|
يمكن تشبيه العلاقة السورية العراقية تاريخيا وحتى اليوم برأسي خط مستقيم كلما ارادا الالتقاء في نقطة واحدة وجب إما ليّ عنق الخط لنشكل دائرة بيضاوية مضغوطة وقابلة للارتداد العكسي، وإما ان نقوم بعملية مسح لخط المستقيم تماما لتبقى لدينا فقط نقطة التقاء بلا مسافة تذكر، أي ان نحرق المسافة الفاصلة بين الرأسين ليتحد كلا الراسين في نقطة واحدة !!!. في عام 1979م كان مقررا ان تقوم وحدة اندماجية نهائية بين العراق وسوريا وعند نقطة الالتقاء الاخيرة التي حرقت ومسحت جميع الخط المستقيم لالتقاء النقطتين في حيز واحد وفجأة أطاح المقبور صدام حسين بأحمد حسن البكر من السلطة وليستلم هو قيادة البلاد بالقوّة ليضع مع ذالك حدّا فاصلا للعلاقة السورية العراقية، وأن يزيد من الخط المستقيم مسافة بين سوريا والعراق لتعود الامور اسوأ مما كانت عليه قبل التفكير بالاندماج والوحدة !!. وفي عام 2009 م قام رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي بزيارة تاريخية الى سوريا، وليعقد من ثم صفقات سياسية وتجارية وامنية وثقافية ومائية .....الخ، بين البلدين الى حدّ وصول هذه الاتفاقيات الى إقامت اواصر شبه اندماج استراتيجي بين العراق وسوريا وعلى جميع الاصعدة والمستويات، وفي اليوم الثاني من عودة رئيس الوزراء العراقي من زيارته لسوريا حدثت انفجارات 19 آب في الاربعاء الاسود، لتتلاحق على اثر هذه الانفجارات التداعيات وليلقى القبض على الشبكة البعثية الصدامية المنفذة للارهاب ولتعترف بان المخططين والممونين هم بعثية العراق المتواجدين في سوريا وبمساعدة اجهزة امن سورية ايضا !!!. وعلى الفور انهار كل شيئ في العلاقة السورية العراقية المُراد انشاءها بين نقطتي الخط المستقيم بين سوريا والعراق وقبل حتى ان يجفّ حبر الاتفاقيات المبرمة بين البلدين ولتعود العلاقات اسوأ من سابق عهدها في تنافر الاتجاهات واختلاف المسارات !!. ربما انها تلك المعادلة المعقدة التي بين سوريا والعراق في نقطتي الخط المستقيم التي لاتقبل الالتقاء في نقطة واحدة الا بأن تحرق المسافة بينهما او تمسح تماما لتكونا نقطة واحدة، ويبدو ان هذا الشيئ صعب جدا على العراق وسوريا ان يتنازل كلا البلدين عن جميع خطوط الفصل بينهما، أو بأن تلوى عنق الخطوط ليلتقي البلدان على نقطة واحدة ولكن مع خلق ضغط القوس او الوتر المشدود بين البلدين في هذه العلاقة ما يعني توقع ارتداد في العلاقة بين البلدين بقوّة التوتير والثني الذي حصل لراسي البلدين كي يلتقيان مما يأتي دوما بارتدادة قوية جدا في العلاقة ولأدنى سبب كلما اعتقدنا ان نقطتي العراق وسوريا وصلا الى نقطة التقاء واحدة !!. او ربما العلاقة السورية العراقية ليس بحاجة الى تشبيهها بمعادلات رياضية وقوانين فيزيائية تصور لنا الارتداد والالتقاء في العلاقة، وانما هي الظروف السياسية الداخلية والاقليمية والعالمية لكلا البلدين تفرض هذا النوع من العلاقة الغير مستقرة على طول الخط، مايعني ان سرّ ظاهرة الالتقاء بين العراق وسوريا التي تستهلك الجهد الدبلماسي الكبير والفترة الزمنية الطويلة في الالتقاء، بعكس ظاهرة الارتداد والتنافر التي ليس هي بحاجة الى اكثر من تفخيخ سيارة تنفجر في بغداد او حلب، هذه الظاهرة خاضعة في واقعيتها لتلك المعادلات السياسية العراقية السورية الداخلية والخارجية والاقليمية وغير ذالك، وليس هناك كما ربما يتوهم البعض قوانين قدرية ورياضية هي التي تتحكم بهذه العلاقة !!. على اي حال لابد لنا ان نسلّم جميعا ان هناك معادلة تتحكم في العلاقة السورية العراقية، وهي معادلة معقدة ويجب البحث فيها وفي اسبابها الجوهرية والاخرى العرضية التي تتبلور في الظروف السياسية الداخلية والخارجية لكلا البلدين وايضا الاقليمية والعالمية وغير ذالك هي التي تحدد مسار سياسات العراق وسوريا، ولماذا ودائما وحيث لانشعر تنفجر الخلافات بين البلدين في الوقت الذي فيه يكون البلدان بامس الحاجة الى هذه العلاقة !!. نعم سوريا بحاجة فعلا الى عمقها الشرقي في العراق وهي لم تزل تخوض صراعها مع المحتل الصهيوني لارضها، وهي ايضا بحاجة الى حلقة الوصل التي يوفرها العراق مع حليفها الاستراتيجي الايراني الذي اصبحت علاقته بسوريا ليس محل شك مطلقا، وكذالك سوريا بحاجة الى العراق ليكون لها منفذا بحريا اخر على الخليج العربي مع منفذها الغربي على البحر الابيض، وسوريا بحاجة الى العراق لموارده النفطية واسواقه التجارية، وسوريا بحاجة الى العراق باعتبار ان العراق يشكل نصف وجهه خليجي والاخر عربي قومي مايعني معادلة حيوية جدا لسوريا ان تكسب العراق الى جانبها ليكون هو وليس غيره المنفذ البري الطبيعي لسوريا الى الخليج العربي، وسوريا بحاجة الى العراق ......الخ، كل هذا يوفره العراق لسوريا بقدر ماتوفر سوريا للعراق مثل ذالك في حاجة العراق لمنافذ بحرية غربية صاعدة حتى البحر الابيض، وحاجة العراق لجسر الهوة بينه وبين لبنان من خلال الفضاء السوري، وحاجة العراق للخبرات والاسواق والمياه وخطوط التجارة السورية .....الخ، كل ذالك هو حاجات متبادلة بين العراق وسوريا ومع ذالك فإن كلا البلدين استسلمى تماما لقدر العلاقة المتنافرة اكثر من الايمان بامكانية الالتقاء بين القطبين على معادلة مغايرة لنقطتي الخط المستقيم، مما يدفعنا وبقوّة الى اعادة السؤال اكثر من مرّة ب : لماذا قدر العلاقة السورية العراقية ان تكون بهذا الشكل من التنافر على طول الخط السائر افقيا ومهما تغيرت المسارات ؟. هل بسبب ان قادة كلا البلدين ولطول فترات التقاطع على فترات الالتقاء اصبح هناك إدمان واستلذاذ عملية التباعد اكثر من عملية التقارب والالتقاء ؟. أم ان هناك عوامل اقليميا وداخلية ودولية لكلا البلدين ترى في تقارب العلاقة السورية العراقية ضرب لمصالحها الانية ولهذا تعمل هذه الاصابع على تهديم اي جسور يُراد لها ان تربط بين العراق وسوريا ؟. بمعنى آخر : هل ان العلاقة السورية العراقية اذا اُريد لها ان تبُنى بشكل مختلف وقوي ومتميز في منطقتنا هذه، فيجب ان يكون هذا الامر على حساب مصالح دول ومنظمات وتجمعات اخرى قائمة في داخل كلا البلدين وبين اقليم كلا الوطنيين ولهذا نرى تلك الاصابع الاقليمية والداخلة والعالمية التي سوف تتضرر من قيام تلك العلاقة بين العراق وسوريا هي التي تتحرك دوما في اخر دقيقة لضرب هذه العلاقة والاتيان عليها من القواعد ؟. أم إن تشكيلة كلا البلدين العراق وسوريا وبغض النظر عن الاصابع الخارجية والداخلية التي سوف تتضرر ان فكر البلدان باقامة علاقة استراتيجية وقوية هذه التشكيلة هي من الاساس قائمة على قواعد تتنافر او تتصارع او تتدافع ..فيها مصالح العراق وسياساته مع مصالح سوريا وسياساتها المعلنة ؟. بمعنى آخر : هل بسبب ان كلا البلدين يشتركان بفضاء فكري وثقافي وجغرافي واحد فانهما لايتسعان الا لقيادة واحدة لاغير اما في العراق واما في سوريا ولذالك تنشأ صرعات السيطرة بين البلدين على القيادة فيهما بحيث ترى القيادة في سوريا ضرورة ان يكون العراق تابعا لمخططاتها السياسية، كما ترى القيادة في العراق استحالة ذالك الامر فتتشكل الصراعات القيادية بين البلدين ؟. أم ان الموضوعة ليس بهذا الصدد بالتمام وانما هناك سوء تخطيط دبلماسي وتنسيق سياسي خارجي ليس الاّ بين البلدين هو الذي يساهم دوما بابتعاد كلا البلدين عن نقاط الالتقاء والتحاور والتنسيق في المواقف السياسية والتكاملات الاقتصادية وغير ذالك ؟. إن هناك في الحقيقة الكثير من الاسألة التي يمكن ان تثار حول العلاقة السورية العراقية، كما ان هناك الكثير من المحاور التي بحاجة الى تسليط الاضواء على عتمتها وتجريف تربتها لنتعّرف على ماهية هذه التربة ولماذا هي ومنذ زمن طويل لاتقبل الزرع ولاتصلح لان تكون الارض الصالحة لزراعة العلاقة بين البلدين ؟، كما ان هناك شيئ يختص في الثقافة السياسية العراقية وكذا السورية وهو : نقص مكتبتنا الثقافية السياسية العراقية قبل السورية الى الطروحات التي تتناول هذه العلاقة في التاريخ وحتى اليوم مع اشكالياتها وكافة صورها وازماتها ولماذياتها ووضع الحلول والكيفيات للتغلب عليها ...الخ؟،ما جعل مفهوم العلاقة السورية العراقية من المفاهيم الثقافية السياسية القليلة التواجد في مفردات العقل السياسي العراقي التي تؤسس لافق ورؤية هذه العلاقة وكيف بدأت ولماذا دائما تنتهي بهذا الشكل التراجيدي الخطير ؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |