المأزق الأمريكي وأزمة الانتخابات العراقية

 

د.مهند العزاوي

saqarc@yahoo.com

مأزق خانق وهروب إلى الأمام

أزمة انتخابات على ارض رمال متحركة

قواعد اللعبة الأمريكية

عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحقيق أهدافها الإستراتيجية وتحقيق السيطرة الثابتة المستقرة في العراق وأفغانستان, وبالرغم من مزاوجتها القوة الصلبة والناعمة وباستخدام القوة الذكية لتطبيع الاحتلال سياسيا، ولعل الغطرسة الأمريكية والنزعة العسكرية التوسعية واستخدام القوة المفرط قد فاقم الأزمات واختلق بؤر العنف هلامية ويتجه بالعراق نحو الفوضى الشاملة بل وعزل شعب العراق الذي تمتد حضارته ألاف السنين وسخر منظوماته السياسية والإعلامية لتنمط أبنائه الشرفاء بالإرهاب مما غير من طبيعة الصراع والتهديدات وحرك بوصلتها نحو المعادلة الصفرية ونسف أي منحى عقلاني أو مخرج سياسي للازمة, وانعكس ذلك على نوع التهديدات الأمنية الداخلية المثقلة بعمليات شبحية تعكس صراعات دموية لأجندات أجنبية وإقليمية تحتل العراق اليوم وتعبث بأمن شعبه عبر الشركات الأمنية (المرتزقة) والمليشيات الطائفية والعرقية ناهيك عن تعاظم التهديدات الحربية في المنطقة باتجاه أخر, وخلف بذلك أزمات إقليمية خطرة في كل من العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان والصومال وأفغانستان والباكستان وجعل كل منهم رقع حرب دموية متقدة, مما أدى إلى انفلات في المفاهيم السياسية والقانونية والأمنية الدولية, وقد انعكست سلبا على توازن المصالح الدولية وباتت في تهديدا مستمر.

مأزق خانق وهروب إلى الأمام

 يكمن المأزق الأمريكي في النزعة العسكرية التوسعية وبيروقراطية التفكير والتدبير والإجراءات التي تقتصر على الدعاية السياسية والإعلامية، كما أن الفشل السياسي والعسكري في العراق وأفغانستان وعواقبهما الكارثيه في كافة المجالات قد زاد من هشاشة الأمن العالمي وفرض متغيرات في معادلة التوازن الإقليمي, ونشاهد تخبط واضح في سياسة الولايات المتحدة وهي متوغلة بالحروب والأزمات كمستنقعات العراق وأفغانستان والباكستان,ويبدوا أن الإدارة الجديدة لم تخرج عن منهجية سابقتها وخصوصا محاور الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي ويمكن رصد الملامح كما يلي:-

1. افتعال وخلق الأزمات السياسية ضد دول العالم العربي والإسلامي .

2. توفير الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي اللامحدود لما تسميه أمريكا "قارب النجاة في الشرق الأوسط" والمقصود بها (إسرائيل), وتأييد مخططاتها التوسعية والاستيطانية في فلسطين وتعزيز نفوذها الليبرالي في كل من العراق والخليج وأفريقيا.

3. هوس التواجد العسكري في المنطقة عبر التسهيلات وشبكة القواعد العسكرية وتشكيل نظم سياسية تابعة لها تعزز مصالحها الأحادية القطب يصاحبه قهر مجتمعي لشعوب الدول.

4. أطلاق يد الشركات القابضة العملاقة لإذكاء الحروب والنزاعات الطائفية والأزمات الإقليمية بغية فتح أسواق تصريف دموية على حساب دول وشعوب المنطقة .

5. استخدام بشع للحرب الدموغرافية ضمن فلسفة التقطيع الناعم وإشعال الصراعات الدينية وتعزيز الانقسامات في العالم الإسلامي، وخاصة بين السنة والشيعة.

6. تطوير أسلحة دمار شامل والقدرات الفضائية الأمريكية ضمن سباق تسلح وإغفال خطورة شركات ومصانع السلاح الخفيف والمتفجرات التي تفتح أسواق كبرى في دول العالم العربي والإسلامي بما يؤمن حقل تجارب مجاني ضد الشعوب والتي فاقت ضحاياهم مئات المرات ضحايا أسلحة الدمار الشامل والتي استخدمت جيوش لتدمير دول زعما نزعها.

أزمة انتخابات على ارض رمال متحركة

أضحى المشهد العراقي ارض رمال متحركة تهيئ فيه الانتخابات العراقية تحت حراب الاحتلال والتي اعد لها لكي تكون مفصل حيوي ضمن خطة الخداع الاستراتيجي وصرف الأنظار عن استمرار احتلال العراق ونقض تعهدات الرئيس الأمريكي اوباما للشعب الأمريكي والعالم العربي والإسلامي حول إنهاء الحرب والانسحاب من العراق وإغلاق المعتقلات ومحاسبة المقصرين من العناصر التي ارتكبت جرائم التعذيب والاغتصاب ونلمس اليوم هروب إلى الأمام نحو إدامة الحروب وهذا ما يؤكده تصريح الجنرال "كيسي General Casey" رئيس أركان الجيش حيث يقول:- "على البنتاغون أن يخطط لتوسيع عمليات القتال والاستقرار في حربين لغاية عشر سنوات على عكس خطابات السلام .

 يفتقر العراق إلى بيئة سياسية مستقرة لإجراء الانتخابات الدموقراطية في ظل مشهد قاتم دموي يسوده الاعتقالات والتهجير والتقتيل والتعذيب وفشل سياسي وعسكري واقتصادي طال جميع مرافق الحياة في العراق, حيث يصف الخبراء المشهد العراقي ارض رمال متحركة وبيئة حربية متقدة لما تشهده من عمليات حربية وعنف مفرط وجريمة منظمة وفوضى شاملة وتدمير منظم طال العراق وشعبه, كما أنها لا تتسق بمفاهيم وقيم الممارسات الديمقراطية مثل:- السيادة والاستقلال والاستقرار السياسي، رصانة وتجانس الطبقة السياسية،التكامل العسكري، منظومة القوانين،نظم صيانة الممارسات الديمقراطية، تداول السلطة السلمي، بني تحتية رصينة تؤدي مهامها الأساسية بدقة وحرفية متناهية تحكمها طواقم مسائلة رصينة تقيم الأداء وتصحح المخططات, انتعاش الطبقة الوسطى, دخل الفرد,التنمية، الادخار،الاستثمار, التربية, التعليم،التطوير, مناخ وطني ديمقراطي بعيدا عن طغيان السلطة وقمع القوات الأجنبية المحتلة، وهذا ما يفتقده المشهد العراقي بالكامل منذ الغزو ولحد الآن, وفي الواقع أن مقومات ما يسمى العملية السياسية ارتكزت على زعانف ذات صبغة سياسية طائفية وعرقية عدد كبير منها يمثل أجندات أجنبية وإقليمية غيبت فيها الإرادة الوطنية والشعبية العراقية المستقلة، حيث رسخت الدوائر السياسة والعسكرية الأمريكية مفاهيم سياسية واجتماعية وقانونية وأمنية هجينة ومشوهة، واغتالت منظومة القيم الوطنية المتعارف عليها دوليا وقسمت العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا إلى ثلاث دويلات او محميات تقودها الأحزاب الطائفية والعرقية تمهيدا لمشروع تقسيم العراق, وبذلك أصبح الشعب العراقي طوائف وأعراق ( شيعة،سنة،أكراد, تركمان، كلدان, آشوريين, شبك ..الخ) كل يبحث عن مغانم وقتية وإثراء غير شرعي, ونشهد ملامح الهروب إلى الأمام في السياسة الأمريكية وترحيل الأزمات واختلاق المواقف التي تساهم في تعقيد المشهد العراقي وتبتعد عن المعالجة الحقيقة للازمات والملفات المتفجرة التي تعصف بالعراق ويبدوا أن الغاية هو أظهار الإنتاج الأمريكي ليكون مقبول عربيا وإسلاميا مما يؤمن لها شرعية نسبية للهيمنة على ثروات العراق و تامين الأمن السياسي لقواتها في العراق على حساب امن المواطن والمجتمع العراقي وعلى سبيل المثال عقد الاتفاقيات المختلفة ومنها الاتفاقية الأمنية.

قواعد اللعبة الأمريكية

يجري الحديث كثيرا بين القوى والشخصيات الوطنية عن ضرورة وجدوى الولوج والاندماج في العملية السياسية وإجراء التعديلات والتحسينات لإنقاذ العراق وهو تفكير مشروع لذوي النية الحسنة في ظل دوامة الدم والعنف والخراب والتدمير والفساد وانهيار قدرات العراق المحسوسة، بينما نرى في الاتجاه الأخر البورصة الانتخابية شخصيات تعقد صفقات تحت الطاولة في العراق ودول أخرى وفي فنادق خمس نجوم كما وأن بعض القوى السياسية تمنح صكوك تأييد لأشخاص وقوائم انتخابية في الظل وفي العلن ترفض.., وحقيقة الأمر أن تجسيد تضاريس المشهد العراقي على الأرض يخالف تماما تلك الفرضية وهناك الكثير من المعوقات التي تجعل التغير شبه مستحيلا في ظل الاحتلال ما لم يتم اللجوء إلى المنحى العقلاني والموضوعي لمعالجة الملفات السوداء التي خلفها غزو العراق، ولا يمكن تجاهل وسائل التأثير الأمريكي المباشر أو الغير مباشر باستخدام المال( الرشوة) أو التهديد بالفضائح والتشهير وأحيانا بالتصفية الجسدية وغالبا تلفيق ملفات الإرهاب كما جرى لعدد من السياسيين,وتلك محددات ومعوقات العمل السياسي في ظل الاحتلال, وهنا حظوظ التغير والتعبير محدودة جدا, وإذا افترضنا تيسر معابر الوصول إلى صنع واتخاذ القرار, نجد أن قواعد اللعبة الأمريكية ومنهجيتها في العراق تقف عائقا ولا تتسق مع المنحى العقلاني والمعالجة الموضوعية في تفكيك الأزمة العراقية, حيث تعرض الناخب العراقي إلى كوارث دموية وممارسات تنتهك حقوق الإنسان ومجازر وجرائم حرب ومداهمات واعتقالات طائفية لم تعالج بشكل موضوعي وعقلاني وأنساني ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا, والأكثر إثارة للجدل سياسيا وشعبيا الدستور الذي أسس على أساس تقسيم المغانم بين الأحزاب الطائفية والعرقية وخصخصتها إلى رؤساء الأحزاب وإلغاء مفهوم الوطن وهويته وتقسيمه، وابرز ايجابية في الدستور( الحقوق والحريات) التي لم تطبق أبدا حيث جرى تعطيل الحياة الدستورية بالكامل من قبل الحكومة وبالتالي لا يوجد تناغم وتجانس واحترام في عمل السلطات الثلاث وهي ابرز مقومات العمل الديمقراطي, ولم نشهد تطبيق البرامج الانتخابية التي طرحت للرأي العام قبيل الانتخابات السابقة, بل شاهدنا مؤخرا تشضي وانشطار وتناسل الأحزاب الطائفية والعرقية لتشترك في مارثون التحالفات والائتلافات وبيافطات ذات شعارات وطنية دون مبالاة بما يعانيه الشعب على الرغم أنهم لا يزالون يشكلون أبعاد المشهد السياسي العراقي, والملفت للنظر أن المشهد تدهور نحو الاسوء والبيئة الشعبية تتجه إلى العزوف الشامل عن الانتخابات, ويستحيل تطبيق ممارسة ديمقراطية حقيقة في ظل بيئة حربية متقدة وسياسية قلقة واجتماعية متشظيه تنخرها البطالة والجوع والجريمة واستخدام القوة اللاشرعي ضد الشعب العراقي, ناهيك عن منظومات مؤسساتية هشة متسرطنة بالمحاصصة الطائفية والعرقية والفساد في كافة أرجائها وكذب وتضليل وتزييف الحقائق والمواقف مما افقد ثقة الشعب بالطبقة السياسية والمؤسسات التنفيذية، أسال كيف نؤمل أنفسنا بالتغيير السياسي وانتهاج الممارسات الرصينة والخروج من الأزمة العراقية بسلام وهناك خلاف كبير بين الركيزة الأساسية الشعب وقواه ومقاومته والطبقة السياسية الحاكمة، ولا يمكن أن ننسى المحرقة العراقية فهناك مليوني مفقود وشهيد, وخمسة ملايين مهجر في الدول العربية وأوربا وأمريكا وهم ضحايا التهجير والحرب الدموغرافية والتغيير السكاني للمدن العراقية الذي مارسته المؤسسات الرسمية والمليشيات والأحزاب الحاكمة والمرتبطة بأجندات أجنبية وإقليمية حاقدة،إضافة إلى ملايين الأرامل والأيتام وجيوش العاطلين عن العمل وسجون تفترش ارض العراق نزلائها المعتقلين الأبرياء والذي تم اعتقالهم بدوافع طائفية وفق وشاية "المخبر السري"، إضافة إلى فقدان الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية والصحية وجيش من المليشيات ومليشيات في الجيش وقوانين وإصلاحات سياسية وقانونية معطلة لم تنفذ كي تحقق المصالحة السياسية والتوافق والإجماع الوطني, تلك تشكل فجوة كبيرة في المشهد الانتخابي وتنعكس أيضا على من يرغب بالتغيير كون الوقائع مؤلمة ومحبطة والقوانين معطلة ومستهلكة وفاقدة الصلاحية والتركة ثقيلة وبذلك يشك في تحقيق انتخابات حرة وشفافة في ظل تحنيط المشهد الحالي, ونحن نعلم هشاشة مفوضية الانتخابات الحالية وكيف تشكلت وارتباطات المفاصل التنفيذية حيث تخضع لمعايير المحاصصة الطائفية والحزبية، والحقائق تشير إلى كم هائل من التزوير والفساد,ولا يمكن أن نستثني عامل مهم هو الارستقراطية السياسية هذه الطبقة التي تعيش بشكل طفيلي على معاناة الشعب العراقي وفي بيئة مرفهة وتحتكم على ملايين الدولارات من الإثراء الغير شرعي وهو مال الشعب ناهيك عن قمع السلطة وتسخير أموال الدولة والشعب لإغراض انتخابية تخدم شخص أو حزبا بذاته، ويمكن أن نطلق عليه الفساد الانتخابي, وهناك لا تزال عدم ثقة شعبية وسياسية حول الانسحاب الأمريكي وضماناته ناهيك عن عناصر الضغط والتهديدات من ذوي النفوذ الإقليمي المتغلغل في العراق والتي تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي وتؤثر في نتائجه وتسعى لتحقيق رقع متقدمة ضمن لوحة المصالح وبالتأكيد أن المصلحة العليا للعراق وشعبه غائبة ومغيبة عن تلك اللوحة طيلة السنوات الماضية.

بالتأكيد أن الأمور تقاس بالنتائج هكذا يقيم أداء البرنامج السياسي لأي سياسي أو قوة سياسية أو نظام سياسي أو مؤسسات دولة ونترك حرية التقييم والاختيار والتغيير للشعب العراقي, وبالرغم من الحرب الإعلامية الأمريكية التي نشهد ملامحها الظالمة اليوم والتي تنفذها دوائر ومنظومات الاحتلال لتسويق أزمة الانتخابات العراقية كممارسة دموقراطية وضرورة إنجاحها إعلاميا وفق أساليب الدعاية السياسية والإعلامية عن طريق وسائل الإعلام المأجورة التابعة والملحقة بالمشروع الأمريكي، لكنها لا تغيير من واقع المشهد العراقي شيئا فان الوضع العراقي ما يزال "ارض رمال متحركة".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com