|
رحل صباح اليوم في بغداد الشاعر العراقي.. ورجل السلام.. والوطني الديمقراطي.. والمثقف الناقد.. والاداري الرائد.. علي جليل الوردي تاركا خلفه إرثا شعريا وطنيا لم يهادن المحتلين والطغاة..وتراثا سياسيا ديمقراطيا امتد لاكثر من ستة عقود ..وموقفا جسورا في مواجهة الحكام المستبدين..واعتزازا بحرفيته ..وزهدا عن الرزايا..وثقافة للسلم .. في أول لقاء لي معه في حزيران عام 1979 حدثني عن بواكير حركة السلم في العراق في مطلع خمسينات القرن الماضي ولقاءاته مع المرحوم عزيز شريف والسيدة ثمينة عادل لتأسيس أولى حلقات حركة السلم في العراق.. تصفحت نضيد الكتب الممتد عند سريره الحديدي ..شغفتني المخطوطات الجلدية ونسخ من ديوانه (طلائع الفجر ـ الذي رسم غلافه الفنان الراحل خالد الجادر وخط عنوانه الراحل هاشم محمد البغدادي) الديوان الذي قمعته السلطة ..والى جانبه مخطوطة ديوانه الثاني (الذي احتفظت بصورة لبعض قصائده الوجدانية) .. وعلى طاولة خشبية منجمة اعداد من مجلة المجلة المصرية التي نشرت قصائده الوطنية المعارضة عام 1937 ..سألته ممازحاً: ماذا كان رد السلطات على قصائدك المعادية للاحتلال والمحرضة للثورة عليهم؟ اجاب بابتسامته المداعبة: كم يوم توقيف ..وفصل من الوظيفة..وبس! في علبة جلدية حائلة اللون ..عرض لي حمامة طليقة من الذهب ..قال: هذه نموذج صِغتُها بيدي في يوم السلم العالمي عام 1957 ووزعت سراَ بين دعاة وعشاق السلم..وإحتفضت بهذه لابنتي سميرة! كان داعية جسورا للسلم العادل ..لكنه عاش بمرارة في زمن مشعلي الحروب ومدمني سفك الدماء.. وتتالت لقاءاتنا..التي اغنتني عن قراءة احداث مدونة بقلم كتابها..لان محدثي كان موضوعيا في نقله وشجاعا في نقده وتقدميا في تحليله .. تعرفت من خلاله على تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق ودور رواد التيار الديمقراطي في نشر ثقافة ـ الديمقراطية الوطنية ـ التي هو أحد رموزها ..ونحن أحوج مانكون اليها في هذا الزمن الملتبس..حيث تُقايض اليوم في أسواق المتحاصصين ( قشور الديمقراطية اللقيطة المهربة في احشاء الدبابات المحتلة) بالدكتاتورية الشمولية الدموية! كان عاملا ًزاهداً..ومُنتجا مبدعاً..مترفعا عن دنايا السلطة رغم تميزه الاداري المالي ونزاهته التي أوقعته في انياب محكمة الثورة عام 1968 لانه رفض تغيير تقرير عن الفساد المالي لدائرة السياحة التي كان يرأسها برزان آنذاك.. يقول في احدى قصائده: من شقائي قد بعت مكتبتي وبهذا فقدت مملكتي لأغذي بالروح مسغبتي أفهذي حياة ذي همم عاملٍ طاهرٍ من الدَرن!؟ يرحل عنا اليوم شاعر الاضرابات والتظاهرات والاعتصامات.. تاركا وطنه مدمى وشعبه نازفا .. الوطن الذي كرس حياته من أجل إستقلاله الناجز وشعبه الذي لم يبخل بسني عمره وعقله ورمق عيشه من أجل سعادته.. رحل زاهداً كما عاش.. بعيداً عن رياح الفساد الاداري والمالي التي تعصف بالوطن.. رحل ثابت الموقف الوطني ..لم تهز قامته أعاصير الاحتلال ..ولا مفخخات القتلة المتجولين!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |