|
حكايتي المندائية
عماد خليل بِله 1. مقدمة اكثر من سنة ونصف مرت والموضوع بين اوراق متناثرة ومراجعات لشريط الذاكرة خشية تجاوز حدث يؤدي الى غبن صديقأ والذي فاتني يصبح مسؤولية الاصدقاء اصحاب الاسماء الساطعة في الحكاية، والحكايةبرمتها مدار شخصي قد يحسبها البعض مضيعة للوقت و ربما وجده اخرون توثيقا لعلاقات عراقية من زمن جميل فجعنا بانقراضه من السلوك الاجتماعي العراقي، ايام كان جيلنا يرتوي من الثقافة العامة والنشاط السياسي وتربية الوعي الوطني بجانب الدراسة المدرسية، اياما كنا فيها نرسم احلاما ظننا نقلها الى الواقع ممكن حتى وقعنا في زمن لاحق على صدمة طوباويتنا، والتي رغمها الحلم باقِ في الوجدان رغم كل الخراب والجهل الذي يلف عراق اليوم، لان ارض العراق التي انبتت عبر تأريخها من صنع مجدا للعالم لن تجدب وان قحطت لسنوات. وكي لا اطيل في زاوية اخرى فالحكاية هي محاولة وصل ووفاء بباقة من اصناف التنوع العراقي الجميل، وفاءاً لصديق ليس بنادر الوجود لكنه انسان لن يُنسى بالنسبة لي هو العراقي من بستان الصابئة ، المندائي "عماد اسماعيل مطشر السداوي"، واحبة اخرون ترد اسمائهم في الصفحة لاحقا. بين فترة واخرى سطرت كلمات ودائما اضع الموضوع جانبا لوقت اكثر ملائمة فجعبة الذاكرة طفحت بحكايا السنين ، وتشابكت الحكايا في واقع عراقي مزدحم وأليم. وقبل شهور قد تصل الى التسعة استفزني خبر قرأته لان اسرع في في انجاز العمل وكان الخبر يقول "ان عرضا مسرحيا للمخرج سلام الصكر يقدم في هولندا" ، لكن غبطة الفرحة وسعادة الاطمئنان بان سلام لا يزال يواصل حلمه بعراق انساني منحتني مبررا للكسل اذ كنت قبلها في حزن مذ حمل احدهم ذات يوم قولا يخبر بوفاة سلام الصكر منذ ثلاث سنوات. وهكذا اعاد التوكد من حياة ابن الصِكَر المتواصلة وروتين الحياة اليومية المقرف حكايتي المندائية تستقر على رف جانبي في المخيخ المزدحم لصاحبكم مرة اخرى، حتى حل (الامس) السابع والعشرين من شباط 2009 يحمل رسالة من الصديق المتواصل عامر الجواهري ( عامر: واحد من بقايا حفظة الصداقة المتضائل عددهم مع تراجع مفاهيم الحضارة في العراق الديمقراطي، فهو باقٍ اسوة باصدقاء الشلة القديمة في علاقاتهم كبنات وابناء وطن ولم يتراجعوا بها الى وشائج العشيرة التي تصاعدت اسهمها في السوق الاجتماعي والسياسي العراقي بفعل الحاجة، انه رقم فاعل في اقلية من بقايا حالمات وحالمين جمعتهم وشائج الوعي والمعاناة والصحبة والاحلام والانكسارات والحبيبات المخادعات والحنين والبحث عن الجميل في حياة شهدوا فيها تكوم القبائح التي لم تنتزع صداقة صمدت لسنوات فراق زادت عن ربع قرن لجذورها المغالية في ترابطها، وابن عيسى هذا جميل مافيه هواية التواصل ، ليستمر دم الود ينبض في عروق الحياة، لذا لا تنقطع ايميلاته الا لمما) . اذن حطت في بريدي منه رسالة تُذكر بالصديقة وزميلة الجامعة المندائية الرقيقة والصلبة بان واحد "هدى شاهين" . تحث رسالته على التواصل معها ضمن حلمه بلم شمل شلة من ضيعهم خداع الاحلام ، واضاعوا عمرا بانتظار" باجر الذي قيل لهم انه احسن من امس" وهو مصر على الضياع للان ، على امل ان يُرمم هذا التواصل بعض الجراح. لكن هدى اختارت ان تغادر الهموم حين سرق المرض قواها لترحل الى رحمة الله في نيسان 2009 فوجدت ان عليَ ان اجد بانهاء ماسميته الحكاية المندائية، رغم ان شخصيات من التنوع العراقي الاخرى تأخذ مساحتها في الذكريات. مر اسبوع مذ عدت الى الارض التي عشقها القلب والعقل ومازادتها سنين المنفى الا ولها. خطوت في شوارع مدينتي وشممت رائحة الوطن ثانية بعد غربة تواصلت خمسة وعشرين سنة وثلاثة اشهر وسبعة وعشرون يوما. كان يوم السابع والعشرون من ايار 2004 يوما للحرية ، فما ان تجاوزت الحدود الاردنية السيارة وتوقفت عند ذلك البناء المسمى " مقهى" في اول الطريق حتى ركضت ادور متنفسا فجر العراق ، ليغمرني شعور بالتحرر فقد قفز قلبي حرا كعصفور هرب من قفص ، وانطلقت الى عالم رحب من النشوة ،فلأول مرة اتمكن من استعادة كبرياء كسرتها الغربة ، وكأني كنت مقيدا في سجن طول تلك المدة واشعرتني رمال الصحراء الغربية باستعادة حريتي، كانت كثبان الرمل في الصحراء الممتدة اجمل من غابات كندا. الاسبوع الاول كما هو متوقع كان مشبعا بالمحبة والدفء ودموع فرح للقاء الاهل ،من بقي من كبارهم بانتظار رؤيتي قبل ان يحزم بقاياه ويرتحل، ومن كبر من صغارهم وتكللت رؤوسهم ببياض من حرقة مكظومة غصبا في القلوب والعقول والنفوس بفعل القمع البعثي الضاغط على المشاعر بلارحمة. ومشيت في اماكن شهدت صور من حياتي ووجدت حل التغيير بمعالمها كما حل في النفوس والاشكال ، وتعانقت محبة مع معارف بقي بعضهم محتفظا بشيء من ملامح صورته القديمة رغم خفوت مشابه لما يحدث في الصور الفوتوغرافية عند الحفظ السيء لها. مضى الاسبوع فعلي البحث عن الاحبة الذين اختفت عني اخبارهم منذ 1978 وقبلها .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |