|
نمس العراق من بائع الثلج الى تاجر الموت!
نزار جاف بدءا، لابد من الاعتذار الشديد من الفنان المبدع مصطفى الخاني الذي أدى بجدارة دور النمس في مسلسلة باب الحارة لاستخدامي التسمية في مقالتي هذه، والحق هناك أکثر من سبب دعاني لذلك وسأحاول توضيحه من خلال سياق الحديث. نمس العراق، هورجل غلبان قضى شطرا من عمره يبيع الثلج (وهنا لسنا ننکل بالمهنة فکل عمل شريف له قدسيته وحرمته)، وکان يعيش حياة عادية وله قناعة بنصيبه من الدنيا ويؤدي فرائض دينه على أتم وجه ولطالما کان برد الثلج الذي يبيعه ينسيه حر بغداد القائض مثلما کانت الايام التي يبيع خلالها الکثير من الثلج تنسيه تعب اليوم وشقائه. هذا البائع الغلبان، شاءت الصدف والاقدار ان يتعرف على أناس منتمين لحزب البعث العربي الاشتراکي، ولکونه لم يمتلك أية خلفية وحصانة فکرية وکان من النوع الذي يمسيه العراقيون(جماعة موافج)أي موافق، فإنه سرعان ماإقتنع بأهداف وشعارات وافکار الحزب وصار عضوا فيه وبات بائع الثلج يحمل هم بيع الثلج بأسرع وقت کي لايذوب وهم المهام الحزبية التي کانوا يکلفونها به الرفاق سيما وان مهمنته وشخصيته تساعدانه کثيرا على انجاز العديد من المهام. بائعنا الغلبان المسکين هذا، ومثلما أبلي بلائا حسنا في عالم بيع الثلج وصار واحدا من ألمع الوجوه فيه حتى إستحق لقب بائع الثلج بجدارة، فإنه فعل نفس الشئ في عالم السياسة لکن بإختلاف بسيط هوانه کان دوما يمتثل لما يطلب ويؤمر به من دون أن يناقش أبدا"موافج دائما" ولهذا فقد حالفه الحظ إذ رفق بحاله الکثير من مسؤوليه وهويتدرج سلم الصعود الى قمة الهرم الحزبي، سيما عندما کانوا يدرون کيف يقضي نهاره ببيع الثلج والدعوة لأفکار ومبادئ الحزب وحتى القيام بمهام حزبية محددة من خلال ذلك. وذات يوم وفي غفلة من الزمن، وفي مرحلة لاتتسم بأي من الحزم والحکمة من تأريخ العراق المعاصر، إنسل حزب البعث العربي الاشتراکي وعبر عدة منافذ الى القصر الجمهوري العراقي وقام بإنقلابه المشؤوم في 17تموز/يوليوعام 1968، وبعد عمليات ترتيش وترقيع وغربلة جرت في يوم 31تموز/يوليو1968، صفى الامر والجوتماما لحزب البعث العربي الاشتراکي وصارت مقاليد الامور کلها بيديه، يومها لم يکن أمام بائع الثلج الذي وصل الى مکان مرموق في سلم الحزب سوى أن يودع مهنته والى الابد لکنه والحق يقال، انه قد تمسك بإلتزامه الديني ولم يفرط به أمام الدنيا التي إبتسمت بوجهه. ولأنه کان دوما مطيعا ومنفذا لأية أوامر تصدر إليه من الجهة التي تعلوه، فقد إنهالت عليه المناصب وصار يوما رئيس المجلس الزراعي الاعلى وآخرا وزيرا للداخلية، وووحتى إنتهى به الامر الى ماکان يسمونه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي وبکلمة أخرى نائب الرئيس الاسبق صدام حسين، ومثلما کان نائب رئيس الجمهورية الکارتوني طه محي الدين معروف ليس له أي عمل يؤديه سوى أن يلاعب اولاد السيد الرئيس، فإن بائع الثلج ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة کان أيضا يؤدي مايملى عليه حرفيا من قبل سيده ومالکه صدام حسين ولعل التفان والاخلاص غير العاديين اللذين کانا يتسمان به، قد دفع بالرئيس العراقي الاسبق الى الوثوق به رغم أن العراقيين کانوا يتوقعون أن يقود أي کان إنقلابا ضد الرئيس بل وحتى ان تقود زوجة الرئيس بنفسها إنقلابا ضده أما بائع الثلج هذا فلا والف لا! وتوالت الايام، وصار بائع الثلج السابق من مريدي الطرق الصوفية حيث بات يستقبل صاحب طريقة صوفية وإنشغل بهذا الامر ويبدوان القائد الضرورة ورمز العراق قد أدرك بحصافته وحذاقته ان إنشغال نائبه(الرمزي)بهکذا أمور يخدم الامن القومي العراقي وحتى العربي والحق أيضا يجب أن نقر بأنه قد أخلص وتفانى في هذا المجال وبرع فيه سيما وانه رجل مؤدي للفرائض الدينية منذ نعومة أظافره. وذات يوم، إنقلبت الامور وکشحت الدنيا بوجهها عن حزب البعث العربي الاشتراکي في العراق، وصارت قيادة الحزب مطلوبة للعدالة کالمجرمين السابقين ومن بينهم أيضا هذا الغلبان السابق، وقد توقع الکثيرون أن يتم إلقاء القبض عليه وقتله قبل غيره، لکنه فاجئ الجميع بکونه الافضل والابرع والاذکى من بين أقرانه في القيادة ولذلك وعند وقوع صدام حسين في قبضة الامريکان وإعدامه فيما بعد، صار بائع الثلج ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة ونائب أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث، أمينا عاما للحزب، لکنه للأسف لم يصبح رئيس مجلس قيادة الثورة لأنه لم يبق شئ بهذا الاسم وحتى لوکان باقيا فإننا نجزم بأن هذا الرجل الوفي والمتفان بخدمة أسياده لم يکن ليجرؤ على أن يسمح لنفسه بحمل صفة رئيس مجلس قيادة الثورة لأنها من الصفات الخالدة لرئيسه وقائده صدام حسين. وصار الامين العام لحزب البعث(العراقي) قائدا للمقاومة العراقية ونبراسا لها لکن، عمله ترکز في إتجاه محدد هوالخبث والفتنة والتلصص على کل التيارات السياسية في العراق مثلما طفق ينسق ويبرمج خطط تحرير العراق مع أبرع وأهم المنظمات والتجمعات الارهابية والدموية في العراق، رغم ان کل هذه التنظيمات قد خرجت اساسا من صندوق حزب البعث الذي يعتبر بحق مدرسة ونظرية متعددة الجوانب والابعاد في عالم القتل والارهاب والجريمة المنظمة. اليوم، هذا الرجل الذي يتخذ من الجحور والزوايا المظلمة ملاذا ومستقرا له الى حين، ليس امامه أي خيار ومهنة يحترفها سوى قيادة الفتن والاضطرابات والدسائس ودفع الآخرين الى القيام بهجمات إنتحارية تفجيرية رعناء وهمجية يذهب ضحيتها المئات من العراقيين الابرياء العزل، وهکذا أيضا وفي غفلة من الزمن الزنيم، صار بائع ثلج الأمس، تاجر موت هذا الزمن وکما قال الرسول الاکرم:(بشر القاتل بالقتل) فإننا نبشر هذا النمس الدموي الهارب من وجه العدالة بشر قتلة في إنتظاره وان هي إلا قضية وقت!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |