الإنتخابات القادمة .. تمدين العشائر أم تعشير الدولة
 

جاسم فيصل الزبيدي

sunsetaa@hotmail.com

عيب الانتخابات التي جرت وتجري وربما التي ستجري في العراق إنها غير متكاملة الأهلية بسبب عدم اكتمال النضوج والوعي الانتخابي لدى الأغلبية من أبناء هذا الوطن وبخاصة أبناء المناطق الريفية والذين يشكلون الأغلبية العظمى من المواطنين والذين لا يتورعون في إعلان تأييدهم لكل من هب ودب ومن يدفع اكثر كما حصل خلال الانتخابات الماضية حيث صعد شخصيات لم تكن ذات كفاءة وغابت عن الساحة كفاءات أطيح بها بسبب الانتخاب المناطقي او العشائري او الطائفي.

خلال الانتخابات الماضية والتي سبقتها عرف الجميع بلا استثناء ان بعض الشخصيات اتخذ من"عصى العباس"وسيلة للايفاء بالعهود والمواثيق التي يمنحها لهم أبناء تلك المناطق، وهذه حالة لا يمكن اعتبارها ضمن سياق الحملات الانتخابية التي تمارس بشكل واضح ووفق دراسات أكاديمية انتخابية متخصصة في هذا المجال.

حين يتم منح صفة عدم الأهلية لا يعني بالضرورة قصور في التفكير او العمل ولكنه اعتبارها قلة ادراك لما سيجري في تولي عناصر لا تمت الى العملية السياسية بصلة وهذا ما حصل وقد حدث ان احد أعضاء مجلس احد المحافظات سأل عن " الخصخصة" وما معناها ، بل راح البعض من أعضاء مجالس المحافظات يزور الدوائر لغرض متابعة اعمال تلك الدائرة او هذه الدائرة مع ان القانون لا يلزم عضو مجلس المحافظة بذلك بل مهمة متابعة الامور الخاصة بمشاريع الدوائر تتبع قانوناً المحافظ او من ينوب عنه ويقتصر دور عضو المجلس في تشريع القوانين وعلى الجهات الأخرى تنفيذ تلك القوانين ولكن الذي يحصل أن اغلب أعضاء مجالس المحافظات يخلطون بين القوانين ولا يعرفون ماهي مهامهم في المجلس ولذلك ترى ان اغلب المحافظات الجنوبية تعيش واقعاً خدمياً متردياً اضافة الى الفقر الذي يعيشه ابناء تلك المناطق.

ان التأثير الذي سيتم طرحه من قبل البعض بصفة ملازمة لبرامجه الانتخابية هي صفات"قديمة"إضافة إلى الصفة التاريخية والدينية التي منحته البروز الى الساحة مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الإنسان – أي إنسان – انما يخشى رجل الدين بالفطرة معتقداً ان رجل الدين البوابة التي من خلالها يدخل المرء الى جنة الله وفي عصيانه فان الجحيم هي المأوى،وهذا الاعتقاد لم ينبع من فراغ مع ان وجوده – وفق المنظومة القرانية – فارغ وانما نبع من خلال إلصاق الإنسان بضرورة التبعية وعدم الخروج من دائرة الدين.

يستطيع رجل الدين ان يُؤثر في المجتمعات التي تسكن خارج المدينة اكثر من تأثيره على الافراد الذين يسكنون المدن وبخاصة ابناء المدن المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية والأعظمية وغيرها من المدن الشيعية والسنية المقدسة، بسبب ان هناك تاريخ معروف ومتعارف عليه إضافة الى ان العلاقة بين رجل الدين وابناء تلك المناطق سرعان ما تتعرض الى اهتزازات بسبب مواقف بعض عناصر رجال الدين في التصرفات الشخصية.

ان الاسلام كمنظومة حقوقية منحت البشرية حرية الاختيار دون أي اكراه او ضغط لانها مؤمنة ان الانسان خلق حراً من شاء ان يؤمن ومن شاء ان يكفر اما مسالة الحساب والعقاب فان الله يتكفل بها يوم الحساب،وقد قلت في مقال لي ان" القضية لا تختص بالخوارج وإنما المصيبة إن بعض المتحدثين في الإسلام لديهم مقدار هائل من قصر النظر وقلة الوعي!والأدهى من ذلك أن يتحول هذا الفكر السقيم إلى مبدأ تؤلف فيه كتب وتبنى عليه مواقف لتنتقل عدوى أنفلونزا التكفير بسرعة البرق إلى أجيالنا الحاضرة عبر نظرية(نحن الفرقة الناجية)والتي تلقنوا بها منذ الصغر حتى أصبحت صك الغفران وميراثاً يُعبد فيه اله الهوى وصنم الرأي..إذ المشكلة في البعض انه يثق بما في أيدي علمائه ويقف موقف المشكك بما يدي الله عزوجل ويجهل انه مريض تراثياً ويقاوم من يحاول اكتشاف العلاج له بالمخالب والدم..وهذه معضلة كبرى.

ما اريد ان اصل اليه هو ان لا يُتخذ ابناء المناطق الريفية جسوراً لتحقيق المصالح الشخصية والفئوية والحزبية من قبل بعض رجال الدين من خلال استخدام الرموز الدينية واستخدام الترهيب الأخروي كبديل عن البرامج الانتخابية.

وقد يتسائل البعض هل نهمش تلك المناطق لانها لم تكتمل فكرياً وشعورياً بالمسؤولية عن الانتخابات؟ الامر ليس بهذه الصورة فمن حق أي فرد ان يسهم ويشارك في الانتخابات ولكن على البعض عدم اللجوء الى الترهيب الاخروي من اجل الصعود للمناصب كذلك عدم (تعشير الدولة) أي جعل الدولة تسير وفق القانون العشائري كما يحصل الان في الكثير من المؤسسات العراقية حيث تسيطر الروحين القبلية والطائفية على عقلية البعض وهذه بوادر انهيار المؤسسات ان لم تكن الحكومة القادمة قادرة على نزع هذين الروحين واعادة الثقة للمواطنين خلال دولة تحترم فيها القوانين الصادرة، ونحن لا ننكر ان العشائر العراقية لعبت دوراً كبيراً في حفظ الدماء ولم تدخل في العمليات الطائفية بسبب ارتباطاتها بالالتزامات القبلية بعضها مع البعض الاخر ، ولكن لا يمكن ان نزج القوانين العشائرية في سياق الدولة ومن هنا فان المواطن الضعيف سوف يلتجأ الى احد العشائر القوية من اجل حفظ الحياة والكرامة وبذلك تصبح الحياة العراقية مبنية على مبدأ( خُلق ليفترس).

يقول د. علي وتوت /كلية الآداب جامعة القادسية في مقاله الموسوم(انتهــاك حقـوق الإنســان في المدينة العراقية) مانصه"وهكذا أصبحت المدينة في العراق (قرية منتفخة) Distended Villag فهي لم تنقطع عن علاقات وجماعات ومرجعيات القرية والريف، ولم تستبدلها إلا بأسوأ منها، كما إنها من جانب آخر جعلت أفرادها متصارعين ثقافياً فيها، أو كما وصفهم لنـا الأستاذ د. علي الوردي(متناشزين اجتماعياً ومزدوجي الشخصية).فقد تريّفت المدن(بعودتها إلى قيم الريف أو بدخول هذه القيم إليها)وأصبحت لمعظم شيوخ ورؤساء العشائر أو القبائل مضايف في بيوتهم، الموجودة الآن في مدن العراق!إذْ زحفت القيم الاجتماعية البدوية إلى الريف، ومن الريف إلى المدينة، وما زالت مضايف القرون الماضية منصوبة في صميم المدينة".

ففي المناطق الجنوبية والوسطى من العراق – ولا ادري هل يحصل هذا في المناطق الغربية- ان البعض يرفض التوجه الى الشرطة ولانها وبحسب قول الكثير ضعف او ضعيفة ولا يستطيع القانون حماية المواطن الذي يتقدم بشكوى ضد أي فرد من ابناء القبائل او العشائر وهذه مشكلة يجب تداركها قبل ان تستفحل في وقت يتعرض فيه الكثير من الكفاءات الى التهديد كالأطباء والمهندسين وغيرهم. بل راحت بعض الجهات الى التخلخل في الوسط العشائري كبديل من تنافر الطبقات المثقفة منها لانها وبعبارة واضحة ليس لديها ايدلوجية واستراتيجية مستقبلية أمدها سنوات طوال للامام.

الشارع العراقي منقسم فما بين مؤيد لتنامي دور العشائر، ومتخوف من "تعشير الدولة" وهو ما يدعو الى مخاوف كبيرة من أن تعشير السلطة والدولة هو البديل القادم بعد سنوات من تطييفهما" كما يقول الشارع العراقي.حيث ان هناك تاكيدات من الشارع العراقي أن"الحلول الدستورية كفيلة بضبط هذا الإيقاع، وتفادي سيناريوهات تعشير الدولة، والانزلاق الى تنميطات صنمية جديدة، لكن هذه الحلول لا تبدو متيسرة ما لم يتم إنجاز التعديلات التي تجعل الدستور ناجزاً".

ان فرض سيطرة القانون على الجميع يحتاج الى كفاءات مثقفة وواعية قادرة على اختراق ستة الالاف سنة من تاريخ العراق والعراقيين ، مشحونة بالحرب وهوس السلب والنهب والقتل والتقوقع على النظام العشائري ومعاداة الكل في الكل..كفاءات قادرة على السير في الاتجاه الذي تدخل فيه وتخرج منه دون ان تمس احد او تجرح احد من خلال ترسيم القانون بشكل يضع كل فرد امام الحرية التي منحتها الشرائح السماوية والوضعية.

ان الانتخابات القادمة هي خاتمة المطاف لتاريخ العراق ومن خلال تلك الانتخابات إما أن تُحمد الأحزاب أو تُهان من قبل الناس في المستقبل.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com