|
سلسلة المباحث العرفانية، ج2, ح4
عزيز آلخزرجي إن كنتُ ُمتردّداً من إمكانيتي على كشف أسرار آلوجود وآلخلق لبيان حقيقتهِا بعد أن غطتها ذنوب العباد، رغم عشرات آلمقالات وآلمحاضرات آلتي نثرتها - لضعف وقصور آلوسائل وآلمصطلحات آللّغوية وآلمنطقية وآلفلسفية ناهيك عن آلفقهية آلتي إنطوت وإنحسرت منذ قرون في دائرة العلوم الشرعية "الروزخونية" آلمتكررة - لكنّي مُتاكدٌ حدّ آليقين بعون الله بأنّ بياني لموضوع آلعرض وآلجوهر وكنه آلجمال وتجارب أخرى ستُعطيكَ بُعداً آخر وسَتَفْتَحُ أمامكَ آفاقاً رحبة يُمكنك أيّها آلباحث آلعزيز من خلالها لمس آلحقيقة وآلتمتع بشواطئها آلدافئة على آلاقل - إن لم تعيشها على حقيقتها آلمطلقة لتنال خير آلدنيا وآلنعيم الأبدي. وما هوإلاّ حكماً وعلماً آتاني الله ومكَّنني منهُا. يبدوبعد تقديمنا لسلسلة آلنظريات آلعامة وآلخاصة عن آلموضوع بإستدلالنا على آراء الأئمة (ع) وأعظم فلاسفة آلتأريخ وقادة آلفكر - أننا ما زلنا في بداية الطريق ونواجهُ أمواجاً عصية على آلمقاومة. لأننا لم نصل بعد إلى جواب يمكننا آلأتكاء عليه كي يكون أساساً معرفياً نجعل آلمعبود من خلاله في واقعنا آلمتردي المنهار معياراً لحياتنا وسعادتنا ومركز الثقل في وجودنا, ولا يتحقق ذلك إلاّ بعد تجاوز حالة آلأخلاص للحكمة، ليتحقّق آلعرفان كمرحلة أولى من سبعة مراحل ومحطات سيأتي بيانها لاحقاً. كلمةٌ أخرى لا بد منها قبل آلبدء بالحلقة هي، أنّ آلقرآن آلكريم يُعتبر من أحكم آلكتب عرضاً للحقائق وآلأسرار نراه أيضاً إلتجأ عبر إسلوب فنّي بديع ممتنع في بيان أسباب الخلق بإستخدامه آلكثير من الآيات آلمتشابهات، لعدم وجود دلالات وألفاظ لغوية مُعبّرة أقوى وأحكم يمكنها وصف آلحقيقة آلمطلقة وحتى آلكثير من أسرار آلوجود لتداخل تعقيداتها وأماكنها وأزمنتها وحوادثها بشكل بدت معها آللغة آلعربية على إعجازها عاجزةً عن بيان جوهرها وحتى تصوّر جزء صغير منها, ويتجلى ذلك من خلال جواب الله تعالى للملائكة عند إعتراضهم على خلق آلانسان بالقول : {إني أعلم ما لا تعلمون}، لذلك إستفاد آلباري تعالى من مئات آلآيات آلمتشابهة في ثنايا القرآن فاتحاً أمامنا ملايين آلأبواب على مصراعيها للتأمل وآلتدبر وآلتعمق والتحقيق, وبما يتناسب مع حجم آلقضية المطروحة من جهة، ومع فكر آلأنسان وقدرتهُ ووعيهُ من جهة أخرى (1) ليقول للرّاسخين في العلم : بأنّكم لا شئ مقابل آلعلم وآلعظمة التي أملكها رغم ما علمتكم! ولوكان هُناك بديل آنسب وأفضل لتخريج آلبيان لعرضه آلله تعالى لنا بلا أدنى شك. وآلدّليل آلآخر من ورود آلمتشابهات هوحثّ آلناس على آلتفكر وآلتأمل وآلإبداع وآلخروج من شرنقة "الأسلامخونية" آلتقليدية آلتي قتلت روح آلدّين آلأسلاميّ وفكر أهل آلبيت (ع) ألذين أرادوا وتمنّوا علينا كي نكون فقهاء ومفكرين(2)، لتمزيق آلحجب وآلتقاليد وآلأطواق آلتي كبلت هذا الثراث العظيم حتى أردتها خاوياً متهلهلاً رغم آلتطور آلفكري ألذي رافق آلبشرية، ولولا ثورة آلأسلام ونهضة آلمسلمين آلمعاصرة لبقى آلأسلام كما كان على وضعه في آلقرون آلغابرة. لقد أشرنا إلى أشهر آلآيات آلتي دلّتْ على سبب آلخلق سابقاً وآلتي لم أرَ مع آياتها آلمتشابهات آياتاً كتلك آلآيات..وإشارات ملغمة بالدّلالات آلمعجزة كتلك آلأشارات! آلتي بيّنت لنا تنزّه آلخالق وعلوّه عن أن يكون مُحتاجاً للعبادة من بشر من صلصال من حمأٍ مسنون, عندما فسر آلمفسرون للأسف آية آلعبادة { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدوني}، بتفسير سطحيّ غير دقيق ومجزئ, وبغير دليلٍ وعرفان بعظمة الله وقدرته ومراده من آلوجود, ليقلّلوا من شأن آلخالق وآلمخلوق في آن. قد يعترض ويحتجّ آلباحثون وآلنخبة بأدلةٍ من مراجع آلدّين آلمحترمين أنفسهم كدفاع عنهم، على عُمق تحليلاتنا ونظرتنا للوجود وآلخلق وآلفكر الأسلامي ككل، إلاّ أنّنا نُؤكد لهم بأنّنا لا نعادي احداً منهم، وإنما نحن بصدد تصحيح منهجيتهم، وإلا فإنهم سيستمرون بالعيش في الزمن الذي فات أوانه وإنقضى أجلهُ، وإن إجترار الافكار والرسالات العميلة عملية عقيمة لا يتوافق مع الفقه الأمامي آلمعطاء، وعليهم آلأعتراف بهذا آلأمر آلواقع وقبول آلحق وإن كان مرّاً، وإن تأريخ المرجعية العتيد لم يخلد لنا إلا إستثناآت منهم عندما تركوا بصمات إيجابية وآثار شاخصة على آلفكر والتأريخ وآلواقع آلانساني برمته! وهم في كل قرن وقرنين لا يتجاوز عددهم واحداً وإثنان، وحتى أئمتنا آلمعصومين (ع) قد تركوا لنا تراثاً أوّلياً لم يتمكّن حتى أصحاب آلكتب الأربعة من تشخيصها وتنقيتها مائة بالمائة لإنتشالها من الدّس وآلتزوير والتلاعب وآلأهواء التي تركت بصماتها بين ثنايا تلك الكتب بوضوح، ففيها إلى آلآن نسبة من آلروايات آلضعيفة وآلمتعارضة أحياناً (3)، ورغم إختلاف أدوار أئمتنا إلاّ أنّ هدفهم كان واحداً مُوحداً يُؤشر إلى آلتوحيد في غايتهِ وهذا هوأس آلأساسات في معادلة آلفكر الأسلامي والواقع. أما التأويلات وآلتفاسير فلا تعدّ حتى آللحظة سوى تفاسير حول آلظواهر وشيئاً قليلاً من الأسرار وآلجواهر.. ويكفيك أن تعرف بالنتيجة بأنّ أكثر آلفتاوى آلفقهية كانت محدودة آلتأثير ولم تمثل روح آلأسلام وآلعصر، لذلك لم تحقق آلمطلوب ولم تؤثر في آلواقع إيجابياً حتى سيطر قوى الشيطان على معظم آلكرة الارضية، لأنها لم تُبيّن أسرار آلوجود لعجز أكثرهم من معرفة كنه آلآيات وجوهرها آلذي إحتوى أسرار آلكون وآلخلق، سوى بعض آلاشارات آلعرفانية وآلتفاسير التي كانت أكثر منابعها خارج آلدائرة الفقهية آلحوزوية..! أما أنا فكلّ ما أريده بعد هذا آلسفر آلطويل آلحزين هوأننا لا بد أن نعمل.. ولكن أيّ عملٍ ؟ وبأية معرفةٍ ووسيلة ؟ وكيف ؟! كيف يمكننا أن نخدم آلأنسانية آلمُحطمة ألمثقلة بالهموم والمآسي من خلال أعمالنا آلتي تصبّ كل نتائجها وخراجها في جيوب آلمستثمرين وآلسياسيين آلأنتهازيين وآلمالكين للبنوك وآلشركات آلعالمية ؟ هلْ هناك طريق أمثل للخلاص من هذا آلوحل ؟ أم جميع آلطرق وآلأبواب قد صدّت أمامنا! ولم يبق سوى آلأقتداء بمرجعيتنا آلصامدة آلساكنة والاستمرار بدفع الخمس وآلزكاة (4) والأقتصار على أشكال آلعلوم دون ماهيتها وآلنظريات دون جوهرها وآلظواهر دون نواتها وآلاشياء دون ملكوتها وآلأنتظار بعيداً عن آلسياسة حتى خروج صاحب آلزمان (عج) وكفى الله آلمؤمنين آلقتال! وإذا كان هناك طريق.. فأين هو؟ وكيف يمكننا سلوكه عملياً ؟ وما هي حقيقة الأمر وجوهرهُ ؟ من هنا قد يكون بحثنا في حقيقة آلجوهر وآلعرض له أهمية خاصة كخطوة عملية وأساسية أخرى متقدمة لكشف آلحقيقة آلتي تراكمت عليها ذنوب آلعباد فغيبتهُ على آلأقل. فما هوآلجوهر وآلعرض ؟ وما أثرهما في آلفن وآلثقافة وآلتكنولوجيا وبالتالي تشكيل آلحضارة آلانسانية بعد كل ذلك الفساد والتدمير الذي حلّ بنا، بعيداً عن تجبر آلطواغيت ورعب آلحروب ومكر آلسياسيين وإختلاس آلمتفقهقين آلطفيليين وظلم آلشركات وآلبنوك!؟ لا يمكن للسالك نحوآلحقيقة آلكبرى الذي يفترض به كونه هدفنا أن يحقق شيئاً ما لم يعي الأحكام إبتداءاً ليُحقق آلأستقلال آلفكري كشرط أساسي للبحث في المظاهر آلأولية للفلسفة أملاً بالوصول إلى العرفان، وليس سهلاً كما قد يتصور أكثر آلفقهاء آلباحثين آلذين تحجّروا وتحجّموا ضمن مجموعة من الأحكام وآلتعريفات آلمتكررة طوال القرون وكأنهم يعيشون مع آلموتى حسب قول آلعارف الفيلسوف محمد باقر الصدر (قدس)(5)، ومن أهم آلمظاهر آلأولية هو"آلجوهر" آلذي يدلّل بنفسه وماهيته على الأشياء. وقد أخطأ آلكثيرون - بما فيهم علماء مذهبنا عندما إقتصروا في متبنياتهم آلفكرية على شكل آلمسائل والأحكام آلشخصية وظواهرها من دون آلنظر إلى أعماقها وتأثيراتها في آلمجتمع الأنساني آلمستمر بتطوره، سواءاً في العلوم الأجتماعية والطبيعية (بالطبع نادراً ما تطرقوا إلى المجال الطبيعي) بسبب عدم إدراكهم لأهميتها وهذا يعود إلى أن أي فقيه لا يعنيه من آلقرآن سوى آيات الأحكام آلـخمسمائة ليكون مرجعاً للأمة كمنهج توارثوها في الفقة آلجعفري، وكأنّ الله تعالى أخطأ في إنزال أكثر من ستة آلاف آية أخرى بجانب آيات الأحكام لأنها لا تعني في وجود الأسلام شيئاً! بل وأوعز آلكثير من آلفقهاء آلخطأ إلى آلجوهر وربّما إعتبره آلبعض منهم بداية الأنحراف، لأنّها مُجرد ألفاظ، ولا يُمكن آلتعبير عن آلجوهر في الواقع العملي، بسبب آلتزاحم آلسياسي وآلمخاطر آلمتوقعة من إعمالها.. إلاّ من خلال آلمباحث آلفقهية آلحوزوية المجردة مُعتبرين آلظواهر آلشرعية دلالات ومعايير تفوق جوهر آلأحكام. أتذكّر جيداً كيف أنّ أستاذي " آية الله آلخراساني " في سني السبعينات كان لا يُؤمن بالمنهج آلعلمي آلذي أبدعهُ الأمام آلفيلسوف محمد باقر الصدر (قدس) رغم إنه قدمّ دراسات فريدة للفكر الأسلامي وآلتي أنتجت مدارس في الأصول والفقه والفلسفة وآلعرفان وغيرها من آلعلوم، وكان من مؤيدى أستاذه آلكبير ألسيد آلخوئي في نظرية تحرير آلأحكام كظواهر شرعية لا ترتبط بالواقع وجوهر آلحياة وآلوجود، وهذا آلمنهج لا يزال شائعاً في أوساط عموم الناس في العراق وغيرها للأسف، بسبب آلخطأ آلمتوارث آلذي إعتاد عليه عوام آلمؤمنين في تقييم آلعلم وآلعلماء والمفكريين (6). إن معرفة أية ظاهرة لا بُدّ من معرفة ما يحيط بماهيتها أولاً، فالعنصر آلذي يمكنه بيان وتعريف ذلك الموجود هوآلجوهر، وآلجوهر وآلماهية هي آلضرورة آلذاتية للشئ، ولا يُعدّ من آلمركبات وآلسبائك آلمصنوعة، وآلممكنات آلتي تقف في آلنقطة آلمقابلة للجوهر. يعتقد أرسطوبأن آلجوهر يتعلق بالأجسام آلعادية آلبسيطة، كالنار والتراب وآلهواء وآلماء، وأنّ جميع آلموجودات آلأخرى إمّا مُركبة ومُصنعة من تلك آلعناصر وقد أثبتت ألنظريات الحديثة هذه آلحقيقة، حتى آلموجودات آلحية تتركب من تلك آلعناصر كالنباتات والظواهر آلكونية وغيرها. ما نريد آلوصول إليه هوأن ماهية كل موجود يتمثل بجوهره، فالصوت يتشكل بفعل آلترددات آلصوتية آلتي ينقلها الهواء. وآلهواء من آلأجزاء آلبسيطة، والأجسام آلبسيطة هي آلجوهر آلأساس، لذلك فالاصوات التي تنبعث لها جذور في مركبات آلأجسام آلبسيطة آلتي تعدّ من آلجوهر. وآلجوهر ينقسم إلى قسمين حسب تقريرات أرسطوآلتي جاءت في كتابه "ما بعد الطبيعة" (7)، الجواهر الاولية والجواهر الثانوية، وآلجوهر لا يتعلق بشئ إلا بنفسه وبالوجود آلذي يتعلق به لأنه جوهره. من هذه آلمقدمات نوعز علل آلاشياء وأصولها إلى جوهرها - كسؤالنا : لماذا آلبشر يعدّ شكلياً من جنس الحيوان، لقد تمّ صياغة السؤال على أساس آلمشتركات آلماهية لكلا الصنفين، لكن عند آلنظر للأمر من خلال قضية الجوهر آلانساني وفرقه مع بقية المخلوقات كالحصان والخروف والافعى وغيرها فأن الامر يختلق ذلك ان كل حيوان يحتفظ بجوهره في وجوده بالكيفية التي جبل عليها من قبل آلخالق تعالى. من أهم العوامل الشاخصة على الجوهر هي الحركة، كونه يتداخل مع الجوهر بشكل طبيعي وذاتي ولا يحتاج إلى أي عامل وقوة خارجية لدعمه. ولذلك فالنبتة لا تولد معها سوى النبتة لتداخل خصوصية النبات في وجودها. وآلجوهر ينقسم إلى قسمين : ألاول، الجوهر المحسوس. وهوقابل على التغيير والأندماج والتوالد وما إلى ذلك. وقولنا هذا يتعارض مع آراء أرسطومن حيث أن إمكانية الأندماج ممكنة في حالات وممتنعة في حالات أخرى، خصوصاً في آلأبحاثات آلعلمية آلمعقدة. ألثاني، ألجوهر آلغير المحسوس. وهوآلجوهر آلخالد آلأزلي الذي يُؤثر ولا يتأثر، يَخلقُ ولا يُخلق، يتداخل في الوجود بشكل لا نفهمه وقد لا نفهمه إلى الأبد، وأعنى على سبيل آلمثال نفخة آلروح في الانسان من قبل الباري والملكوت في الأشياء، هذا ناهيك عن معرفة آلروح نفسها. وقد أظهر لئوكيبوس وتلميذه دموكريتوس، نظرية أخرى للعناصر آلأربعة (8)، بإرجاعها إلى أن أصل آلعناصر تتكوّن من ذرات مُتناهية في آلصغر تشكل أساس آلموجودات في آلحياة، وإعتقدا بأنّ آلجواهر آلأساسية آلأولية تتشكل من تلك آلذرات - وهذه نظرية أكدها أيضاً العلم آلحديث، بل