|
كانت الكويت ثمناً بخس،دنانير معدودات،مقابل سيول الدم العراقي،التي أراقها الطاغية صدام في حربه العدوانية على إيران الإسلامية،لحساب دول الخليج النفطية وحماتها الأمريكان والبريطانيين،ولم يأت الطاغية بشيء جديد عندما سماها حرب الدفاع عن البوابة الشرقية،وليس من قبيل المصادفة أن يكتب أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا في الخمسينيات من القرن الماضي في مذكراته المنشورة باللغة الإنجليزية بأن الأرض العراقية هي الساحة المتقدمة للدفاع عن المنطقة،آنذاك لم يكن العدو المفترض إيران وإنما الاتحاد السوفيتي،فالواضح بأن العراق كان من قبل- ولا يزال- خط الدفاع الأول لحماية المصالح الغربية الاستراتيجية،الاستعمارية والتجارية في السابق والنفطية في اللاحق. لذا نكرر القول بأن الكويت ثمن بخس،لضحايا تلك الحرب المجرمة،وهذا ما اعتقده الطاغية عندما أمر قواته باحتلاله،ولو احتل كل أبار النفط في الدول العربية الخليجية لكانت بمجموعها ثمناً بخس،لكن حسابات الأمريكان والبريطانيين مختلفة،فهم لا يكترثون لو هلك كل العراقيين في تلك الحرب،فالمهم ووحده المهم الحفاظ على المصالح الغربية النفطية والاستراتيجية. عندما احتل الأمريكيون العراق أثبتوا لنا بأن دماءنا بخسة الثمن،ووافقهم الإرهابيون الممولون والمباركون من دول الخليج وبقايا أزلام النظام البعثي. لم يكتف الخليجيون بدماءنا التي اهدروها مع حليفهم الطاغية وصنمهم الأمريكي،بل يريدون كل ما في العراق،الدم والنفط والماء،حتى يببيد ويندثر هذا البلد،ويتحول إلى خندق مترع بالأشلاء والأنقاض. الخليجيون والأمريكان والصهاينة يريدون أن يكون العراق وأهله مطية لمصالحهم أو لا يكون،أما ان يعاونهم العراقيون على ذلك فيخربون بلادهم بأيديهم،بالإرهاب والطائفية والعنصرية والتقسيم والتخريب والرشوة والفساد وحماقات قادة الكيانات السياسية وأتباعهم،فهو الأمر العجاب. بالأمس تغاضى المسئولون العراقيون عن نهب الكويتيين لنفطنا –أبار الرتقا بالتحديد- وعن قضمهم لأراضينا إمتثالاً للمحتلين،واليوم يريدون بيع ما تبقى من نفطنا وذخيرة الأجيال القادمة إلى الشركات الإحتكارية. وحتى الماء لم يسلم من تفريط الساسة ونهب الأعراب،والدليل على ذلك أم الرضمة،وأم الرضمة تكوين مائي،يبدأ في جنوب العراق،وينساب جنوباً إلى دول الخليج الأعرابية،ويمتد على طول ساحل الخليج وخاصة في المناطق المنخفضة،ويتصف بكونه إرتوازياً بشكل تلقائي،ويعد أم الرضمة من أهم الخزانات الجوفية للمياه العذبة في منطقة الخليج. من المستفيد من تكوين أم الرضمة الجوفي العراقي؟ السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر،أما العراق فل،ويستغله الخليجيون في الشرب والزراعة والصناعة واستخراج النفط،والمنتفع الأكبر منه القطاع الزراعي في دول الخليج الأعرابية،حيث يصل معدل استهلاك القطاع الزراعي فيها إلى حوالي 90 بالمائة من مجموع المياه الجوفية المتوفرة،وعلى سبيل المثال تقدر مساحة الاراضي الزراعية في المملكة العربية السعودية بنحو 300 الف هكتار،يسقى 80 بالمائة منها بالمياه الجوفية،ناهيك عن حوالي مليون رأس من الماشية،ومن المعروف بأن الخليجيين هم الأكثر اهداراً وتبذيراً للمياه في العالم،ولو تجولت في مدن الخليج لوجدت بأن مساحات واسعة من شوارعها الفرعية شبه مغمورة بالمياه المتبقية من غسيل مداخل بيوتهم وسياراتهم المتعددة،ولتعلم بأن هذه المياه هي على الأغلب عراقية المنشأة،نهديها إليهم،وهم بدورهم يهادونا الإرهابيين التكفيريين. في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كنا نقرأ ونسمع عن أزمة مياه جوفية في جنوب العراق،وبالتحديد ارتفاع المياه الجوفية بدرجة تهدد المدن والأرياف،فهي في الأراضي الزراعية مسبب لإزدياد ملوحة التربة،أو ما يعرف بالسبخة،وقيل في وقتها بأن بعض المدن العراقية مثل كربلاء تطفوا فوق بحيرات من المياه الجوفية،حتى أن النظام البعثي البائد رصد مبلغ مليون دينار،قبل انهيار سعر تصريفه،لمن يقدم حلاً ناجعاً لمشكلة ارتفاع المياه الجوفية،وربما يتذكر المسافرون من بغداد إلى كربلاء في ذلك الزمن رؤية العشرات من المضخات المنصوبة على جانب الطريق الغربي،وهي تضخ المياه بدون انقطاع من الابار،وتقذفها إلى الأرض الخلاء من دون استفادة. كان العراقيون لاهين عن قيمة المياه،ظناً بأنه مورد غير ناضب،حتى الصيف الماضي،عندما شح الماء،حتى هلك الضرع وجف الزرع وعطش البشر،وتكشف لهم سوء تدبيرهم للمياه،والآن فقط ادركوا قيمة مياه دجلة والفرات،أو يالأحرى ما يتفضل به الجيران عليهم من مياه الرافدين،وتيقنوا بأن مواردهم المائية محدودة،وقد تنخفض إلى الحد الذي يهدد فيه ديمغرافية بلدهم. العراق اليوم بأمس الحاجة لمياه الشرب والزراعة،وكذلك لزيادة المساحات المزروعة،فلماذا يتزاحم الجنوبيون على رقعة محدودة ومصادر مياه متناقصة،تاركين ما حولهم من أراضي بكر شاسعة ومياه جوفية غزيرة؟ وهل الصهاينة أو المصريون أكثر معرفة وقدرة منا في زراعة الأراضي شبه الصحراوية؟ المطلوب أولاً منع الحكومة العراقية من المضي قدماً في مشروعها المشبوه لبيع أو تأجير أراضينا للخليجيين وغيرهم،فهو استعمار من نوع جديد،أو لعلهم يريدون ضمان استمرار انسياب مياه أم الرضمة إلى أراضيهم،ليستفيدوا منها وحدهم ويحرم منها العراقيون،كما على العراقيين التعلم من تجارب الدول الأخرى في استيطان الأراضي شبه الصحراوية،وفي انشاء المجمعات البشرية عليه،والتي ستخفف من الكثافة السكانية العالية على الأرض الزراعية في الجنوب،وتنعش القطاع الزراعي،وتقلل من معدل البطالة،وترفع من مستويات الدخل الفردي،وتعزز أمننا الغذائي،وتخفض استيراداتنا من المنتجات الزراعية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |