أهمية الوثائق في صفحة تأريخية من التشريع العراقي (1 ) *

 

خالص عزمي

khalis_azmi@hotmail.com

من الثابت انه لايمكن كتابة صفحات تأريخ ما إلا من خلال الوثيقة (المكتوبة أوالمسموعة والمرئيه) وغيرها مما يعتبر صيغة للتذكر والتدوين في مجال التكنولوجيا المعاصرة. وقد تكون تلك الوثيقة المعتمدة من خلال شهادات الأشخاص على الاحداث ومن خلال احداث  بعينها دونت سابقاً ويراد التثبت لاحقاً من صحتها لتصبح مادة صالحة صادقة لتدوين التأريخ الذي يمثل ديمومة متحركة قابلة للتصحيح والاضافة والحذف وفي هذا المجال ثبت للمؤرخين  والموثقين بان كثيراً من المصنفات التي اعتبرت في وقت من الاوقات مادة عبثية  وتافهة من قبل اناس ليس لهم اطلاح واسع على مدلول الوثيقة، كانت هي ذاتها من أصلح وأصدق المواد التى يركن إليها أثناء تدوين صفحات التاريخ كالرسائل الشخصية والصور والتسجيلات الصوتية والبطاقات  الخاصة وما الى ذلك مما يحفظ عادة ويطمر لدى الأشخاص باعتباره من الاسرار  والخصوصيات التي  لايجوز لأحد الاطلاع عليها والأفادة منها. إن الكنوز الأثرية التى غطت متاحف العالم وتلك التي بقيت في مواقعها صامدة أمام الزمن لم يخطط للحفاظ عليها لمجرد التمتع بها والتباهي بقدم الحضارة التى  تنتمي إليها، إنما أصبحت- ولقرون عدة- مادة خصبة واكيدة لتدوين التاريخ واكتشاف مجالات تطور والانسان في حقول مختلفة من  حركته في الزراعة والصناعة ونظم الحكم وآفاق المعرفة المختلفة ومازالت منبعاً ثراً لذلك البحث المتواصل حتى ايامنا هذه . كما لا يفوتنا التذكير بكنوز اخر تركها لنا الباحثون والدارسون والكتاب عبر حقب التاريخ من خلال مؤلفاتهم التي وثقت لصفحات من تأريخ حققوا فيه ولتأريخ كتبوه وآخر كانوا شهوداً على  مدوناته، تثبيتا للحقيقية وابعاداً للتخيل .

 إن هذين الاتجاهين وما يتفرع عنهما  لايكفيان للتحقق والأستنباط والاستقراء والاستدلال. اذ وجد الموثقون من خلال  تجاربهم عبر  السنين ان هناك انماطا أخر من  الوثائق تدعم الكتابة الشاملة  والحقيقية للتدوين التأريخي. وتؤدي لإضافة بعض الحقائق الغائبة عن  الأنظار إلى  مواقعها الثابتة في سجلات التاريخ؛ مما سنأتي على ذكرها
في خاتمة هذا البحث والتى تؤكد (وفي هذا الجزء المهم منها) على ان  المختصين  علمياً في معرفة أسرار الوثائق وقراءتها الدقيقة هم وحدهم الذين  يستطيعون تقييم القيمة الحقيقية للوثيقة، من حيث اهميتها وصدق محتوياتها وأثرها في تثبيت الواقع الفعلي للأحداث .
 

الاهتمام بالوثيقة تشريعيا :-

لقد دأبت كثير من  الدول على اصدار تشريعات تهدف الى تحديد التعريف الدقيق للوثيقة  واسلوب وضع اليد عليها وحفظها ثم إطلاع  الكافة عليها  وتيسير أمر  نشرها وتعميمها لأغراض الدراسة والبحث  والتدوين والتحليل... الخ. ولم تكن التشريعات تهدف إلى مجرد التنظيم الإدارى  بحد ذاته . بل كان هدفها أهم واشمل في إطار من الحافظ على الوثيقة وعدم  التفريط بها مادامت تشكل العنصر الأساس للمرجع الذي يعتد به في تحقيق مصادر التأريخ اولاً وصدق تدوينه مرتكزاً على وقائع حقيقية من المعرفة ثانياً . 

إن جل التشريعات الوثائقية، تعنى بخمسة  جوانب وثائقية  أساسية هامة :- 

1-  رصد الوثائق وتقويمها ووضع اليد عليها إن أجاز القانون ذلك واستنساخها كانت لدى الهيئات الخاصة والأشخاص الطبيعية وتسجيلها لتبقى بعيدة عن اللامبالاة.

2-  حفظ الوثائق وفهرستها  وتبويبها وتنظيم أسلوب مراجعها التاريخية المستندة.

3-  إيجاد مختبر علمي لمعالجة الوثائق التي تحتاج الى رعاية وعناية طبية وترميم.

4-  فسح المجال أمام الكافة للإفادة منها عن طريق الإطلاع عليها وعلى صورها بموجب القانون  

5-  تحديد العقوبات المتعلقة بتلاف الوثائق وإخفائها وسرقتها وتهريبها... الخ

  {لهذه الأسباب كلها وبعضها أصدرت الدول تشريعات وثائقية يعود بعضها إلىأكثر من قرنين من الزمن . كالقانون الفرنسي ( 1790) ومالحق به من مراسيم في السنوات (1887)،(1898)، (1936)، وكذلك القانون البريطاني الصادر في عام (1838) ثم في ( 1898) وفي (1936)}

أما في البلاد العربية فقد صدرت قوانين حديثة  توخت الدقة والإفادة من القوانين التي سبقت في  الصدور كما اسلفنا. وهنا يمكننا الإشارة إلى أهمها :

ففي مصر صدر قانون دار الوثائق القومية رقم 356 لسنة 1954 0 وفى السودان صدر قانون الوثائق القومية  عام 1981 الذي نص على إلغاء قانون الوثائق لسنة  1965  وفي  سوريا صدر قرار برقم 29 بتاريخ 4/4/1959 الخاص بدائرة الوثائق التاريخية . وفي الجزئر صدر الأمر المرقم ( 36 –1971 ) الخاص بتنظيم  أمورالوثائق ؛ اما في  الاردن فقد صدر نظام رقم 27 لسنة 1977 الذي  عنى  بالمكتبات، وفى المغرب صدر ما سمي  في حينه بـ ( ظهير شريف ) عدد 738-14ديجنبر  1926 المنشور في  الجريدة الرسمية، الذي نظم موضوع المكتبات  والوثائق الرسمية  التى سميت بعد ئذ ( الخزانة  العامة للكتب والوثائق ) . وفي الجماهيرية الليبية صدر القانون رقم (2) لسنة 1983 بشأن الآثار والوثائق التاريخية . اما في لبنان فقد تأسست مؤسسة حكومية تعنى بالمحفوظات والوثائق الوطنية بموجب المرسوم المرقم 1349 والمؤرخ في 26/5/1978 وكل هذه القوانين والأنظمة والمراسيم تلتقي عند هدف واحد محدد هو( الحافظ على الوثائق ذات القيمة الاثباتية وتنظيم تجميعها  وخزنها  ووضع  القواعد والأسس  العلمية لتيسير الإطلاع عليها ونشرها ) (1)

اما في العراق، فقد صدرت تشريعات عدة بهذا الشأن نستطيع ان نشير هنا إلى أهمها واحدثها منها، قانون إتلاف الأوراق الرسمية رقم (33) لسنة 1942 وتعديلاته . وقانون الأمانة العامة للمركز الوطني للوثائق رقم (142) لسنة 1963 وقانون إتلاف الأوراق الرسمية رقم ( 141) لسنة 1972 0 وقانون الحافظ على الوثائق رقم ( 70) لسنة 1983 ثم نظام المركز الوطني للوثائق رقم ( 8) لسنة 1985. إن هذا البحث يشرح ويوضح الأبعاد والمبادئ الجوهرية التي اعتمدت على  أسس العناية بالوثيقة : انتقاءاً، وحفظاً ورعاية ونشراً، ووضعها بعدئذ أمام جمهور الدارسين والباحثين والمهتمين بتوثيق صفحات التأريخ في عصوره المختلفة .

لهذا يعتبر قانون الحافظ على الوثائق رقم  (70) لسنة 1983  ونظام المركز الوطني للوثائق رقم  ( 8) لسنة ( 1985 وما جاء فيهما من مبادئ وإحكام ومراجع تشريعية نصت عليها القوانين الأخرى المرعية قبلها والتي أصبحت كلها المصدر الأساس لتكوين الركيزة المعتمدة في هذا البحث، ذلك ان مثل هذه المبادئ ستبقى هي مصدر العناية والحفاظ على الوثيقة في هذين التشريعين، وفي تشريعات اخرى ترمي الى تعديلهما. واحلال نصوص اخرى اكثر تطوراً في المستقبل تحل محلهما:

ـــــــــــــــــــــــــ

* ـ مجلة القاضي: العدد الاول ـ السنة الاولى / 2009 ـ أربيل  ـ العراق

(1)   لمزيد من التفاصيل ـ راجع ـ سالم الآلوسي ( التشريعات الوثائقية ـ الجزء الاول ـ دار الحرية للنشر ـ 1985 بغداد 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com