|
المثلث الساخن والصراع الخفي...!! باقر الفضلي أصبحت مفاهيم علم الرياضيات وعلم الجغرافية والفلك، أدوات جديدة لقياس مدلولات المقولات السياسية، والتعريف بعقد الإرتباط بين هذه المقولات، وبالعوامل المشتركة التي تجمعها أو تفرقها؛ فالمثلث والهلال والقوس و..الخ من المسميات الأخرى باتت تقترن بمفردات أخرى لتعطي مفاهيم جديدة، ولتعبر عن مدلولات سياسية معينة، يبني عليها الكثير من المحللين والنقاد تصوراتهم وإستنتاجاتهم بشأن أي حدث سياسي في المنطقة المقصودة بالتسمية، على ضوء ما تعنيه تلك التسمية من مدلول ديموغرافي جغرافي – سياسي..! فما يتعارف عليه اليوم ب"المثلث الشيعي" في منطقة الشرق الأوسط، يعني بالمدلول الجغرافي، تلك الدول التي تقطنها مجموعات كبيرة من السكان التي تدين بالمذهب الشيعي، أو أنه يمثل أغلبية بين سكانها. وهذا يعني بالمفهوم المقابل، أن هذه البلدان يجمعها عامل مشترك هو ( المذهب الواحد)، وبالتالي وفي العرف السائد في الأوساط السياسية والإعلامية، يعتبر هذا العامل المشترك عاملاّ موحداّ للقوى السياسية في هذه البلدان وهو يقف وراء إتخاذ مواقف موحدة أزاء القضايا السياسية في المنطقة أو تلك التي تخص بلدانها..!؟ ولكي يعتبر هذا التفسير لهذا الشكل الهندسي – السياسي، تفسيراّ منطقياّ من الناحية الإستقرائية، يلجأ القائلون بنظرية الهندسة الديموغرافية السياسية الى المفهوم المعاكس لمقولاتهم تلك، فحيث أن المثلث المذكور مبني على أساس أن أضلاعه من مذهب واحد، وإن إختلفت مكونات زواياه نسبياّ، فإن أساس قاعدته طائفي؛ ولا بد والحال، وبحكم المنطق الهندسي المذكور، من وجود شكل هندسي آخر ومن طائفة مذهبية أخرى، كي يحصل التوازن المطلوب ولتتحقق فرضية الطائفية السياسية منطقياّ..! وهكذا ولتحقيق ذلك، جرى التعارف على تسمية المحور الثاني وعلى أساس المبدأ الجغرافي ب(الهلال السني) وتم بناء قوسه على نفس الأسس..! من هذا المنطلق والفهم المجتزيء للحقيقة، تجري تجزئة المنطقة وفق إعتبارات طائفية، لا تربطها بالواقع الإجتماعي – السياسي أي علاقة، بقدر ما أنها تخفي وراءها حقيقة الأهداف الطبقية المعبرة عن المصالح الخاصة، التي تدفع بأصحابها الى التلبس بأي لبوس يساعدها على التعتيم وفي إخفاء تلك المصالح..! ففي منطقة كمنطقة الشرق الأوسط، التي أغلبية سكانها من العرب المتدينين، ويشكل فيها سواد الناس من الفقراء، أغلبية كبيرة، شيعية كانت أم سنية، تتسم بضعف الوعي والتدني في نسب التعليم والثقافة، وتعاني من إنتشار الأمية، وتتميز بإلتصاقها الشديد بمعتقداتها الدينية؛ يصبح من المسلم به، أن تكون تلك الفئات هي الأكثر تقبلاّ لأي إثارة تتعلق بمقدساتها الدينية المذهبية، وهي على أتم الإستعداد للجري وراء أي شعارات تستقطب تلك المقدسات، دون وعي منها بحقيقة الأهداف التي يقصدها واضعوا تلك الشعارات..! إن ما يجري اليوم من تقسيم الصراع في مجمل المنطقة، على أساس طائفي، كما هو الحال في العراق على نطاق محلي، إنما هو في الحقيقة عملية تعتيم على حقيقة الصراع الدائر بين العديد من الطوائف السياسية، والذي يبدو في ظاهره صراع طائفي - وهكذا يروج له من قبل أصحابه ومن قبل جميع الجهات الاخرى ذات المصلحة -، إنما هو في جوهره، صراع يدور بين مختلف شرائح المجتمع المتخندقة الآن في تشكيلات سياسية ومنظمات عسكرية كالمليشيات وعصابات الإجرام وغيرها من التشكيلات غير المنظبطة ، للمسك بأكبر نصيب من ثروة المجتمع المهدورة بحكم الإحتلال وإنحلال الدولة، والسعي وبذل أكبر الجهد والتصميم، للأستحواذ عليها من خلال التفرد بالسلطة، والذي بدوره يتطلب النفوذ والهيمنة مع أكبر قدر من القوة المسلحة في ظل ظروف فقدان الدولة؛ حيث أن هذا لا يمكن تأمينه عن طريق الوسائل الديمقراطية التي عرفتها البلدان المتقدمة، بعد مسيرة كفاحية طويلة، لا لشيء وإنما لفقدان القاعدة الحقوقية لوجود مؤسسات للدولة، يمكنها أن تسير بالعملية السياسية وفق ضوابط قانونية ودستورية..! خاصة وإن عملية التطور الإقتصاإجتماعية لا زالت تحبو في تطورها، إن لم تكن قد أصابتها إنتكاسات خطيرة عرقلت من سيرورتها بل وحتى أوقفتها وجعلتها تراوح في مواقعها إن لم ترجع أشواطا الى الوراء...! وكل ما تم بعد ذلك من مؤسسات جديدة كالبرلمان والدستور، وتشكيل حكومة جديدة، فقد تم في ظل إطار حالة من الفراغ السياسي والأمني والمؤسساتي، حيث لم يتوفر لها الكفاية من الوقت كي يصبح تأثيرها فعالاّ ومؤثراّ على الصعيد العام، خاصة وفي ظل ظروف العراق بعد إنهيار الدولة ، إذ لم تتوفر تلك القوى التي كان يفترض أن يكون بإمكانها الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنشئاتها الصناعية والإجتماعية وهياكلها الأمنية، بل على العكس من ذلك؛ حيث كان موقف تلك القوى التي وجدت بعد إنهيار الدولة ، والمقصود بها قوات الإحتلال، موقفاّ غاية في السلبية وعدم الإهتمام، إذ كان تخريب وسرقة مؤسسات الدولة يجري أمام عيونها، بل وحتى بمشاركتها في كثير من الأحداث...! فليس من باب الصدفة أن تلجأ تلك الفئات التي تطمح بالصعود الإقتصادي، وهي جلها من أصول برجوازية تجارية أو ريفية أو فئات طفيلية تهيأ لها أن تغتني وتشكل مراكز نفوذ إقتصادية- سياسية جديدة في المجتمع بحكم ثرائها المستحدث بعد الإحتلال، أن تلجأ الى العباءة الدينية، وتغلف المسميات الجديدة لأحزابها وتنظيماتها المختلفة بالتسميات الدينية، وتلقي عليها مسوحاّ من القدسية الدينية بربطها وتأمين وجودها بمراجع دينية، لم تكن يوماّ طرفاّ ظاهراّ في اللعبة السياسية. وهذا ما متعارف عليه اليوم ب"الإسلام السياسي"، وهي، في تقديري، تسمية غير دقيقة من الناحية الموضوعية، بل إنها تمنح أصحاب تلك الأحزاب شرعية دينية مقبولة في مواجهة بسطاء الناس، وتساعد على إخفاء الحقيقة الطبقية لتلك المكونات، شيعية كانت أو سنية، وتجعلها في حما الطقوس الدينية والمذهبية، بعيداّ عن أي نقد أو لوم بل وحتى عتب مهما قل شأنه، وهذا ما ينشده ويروج اليه أصحابها. وبذلك لم يبدو مستغرباّ بعد ذلك، أن تتدفق الملايين من الجماهير وراء قيادات تلك المنظمات السياسية ذات الواجهات الدينية وبمختلف أشكالها ومنابعها، جاهلة أهدافها، ومبدية إستعدادها للقيام بكل ما يمكن أن يطلب منها تحت تأثير مقدسات الطائفة المذهبية..! ولا غرابة في الأمر إذا ما علمنا بطبيعة القاعدة الثقافية والفكرية، ومستويات التطور الإقتصادي الإجتماعي لمجتمعات تلك البلدان..! ولذلك تبدو مثل هذه المنظمات السياسية هي الأكثر قبولا في الأوساط الإجتماعية في بلداننا في مثل هذه الظروف..!؟ هذا ضمن النطاق المحلي، ولكنه على النطاق الإقليمي يختلف كلياّ، فالتمذهب الطائفي في العراق على الأساس الشيعي أو السني على سبيل المثال، لا يجمعه رابط مع ما يجري الحديث عنه فيما يخص التشيع في سوريا أو في لبنان وأيران. فالتشيع العراقي بالنسبة للعراقيين وغالبيتهم من الفلاحين وكادحي المدن ورغم أنهم يشكلون أغلبية مذهبية سكانية، لا يعبر عن أية أواصر لعلاقة مذهبية حميمة مع الشيعة في لبنان أو سوريا. وإن كان هناك ثمة روابط معينة، فهي في الأساس روابط تحكمها المشاعر العرقية قبل غيرها من المشاعر، وإن وجدت ، فهي بين نخب دينية من أبناء الطائفة من تلك الأطراف، تحكمها في الغالب مصالح متبادلة تتمحور أساساّ حول الشؤون الدينية والحوزوية المذهبية. وكذلك الحال بالنسبة للشيعة في إيران، أو الهند أو باكستان، فهي ليست بتلك المتانة والقوة التي يعتقدها الكثيرون ويبنون عليها نظرياتهم وإستنتاجاتهم في التحليل للمواقف السياسية..! فما يجري البناء عليه اليوم، من "توحد" المواقف السياسية في كل من لبنان وسوريا والعراق وإيران كما يشاع، بإعتباره ناجم من الإنتماء المذهبي كأساس لذلك، وان كان هذا مشكوك فيه لتباين الأجندات، فهو لا يعبر في الواقع عن حقيقة الدوافع لهذا "التوحد" في المواقف، بقدر ما هو تسويف لطبيعة المصالح التي تتفاعل ديناميكيا بين القوى السياسية الموجودة في هذه البلدان والتي تخوض صراعاّ متعدد الإتجاهات والأهداف، شاءت الصدف أن يكون الإنتماء المذهبي أحد الروافع المساعدة لتحقيق هذا "التقارب"، والذي هو في جوهره متناقض متباعد. فالأجندة الإيرانية وما تضمه من أهداف محددة لا يجمعها أي جامع مع الأجندة العراقية الهادفة الى بناء الدولة وتأمين الإستقرار وبالإتجاهات التي تخدم مصالح الفئات الجديدة التي تلتقي بشكل أو بآخر مع المصالح الأمريكية في المنطقة حيث هذه الأخيرة تتقاطع مع المصالح الأيرانية التي بدورها تعمل إيران على وضع العصي في عجلة تحقيق تلك المصالح (الأمريكية) من خلال إستخدام التقارب المذهبي بينها وبين العراق..! وليس مستغرباّ من ناحية أخرى أن تعمل قيادات بعض النخب السياسية ذات المنشأ الديني الحاكمة في العراق الآن، جاهدة لتقريب وجهات النظر بين الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة وبين أمريكا من جهة أخرى، من أجل ايجاد مخرج لها من حالة الإزدواجية التي تعاني منها في طبيعة علاقتها المتعارضة بين إيران وأمريكا..! ولا يعني هذا من جهة أخرى إنعدام وجود أطراف معينة بين الطوائف الدينية من الأغلبية الشيعية في العراق من تبني مواقفها طبقاّ لنظرية (ولاية الفقيه الإيرانية)، بل وتعمل جاهدة لأن يشرع لها عراقياّ وإن كان ذلك وفق أشكال أخرى..!؟ وكذا هو الحال بين العراق وسوريا. ونفس الشيء يحكم الأمر بين العراق ولبنان..! ومن هنا يمكن القول؛ بأن كل هذه الأطراف مجتمعة تحكمها مصالحها الخاصة، قبل أن توحد مواقفها وحدانية المذهب كما يقال. وأي منها يعمل جاهداّ على أن تبنى علاقاته مع الأطراف الأخرى وفقاّ لما تحدده تلك المصالح، وليس طبقاّ لما تحكمه تقاليد وأعراف المذهب نفسه، حتى وإن لبست تلك العلاقات لبوساّ دينياّ أومذهبيا..! وكي يبدو الأمر أكثر منطقية، بأن القول بالتوحد المذهبي لا يمكنه أن يكون سبباّ في التقارب الحاصل اليوم في مواقف بعض تلك الدول، هو التقارب الإيراني مع الحركة الإسلامية (حماس)، فهو لم يبن على أساس مذهبي لإختلاف المذهبين بين