرف ان احدا اطلع على قصيدة الزيتونة السوداء ؟.

أم انه ارتبك واضطرب قلبه عندما كتب هذه القصيدة في منتصف الليل وعلى ضوء شمعة خيمة المعسكر عندما تفاجأ ان عريف الفصيل يتجسس عليه خلسة من الثقب الصغير للخيمة ؟.

وهكذا كي تكون هذه التجارب رصيدا ثقافيا ودافعا ومشجعا لهذا الجيل الجديد ان يدرك ان حياته اليوم اسهل بكثير مما عاناه من كان قبله مع القراءة والكتابة و الثقافة ومع ذالك استطاع جيل مَن قبله ان يصارع الرعب وان يحوز قليلا من العلم وقليلا من الوعي الذي يساعده على فهم الحياة بصورة افضل، فمن الجدير به اليوم ان يدرك نعمة الحرية التي نالها بعد عناء طويل وانها فرصة لاتقدم مرتين للانسان في حياته وان يستفرغ بعضا من وقته لصناعة انسان اخر عندما يجالس كتابا يشعر ان شيئا ما كان مفقودا في شخصيته وقد حصل عليه اخيرا، وهو تكامل شخصية الانسان وادميته الحضارية عندما فقط يتعرّف للكتاب ويصادقه ويذوب صدقا بالاستماع لنصائحه!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com