فوضى الشرق الأوسط أبواب موصدة بين حربي الخيار والضرورة

 

د.مهند العزاوي

خبير استراتيجي وعسكري

 – مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية.

بحث استراتيجي

saqr_v@yahoo.com

مبدأ اوباما – خطابات سلام على أجنحة الحرب

محارك التدمير الدولي- مشاهد تتجدد ورقع تتحدد

حرب الخيار العراق إعادة الاحتلال على ارض رمال متحركة

حرب الضرورة أفغانستان وهم الحلول العسكرية

اتضحت فلسفة الإدارة الأمريكية الحالية في التعامل مع السياسة الخارجية وخصوصا فوضى الشرق الأوسط, ومن الملفت للنظر أن ما تسمى "الحرب العالمية على الإرهاب" التي أعادت العراق الى القرون الوسطى حسب تقريرAGO مكتب مسائلة الحكومة الأمريكية في عام 2006 كان ميدانها الرئيس والأوحد هو بلدان العالم العربي والإسلامي حصرا ,وقد صنفها الرئيس الأمريكي اوباما"حرب خيار war of choice" العدوان على العراق و"حرب ضرورة war of necessity" على أفغانستان مبررا بذلك جميع جرائم الحرب التي ارتكبها الرئيس الأمريكي بوش وإدارته السابقة في العراق وأفغانستان , وبلا شك أن النزعة العسكرية الأمريكية تذهب بأمريكا الى الهاوية, وهناك تشابه وروابط كبيرة تقارن وضع أمريكا بسقوط الإمبراطورية الرومانية مع فارق أن أمريكا لم ترتق الى مصاف الإمبراطورية , وقد أخفقت في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين, ونسفت الشرعية الدولية واتجهت الى تطبيق شريعة الغاب والقرصنة على الدول الضعيفة الغنية بالثروات, وتلك ملامح حقيقة لزوال القوة الكبرى التي استنزفتها ثلاث محارك تشكل مثلث التأثير والحرب في أمريكا ( الصهيونية العالمية- أصحاب الشركات الكبرى القابضة – النزعة العسكرية لجنرالات الحرب وتجار الحروب)وتلك العناصر الثلاث قد ألغت مفاهيم الدول والأمة والوطن ومنظومة القيم الوطنية المتفق عليها دوليا ,وذهبت تعبث بأمن العالم وباستخدام الشعارات الراديكالية الدينية المتشددة التي تذكي الاحتراب والعنف في كل مكان لتشرعن أهدافها وغاياتها الإستراتيجية وتقوم على استنزاف قدرات الدول الكبرى ولعل بريطانيا كانت أحدى الضحايا , وتلحق بها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من انهيار القدرات المحسوسة والغير المحسوسة من جراء الحروب ومهما عتم عنها الأعلام باستخدام وسائل الدعاية السياسية والإعلامية, ولكنها لا تلغي واقع ملموس , وبدا اوباما في للأمم المتحدة يوم الأربعاء ينتهج سياسة سلفه تدريجيا على وعد مماثل (لـ بوش) عندما قال: "لن اعتذر أبداً" عن الدفاع عن مصالح "وطني".. وبذلك عاد اوباما الى المربع الأول  ووسع الفجوة لـ "معاداة أمريكا"، وهذه السياسات بالتأكيد تقود إلى نتائج عكسية..

مبدأ اوباما خطابات سلام على أجنحة الحرب

توقع العالم تغيير في المنهجية الإستراتيجية الأمريكية (النزعة العسكرية وإذكاء الحروب) بعد تغيير الإدارة السابقة التي حقنت العالم بفيروس الفوضى والعنف والحروب, وكانت خطابات السلام والتهدئة والأمل التي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي اوباما بمثابة جرعة مورفين لتهدئة الجراح وتضميد نزيف الدم الذي طال دول وشعوب العالم العربي والإسلامي حصرا بحروب عبثية ذات منحى راديكالي عقائدي ديني متشدد, تتسق مع فلسفة "صموئيل هنغتون" – "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي "والذي يعلن فيها الحرب العالمية الرابعة على الإسلام وفلسفة حروب الموارد والثروات لـ "بريجنسكي" وقسم فيها العالم على شكل لوحة الشطرنج (لوحة الشطرنج العظمى) والتي تبغي الوصول والهيمنة على ثروات قارة أسيا كهدف نهائي وحدد دول العالم العربي والإسلامي رقع لوجستية متقدمة وأدوات صراع , وشكل بذلك لوحة حرب دموية تلقي بظلالها على شعوب ودول المنطقة وجاءت على شكل ثلاث حروب علنية وسرية في أفغانستان ,العراق ,الباكستان,وخلفت فوضى كبرى في الشرق الأوسط.

 اتضحت عقيدة الرئيس الأمريكي "اوباما" والذي يطلق عليها "مبدأ الرئيس اوباما" وهي تمثل منهجيته الإستراتيجية في إدارة الملفات الداخلية والخارجية, ولعل ابرز ما يهمنا هي السياسة الخارجية التي أضحت محكومة بثلاث محارك رئيسية "اللوبي الصهيوني – جماعات الضغط من الشركات الكبرى – النزعة العسكرية وتجار الحروب" , ويبدو أن مبدأ اوباما من خلال الملامح الحالية يتصف بمزواجة خطاب السلام واستمرار الحرب معا وإسنادهما بتعشيق القوى الثلاث في آن واحد (القوة الصلبة + القوة الناعمة + القوة الذكية ) ويلعب بذلك على المكشوف ويستنفذ أوراقه منذ البداية في محاولة لاستثمار الفوز عسكريا , وباستخدام تجزئة الحرب وإنابة خوضها لوكلاء(أحلاف, دول , منظمات), ونشاهد حلف الناتو يوسع مهامه العسكرية في أفغانستان والعراق وفق تفاهمات سياسية وعسكرية واقتصادية مع أمريكا, وكذلك إسرائيل قد تقدمت رقعة في الصراع من خلال نفوذها الليبرالي الحر في العراق ولبنان والسودان وبعض الدول العربية, وعندما يخاطب اوباما الدول العربية والإسلامية مغازلا لإنهاء تلك الحروب بنفس الوقت يتم إعادة احتلال العراق وزيادة القوات فيه مع تعزيز وتوسيع عمل القوة المكتسبة لقمع الشعب العراقي إضافة الى حلول عسكرية مشابه في وأفغانستان والباكستان, وتلك التكتيكات تسوق إعلاميا وسياسيا  على أنها"الانسحاب وترك البلدان  لشعوبها" , ويبدوا أن مبدأ اوباما الحالي خليط بين مبدأي "روزفلت ونيكسون" وكلاهما أنابوا الحروب للوكلاء بعد إجهاد وتردي القدرات العسكرية الأمريكية في الحروب أي تغليف النزعة العسكرية بخطاب سياسي ناعم.

 يمكن قراءة اللوحة الإستراتيجية الوسطى ومتغيراتها عبر تقدم وتراجع قوى الصراع في رقع متبادلة تارة متقدمة وأخرى متراجعة وبالتأكيد أننا نناقش صراع أرادات وصراع وجود يستهدف بالدرجة الأولى عالمنا العربي والإسلامي, ولا وجود لحسن النية فيه ,ويهدف الصراع الى تحويل عالمنا الى رقع لوجستية حمراء  تشكل رأس جسر سياسي وعسكري واقتصادي للولوج الى ما يطلق عليه "بريجنسكي" القارة الاوراسويه بعد أن تنتزع عوامل القدرة والقوة من دول العالم العربي وتتركه أشلاء متناثرة ودويلات متنازعة محتربة  تحت أطار احتراب العرق والطائفة وهو المشروع القديم الجديد التي تسعى الى تطبيقه الصهيونية أمام تراجع القدرات العربية وبالتالي نرى اليوم مبدأ إسرائيلي جديد "السلام مقابل الاستسلام" بدلا من "السلام مقابل الأرض" أو"السلام مقابل السلام" الذي تجاوزته إسرائيل وجعلته من الماضي وتقدمت رقعة سوادء في لوحة الصراع ونجد أن الرقع الحمراء الملتهبة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن والسودان والصومال تشهد استنزاف للقدرات البشرية والمالية والعسكرية العربية مع التهيئة لمشاريع استهداف  ضمن خطة خداع إستراتيجية متقنة بدقة تستهدف نزع مقومات القدرة العربية وسنتطرق الى ابرز الرقع الحيوية التي تشكل خارطة الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط.

محارك التدمير الدولي- مشاهد تتجدد ورقع تتحدد

كثيرا ما يشبه الخبراء والباحثين عوامل انهيار الإمبراطورية الرومانية مع التداعيات والأزمات الحالية التي تعصف بأمريكا والتي خلفتها إدارة بوش من جراء خوض الحروب العبثية, وهذه الأسباب تتعلق بحجم الأزمات والمعاضل التي تعصف بأمريكا وكذلك حجم الكوارث الإنسانية والأخلاقية وكذلك الاقتصادية التي نجمت من جراء الحروب التي أذكتها أمريكا وخلفت الدمار الكامل لتلك الدول , وأضحى سلوكها  العدواني مخيف ويضع تساؤلات كثيرة عن كيفية وأسباب استخدام القوة اللاشرعي ضد الدول الضعيفة الغنية بالثروات وبذلك فقدت قدرتها على تطبيق الشرعية الدولية والقوانين الدولية وامن دول العالم .

استنزفت محارك التدمير والتأثير (الصهيونية العالمية- أصحاب الشركات الكبرى القابضة – النزعة العسكرية لجنرالات الحرب وتجار الحروب) الولايات المتحدة الأمريكية واستنزفت قدراتها - القوة الصلبة (العسكرية والاقتصادية) , بحروب عبثية خارج أطار الشرعية الدولية واضر بسمعتها وشعاراتها الدموقراطية عندما اتخذت تلك الشعارات مبررا للحروب وتدمير الشعوب, ذلك المثلث المشئوم الجشع كان قد استنزف فيما مضى بريطانيا أيضا وجعلها دولة أوربية في موقع بعيدا عن السيادة, بعد أن كانت الإمبراطورية, ولعل المقارنة قريبة اليوم ويمكن اتساق ومقارنة المشاهد والمسببات التي ستؤدي الى الانهيار بعد أن استهلكت واستنزفت  قدراتها من قبل محارك التأثير والحرب عبر حروب توسعية بإطار أيديولوجي "الشرق الأوسط الكبير" والذي يسعى الى تجزئة وتقسيم العالم العربي والإسلامي الى دويلات صغيرة متناحرة حادة العرق,ويمكن استعرض محارك التأثير والحرب الذي استنزف أمريكا وكما يلي:-

الصهيونية : يظن البعض أن الصهيونية هي اليهودية وفي الحقيقة هناك خلافا كبير وجوهري بينهما كون اليهودية دين وهم أصحاب كتاب, بينما الصهيونية حركة سياسية ذات منحى اقتصادي توسعي تسعى الى فناء العالم وتستخدم عدد من الشعارات والأساطير الدينية المتشددة لتشرعن تحركاتها , وتتلاقح مع عدد من المنظمات الدينية المتشددة وتشكل شبكة عنكبويتة عبر العالم على شكل لوبيات متنفذة تدمر البني التحتية المؤسساتية الاجتماعية والقانونية للدول والأمم والشعوب والمجتمعات وباستخدام كافة الوسائل, ويبدو أنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أضحت تستهلك وتستنزف الدول الكبرى في حروب عبثية.

أصحاب الشركات الكبرى:أصبحت الشركات الكبرى القابضة (المال, النفط, السلاح, المرتزقة, المعلومات,الإعلام..الخ) منظومات كبرى ولها شبكة منافذ لتسويق منتجاتها وهي لا تتسق مع مفاهيم الدول والشعوب وتخرق كافة مقومات الأمن والسلم الدوليين بما فيها الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي والأمن الجسدي والأمن المجتمعي عبر إذكائها الحروب والنزاعات ,وقد تحول العديد من رؤساء عصابات الجريمة المنظمة ( المافيا) الى رؤساء شركات لتبييض الأموال وباتت تلك الشركات تفرض إرادتها على السياسية الخارجية لدول عديدة ومنها الولايات الأمريكية المتحدة وتتدخل في القرار السياسي والحربي , وأصبح لها جيوشها وسياسيها ومنظوماتها ألعنكبوتيه المنتشرة في كافة دول العالم.

النزعة العسكرية وجنرالات الحروب: بعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبحت منظومات الحرب الباردة العسكرية والمخابراتية والاستخبارتية وطاقمهم عاطلين عن العمل لاختفاء التهديد والخصم, وبات جنرالات الحرب ينتخبون العدو ويهيكلون عقول الرأي العام حوله من خلال شيطنة الدول والأنظمة وتسخير وسائل الإعلام وسينما الأمن القومي الأمريكية (هوليوود) لذلك , بل وتخطت ذلك بتصدير فشلها ألاستخباري الى حروب عبثية أفقدت أمريكا قدراتها المختلفة ومصداقيتها في العالم واتجه الكثير منهم الى خصخصة العنف وإذكاء النزاعات والحروب الأهلية تارة لصرف الأنظار وأخرى لتجد أسواق تصريف لمنتج الشركات التي تلاقحت معهم ومع توجهاتهم الحربية, وعندما تبحث في دوافع غالبية حروب الشرق الأوسط ومنها حرب الخليج 1,2,3 ستجد أن من يقف خلفها شركات السلاح وجنرالات الحرب واستراتيجيات شاذة ذات منحى مدمر يستعبد الشعوب ويدمر المجتمعات تحت يافطة الدموقراطية وهذا العنصر بات يشكل عامل سلب لهدم ونخر الدول الكبرى ولعل الاكلاف والأنفاق الأمريكية على حربي ا في العراق وأفغانستان شاهد عيان  وبالإمكان الاطلاع على التقرير الاقتصادي لـ "جوزيف ستيغلتز وليندا بلمز" يؤكد ذلك بالأرقام والحقائق. 

حرب الخيار العراق  إعادة الاحتلال على ارض رمال متحركة

اسمها الرئيس الأمريكي اوباما"حرب خيار war of choice" متجاهلا بذلك ضحايا العراقيين التي بلغت أرقام فلكية بالملايين من قتلى وجرحى ومعوقين ومغيبين ومهجرين وتدمير كامل للدولة العراقية عمرها المعاصر ثمانون سنة, وبذلك يمنح الرئيس اوباما لسلفه بوش  صك البراءة من المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوت الأمريكية في العراق واستخدام القوة اللاشرعي والذي يوصفه القانون الدولي "إرهاب القوة", وكذلك حرب الإبادة للجنس البشري عبر عمليات التطهير الطائفي  وحرب التغيير الديموغرافي عام 2006-2007 والتي خلفت ملايين بين مهجر وقتيل ومفقود ومعوق ليس هكذا تختزل مأساة شعب ونكبة امة أيها الرئيس .

أشار ريتشارد هاس Richard Haas- رئيس CFR في مقالة نُشرتْ مؤخرا يصف السلوك الاستراتيجي للرئيس اوباما كما يلي:- "أن كلا الحربين ما زالتا مستمرتين وبإصرار من قبل اوباما، ذلك أن إستراتيجيته للخروج منهما تتسم بالضبابية blurred من وجهة نظر العراقيين والأفغان، بقدر ما هي كذلك من وجهة نظر الأمريكان , ويبدوا أن إستراتيجيات اوباما مترددة ومرتبكة indecisive and confused.. بالنسبة إلى العراق، تعهد اوباما في كلمته أمام الأمم المتحدة بـ "إنهاء الحرب" و "سحب كافة القوات الأمريكية مع نهاية العام 2011"، ولكن بـ "مسئولية" حتى يتمكن العراقيون "الانتقال لتحمل كامل مسئوليتهم عن مستقبلهم." ويمكن أن يُترجم هذا الكلام كونه (التزام) استراتيجي على المدى الطويل!" ونسال ماهية ملامح الحل ونحن نشهد أعادة احتلال العراق, وكان الرئيس الأمريكي اوباما قد أعلن "إستراتيجية الانسحاب" وفق جداول توقيتات باستخدام حرق وتداخل المراحل لإنهاء الحرب كما أن الاحتلال هو مصدر العنف الأول في العراق ,ومساعدة العراق على انجاز عدد من المراحل والإصلاحات السياسية لتؤمن بيئة مناسبة تحقق الانسحاب الناعم من العراق, وكان أبرزها ,المهجرين العراقيين الذين أصبحت معاناتهم الإنسانية لعبة وبيادق ضغط  بيد الساسة الحالين ويمارسون شتى أنواع الضغط على الدول التي تحتضنهم في محاولة لتسويف وتطبيع هذا الملف والتنصل عن المسؤولية, وباستخدام وسائل الدعاية السياسية والإعلامية الرخيصة ضدهم والتعتيم على من ارتكب جريمة التهجير ضدهم  وتعد جريمة إبادة للجنس البشري وفق توصيف القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية ,وبشر اوباما أيضا بخلق  بيئة سياسية جديدة تعتمد على التوافق السياسي والمصالحة الوطنية وجلد الذات ومحاسبة المجرمين والمقصرين والمفسدين (حكومة عراقية تقبل المسائلة) , وأشار الى ضرورة وجود قوات أمنية عراقية غير طائفية وبات سلوك تلك القوات بعد الخطاب طائفيا بامتياز, ولم يشير الى وجود جيش عراقي يقوم بمهام الدفاع عن العراق وليس كما نشاهد قوات خفيفة تقوم بمهام شرطية وحماية طرق وعقد المواصلات وينخر بنيتها الهيكلية  المحاصصة الطائفية والحزبية والافتقار الى وحدة القيادة, وبالتأكيد هو نتاج الدستور الذي يشير الى قوات مسلحة فيها توازن المكونات وفق منهجية الأحزاب "المحاصصة" وهذا مالم يحدث في أي دولة بالعالم حتى وان كانت حديثة العهد , وذكر أيضا تسليم العراق الى أهله, وها هم أهل العراق تمارس ضدهم قوات الاحتلال  أقسى وسائل القهر والتعذيب والإذلال في الشوارع والمعتقلات ويبدوا ان هناك غاية مبطنة لخلق بيئة تقسيم العراق بثلاث دويلات والتي ملامحها واضحة للعيان من خلال السلوك السياسي والعسكري, يبدوا أن الرئيس الأمريكي قد تسللت إليه خفافيش الظلام من المنتفعين والمرتزقة والانتهازيين (واشنطن بلاتواي -العراق بلاتواي) التي تصور العراق واحة خضراء تنعم بالخير والرفاهية والأمن والسلام والوئام ولو بحث الرئيس الأمريكي بحال العراق ونكبة شعبه ليجد الحقائق المظلمة التي يعرفها شعب العراق وسيجد ببساطة هناك مئات المشاريع الوهمية التي صرفت لها مليارات الدولارات لا وجود لها على ارض الواقع في اكبر عملية نصب واحتيال وفساد عرفها التاريخ لنهب ثروات شعب وتقزيم قدرات امة لها سجل حضاري ناصع في تاريخ البشرية .

  يمكننا توصيف المشهد العراقي بعد إستراتيجية الانسحاب بأنه "إعادة احتلال على ارض رمال متحركة" وأضحى العراق بيئة حربية قلقلة قابلة للتشظي, خصوصا إذا علمنا أن هناك ما يقارب 160 ألف جندي أمريكي(قوات احتلال) وما يقارب 200 ألف متعهد عسكري ومدني ضمن قدمات عسكرية ولوجستية ومعلوماتية وقد جددت غالبية عقودها وبموافقة الرئيس الأمريكي اوباما, وتسعى قوات الاحتلال الأمريكي من خلال أعادة انتشارها كما يبدوا الى أعادة احتلال العراق بالتعشيق الثلاثي (قوات نظامية + مرتزقة+ قدرة مكتسبة) وفقا للنزعة العسكرية المتغطرسة التي تتجه الى الحلول العسكرية وذلك باستخدام تكتيك نشر القوة المكتسبة في الرقع الحمراء والمعالجة بقوات المارينز الأمريكية (العمليات الخاصة) التي جرى تشكيلها وتدريبها في أمريكا لتنفيذ العمليات الخاصة ( الاغتيالات والقتل المفاجئ والاعتقالات) التي تتطابق في ملامحها العملياتية والتعبوية العمليات الخاصة الإسرائيلية في فلسطين , ويبدوا أن إسرائيل استلمت الملف العراقي وتتجه الى تنفيذ المشروع الصهيوني (تقسيم العراق) بممارسة كافة أنواع القمع واستخدام القوة المفرط وبموائمة كافة الموارد العسكرية والمخابراتية وشبكات التجسس الذي يطلق عليها تجميلا "المخبر السري"  ويجري صرف الأنظار عن ما يجري من جرائم ومجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل تلك القوات وذلك بأشغال الرأي العام بمارثون الانتخابات القادمة , ويبدوا أن الطبقة السياسية في واد والشعب العراقي في واد أخر, ومن الواضح أن جميع الخطابات والتصريحات الأمريكية التي تنوه على الانسحاب من العراق لا تعدو سوى صفحة من صفحات "الخداع الاستراتيجي", خصوصا أذا علمنا أن العمل العسكري وزيادة القوات الأمريكية في تزايد مستمر منذ  إعلان إستراتيجية الانسحاب من العراق وحتى الآن ناهيك عن توسيع شبكة المعتقلات في العراق التي يمارس فيها شتى أنواع التعذيب والقهر النفسي والإذلال, وحملات اعتقال واسعة شملت غالبية المحافظات العراقية مما يوسع دائرة الاضطهاد للمواطن العراقي  وهذا  مما يعطي دلالة واضحة لأي مخطط استراتيجي أن القرار في العراق يتجه الى حلول عسكرية ومخابراتية واهمة نابعة من غطرسة القوة , ويتسق معه فشل الملف السياسي الذي أصبح ميدان سباق وصراع لمغانم شخصية وفئوية واستخدام المال العام لتلميع الشخص والحزب دون مكاسب وطنية تذكر , وباتت حمى تشكيل القوى والقوائم الانتخابية تلقي بظلالها على تضاريس خارطة الصراع على السلطة دون الأخذ بنظر الاعتبار حجم المعاناة والكوارث التي تعصف بالعراق والناخب العراقي الذي لن يكسب سوى الجوع والبطالة والاعتقالات والتعذيب والتهجير وانهيار الخدمات الأساسية وفقدان الأمن, مما يولد رد فعل شعبي سلبي تجاه العملية السياسية التي خلفت ملفات متفجرة في كل مكان,خصوصا أن المحرك الأساسي للعنف في العراق هو الاحتلال الأمريكي لا يزال هو اللاعب الرئيس المتحكم بالمشهد السياسي والعسكري والاقتصادي, وبالتأكيد وفق المعايير الإستراتيجية خيار القوة المغلف بمزاعم الانسحاب وخطاب السلام في العراق يعد ارض رمال متحركة يقود الى هزيمة عسكرية مؤجلة تلقي بظلالها على الأزمات التي تعصف بأمريكا.  

حرب الضرورة أفغانستان وهم الحلول العسكرية

تبنى الرئيس الأمريكي اوباما هذه الحرب وأطلق عليها "حرب ضرورة war of necessity" على أفغانستان وبذلك لا تغيير في النزعة العسكرية والحربية الأمريكية,بل اتجه الرئيس الأمريكي وجنرالاته الى فكرة نقل تجربة "الصحوة" وتفتيت البنى التحتية الاجتماعية  والحرب الديموغرافية من العراق الى أفغانستان, ولم تجد منفذا لها هناك بل ازدادت وتيرة العنف والهجمات واستخدام القوة المفرطة , مما ولد رد فعل عكسي حقق أجماع مجتمعي في أفغانستان يعزز صمود مقاتلي طالبان وكذلك هناك أصوات من داخل أمريكا تطالب بالانسحاب وإنهاء الحربين في العراق وأفغانستان  وكذلك مطالب تركية للتفاوض مع طالبان لإنهاء الحرب, وتندرج  الحرب في أفغانستان بما يسمى "الحرية الدائمة" وأضحت شعارات الديمقراطية محرك للحرب, وجاءت هذه الحرب وفق إرادة مزدوجة إستراتيجية واقتصادية تذكيها عقيدة دينية متشددة كما اشرنا وفق فلسفة "هنغتون" واقتصادية وفق فلسفة "بريجنسكي" وموشحه بالحرب العالمية على الإرهاب , وابرز دوافع تلك الحرب هي, المخدرات, شبكة نقل النفط, شبكة نقل الغاز,نفط بحر قزوين,الحصول على رقعة متقدمة في القوقاز نحو الهيمنة الغير مباشرة على كل من الهند والصين وروسيا وكوريا الشمالية تمهيدا للهيمنة الكاملة وفق مفهوم برزنسكي, وتصر حكومة طالبان على أنها لم تكن طرفا في الصراع أو لها يد بأحداث الحادي عشر من ايلول2001, ويكابر قادة الحرب الأمريكان بسيطرتهم العسكرية وهم في وضع سلبي للغاية من الناحية العسكرية والإستراتيجية, وميدانيا باتت طلبان تسيطر على مايقارب80% من أفغانستان وتمارس مزاوجة القوة الصلبة والناعمة بحرفية عالية حيث تترك خيار لأمريكا بمغادرة أفغانستان وإنهاء الحرب فيها بدلا من الهزيمة العسكرية.

أشار "ريتشارد هاس" بوصف السياسات بخصوص أفغانستان فإنه "ما زال في حالة ارتعاش وتعرجات wavering and meandering بعدم التسرع في إرسال تعزيزات كبيرة، وبالنتيجة تحاشي تحذيرات الجنرال Stanley McChrystal- القائد الأمريكي لقوات الناتو- في تقريره السري الذي تسرّب مؤخراً من أن: "الموارد وحدها لا تكسب هذه الحرب، لكن عجز هذه الموارد يمكن أن يقود إلى خسارة الحرب... كافة الجهود العامة المبذولة آخذة بالتدهور(نحن نتعرض لخطر هزيمة إستراتيجية)."

نعم أنها ملامح هزيمة إستراتيجية تلحق بالولايات المتحدة الأمريكية مالم تعيد الإدارة الأمريكية حساباتها بعيدا عن النزعة والحلول العسكرية وغطرسة القوة واستعباد الشعوب ليقوم الرئيس اوباما بتنظيف وكنس مخلفات بوش  وحروبه العبثية باستخدام  حلول سياسية وبمنحى عقلاني في العراق وأفغانستان والباكستان والتخلي عن فلسفة الحرب الديموغرافية  ضد العالم العربي والإسلامي لان الشرق الأوسط  في حالة فوضى وانهيار وكثرت فيه المناطق الرخوة وغالبا ما تقود الى الانهيار الشامل, وجميع الأبواب موصدة حتى الآن ولا ضوء في نهاية الأنفاق الإستراتيجية,  وأصبحت الحلول العسكرية استنزاف يقود الى هزيمة كبرى.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com