وإعتمدها لتكون سبباً في إختراعات رهيبة وعملاقة في المجال آلتكنولوجي خلال آلقرن الماضي. إلا أنّ فساد الأنظمة آلحاكمة وجبروتها للسيطرة على آلأرض إستغلت تلك الأكتشافات في غير محلّها ممّا أدّت إلى إحداث أضرار عميقة ومؤسفة راح ضحيتها آلملايين من آلبشر في حروب أستكبارية عسكرية وإقتصادية وسياسية واعلامية سببت لأن يتحكم بخيرات آلدنيا ثلاثمائة وخمسة عشر شخصاً مقابل ملياري إنسان جائع. أما آلعرض فأنّهُ يقع في مقابل آلجوهر، بحيث أن كلّ شيء لا يٌعدّ جوهراً يُقيّم ضمن مجموعات ىلعرض، لبيان آلأمر لا بُدّ من تحليل ظاهرة آلموجودات - أيّ موجود - يكون بشكل طبيعي من جانب عرضاً ومن آلجانب آلآخر ذاتاً، فلوفرضنا إنساناً سياسياً فأن ذلك آلمفهوم يمثل الجانب آلعرضي، ذلك أن آلصفة آلسياسية في آلانسان ليست ذاتية، وليس كلّ البشر سياسيون، وآلعرض لا ينحصر ضمن دائرة آلذات والضرورة بل يحيط بها ويدلل عليها! وفي حالة آلأمكان يمكنه أن يتعلق بموجود ما، وإن ظاهرة آلعلاقة بين آلعرض والموضوع يثبت له وجود الحالة آلتي تختبئ ورائها آلحقيقة وآلجوهر، وبعبارة أخرى فأنها تحمل على آلموضوع. ولوخرجنا من دائرة الفلسفة والمنطق لندخل عالم آللغة، فأن المحمول هنا يظهر نفسه على شكل صفة للموصوف، كقولنا :( هذا إنسان طيّب )، فصفة الفاعل عرض، وعرض يتجلى ضمن مربع الامكان. ذلك ان جميع من نطلق عليهم كلمة إنسان ليسوا بالضرورة طيبين، فالطيبة ليست أمراً ذاتياً بل إكتسابياً. لقد مثل ابن سينا آلموضوع من خلال مثال أورده في مؤلفاته : { أحياناً يتداخل شيئان مع بعضهما بشكل يتم جمعهما معاً، لكنه لا يتدخل معه بحيثياته وكل وجوده،كالمسمار في الحائط مع أنهما تداخلا معاً لكن آلمسمار لم يتداخل بكل وجوده ومحتواه مع آلحائط، بل حدث تماس سطحي مع آلمسمار لا أكثر }(9), لذلك عندما يكون آلكلام على آلعرض فأنهُ لا يضمّ آلمدى آلمنظور في آلموضوع وآلشئ، بل كل ما في آلأمر هي آلضرورة. أن إبن سينا آلفيلسوف كأرسطوعندما يريد أن يشرح آلجوهر، فأنه يبدأ بـ (آلموجود)، إلا أنّه إعتقد بأنّ آلموجود غير قابل للتعريف وآلوصف، بل ظاهرهُ ممهدٌ للتعريف، من حيث عدم قدرتنا على توضيحه كلياً ما لم نعرف ماهيتهُ، وتصنيفه لنختار آلمقولات آلتي تنطبق عليه، وكذلك ما إذا كان موجوداً بالقوة والفعل، وهل هوواحد وكثير (الوحدة والتكثر)، قديم وحادث، تامّ وناقص، علّة أم معلول. وخلاصة الكلام إن معرفتنا آلدقيقة لحقيقة آلوجود وأسراره تساعدنا كثيراً في آلتعامل آلصحيح مع آلمبادى آلأسلامية آلأصيلة أولاً (أي مع الله)، ومع آلطبيعة لنُبَيّن دورنا وتأثيرنا فيها كي لا نكون عالةً على آلمجتمع كما هوحال أكثر آلمتلبسين بالدّين للأسف من آلذين إتخذوا مظهر آلدّين ونسوا جوهرهُ ليكونوا عالةً على آلمجتمع وما أكثرهم في آلمدن آلمقدسة هذا ثانياً، وثالثاً : ألتعرف على جوهر آلعلاقة مع أخيك ألانسان وقوانينها ونظمها. وصدق الباري تعالى عندما قال : {إنّا كلّ شيئ خلقناهُ بقدر} (10). سنكمل آلحديث إنشاء آلله في آلحلقة آلقادمة، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله آلعلّي آلعظيم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قد حيّرني كما حيّر مُعظم آلمفسرين عمق وعظمة وأبعاد بعض آيات آلقرآن آلحكيم، حيث وفقني الله تعالى للتأمل فيها بعيداً وعميقاً في فترة من آلزمن، أتذكر منها على سبيل المثال، حالة آلتحدي آلصريح آلمشوب بالشبهة في نفس آلوقت في آية : { لخلق آلسموات والأرض أكبر من خلق آلناس ولكنَّ أكثر آلناس لا يعلمون }(غافر57), كيف يكون ذلك وآلانسان لم يكتشف بعد علاج آلكثير من آلامراض وآلأوبئة آلعارضة آلتي تفتك بالناس، ناهيك عن مكنونات أنفسهم وأرواحهم وقلوبهم آلتي حيّرت آلألباب!! كيف يمكن أن يكون خلق آلسموات وآلأرض أكبر منهم!! ومن آلجهل والسذاجة أن نفسرها بالأبعاد آلأربعة وآلحجم، وكذلك آية : {ومكروا ومكر الله وآلله خير آلماكرين}(آل عمران 54)، ففيها إلتفاتات عميقة ومتشعبة عرفانية ظريفة لم يقف على تفسيرها أكثر المفسرين بدقّة، وقد نبيّنها في محلّها في حلقات قادمة أنشاء الله. وآلآية آلأخرى، { ولوشاء ربك لجعل آلناس أمةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من آلجنة والناس أجمعين }(هود 118-119(. (2)قال آلامام الباقر وكذا الصادق عليهما آلسلام :{ ليت آلسياط على رؤس أصحابي حتى يتفقهوا في آلدين}. (3)يعتقد بعض آلعلماء والمحققين بوجود نسبة كبيرة من روايات الكتب الأربعة ضعيقة السند ومشكوك فيها. (4)كتاب آلمحنة - المحاضرة الثانية للأمام الفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس). (5)من آلمؤسف أن أحد مراجعنا آلعظام رحمه الله تعالى قد ودع حسب ما نقله مصدر موثوق قريب الصلة منه خمسة وثلاثون مليون دولار أمريكي في بنوك الغرب ولا تزال أموال الخمس والزكاة تودع من قبل المرجعية في تلك البنوك، فهل بإمكاننا أن نعيب عل آل سعود وآل مبارك وغيرهم القيام بذلك ؟ (6) كان آلسيد إبراهيم الخراساني رحمه الله يقول: أن السيد محمد باقر الصدر لا يفهم في الفقه ولا يمتلك مكانة علمية ووزناً قياساً إلى السيد آلخوئي (رحمه الله) وإنّه يفهم في علوم الفلسفة والاقتصاد وآلطبيعيات والعلوم الحديثة، وكلما كنت أحاول بيان عظمة وقدرة الأمام آلصدر بسبب إطلاعي على مؤلفاته آلتي أحدثت ثورة في العالم والعراق بالذات إلاّ أنهُ كان لا يريد قبول الأمر الواقع، حيث كان يرفض تفهّم حقيقة آلمسألة وطبيعة آلصراع الذي كان دائراً بيننا وبين آلتيارات الماركسية والقومية والالحادية آلتي لعبت دوراً كبيراً في تخريب العراق والعراقيين. (7) ألميتافيزيقيا و"ما بعد الطبيعة"، ترجمة آلدكتور شرف الدين الخراساني، ص 257. (8)نفس المصدر السابق، ص 258. (9)الألاهيات الناجية، للشيخ الرئيس إبن سينا، ترجمة الدكتور يحيى آليثربي، ص 30. (10)سورة آلقمر \ آية 49.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |