من المغلقة إلى المفتوحة تجديد في الشخصية العراقية

 

عدنان بهية/ معهد أكد الثقافي

adnanbhaya2003@yahoo.com

"أملنا اليوم في بناء نظام ديمقراطي وطني، عبر نظام انتخابي يستطيع صنع برلمان يجمع عناصر الكفاءة والقوة الدستورية والشرعية، يحمل ملامح الرضا في عيون العراقيين

لقد فرضت المتغيرات الدولية والمحلية على الساحة العراقية وأمام مجتمعنا استحقاقات حتمية شملت مفاصل الحياة والثقافة والسلوك. ولعل أهمها أعداد المجتمع والفرد للتعبير عن مفردات ثقافته الجديدة واستيعاب متغيراتها وفق أسس وطنية, تأخذ بنظر الاعتبار, خصوصيات المجتمع العراقي متعدد المكونات والثقافات الفرعية، لتحويلها إلى تجربة وطنية.

البناء الجديد في الشخصية العراقية لاستشراف المستقبل, يتطلب التصدي للشخصية النمطية ونقدها وتقويمها لتعميق خصائصها الايجابية . لقد وضعت هذه الشخصية في وضع عاجز غير مؤهل لأداء دور ايجابي عفوي كمواطن فاعل ومشارك في حركة الحياة والمجتمع. وبذلك عاش المجتمع أزمة "حقيقية" هي في جوهرها، أزمة ثقافة وأزمة مواطنة, كان من نتاجها سلوك متخلف, وشخصية متمردة على قوالب العصر, صارت تمثل حالة اغتراب وسلوك سلبي مناقض للسلوك المتحضر الايجابي والفعال في أي منعطف تأريخي. ومن ظواهر هذه الأزمة المجالات, هي:

1-       المجال النفسي، حيث تضخيم ألذات وإقصاء الأخر والإتكالية.

2- المجال الاجتماعي، حيث التمسك بالعباءة الاجتماعية كقوة بديلة عن مؤسسات الدولة ، وتعظيم الموروث الاجتماعي بالعيب والحرام, وغياب صورة المجتمع المدني في السلوك.

3-  المجال الاقتصادي، حيث شيوع نزعة الاستحواذ واللامبالاة بالمال العام، والافتقار إلى ثقافة الإبداع .

4- المجال السياسي، حيث السعي لاحتلال الصدارة في المناصب بعيداً عن الكفاءة والمؤهل، وتسخير النظام والقانون مع غياب المصلحة العامة.

وبعكس هذه الظواهر تفرض التحولات الجديدة علينا العمل نحوبناء ثقافة ديمقراطية ترسخ مفاهيم حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي (الجندر), التداول السلمي للسلطة, والمجتمع المدني والحداثة والتجدد.

تعتبر الانتخابات جوهر العملية الديمقراطية، وهي في محصلتها النهائية ترجمة واقعية لأصوات الناخبين وتحويلها إلى مقاعد في البرلمان وفق نظام انتخابي يتفق علية مسبفاَ ، هذه المؤسسة الدستورية والتشريعية والرقابية العليا في الدولة، التي تجمع نواب الشعب، وتخولهم القيادة نحوتحقيق مصالحه العليا، وبذلك أضحت الديمقراطية الأسلوب الأفضل والأسلم لمشاركة الشعب في صنع قراراته السياسية والمصيرية وتداوله السلمي والشرعي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

وبذلك كان اختيار النظام الانتخابي واحداً من أصعب القرارات التي ينبغي الاتفاق عليها كخطوة أولى في بناء المؤسسة الديمقراطية، وبذلك يعتبر نقطة البداية لولادة نظام سياسي في مناخ ديمقراطي يشد الناخبين إليه ويزيد من تماسك الأحزاب السياسية ويعزز الثقة بين الشعب وممثليه . تشغل الانتخابات ونظامها اليوم كل عراقي وعراقية يطمحون لبناء مستقبلهم وازدهار بلادهم وتخليصها من أدران حقب قمعية جرَت البلاد إلى التخلف وأثقلت على الشعب كثيراً .

القانون الانتخابي

اليوم تطبق الدول العديد من النظم الانتخابية ، كما يمكن تطبيق أكثر من نظام واحد في البلد الواحد، وهذا ناتج من طبيعة الدولة وظروفها وتطور مؤسساتها السياسية والمجتمعية. في العراق وبعد غياب دام نصف قرن لأي ممارسة ديمقراطية حقيقية، فإن عملية اختيار نظام انتخابي عصري ملائم يتطلب المزيد من الدراسة والتحليل للوصول إلى أفضل صيغة تنسجم ومكونات الحالة العراقية.

الجميع اليوم ينظر إلى بناء نظام ديمقراطي وطني ونظام انتخابي يستطيع صنع برلمان يجمع عناصر الكفاءة والقوة الدستورية والشرعية ويحمل ملامح الديمومة والرضا في عيون جميع العراقيين .لقد أصبح بديهياَ ، بعد الكثير من الدراسة والمقارنة القول ، إن نظام القائمة المفتوحة ينتج برلمانا قويا، أما نظام القائمة المغلقة فلا ينتج إلا برلمانا ضعيفا، وإذا عرفنا أن قوة أي نظام سياسي تنبع من قوة برلمانه، وان قوة البلاد وهيبتها تبدأ من قبة البرلمان، لذلك تحرص الدول الديمقراطية على إنتاج برلمان قوي مقتدر ، من خلال صناديق الاقتراع. فالمرحلة القادمة بحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة ومهمة، منها ما يتعلق بالدستور والنظام السياسي، ومنها ما يتعلق بتشكيل حكومة قوية منسجمة مع نفسها ومع الواقع، ومنها ما يتعلق بتشريع القوانين التي ظلت عالقة لسبب ولآخر، وكل ذلك لن يتحقق إلا على يد برلمان قوي، يمتلك كل عضوفيه قراره وإرادته.

السمات المطلوبة في برلمان قوي

أولا: محاربة الفساد  والمحاصصة.

ثانيا: تفعيل دور الرقابة والمحاسبة ، بعد مهمة التشريع.

ثالثا: إعادة الاعتبار لصوت النائب، وتمثيله لصوت الناخب وليس صوت القبيلة ومصلحة الكيان الذي يخيم على أعمال البرلمان الحالي.

رابعا: تحقيق الانجاز للعراق وليس للرمز والكيان ،وإعتبار إن أي منجز هوحاصل الجهد المشترك والوطني للجميع.

خامسا: ضمان قوة الدولة والحكومة من خلال العمل على تحقيق مصالح العراق العليا .

سادسا: الحضور الفاعل للأعضاء، ومحاسبة من يغيب دون عذر مشروع  ويحاول  تعطيل جلساته ومهامه.

على الجميع أن يعلموا إن التجديد يبدأ من قانون الانتخابات الذي يتقاذفه السياسيين بين حكومة وبرلمان وأحزاب .وإن المسؤولية الأكبر في خلق التجديد تقع على عاتق المواطن العراقي، الذي يمتلك قدرة التغيير في خارطة البرلمان القادم، وان الذي نتمناه هوأن يسرع السياسيون في تشريع قانون يمنح الناخب القدرة الكافية على الاختيار، فبمثل هذه القدرة سيحقق الناخب التغيير المطلوب. وسيتحمل السياسيون كامل المسؤولية إذا أصروا على غير ذلك ، من خلال نظام القائمة المغلقة مثلا، واعتبار العراق دائرة واحدة، وتعطيل تشريع قانون جديد على أمل العودة لتطبيق القانون القديم ، لان ذلك سيدفع بالناخب إلى التردد في المشاركة في الانتخابات وربما مقاطعتها، مما يعرض العملية السياسية برمتها للخطر ويعرض شرعيتها للتشكيك .

كيف نحقق التغيير؟

بالتأكيد المواطن هوصاحب الصوت وصاحب الرأي وصاحب المصلحة في التغيير نحوالأفضل، من خلال :

أولا: عدم إعطاء صوته لكل من ثبت فشله في البرلمان الحالي ، فلا ينتخب المتهالك على السلطة ومن يغير ولاءاته كلما اقتضت مصالحه.

ثانيا: أن لا يصوت للمجهولين، وان يبحث عن المعروفين، من اجل كسب الوقت والجهد. يجب أن يفكر الناخب بطريقة تمكنه من تغيير ما لا يقل عن ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان، ليضمن تغييرا أساسياَ في الرؤى وأساليب معالجة المعضلات الوطنية. ونقول لا تخلوبلادنا من القيادات الشابة والطموحة والكفوءة، القادرة على قيادة التغيير، ويكفينا مرشحين هامشيين لا يمتلكون الشجاعة على قول نعم ولا جهاراَ .

ثالثا: المشاركة في الانتخابات وليس المقاطعة ، لان التغيير يحصل من خلال المشاركة والتصويت لكل ما هوجديد.

رابعا: على المواطن أن يحرم، على نفسه بيع صوته، لان صوته مستقبل، فإذا باعه فسيساهم في تكريس الواقع الذي يشتكي منه ومتضرر منه.

علينا المطالبة بإجراء استفتاء شعبي عندما يتوافق السياسيون على نظام القائمة المغلقة واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، حيث ذلك يعني مصادرة إرادة الشعب وعرقلة التغيير الذي يسعى اليه المواطن العراقي. قد يكون نظام القائمة المغلقة مكسبا للأحزاب، إلا إنها ليست كذلك للعراق كبلد وللناخب كمواطن ينتظر أن يتغير حاله نحوالأفضل والأحسن. 

وعلى الكيانات السياسية أن تضع في اعتبارها إنها قد تخسر بعض الأرباح الحزبية، إلا إنها بكل تأكيد ستربح نفسها وستربح العراق، كما إنها ستربح الناخب على المستوى البعيد، وهذا هوالمهم الذي يجب أن تفكر به وتضعه نصب عينيها عند التفكير والتخطيط، لتكون مشروع دولة ومشروع وطن ومواطن، وليس مشروع عائلة وتكتل وفئة ومنطقة وحتى مذهب ودين. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com