التجذر التاريخي للأمة الكوردية "ضمن سلسلة" .. بين الأسلاف والشمروالسومريين والكورد

 

عبد الرحمن آلوجي

renas550@gmail.com

سبق أن وقفنا ـ في التجذر التاريخي ـ على كون جبال زاغروس وآسيا الوسطى, موطنا لأسلاف الكورد، ومنبعا أساسيا للهجرات الجبلية اللاحقة إلى السهول، ومن هجراتها إلى الغرب والشمال – عبر المتوسط إلى أوربا الحالية، وهوما سوف نؤكد عليه لاحقا ضمن هذا المبحث الهام والدال، ولعل أكثر الأبحاث إثارة في التاريخ الإنساني المغرق في القدم ما قام به الباحث: (رالف سوليكي ) من جامعة "ميشغان "الأمريكية بين سنوات 1951 ـ 1960 : " في الكشف عن هياكل وجماجم الإنسان القديم في كوردستان في كهف (شاندر), والذي يرقى إلى نحوستين ألف عام .."، كما قامت البعثة الأثرية الألمانية عام 1972  بالتنقيب في إحدى مناطق روافد الفرات قرب "تل أسود"، بالقرب من رافد البليخ " في دشتى سروجى "، وما توصلت إليه من حقبة تنحصر في الألف التاسع قبل الميلاد، وكشفه لحضارة كوردية صرفة " نوالى زوري ", ترقى إلى 8200 ق.م، وما قام به الأستاذ (برندوود) من جامعة شيكاغوالأمريكية بالكشف عن واحد من القرى الأثرية في التاريخ الإنساني, في ( تل چرمو) بكوردستان العراق, والتي تمتد إلى الألف الثامن قبل الميلاد.. هذا إلى جانب مكتشفات البعثة الأمريكية المؤخرة في شمال شرق سوريا والموثقة بدقة متناهية في منطقة "ديرك " من الجزيرة السورية تحديدا، في العثور على أقدم مستوطنة في العالم (حموكر)، والتي ترقى إلى أحد عشر ألف عام.

وقد أكدت دراسات العلماء والباحثين على الاتجاه العلمي السائد، وهوكون جبال زاغروس وما يجاورها هي مواطن الإنسان الأول القديم، والذي وجد فيه الكورد والأقوام الهندوأوروبية الأخرى التي تشكل أسلافه، وهوما أكد عليه ول ديورانت، وهوما وثبته وتبناه في رسالة الدكتوراة التي عرضت على جامعة كمبرج البريطانية الباحث : (أ ـ ولسون) من كون انتقال الإنسان القديم من المواطن الأولى في القفقاس الجنوبي الدافئ (مناطق زاغروس وأمانوس وما يجاورها) إلى أوربا عبر المتوسط، وما  جاء في التأكيد عليه مما اعتمدته دراسة المؤرخ (جورج رو) في التاريخ القديم "ص 95" من :  (( انتقال فخار تل حلف ـ الواقع قريبا من نهر الخابور في سوريا ـ والذي وصل إلى أقصى بلاد الإغريق قبل نحو4500 ق م، من مركزه حول نينوى غربا على امتداد طريق القوافل المؤدي إلى البحر المتوسط مرورا بالخابور ـ تل براك، شهر بازار، "چاغر"، وتل حلف إلى نهر البليخ (تل أسود )، إلى كرمكيش ـ  مع الأخذ بالاعتبار قيم وعبادات وطرق لدفن الموتى لتدل دلائل قاطعة على هجرة الأقوام الهندوأوروبية،  من الشرق إلى الغرب .." وانظر للدقة والتدقيق : كولان العربي / العدد 71/2002, ص92 بحثا تفصيليا لـ أحمد شيخ محمود " ...))

وهوما يتلاقى مع الرأيين السابقين لـ ول ديورانت : " والذي وقف مطولا عند الحضارة السومرية الآرية "، والباحث الإنكليزي أ ولسون في دراسته الآنفة الذكر في جامعة كمبردج ..

وما يهمنا من الأبحاث التي قام بها العلماء في تبيان العلاقة بين اللولويين واللور  والهوريين والميديين والسوباريين  والكردوخيين والنايريين كأسلاف للكورد, عاشت آلافا من السنين في المنطقة الكوردية الحالية وامتدت إلى أعالي طبرستان وخراسان في بعض الأحيان، وماقام به هؤلاء وأمثالهم من كشف النقاب عن هذه الصلة الوثقى ك " هوزينغ ومار وسبايزر, وفيلد, ووايسباخ, وج. ك. درايفر, وجيمس هنري برستيد ..." وما يؤكده د. كولن رينغروفي كتابه "علم الآثار" : " من كون شرق الأناضول وشمال وادي الرافدين هوالموطن الأصلي للأقوام الهندوأوربية ..." معززا الدراسات التي ذكرناها وعزوناها إلى مصادرها ،  ومن الجدير أن نذكر الجهود المضنية والشاقة التي بذلها هؤلاء في التنقيب عن الآثار العميقة التي تدل على الرابطة اللغوية الدقيقة بين الكوردية واللغات الهندوأوربية والآرية الأولى، التي كان يتفاهم بها هؤلاء الأسلاف، وإن ارتبطت هذه الجهود بعقبات كثيرة، كانت تتشكل في البداية من انعدام المقارنة بين الهورية مثلا والكوردية والسومرية والكوردية، في عدم اهتدائهم إلى مصدر الإشكال وتعقيداته، حتى تمت المقارنة هذه، لتشكل فتحا تاريخيا رائدا في التشابه الدقيق إلى درجة التطابق أحيانا، فكانت جهودا بارزة أحيت إلى الوجود ما نجد من مقاربات ومقارنات دقيقة، كما أسلفنا في دراستنا عن اللغة الهورية واتصالها بالكوردية، وما أداره العلامة القمني في دراسته عن النبي الهوري أبي الأنبياء إبراهيم " عليه السلام "، والحيرة التي أبداها الباحث "أنطونيوبوتشلاتي "حينما أعوزته المقارنة، مما يشكل مدخلا دقيقا إلى تبيان الخطوط الأولى، لفك رموز لغوية دقيقة، وهوما استطاع العلماء الحصول عليه في المقارنة بين السومرية كلغة إلصاقية والكوردية عبر مفردات تكاد تكون متطابقة إلى حد كبير، هذا إلى جانب آرية السومريين ، وارتباطهم بالمنطقة الجبلية في كوردستان العراق كما نص عليه "ول ديورانت في قصة الحضارة " والتي أكد فيها على عادات وطريقة طلاء وصنع الأبنية الطينية وطرازها, والأبواب والأوقاب الخشبية، والحذاء الجلدي المسمى إلى الآن (چاروخ)، وما كان يصطنعه السومريون من قوالب من التبن الناعم المخلوط والمعجون بالطين المخمر .. لصناعة القرميد السومري (الكربيچ) والذي يعتمده الكورد إلى الآن في أريافهم وقراهم، وهوما نص عليه "ول ديورانت الجزء 27 / تاريخ الشرق الأدنى ص102"إضافة إلى ما ذهب إليه من كونهم آريين جبليين أشداء، سكنوا شمالي العراق منذ آلاف السنين، وكون القرميد السومري مكتشفا في عمق 32 قدما تحت الأرض .

وقد أرجع الباحث "هنري فيلد "  في دراسة إحصائية أنتروبولوجية "قبيلة الشمر" إلى الكورد في اقترابهم الكبير من السومريين، وما كان يحصل من هجرات جبلية إلى السهول، كما فعل السومريون من انحدارهم من جبال كردستان العراق إلى جنوبه، وإنشاء ممالك لهم (لـﮔش وأور على ضفاف الفرات ..)، فقد رأى هذا الباحث (( أن الشمر جزء من الكورد، نزلوا إلى  السهول بحثا عن المراعي فحالوا عن لسانهم وصارت لغتهم عربية ))" انظر البحث السابق ص90ـ انظر كتاب" الكورد في نظر العلم"  د. محمد رشيد الفيل ص35 ـ 37 " وفي دراسة مستفيضة أجراها الباحث مسعود سعيد ياسين حول السومريين (موطنهم الأصلي، عائلة لغتهم) والمنشورة في القسم العربي من مجلة متين الأعداد (73 ـ 79) في سبع حلقات، ما ينتهي إلى خلاصة دقيقة حول: " إذا لم يكن السومريون كوردا فمن يكونون؟؟!! "، عاقدا مقارنات لغوية دقيقة بين الكوردية والسومرية في مفرداتها اللغوية، وطريقة الإلحاق والإلصاق، إذ الكوردية من اللغات الهندوأوربية الإلصاقية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية "ا يقول مسعود ياسين: "(لقد نسي العلماء في مقارناتهم ما يشابهها بين تلك اللغات  التي قارنوها ووازنوها، نسي هؤلاء العلماء الشعب الكوردي فهذا الشعب يعيش بين ظهراني تلك الشعوب، ووجد هناك في الموطن نفسه، ولوقدر للعلماء أن قارنوا ـ بما فيها الكفاية ـ اللغة السومرية باللغة الكوردية في حينه لفتحت الأبواب وانتهى الجدل .. ج2 / ص151 مجلة متين العدد 74)) وفي مقارنته العملية التي أجراها بين الكوردية والسومرية، في سبع حلقات متتالية بدءا من 74- إلى،77

يؤكد الباحث مسعود ياسين على صلة القربى القوية بين اللغتين في المفردة والسياق والإلحاق والإلصاق، من خلال تلك الحلقات المتواصلة، لتعزز هذه القرابة، إلى جانب طراز البناء والعمران، وشدة البأس وعصبية المزاج والنزوح المعتاد من المناطق الوعرة الجبلية إلى السهول والمناطق الأكثر سعة واستقرارا كما فصل الشمر أيضا وهوما أكده أستاذ السومريات في جامعة بغداد الدكتور فاضل عبد الواحد، وقد عقد المقارنة نفسها الأستاذ مرشد اليوسف في كتابه الأحدث من بحث مسعود ياسين والمسمى (دوموزي ـ طاووس ملك), حيث أورد كما من حالات التشابه في الجذر اللغوي والإلصاقي بين السومرية والكوردية، فيما يتجاوز 40 حالة تصل إلى حد التطابق أحيانا كما في :

: السومرية التي تعني الكبير ـ العظيم     Gal

: الكوردية التي تعني كبير العائلة         Kal

  :السومرية التي تعني الأم               cami

  :الكوردية التي تعني الأم              Cime

 :السومرية التي تعني يأكل                 Xu

 :الكوردية التي تعني يأكل                 Xu     

 :السومرية التي تعني الطعام           Nenda

:الكوردية التي تعني الطعام                Nan

:السومرية التي تعني المجرب             Kalo  

الكوردية التي تعني المجرب " انظر ص24 ـ 32 الكتاب المذكور ـ مرشد اليوسف ": Kalo

وإذا أردنا مزيدا من التدقيق والبحث فإن ما يعثر عليه من مثل لفظ سومر الإلصاقية والتي تعني بشقيه  الرجل الشجاع) وهي نفسها جزئيتان بالكوردية وهما سووتعني : الحاد الطبع ( الشجاع )، و(مير وميرد) وتعني الرجل .

وكلمة (بصرى )التي وصل إلى أراضيها السومريون وهي تشتمل على جزئيتين أيضا، الجزئية الأولى باست وتعني بالسومرية الأرض الواسعة، ولعل بسط العربية آتية منها، والجزئية الثانية "راه " وتعني بالسومرية الطريق، فهي تعني الطريق الواسعة اللاحبة وهي نفسها وحرفيا بالكوردية .

إضافة إلى ما يكشف عنه التنقيب اللاحق من كتابات في الألواح والرقم السومرية الطينية، وما يمكن أن تشكله هذه المكتشفات المقبلة من فتح لغوي أكثر عمقا وشمولا مما لا يستبعد ذلك، فقد اهتدت البعثة الأثرية في أوركيش إلى هذه المدينة الهورية العريقة، اعتمادا على ما توصل إليه العلماء من ذكرها المتكرر في الألواح السومرية الطينية، وهومحتمل نظرا لبدايات التنقيبات في المناطق الكوردية، وبخاصة في كوردستان العراق، حيث تجد فيها 8000 تل أثري، أكتشف منها 140000 رقم ومنحوتة أثرية، هذه الآلاف الثماني هي من جملة تسعة آلاف تلة أثرية في العراق كله، لم يكشف النقاب إلا عن النزر القليل منها، مما سوف يعزز الجذور اللغوية لأسلاف الكورد وارتباطها باللغة الكوردية المعاصرة، كما رأينا في السومرية والهورية اعتمادا على المنهج العلمي – غير الاعتباطي – في البحث الرصين والهادئ، وهوما نأمله وننشده.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com