|
مكافحة الفساد بين الواقع والطموح محمد علي محيي الدين استشرى الفساد في الدولة العراقية أيام النظام البائد وأتخذ أوجه ومناحي عديدة رغم القبضة الفولاذية للدولة وكانت له أسبابه ومبرراته التي لا نقرها رغم أنها من أسبابه ودوافعه حيث كان التضخم أعلا بكثير من مستوى الرواتب مما دفع بالكثير من الموظفين لسلوك هذا الطريق الوعر ،وأستمر هذا الفساد بالتصاعد بنسب مضطردة حتى سقوط النظام فأتخذ أشكال جديدة أدت الى استفحاله وانتشاره بشكل أوسع رغم فقدانه لمبرراته التي أشرنا إليها بعد ارتفاع مداخيل ذوي الدخل المحدود الى مستويات مقبولة وأن تفاوتت بين وزارة وأخرى بسبب فقدان التخطيط الواعي وعدم وجود قوانين سليمة للخدمة المدنية،ولكن الفساد الأكبر كان في قمة الهرم بسبب الأموال السائبة التي طرحت في السوق العراقي من قبل سلطة الاحتلال مما جعل الكثيرين ينغمسون في فساد ليس له مثيل ساعد عليه ضعف الخبرة الإدارية لمن تولوا مقاليد السلطة في العراق واستعانتهم بمافيات العهد ألصدامي التي كانت في الذروة من التدني الأخلاقي والفساد المالي والوظيفي مما جعل جميع مشاريع الأعمار تضيع بين الفاسدين من كبار رجال الدولة وشجع الصغار على سلوك هذه الطرق السافلة وأغرق البلاد في دوامة من الفساد جعلت العراق في مقدمة الدول الفاسدة. وتولى مشاريع محاربة الفساد أناس فاسدين (من البيضة) مما ساعد على نمائه وديمومته وانتشاره حتى أصبح سمة للحكومة العراقية ساعد على انتشاره وزراء المحاصصة الطائفية الذين نموا في هذا الجو الفاسد واستغلوا سلطتهم في الاستحواذ على المال العام لبناء أحزابهم وتأسيس كارتلاتهم المالية الضخمة ،ورغم مطالبات الهيئات المختصة بتسليم بطاقات التحقق من ماليتهم إلا انهم ماطلوا في تسليمها ليغطوا على فسادهم والفضائح في هذا الجانب معروفة للجميع ،ولا زال هذا المرض الخبيث ينخر في جسد الدولة العراقية رغم المحاولات البائسة لإنهائه والتي لم تؤدي غرضها بسبب الآليات الخاطئة التي أتبعت في محاربة الفساد و وجود القوانين المساعدة والكتل المساندة له مما أثقل كاهل الدولة وأضر بالاقتصاد الوطني وأودى به الى حافة الانهيار. ويبدوا أن الحكومة العراقية بدأت تشعر بضرورة إيقاف هذا النزيف المدمر (ونتمنى أن لا يكون لأغراض انتخابية) فأعلنت عن لسان الأمين العام لمجلس الوزراء عن قرب إطلاق إستراتيجية لمكافحة الفساد ،وقال العلاق في تصريح خص به "الصباح" إن مطلع الشهر المقبل سيشهد إطلاق إستراتيجية مكافحة الفساد للسنوات الخمس المقبلة تعد الأولى من نوعها في البلاد.وأضاف إن المجلس المشترك لمكافحة الفساد عكف خلال الأشهر الماضية على إعداد خطة خمسيه إستراتيجية لمكافحة الفساد، منوها بان المدة القليلة المقبلة ستشهد انجازها بشكل نهائي، مشيرا الى إنها تعد واحدة من أفضل الإستراتيجيات الخاصة بمكافحة الفساد بشهادة المنظمات الدولية.وأوضح بان الإستراتيجية التي ستطلق مطلع الشهر المقبل وضعت على أسس واقعية وتشخيصات دقيقة تغطي مسببات الفساد وظواهره، لافتا الى إنها ستستهدف قمة الهرم نزولا الى الأسفل وليس العكس، إذ تم حصر 200 ظاهرة فساد تم وضع المعالجات الخاصة بهدف الحد منها والقضاء عليها.وأشار الى إن المجلس المشترك لمكافحة الفساد عمل بمستويين، الأول الوقاية والثاني المكافحة، فضلا عن استثمار جهود المؤسسات الرقابية التي تعمل بشكل تصاعدي سواء مكاتب المفتشين العموميين أو هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، لاسيما بعد التطورات الكبيرة في هذا الجانب، إذ إن عمل هذه المؤسسات يجري بشكل منهجي بعد استقرار هيكليتها والتنسيق الجاد فيما بينها، مثال ذلك الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة التي تمثل جهدا مشتركا بين كل تلك المؤسسات، لافتا الى تحقيق نتائج مرضية في بعض المؤسسات الحكومية في بغداد، إذ تم تسجيل انخفاض كبير في تعاطي الرشوة.وتابع الأمين العام انه خلال الاجتماع الأخير لمجلس مكافحة الفساد تقرر استمرار حملة مكافحة الرشوة لمدة سنتين أخريين كي لا يشعر الموظف إنها حملة وقتية، في الوقت ذاته يتم العمل على تغيير السياقات البيروقراطية ومكافحة الروتين وتقليل الاحتكاك بين المواطن والموظف وصولا الى النافذة الواحدة من دون المرور بحلقات متعددة لان كل حلقة تمثل فرصة فساد). وفي جانب التقليل من الحلقات الزائدة على الحكومة السعي لإلغاء الكثير من المستمسكات المطلوبة في كل معاملة وانجاز البطاقة الموحدة التي تغني عن عشرات المستمسكات التي تطلب في كل معاملة مما يسبب زخما على مؤسسات الدولة وثقلا على المواطن،وإلغاء الحلقات الزائدة في الكثير من المعاملات التي باتت في ظل التقدم العلمي ليس لها أهمية ويمكن من خلال الأجهزة الحديثة انجاز المعاملات بدقائق بدل من شهور أو سنوات باستعمال التقنية الحديثة والإدارة الإلكترونية التي تغني الدولة عن كثير من الموظفين الذين أصبح وجودهم ثقلا على الميزانية وسببا للفساد ،وتشريع القوانين الرادعة للمفسدين والبدء بمحاسبة قمة الهرم في الدولة العراقية وصولا الى قاعدتها وهذا يستدعي أن تكون الجهات المحاربة للفساد ذات سلطة نافذة وغير خاضعة لجهة سياسية أو حزبية وأن لا يكون الاختيار على أساس الولاء الحزبي أو القرب من هذه الجهة أو تلك وإنما اعتماد الكفاءة والنزاهة والتاريخ الناصع،وان تتحلى مثل هذه المؤسسات بالمهنية العالية بعيدا عن الولاأت الحزبية أو الطائفية أو العشائرية،ولا يحق لأي جهة التدخل في عملها بما فيها مجلس الوزراء لأن استقلالية هذه الجهات وابتعادها عن اللون الحزبي سيجعل منها أداة سليمة لتطبيق القانون لعدم اعتمادها على جهة تسندها وتبرر أخطائها،ولا يحق للسلطة التنفيذية أقالتها أو نقض قراراتها ،والعمل وفق الصيغ التي عليها الدول المدنية التي سبقتنا في هذا المضمار ،وأن يكون لهذه الجهة الحق بإحالة الوزير الفاسد الى القضاء العراقي استنادا لما توفر لها من أدلة دون أن يكون لرئيس الوزراء ذاته حق الاعتراض على قراراتها ،وأن تتحلى هذه الجهة بالحيادية وعدم الانحياز أو استغلالها لأغراض التسقيط السياسي وأن تكون الحكومة القادمة أداة فاعلة لكشف الفاسدين خلال العهد ألصدامي والعهد الحالي ،ويكون في أول أولوياتها مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة للفاسدين مع من يمت لهم بصلة عائلية من أبناء أو زوجات وأن يشمل الأمر أشقائهم وأقاربهم أن كانوا من ذوي الثراء الجديد والذي بان بعد تولي الفاسد للمسئولية ولا يشمل الفاسدين بأي عفو أو مرحمة من أي جهة مهما كانت سلطتها في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |