العرف العشائري فوق القانون
 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid1@yahoo.com

عند تشكيل الدولة العراقية الحديثة لجأت لضعفها الى الاعتماد على العشائر في فض المنازعات التي تجري بين هذه العشيرة أو تلك ،لأن قوة العشائر كانت تفوق قوة الدولة الحديثة ولتتخلص الدولة من دعاوى كثيرة أوكلت أمرها لشيوخ القبائل وهذا الأمر أعطى لشيخ القبيلة أجازة قانونية لممارسة الحكم بالطرق المتعارف عليها في الريف العراقي ،وكان للأعراف العشائرية مساوئها الكثيرة وكثيرا ما أدت الى حصول مظالم للعراقيين ليس هذا مجال الخوض فيها أو تعدادها لأنها أكثر من أن تحصى،و بعد ثورة 14 تموز 1958 حجمت الدولة دور العشائر بعد انتشار الأفكار التحررية بين الجماهير وتضعضعت مكانة الشيخ وأصبح فردا من أفراد العشيرة لا يميزه شيئا عنها بعد أن أصبح هو وفلاحه مالكين للأرض وبذلك أنحسر أو تضائل الدور العشائري وأخذت القوانين المدنية طريقها للتنفيذ.

وبعد حرب الخليج الثانية والهزيمة المرة للنظام العراقي ،والانهيار الكامل للقيادات البعثية بعد أن تركت مقراتها أمام هجمة الشعب ولاذت بالفرار تبحث عمن يؤمن لها الملاذ وفشل الانتفاضة للأسباب المعروفة للجميع انتبهت القيادة البعثية الى تأثير العشائر بعد أن كان لزعمائها الدور الكبير في حماية البعثيين الهاربين وتأمين سلامتهم على أسس عشائرية أو علاقات مصلحيه بينهم وبين مسئولي البعث،فقام صدام حسين بتقريب هؤلاء ومنحهم بعض الامتيازات والأموال والمعروف أن شيوخ القبائل ليسوا من أصحاب المبادئ وإنما يرعون مصالحهم الخاصة بعيدا عن مبدأ المواطنة لذلك سارعوا لتأييد السلطة والسير في ركابها وأصبحوا العيون الساهرة لحمايتها والدفاع عنها فكانوا عيونا وأرصاد لأبناء عشائرهم وحدثت داخل العشائر ذاتها خلافات حول المشيخة فكانت السلطة تقدم الموالي لها وتبعد من يقف ضد مصالحها ولإضاعة هيبة العشائر وامتهانها قامت بتقديم الكثيرين ممن لم يكونوا رؤساء للقبائل أو من الأسر التي تتولى المشيخة حتى أصبح الشيوخ مهزلة وموضع للسخرية والتندر فيقال الشيخ الفلاني (نخلة وفسفورة)أشارة للعملة الورقية التي ظهرت بعد الحصار ووضعت فيها نخلة وفسفورة مخفية حتى يصعب تزويرها.

وقد أغدق صدام حسين الملايين على الشيوخ الجدد ومنحهم امتيازات وصلاحيات فكان الشيوخ يرقصون ويهزجون للقائد المفدى وللمزيد من إذلالهم كان يحضرهم لمقابلته فيعاملون معاملة تفوق معاملة الكلاب الأمريكية للساسة العراقيين وكانوا يعرضون للفحص الطبي والوقوف لساعات دون أن يتبلغوا بلقمة ورغم ذلك كانوا يتهافتون طمعا في جاه أو مكسب وحتى اللحظات الأخيرة قبل السقوط عام 2003 كانت القيادة البعثية قد منحتهم ملايين الدنانير والقوات الأمريكية في المدن العراقية،وبعد سقوط النظام عادت حليمة لعادتها القديمة وشمر الشيوخ عن سواعدهم للاستفادة من الغنائم فكانوا في مقدمة الراقصين في الاحتفاليات التي يقيمها القادة العراقيين وأنتعش سوق المهاويل في ترديد الأهازيج لهذا أو ذاك وكانت تجارة رابحة لن تبور والغريب أن شيوخ العراق المكرمين كانوا يؤيدون من هو في السلطة وخصوصا أذا كان رئيسا للوزراء فرقصوا على أنغام أياد علاوي وطبلوا على إيقاع الجعفري وردحوا لحركات المالكي وعيونهم تنظر الى يديه بانتظار منحهم مبلغا أو هدية لذلك راجت بضاعتهم من جديد في ظل الفوضى الأمنية وحاولوا بناء مجدهم الضائع منتهزين الفرصة فظهر من جديد قانون العشائر ،وأدى هذا القانون الى تعطيل القانون الرسمي وإهماله وعدم جدية قوى الأمن في إلقاء القبض على المجرمين خشية الفصل العشائري ،وعاد الشيوخ من جديد لبسط نفوذهم بعد أن وجدوا التشجيع من القيادات السياسية العارفة لطبيعة هؤلاء وأخلاقهم السياسية والوطنية،ولكي أكون واقعيا مستندا لمصادر رسمية خشية مطالبتي ((بالفصل العشائري)) لأني تجاوزات على المقامات السامية للشيوخ أنقل إليكم الخبر التالي ،فقد أعلنت(قيادة الشرطة في محافظة ميسان أن عصابات السرقة في المحافظة كانت ناشطة خارج البلاد، فيما دعت اللجنة الأمنية العليا المواطنين إلى التوقف عن اللجوء إلى الأعراف العشائرية لاسترداد السرقات بدلاً من القانون المدني.

وقال مدير التحقيقات الجنائية في ميسان الرائد علي قدوري أن «التحقيقات الأولية مع العصابات التي ألقي القبض عليها حتى الآن، تؤكد أنها كانت ناشطة خارج البلاد في وقت سابق، وانتقلت إلى العراق لزعزعة الأمن الذي بدأ بالتحسن منذ أكثر من عام». وأوضح أن «بعض السرقات كانت تستهدف أموالاً عامة كرواتب الموظفين أو موازنات الدوائر ومن السرقات التي وقعت في المحافظة هي سرقة 33 مليون دينار من رواتب موظفي إحدى الدوائر بالإضافة إلى 30 مليون دينار من مديرية الزراعة، فضلاً عن سلب بعض موظفي المحاكم».

ودعت اللجنة الأمنية العليا الأهالي إلى ترك العرف العشائري الذي بدأ بالانتشار في الآونة الأخيرة مع تنامي عمليات السرقة. وجاءت هذه الدعوة «ليأخذ القانون مجراه وتقوم الحكومة بدورها في تنظيم الشكاوى ورد الحقوق».

ولوحظ أخيرا ازدياد دور العشائر بدلاً من المحاكم والقانون للبت في القضايا التي تتعلق بالحقوق الشخصية. وقال بعض الأهالي لـ «الحياة» إنهم لجئوا إلى العشيرة لحل قضاياهم بعد أن تعرفوا إلى هوية اللصوص لضمان عودة حقوقهم.

أكد حيدر الساعدي الذي سرق منزله ونجح بنفسه في القبض على أحد اللصوص:»تأخر أحدهم عن مجموعته التي لاذت بالفرار فتمكنت وأخوتي من إلقاء القبض عليه». وأضاف «تعرفت إلى عشيرته وقررت اللجوء إلى القضاء العشائري بسبب سرعة البت بالقضايا»، وأوضح «اتفقنا مع عشيرته على موعد لعقد جلسة الصلح التي سنطالب خلالها برد حقنا». وزاد أن «لا علاقة لي حتى بأفراد العصابة الباقين فكل ما يهمني هو استرداد أموالي وممتلكاتي».

وأشار زكي صالح (56 سنة) الى انه تنازل عن الدعوى على أحد المتورطين في سرقة منزله قبل شهر بعد تدخل شيخ عشيرته. وقال «حصلت على ما سرق مني مع بعض النقص الذي ينتج من المساومة خلال جلسة الصلح».

أما أبو غالب التميمي فقال: «حتى في القضاء العشائري تتأخر بعض القضايا أحيانًا كقضيتي، إذ وجدت أن العشيرة التي أطالبها بإرجاع المفقودات مطالبة من عشائر أخرى بالقضية ذاتها كون أكثر أفرادها يعيشون على مهنة السرقة بعد أن كانوا يعتمدون على مهنة القتل مع بعض الميليشيات سابقاً).

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com