الطرفين، رغم أن كليهما مؤطرين ومؤدلجين دينياّ، بل إن أساسه المصالح المتبادلة في التمحور وراء أهداف متباينة في مقاصدها، متفقة في وسائلها، حول كيفية توظيف القضية الفلسطينية في الصراع الدائر في المنطقة على الصعيدين الاقليمي والدولي، رغم عدم التكافيء بين طرفي المعادلة..! وكذلك الحال في العلاقة المشتركة بين حركة (حماس) مع (حزب الله) في لبنان، رغم الإختلاف في الإنتماء المذهبي، فهما يتقاسمان نفس النظرة فيما يتعلق بالقضيتين الفلسطينية واللبنانية، رغم إختلاف أجنداتهما في ما يتعلق بالنسبة لكل قضية على إنفراد، ولكن يجمعهما نفس الخيط الذي يجمع ايران وحماس، حيث تشكل (ايران) في اللعبة السياسية القاسم المشترك بين الطرفين، وكما هوالحال في طبيعة العلاقة بين حماس وسوريا المختلفتين مذهبيا..! فالمذهب الشيعي على سبيل المثال ، لا يمثل قاسماّ مشتركاّ بالمعنى الدقيق "للتقارب الإيراني- السوري- اللبناني (حزب الله)- العراق" مع ما يشوبه من تعارض واضح في المقاصد والأجندات، حيث أن عوامل التوازن والتكافيء الإقتصادي والسياسي بين مكونات هذا "التقارب" مقطوعة من جذورها، وليس ثمة ما يجمع بين هذه الأطراف، غير إلتقاءها الميكافيلي لدرء ومجابهة الأخطار التي تهدد مواقعها الجيوسياسية في الواقع العملي، وعلى صعيد الصراع المحلي والإقليمي-الدولي. وكل طرف من هذه الأطراف يجد نفسه في حاجة للأطراف الأخرى، لضمان تواصله في الثبات على مواقفه السياسية التي تجابه في كثير من الأحيان، رفضاّ من قبل المجتمع الدولي أو الجبهة الداخلية..! كما وليس من باب الإكتشاف القول ؛ بأن هذه الأطراف تتفاعل في علاقاتها مع بعضها من خلال مبدأ المصالح المتبادلة، حتى وإن بدت موازين تلك العلاقات تميل في الغالب الأعم الى جانب الطرف الأكثر جبروتاّ من حيث القوة والتأثير الإقليمي والدولي، لدرجة تبدو معه الأطراف الأخرى وكأنها مجرد أذرعة يجري تحريكها طبقاّ للأجندة الرئيسة للطرف المذكور..! وليس إشكالية العلاقة بين العراق وإيران من جهة والعراق وسورية و(حزب الله) من جهة أخرى، تخرج عن دائرة هذا الإطار، وإن إختلفت بعض الشيء في حالة العلاقة بين العراق وإيران كما بينت أعلاه. وقد كشفت أحداث الأيام الأخيرة حقيقة تلك العلاقة الهشة على سبيل المثال بين العراق وسوريا، أو العراق وحزب الله، ، حيث لا مكان للحديث عن مثلث "شيعي" بقدر ما هو حديث عن أهداف متباينة وأجندات مختلفة، ساعد وجود ايران كمنظم ومؤثر ولاعب أساسي في الصراع السياسي الأقليمي في المنطقة، على إكسابها مظهر التوحد المذهبي ، أو الإيحاء بذلك، يساعدها تمسك بعض أطراف هذه العلاقة بمقولة (ولاية الفقيه) كأساس حقوقي لنظام الحكم..! إن ما يقال ويكثر الحديث عنه في وسائل الإعلام ، عن المثلث الشيعي وما يقابله من هلال سني، لا يعكس الحقيقة ولا يساعد على كشف الحقائق التي تقف وراء هذا "التقارب المتصور" بين مكونات أي من الاطراف المختلفة. فطموحات جميع الأطراف تعبر عن واقع الصراع على صعيد كل طرف منها وعلى صعيد المنطقة بشكل عام..! ومن البدهي أن تسعى كافة القوى المتصارعة وخاصة تلك القوى المسماة بقوى "الإسلام السياسي" والمنتشرة في مناطق الصراع الساخنة في الشرق الأوسط، ، الى غطاء شعبي واسع لإضفاء الشرعية المناسبة على تطلعاتها، ولهذا تلجأ الى خطاب "البناء الديمقراطي الجديد"، والمعبر عنه بالمحاصصة الطائفية، كما هو الحال في العراق، لأحتواء حالة التأزم النفسي والكبت وغياب الديمقراطية التي عانى منها الشعب العراقي طيلة ثلاث عقود من الحكم الدكتاتوري الإستبدادي، أو خطاب المقاومة المدعوم معنوياّ ومادياّ بسبب إستمرار تواجد الإحتلال، كما هو الأمر في لبنان وفلسطين، لما لها جميعاّ من تأثير واسع النطاق على الجماهير، خاصة إذا ما جرى تأطيرها بمسحة دينية مذهبية أقرب في تأثيرها من أي منطق سياسي آخر. فلا غرابة إذاّ، وبقدر ما يتعلق الأمر بالشأن العراقي أن تلجأ القوى السياسية الأخرى من معتنقي المذهب السني ، الى المنطق المعاكس داعية الدول المجاورة من معتنقي المذهب نفسه، مطالبة بتأييدها ورفع "الظلامة" عنها، والعكس صحيح من الجانب الآخر بالنسبة لمعتنقي المذهب الشيعي، رغم إدعاء كلا الطرفين بنفي طائفيتهما..!؟ وهكذا يتعانق "المثلث والهلال"، ليخفيا حقيقة الصراع الطبقي على المصالح الإقتصادية المستعر الأوار بين تلك الفئات، والبعيد كل البعد عن الصراع بين المذاهب، رغم إتخاذه لهذا الشكل وبإرادة مسعري ذلك الصراع نفسه، وبدعم وتأييد من له مصلحة في تأجيجه..!؟ ولست هنا في وارد البحث في تفاصيل ذلك الصراع وتشعباته..! وفي جميع الأحوال يتمحور الأمر نحو هدف واحد يشترك الجميع ومن كلا الإتجاهين المذهبيين في السعي للوصول إليه وهو التمسك ب(السلطة) حتى وإن كانت هشة أو هلامية أو لم تكتمل معالمها بعد..! فالابعاد السياسية لكافة الاطراف مهما اختلفت في مسالكها وتاكتيكاتها اليومية، فانها تلتقي في تطلعاتها واهدافها في نقاط مشتركة وموحدة ، يصبح معها أشكال المثلث والهلال والاشكال الاخرى، سوى تعبير ليس ذي مغزى..! وفي خضم هذا الصراع تذوب المصالح العليا لشعوب تلك البلدان في بحر دماء أبناءها، لتطفوا على أمواج هذا البحر مصالح النخب والفئات السياسية التي تقف وراء هذا الصراع..! فبرك الدماء التي تغطي ربوع العراق والخراب الإقتصادي - الإجتماعي الذي تتعرض له البلاد وسيادة العنف والعنف المضاد، وإستشراء الفتك الإرهابي بصوره المتعددة، جميعها تشكل لوحة تراجيدية لبلد إرتهنته مصالح متصارعة من جميع الأطياف الدولية والإقليمية والمحلية، محولة ربوعه الآمنة الي ساحات لتصفية حساباتها، سلاحها الوحيد والمفضل، هو القتل ثم القتل ثم القتل، حتى يأتي اليوم الذي تهدأ فيه النفوس، وتخلو الساحة للأشد الأقوى، ليتربع العرش، متوجاّ فوق ركام الملايين من جماجم ضحايا الصراع من أبناء الشعب العراقي ، ليغرس شتلاته الجديدة، لتينع على ضفاف نهر دماء الضحايا، الذي سفكته أيدي المتصارعين ولاعبي السياسة المحدثين، ناهيك عن بطش المحتلين، الذي تجاوز في حدوده الإعتبارات الأخلاقية والقانونية، ومباديء حقوق الإنسان..!؟ وليس بعيداّ عن شبكة هذا الصراع ذي الأوجه المتعددة، ما يدور اليوم في الساحة السياسية اللبنانية، التي أنهكتها نتائج حرب تموز/ 2006 وما جرته عليها من ويلات وخراب لايمكن أن يتناسب مع قدرات وإمكانات بلد صغير مثل لبنان، من إحتقان سياسي وتمزق في النسيج الإجتماعي، لدرجة يمكن القول معها؛ بأن إخفاق لبنان في التوصل الى شاطيء الأمان وإعادة بناء ما خربته الحرب، إنما هو من نتائج توظيف المسألة اللبنانية وإستغلالها كأحد الروافع الفعالة في توسيع رقعة الصراع الإقليمي- الدولي في المنطقة لمصلحة المتصارعين وعلى حساب مصالح الشعب اللبناني نفسه..! وضمن هذه الأستراتيجية، تدخل سيناريو وقف تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1701) أو على أقل تقدير عرقلة تنفيذه..! ومن المؤسف حقاّ والمحزن ايضاّ، أن تنطلي لعبة الصراع نفسها على الساحة الفلسطينية، التي يجد فيها الجميع تلك الساحة الأكثر نقاءّ والأكثر تفهماّ لطبيعة الصراع الأقليمي والأكثر تجربة والأغنى خبرة، فتنجر بعض فصائلها الوطنية المقاومة وفي مقدمتها حماس وفتح، الى لعبة الصراع الأقليمي – الدولي، المتفاقم في المنطقة، لتشارك، وأتمنى أن يكون ذلك بحسن نية، في تحويل الساحة الفلسطينية الى ميدان لصراع الآخرين ، معطلة بذلك المسيرة الديمقراطية النبيلة التي إنتهجها الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من أجل الإستقلال وقيام دولته الحرة. ولعل في صيحة الكاتب الفلسطيني الأستاذ محمد موسى مناصرة مدير إدارة موقع (الحارس للدراسات والإعلام الألكتروني)، المنشورة في الموقع بتأريخ 28/1/2007 تحت عنوان(إرفعوا أيديكم عن شعبنا...!) ، ما يغني عن المزيد من القول وما يعبر عن مشاعر ووجدان ، ليس فقط الشعب الفلسطيني وحسب، بل كل أبناء الشعوب العربية التي تضع القضية الفلسطينية في القلب من إهتماماتها، لما تراه من إقتتال الأخوة وسفك دماء كان حرياّ بأن تقدس، لأنها دماء الأبرياء من أبناء هذا الشعب المناضل، الذي لا زال يقف صامداّ بوجه نظام الإحتلال الإسرائيلي المتعفن..! كل ما يأمله المرء أن يفق قادة الفصائل الفلسطينية مجتمعة وأن يثبوا الى رشدهم، وينبذوا بعيداّ الأجندة التي رسمت لتوظيف قضيتهم وحرفها بالإتجاه الذي يخدم مصالح المتصارعين في المنطقة..! وعسى وأقول عسى، أن تكون دعوة العاهل السعودي لإجتماع قادة فتح وحماس في مكة هذه الأيام، من بواعث حفز الأمل بأن يستجيب قادة المنظمتين الوطنيتين الى منطق الحوار ، الهادف الى التحلي بأعلى قدر من الشعور بالمسؤولية، ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني العليا فوق أية مصلحة أخرى، وبما يدفع الى إعادة ثقة الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الأخرى بعدالة القضية الفلسطينية، ووحدة فصائلها المناضلة، وينجح التجربة الديمقراطية الفلسطينية في تبادل السلطة، وعدم الإستئثار بها لتعزيز مكاسب حزبية ضيقة مهما كانت الإعتبارات..! من كل ما تقدم نخلص الى القول، بأن ما يروج له كثيراّ من تحميل طابع الصراع المحلي- الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وتحديداّ المنطقة العربية، توصيفاّ طائفياّ، لا يعكس في حقيقته جوهر الصراع المذكور من كونه صراعاّ مركباّ ومعقداّ غاية التعقيد، تشترك فيه وتمارسه قوى كونية وإقليمية ومحلية، تختلف في أجنداتها بعضها عن البعض الآخر، من حيث المقاصد والأهداف، التي في أغلبيتها تتمحور حول مصالح إقتصادية توسعية وذات طبيعة هيمنية تقف في مقدمتها مصادر الطاقة، تدفع الى التشابك بخيوط متداخلة متعارضة، لا يكون فيها التمذهب الطائفي سوى أحد تلك الخيوط التي تلعب دوراّ له ما يميزه من التأثير المباشر على النتائج المتوقعة من قبل جميع الأطراف لعملية الصراع المذكورة، وفي مقدمتها أمريكا وأيران اللاعبان الرئيسان في هذه العملية..!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |