|
نظام حرق الكتب هادي جلو مرعي براءة الاطفال، لاتجهد في ادراك ما يدور حولهم من حوادث وصراعات وتشابك .. وهذا ما حصل معي _بالفعل_ فلم اكن اعي ولا رفاقي الصغار ان العالم يكاد يتهاوى لولا لطف الله ورحمته والصبر الذي ينزله بقدر مصائبنا. كان نظام الدكتاتور يلاحق جماعات المثقفين والمؤمنين واصحاب الفكر المعارض، وكان مصيرهم القتل او السجن في سراديب تحت الارض . وكانت الاف من الكتب تذهب الى المجهول الا لمن اسعفه الحظ ليجد انها معلومة الحال. كانت سيارات خاصة تصل الى منطقة نائية، وفي اغلبها تستخدم لنقل البضائع والاثاث والمواد الصناعية الثقيلة .. هذه المرةكانت الحمولة مختلفة .الاف ومئات الاف وملايين _ربما_ من اشهر المؤلفات في مجالات العقيدة والفلسفة والفكر السياسي تمثل توجهات مختلفة لكنها اجتمعت على رفض الدكتاتورية والطغيان والاستئثار بالسلطة، وهي الاوبئة التي هجمت على جسد الامة وانهكته . كنت ورفقتي الصغار نراقب المشهد، سيارات حمل كبيرة واشخاص يقودونها الى مكان في الخلاء اعد كموقع للحرق، كانت الاسماء والعناوين الكبيرة تهوي الى النار في مشهد لم نلتفت اليه كثيرا. كنا لاهون في عالمنا البريء .وكانوا منشغلين عنا وكأنهم ادركوا ذلك فراحوا يلملمون ما تناثر من ورق وعناوين ليدفعوا بها الى اللهب المتصاعد .. حملة النظام الفاشي تصاعدت مطلع ثمانينيات القرن الماضي ضد الاحزاب المعارضة وجماعات المثقفين وكان غالب اعضاء ذلك النظام الموبوء من المتخلفين فكرا وعقيدة وكان الهم السلطوي يحكم حراكهم وعلاقاتهم بالاخرين من نخب المجتمع العراقي، ولم يدركوا فرصة للتقارب والتعاون، فالتسلط وعدم فهم الاخر والخشية منه كانت عوامل ساعدت في توجيه الامور الى مرحلة الصراع والدفع بها الى التأزم ولم يكن ذلك النظام يمتلك النية ولا العزم على احداث تفاهم بمستوى من المستويات يمنع الاصطدام مع القوى العقائدية المعارضة وحتى الحركات السياسية ذات التوجه اليساري او القومي .. وفي واحدة من المرات وحين شكل النظام الحاكم فرقا للبحث عن الكتب الاسلامية وتلك المعبرة عن توجهات لا تتلاقى و رؤية السلطة كان الرعب يدب في النفوس وكان وجود كتاب في احدى الدور كافيا لاصدار حكم اعدام للشخص مالك الكتاب .. عمل اقرباء لي على جمع العشرات من نسخ كتب كان ابن لهم يحتفظ بها واضطر لتركها وغادر البلاد ووضعوها في حقيبة سفر كبيرة، ورموها في نهر ديالى وكانوا حذرين من اكتشاف امرهم ما يعني ذهابهم جميعا الى المجهول. كانت مطاردة الكتاب تبدأ من الفاوفي اقصى الجنوب الى زاخو مرورا بالفرات الاوسط وبغداد، وحتى قرية شرخان في الموصل .. ومضت تلك الحقبة السوداء، لكن العار التصق بالنظام البعثي ..انه (نظام حرق الكتب )..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |