|
النواب يحرضون على الفوضى
نـزار حيدر اذا استمر مجلس النواب يسوف، بتشديد الواو وكسره، في تشريع قانون الانتخابات، فانه بذلك يحرض على مايلي: اولا: على العنف، لان الارهابيين يتحينون الفرص لافشال العملية السياسية، ومجلس النواب يمنحهم مثل هذه الفرص عندما يؤخر تشريع القانون. ثانيا: على الفوضى، لان الشعب العراقي سوف لن يقف مكتوف الايدي يتفرج على عبث (نوابه) بمصيره وبمستقبل ابنائه. ثالثا: على الانقلاب العسكري، لانه سيكون البديل عن الديمقراطية التي يعرقل بناءها مجلس النواب بتاخير تشريع القانون. ان ما يمر به العراق اليوم، لا يتحمل الاستمرار بالوضع على حاله، ولذلك اتفقت كلمة العراقيين على وجوب التغيير، مهما كان الثمن، وانهم ياملون تحقيقه من خلال صندوق الاقتراع في اطار قانون للانتخابات يمنحهم ارادة الاختيار، ليضعوا ثقتهم بمن يعتقدون انه الاقدر على التغيير بعد ان ثبت لهم بالتجربة وبالقطع واليقين ان جل الموجودين حاليا تحت قبة البرلمان لا يقدرون على ذلك، فهم اعجز من ان يغيروا انفسهم، فكيف يغيرون الواقع المر؟. انهم ينتظرون ان يشرع مجلس النواب قانون الانتخابات الجديد ليطمئنوا الى امكانية التغيير من خلال صندوق الاقتراع، الذي سيساعدهم على معاقبة المسئ من خلال حجب الثقة عنه، والاحسان الى المحسن من خلال تجديد الثقة به، كما انه سيساعدهم الى تحقيق التجديد في الوجوه والارادات. اما اذا ظل مجلس النواب يعرقل تشريع القانون، وحاصر الناخب بسيف الوقت، ليفرض عليه القانون القديم او تاجيل الانتخابات او ربما الغائها الى اشعار آخر، فان الناخب، الذي خبر اللعبة ولم يعد ينطلي عليه شئ من هذا القبيل، سيبدا بالتفكير بطريقة اخرى، للاخذ بحقه القانوني في ممارسة التغيير، فقد يلجا الى العصيان المدني او التظاهر بالشوارع او الاعتصام امام مبنى مجلس النواب لحثه على الاسراع في تشريع القانون، او ربما يتغافل عن قادة الجيش اذا قرروا المبادرة بتنفيذ انقلاب عسكري لوضع حد لهذه اللعبة، المهزلة. واذا حدث اي شئ من هذا القبيل، فان مجلس النواب سيكون هو المسؤول المباشر، فهو وحده يتحمل المسؤولية التاريخية. لقد تحمل العراقيون معاناة السنين الاربع العجاف الاخيرة التي مرت عليهم بانتظار الانتخابات القادمة ليمارسوا حقهم الدستوري في التغيير، اما اذا احسوا ان هناك من (الزعماء) و (القادة) من يسعى للالتفاف على هذا الحق الدستوري، من خلال اجبارهم على خيار ليس له ثان، فانهم سوف لن يسكتوا على حقهم ابدا. اخشى ان لا يجد الناخب العراقي الا العنف والتمرد طريقا لاحقاق حقه في التغيير الذي لابد منه، عندما يمتنع مجلس النواب عن تشريع قانون الانتخابات الذي يضمن له هذا الحق. ان ادوات التغيير في النظم الديمقراطية تختلف، بلا شك، عن ادواتها في الانظمة الشمولية والديكتاتورية الاستبدادية، ففي الاولى يشخص صندوق الاقتراع كأعظم واسلم اداة لممارسة التغيير، شريطة ان يمنحه القانون قوة التغيير، من خلال نظام القائمة المفتوحة والحق في التاشير على المرشح الذي يرغب الناخب في منحه ثقته حصريا من دون اي تلاعب او نقل وانتقال بالاصوات من والى هذا المرشح او ذاك، اما في النظم الاستبدادية، فان العنف والقتل والانقلابات العسكرية واعمال الشغب، وغيرها من مظاهر العنف والتجاوز، تشخص كاودات مفضلة امام المواطن المغلوب على امره، الذي اعدم الادوات السلمية، بسبب تكميم افواهه من قبل السلطة، وسيطرة قبضتها البوليسية على الشارع، ومنعها للاعلام ووسائله المختلفة. وعندما اختار العراقيون الديمقراطية كطريق لاعادة بناء بلدهم على اسس حضارية صحيحة بعيدا عن التعسف والسطوة غير المشروعة لفئة دون اخرى، وسياسات الالغاء وتكميم الافواه، فالتزموا بمبدا التداول السلمي للسلطة بعيدا عن لعبة السرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) فانهم املوا في ان يمنحهم القانون الحق في ممارسة التغيير كلما وجدوا اعوجاجا في مسيرة البناء، او خللا في هيكلية الدولة او مسؤولا غير مؤهلا في موقع م، اما ان يلتاف مجلس النواب على كل هذ، فيؤخر او يعرقل او يصوت على قانون يسلب من العراقيين حق ممارسة التغيير، ليعودوا بهم الى المربع الاول، فان ذلك لن يقبل به العراقيون ابد، وسترى الطبقة الحاكمة صحة ما اقول ان عاجلا ام آجل، متمنيا عليهم ان يتحملوا المسؤولية كاملة اذا ما مر البلد بما لا يحمد عقباه، لا سامح الله، اذ لا زلت اؤمل بهم بقية من وعي وادراك لخطورة المرحلة، فيبادروا الى تصحيح ما وقعوا فيه من خطا قاتل لحد الان. ان على مجلس النواب ان يرضى بادوات الديمقراطية، تلك التي حملتهم الى مواقع المسؤولية ومقاعد البرلمان، فيبادر فورا الى تشريع قانون جديد للانتخابات، يعيد الامل للمواطن بامكانية التغيير السلمي، وليتذكر الجميع بان هذه الادوات التي يتطلع الناخب الى التمسك بها هي ذاتها التي اوصلتهم الى البرلمان، والا فلو كانت الديكتاتورية هي التي لا زالت تحكم في العراق، لما حلموا كل هؤلاء ليس بمقعد تحت قبة البرلمان، فحسب، وانما حتى بالعودة الى بلدهم الذي هجروه لعقود طويلة من الزمن مطاردين من قبل ازلام النظام البائد وزبانيته، فلماذا يتنكر البعض لهذه الادوات المقدسة ويحاولون الانقلاب عليها؟. ان الكرة الان في ملعب مجلس النواب، فاذا قرر احترام ارادة المواطن العراقي وتضحياته وقناعاته، وقرر ان يحترم الديمقراطية وادواته، فعجل فورا بتشريع قانون الانتخابات الجديد، فسيثبت مرة اخرى انه يقدم المصالح العليا للبلاد على مصالحه الخاصة، وسيسجل له التاريخ هذه الوقفة التاريخية النادرة، اما اذا فعل العكس ووقف ضد ارادة العراقيين، فانه سيثبت للجميع بانه ليس اهلا للمسؤولية لانه يقدم مصالحه الفئوية والحزبية الضيقة على المصالح العليا للبلاد والعباد، فماذا سيختار (نواب الشعب) يا ترى؟. لا بد من تغيير الوضع القائم، اذ لا يعقل ان يستمر على حاله لاربع سنوات اخرى، ولا يمكن انجاز التغيير بطريقة ديمقراطية الا اذا تغير قانون الانتخابات القديم، فبداية التغيير تنطلق منه، فاذا تغير القانون فسنحل الكثير من العقد والمشاكل. فالفساد المالي والاداري المستشري في جسد الدولة العراقية الجديدة، لا يمكن القضاء عليه الا بالقضاء على المحاصصة اول، والمحاصصة لا يمكن ان نضع لها حدا الا بتغيير القانون الذي شرعنه، والقانون لا يمكن تغييره الا بنواب جدد يختلفون بعقليتهم واراداتهم عن عقلية وارادة النواب الحاليين، وهذا لا يمكن تحقيقه الا بقانون جديد للانتخابات يضمن فوز مرشحين جدد يحوزون على ثقة الناخب مباشرة وليس على ثقة الكتل والاحزاب. كذلك، فان الارهاب والعنف بدا يتصاعد بشكل مخيف، في بغداد وفي العديد من مناطق العراق، وللاسف الشديد، فان الحكومة العراقية عاجزة عن ايجاد الحلول والخطط الناجعة التي تحد من هذا التدهور الامني المرعب، بسبب المحاصصة بالدرجة الاولى، ولذلك فان اخذ الملف الامني بقوة، بحاجة الى حكومة قوية تنتمي الى نفسها وليس الى الاحزاب والكتل والكيانات، كما هو حالها الان، وهذا يتطلب اولا الغاء المحاصصة، ولا يمكن ذلك الا بالغاء القانون الذي شرعه، الامر الذي لا يمكن تحقيقه الا بقانون جديد للانتخابات. وعندما يشهد الملف الامني مثل هذا التدهور الخطير والانتكاسة المرعبة، فان العراق ابتعد مرة اخرى عن كل مشاريع اعادة البناء والاعمار والاستثمار، الاجنبية منها والعراقية، ما يعني ان مشاكل المواطن ستبقى على حالها من دون امل بحلول منظورة، كمشاكل الماء والكهرباء والتصحر والزراعة والبطالة والصحة والتعليم والصناعة والنقل وغير ذلك الكثير. كما ان مراوحة مجالس المحافظات في اماكنها بسبب الشد والجذب المستمر بين (احزاب) الحكومة المركزية و (احزاب) مجالس المحافظات، والذي جمد البناء والاعمار والاستثمار، هو الاخر لا يمكن ان نجد له حلا حقيقيا وعمليا الا بتغيير مجلس النواب، وهو الامر الذي لا يمكن ان يتحقق الا بقانون جديد للانتخابات يساهم في انجاز عملية التغيير. ان كل هذه القضايا الشائكة والعالقة لا يمكن ان تبقى على حالها للسنوات الاربع القادمة، اذ لا بد من ممارسة التغيير باي شكل من الاشكال، ولان العراقيين اختاروا الديمقراطية كنظام سياسي، لذلك يؤثرون ممارسة التغيير بادواته، الا اذا اضطرهم مجلس النواب الى غير ذلك، كالانقلاب العسكري او التظاهرات والعصيان المدني واعمال الشغب، وعندها يجب ان لا يلام المواطن، بل يجب ان يلام (نواب الشعب) فقط، وصدق ابو ذر الغفاري رحمه الله ورضي الله عنه عندما قال {عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه} وهو بهذا القول، وهو الذي قال عنه رسول الله (ص) {ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر} يريد ان يقول ان (الجائع القاتل) لا يلام وانما الذي يلام هو النظام السياسي الحاكم الذي عجز وفشل في تامين قوت يومه له ولعياله، وكذلك هو اليوم حال المواطن العراقي. ان العراقيين اختاروا التغيير ولا مفر منه ابد، وبقي على مجلس النواب ان يختار لهم طريقة التغيير. اخيرا... الى من يتذرع بعودة البعثيين وخشيته من استيلائهم على السلطة من جديد، لتاخير تشريع القانون، اقول: احسنوا الى المواطن، وحققوا الانجاز الصحيح وطهروا اياديكم وبطونكم من المال الحرام، ثم لا تخشوا لا البعثيين ولا من هم اسوء منهم، فلقد طلب احد ولاة الخليفة عمر بن عبد العزيز مالا لبناء سور حول المدينة لصد هجمات اللصوص والقتلة والمجرمين، فرفض الخليفة طلبه ورد عليه بقوله البليغ {سورها بالعدل}. وللتذكرة فقط، اود ان اعيد هنا الى الاذهان وجوب ان يصدر قانون الانتخابات الجديد وهو يشتمل على التغييرات الاستراتيجية الهامة التالية: اولا: اعتماد القائمة المفتوحة. ثانيا: اعتماد العراق عدة دوائر انتخابية، لا يقل عددها عن عدد محافظات (18). ثالثا: ان يمنح القانون الناخب العراقي الحق في التاشير على العدد المطلوب من المرشحين في دائرته الانتخابية، من دون تحديد هذا الحق بواحد او ثلاثة او خمسة، كما يسعى بعض اعضاء مجلس النواب الى ذلك. رابعا: ان لا تزيد نسبة المقاعد التعويضية على (5%). خامسا: لا يحق نقل وانتقال اصوات الناخبين من والى اي من المرشحين، اذ يجب ان يجري احتساب عدد الاصوات لكل مرشح كما هو في صندوق الاقتراع حصريا. سادسا: ان ينص القانون على حق العراقيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |