ابتلاع ما تبقى من فُتات فلسطين ونحن غافلون

 

د. شاكر النابلسي

akhbaarorg@googlemail.com 

هل انتهت القضية الفلسطينية بالخلاف المستحكم بين "فتح" و"حماس"؟

هل ربحت إسرائيل فلسطين؟

وهل ساعدت القيادات الفلسطينية الحالية على كسب إسرائيل لفلسطين؟

وأين أصبح حل الدولتين الآن؟

 وأسئلة كثيرة، يطرحها الرأي العام العربي والعالمي، وكلها تشير في أجوبتها المختصرة إلى أن حُلم أوباما بإقامة الدولتين اليهودية والعربية في فلسطين الذي تحدث عنه في خطابه بجامعة القاهرة في 4/6/2009 قد تبدد، بل أصبح كابوساً من كوابيس السياسية. وكما يُخفِق الآن أوباما باعتراف مبعوثه إلى الشرق جورج ميتشل، في تحقيق حلمه وحلم العرب والمسلمين وحلم العالم كله، فقد أخفق جورج بوش الابن من قبله، وأخفق الرئيس كلينتون، وأخفق جورج بوش الأب، وكافة رؤساء أمريكا السابقين، وأخفقت معهم كل مبادرات السلام منذ 1948 حتى الآن. وكل هذا كان بفعل إسرائيل، وبفعل العرب كذلك.

 لا أرض مقابل السلام

فهل انتهت القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، التي كسبت معركة الأرض بدون جهد، وبدون مقايضة الأرض بالسلام؟

 يبدو أن الأمر كذلك.

فإسرائيل ما زالت ماضية في بناء المستعمرات الجديدة في الأرض الفلسطينية.

 وإسرائيل ترفض رفضاً بائناً الآن، شعار الأرض مقابل السلام. وهي التي عرضت الأرض مقابل السلام عدة مرات في السابق من القرن الماضي، وفي مناسبات عدة. ولكنها الآن ترفض مثل هذه الصفقة، بعد أن تبين لها أن السلام العربي غير مهم لها، ولن يتحقق، ولا يستحق أن تبادله بالأرض المقدسة والغالية والتاريخية. فخلال ستين عاماً مضت، عرضت إسرائيل عدة مرات في السبعينات والتسعينات خاصة وبوجود قادة إسرائيليين أقوياء وواقعيين، أمثال مناحيم بيجن وإسحق رابين، مبادرات للسلام مع العرب مقابل الأرض، ولكن العرب كانوا يرفضون هذه المبادرات بوجود قادة قوميين متعصبين من أمثال حافظ الأسد وصدام حسين، كانوا يرون في "الممانعة"، وبرفض السلام العربي- الإسرائيلي، ضمان قوتهم السياسية المحلية، وبقاء حكمهم. فالسلام فُرصٌ، كما أن الحرب فُرصٌ كذلك. وللسلام رجاله الشجعان والواقعيين والمتبصرين، أكثر من رجال الحرب، التي تحكمها وتدفعها دفعاً العواطف، والغرائز، والرغبات الشخصية. والسلام له طرفان، أما الحرب فلها طرف واحد فقط.

 

 رفض السلام العربي الرخيص

 فلماذا ترفض إسرائيل السلام العربي مقابل الأرض، وهي الصفقة السياسية التي عرضتها على العرب في الماضي عدة مرات، ولم تجد من يشتريها، وبقيت بائرة إلى عام 2002، حين قدم الأمير/الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرته في مؤتمر القامة العربية في بيروت، وذلك على إثر كارثة 11 سبتمبر 2001، واتهام العالم للعرب بأنهم قوم إرهابيون، قتلة، وأعداء للسلام؟

 

هناك أسباب كثيرة منها:

 1- اقتنعت القيادات الإسرائيلية ومعها الرأي العام الإسرائيلي- وهو رأي مهم وفعّال وضاغط – أن العرب لن يقبلوا بإسرائيل دولة مستقلة في وسطهم. وهم إن وقعوا معها معاهدتين للسلام (كامب ديفيد المصرية 1979 ووادي عربه الأردنية 1994)، فإن هاتين المعاهدتين وقعتا بين زعماء البلدين المتعاقدين فقط، وليس بين شعوبهما. وأن هاتين المعاهدتين لم تخطُ سنتيمتراً واحداً نحو تطبيع العلاقات المصرية والأردنية – الإسرائيلية. فكان أن كسبت مصر والأردن استرجاع الأرض، ولم تفز إسرائيل بالسلام. وكان الرابحان في هاتين المعاهدتين مصر والأردن، والخاسرة هي إسرائيل، التي خسرت الأرض، ولم تكسب السلام، الذي اختُصر وتقزَّم في سفارة بعمارة أو سفارة في فيلا، لا يستطيع معها السفير الإسرائيلي أن يزور، أو يُزار. وقد قرأنا مؤخراً ما حصل للدكتوراه المصرية هاله مصطفى رئيسة تحرير مجلة "الديمقراطية"، التي تصدر عن دار "الأهرام"، عندما استقبلت السفير الإسرائيلي في مكتبها بناءً على طلبه. وقال بعض الخبراء الإسرائيليين، أن التطبيع يجب أن يتم قبل توقيع أية اتفاقية سلام جديدة مع أية دولة عربية أخرى، كفتح السماء العربية أمام الطيران التجاري الإسرائيلي، وتبادل البعثات العلمية والطلابية، والسماح ببيع الكتب الإسرائيلية في السوق العربية، والكتب العربية في إسرائيل، وتبادل زيارات الأكاديميين والمثقفين في كل من إسرائيل وبلدان العالم العربي، ونزع شوكة الحساسية العربية من الصهيونية من الحلق العربية.. الخ.

 2- أن إسرائيل عندما كانت تسعى للسلام مع العرب، كانت أضعف مما هي عليه الآن، وخاصة في المجال الاقتصادي. وكانت تظن أن فتح الأسواق العربية أمامها، بموجب معاهدة سلام دائم، سوف ينعشها اقتصادياً. ولكن تجربتها مع مصر والأردن لم تؤكد ذلك. بل على العكس، كان هناك التشدد والممانعة والمقاطعة من المستهلك العربي تجاه المنتجات الإسرائيلية في هذين البلدين أكثر من ذي قبل. وكلنا قرأ قبل أسابيع، الضجة الكبيرة، نتيجة لما حصل في الأسواق الأردنية، عندما اكتشفت بعض النقابات والأحزاب الأردنية، وجود فواكه وخضروات إسرائيلية رخيصة وبنوعية جيدة في السوق الأردنية، ولا ينتجها الأردن.

 3- أصبح الرأي العام الإسرائيلي سلبياً تجاه السلام مع العرب، بعد أن تكررت العمليات الفدائية الانتحارية، من قبل "حماس"، والمليشيات الدينية الفلسطينية الأخرى. وأيقن الرأي العام الإسرائيلي، بأن الدفع الكبير للمقاومة المسلحة، كما كان في فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي (ثورة القسّام 1935)، ما زال حاداً وقوياً. وأن السكين العربية ما زالت تلتمع، لذبح الخنزير الإسرائيلي، كما تقول معظم الأدبيات السياسية العربية. وأن السلام إن تمَّ التوقيع على معاهدته مع العرب، فلن يصدَّ عرب فلسطين أو غيرهم عن القيام بالعمليات الانتحارية داخل إسرائيل، لذا كان جدار الفصل العنصري، - الذي بنته إسرائيل- هو أحد الوسائل لصدِّ مثل هذه العمليات مستقبلاً، ما دام ميثاق حماس لعام 1988 نصَّ صراحة في مادته الثالثة عشرة - التي تقول برفض التسوية السلمية من خلال التفاوض - على:

"تتعارض المبادرات، وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية. وما تلك المؤتمرات إلا نوع من أنواع تحكيم أهل الكفر في أرض المسلمين. ولا حلَّ للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد."

 وهذا ما قاله الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني في صحيفة "معاريف 25/9/2009" محذراً الإسرائيليين من سلام العرب الموهوم :

 "ميثاق حماس هو أساس الصراع بين إسرائيل وحماس. وهذا الميثاق ضد السامية، وهو يوضح أن "حماس" لا تختلف عن الطالبان، بل على العكس، هي أسوأ منها. قادة حماس يصرحون بأنهم يتضامنون مع الطالبان، ويرغبون في السيطرة على العالم الحر كله ، ويتحدثون عن كراهية اليهود، وإلغاء وقف إطلاق النار مع إسرائيل."

4- قناعة إسرائيل التامة، بأن لا اتفاق سيتم بين "فتح"، و"حماس". وبالتالي، فإن خيار المقاومة المسلحة هو الغالب. وها هو مؤتمر المصالحة  في القاهرة يفشل، وبقيادة أكبر دولة عربية. فما بالك عندما تتوسط دولة عربية صغيرة في مثل هذه المصالحة؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com