|
بسم الله الرحمن الرحيم (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب .../ 186/ البقرة) كثيرا ماشدّت انتباهي موضوعة المساحة او المسافة بين الله سبحانه وتعالى وبين مخلوقه الانسان، لأتساءل: هل حقا هناك مساحة فراغ بين الانسان من جهة وبين الله سبحانه من جانب آخر ؟. أم ان المساحة والفراغ وهم بشري يخترعه الانسان او يصنعه بيديه في حقيقة الامر في العلاقة بينه وبين الله خالقه وبارئه وصانعه لهذا الوجود وفي الحقيقة لاينبغي اصلا ان نقول بوجود مسافة بين الله والانسان ؟. بمعنى آخر لماذا في احيان كثيرة أشعر ان الله بعيد بعيد جدا عنّي، بينما القرءان كلام الله الكريم يتحدث عن الله سبحانه القريب القريب جداً منّي في قوله :(( وهو معكم اينما كنتم / الحديد /4 )) وقوله :(( ونحن اقرب اليه من حبل الوريد /ق/ 16)) وقوله عز من قائل :(( مايكون من نجوى ثلاثة الاهو رابعهم /المجادلة / 7)). ؟. هل انا البعيد عن الله حقاً أم الله سبحانه هو البعيد عنّي على الجملة ؟. ماذا يعني الحديث القدسي : مَن تقرّب ليّ شبرا تقربت منه ذراعا ؟!!. وماذا يعني اذا سألك عبادي عني فاني قريب ؟. في بعض الاحيان أشعر إني لااختلف كثيرا عن ذالك البدوي الاعرابي الذي جاء للرسول الاعظم محمد ص ليسأله : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟!!. فأنزل الله سبحانه حسب مايذكر اهل التفاسير قوله سبحانه :(( وإذا سألك عبادي عنّي فاني قريب ..))، ولكن العجيب في الامر انني كلما اردتُ ان اقنع نفسي ان ذالك الاعرابي يستحق ان تجيبه السماء بآية منزلة تتحدث عن عبادٍ لله مكرمون يبحثون عن الله سبحانه بسؤالهم ذاك اصاب بالفشل في تصوّر معنى عباداً لله سبحانه يسألون بهذه الصيغة البدائية عن الله تعالى هل هو قريب مكان فنناجيه ام بعيد جهة فنناديه !!. ان البدوي انسان من حقه ان يرى ذاته ونفسه محور الكون والعالم والقطب الاعظم الثابت حتى لحركة الله سبحانه في معتقده الساذج حول الكامل المطلق سبحانه وتعالى، ولهذا لااشعر بالغرابة ان سأل عن المسافة او المساحة بينه وبين الله سبحانه وهل هي بعيدة أم انها قريبة بالنسبة اليه كثابت في مكانه وكألله باعتباره متحرك يقترب يقترب فيناجيه او انه يبتعد يبتعد فيناديه !!. لكن من خلال سؤال عباد الله سبحانه الذي يعرفونه حق معرفته فانهم يدركون ان البعيد والقريب في حركته هو الانسان أما الله سبحانه وتعالى فيوصف بالقريب القريب دوما وليس بالبعيد البعيد على اي وجه، ولهذا عندما يسأل عباد الله سبحانه عن ربهم فانهم يضعون في حسابهم دوما ان الله سبحانه لايتحرك ولايقترب ولايبتعد ابدا، انما هو على مسافة واحدة دوما من الانسان وأقرب اليه من حبل الوريد، وانما الاشكالية في هذا الانسان المتغيّر والمتحرك والمقترب والمبتعد عن نقطة الله سبحانه الدائمة في حياته !!. مرّة سمع الرسول الاعظم محمد ص اصحابه يصرخون بالدعاء نحو الله سبحانه باعلى اصواتهم فقال لهم انكم لاتخاطبون اصما !!. ويبدو من هذه الرواية وغيرها ان الحضور الالهي داخل الانسان هو المختلف بين محمد ص وربه من جهة بحيث تحرق جميع المساحات والمسافات في العلاقة بين الله والانسان حتى يرى الانسان ربه قريبا منه جدا، وبين الانسان الغير حاضر في وجوده ومشاعره وكينونته الله سبحانه وتعالى ولذالك لايرى الله قريبا منه بما فيه الكفاية من مسافة فيبدأ بالنداء ولاتكفيه المناجاة والحديث الى قريب وبهمس الكلمات !!. نعم انها المساحة والمسافة ومنطقة الفراغ بيني وبين الله سبحانه أشعر بها كثيرا واتساءل حولها بتكرار: ماهي هذه المساحة التي تجعلني بعيدا جدا عن الله سبحانه مع انه في واقع الامر قريبا منيّ جدا ؟. ثم كيف هو سبحانه معي اينما كنت وحتى عندما اتناجى مع اصدقائي كثلاثة هو بالقرب مني رابعا لنا، بل هو اقرب لي من نفسي في حبل الوريد ..، كيف يكون هو سبحانه بهذا الثبات والقرب والوضوح، ومع ذالك لااشعر به سبحانه ولااتلّمس قربه بوضوح ولاادرك او احسّ بجذبته القطبية لوجودي بقوّة ؟. هل انا البعيد عنه بمسافتي أم انه هو البعيد عنّي لدنائتي ونجاستي وقباحة ساحتي ؟. أحاول أن اقترب شبرا فلا اشعر ان الله اقترب منّي ذراعا مع انه قال وقوله الصدق والحق مَن اقترب مني شبرا اقتربت منه ذراعا !!. صحيح انا افهم لماذا قال سبحانه : من اقترب مني باعتباره الثبات الكامل وان المبادرة والحركة والتقدم ينبغي ان تكون مني انا المتغير والمتحرك نحو نقطة الثبوت الالهية التي تنتظر جميع المتحركين، لكنني مع معرفتي هذه لسرّ القرب الالهي بقيت اشعر بغربة المسافة بيني وبين الله سبحانه !!. انها غربة المسافة والبعد !!. هل هذه المسافة والمساحة بيني وبين الله تصنعها مصانع الذنوب الانسانية التي يبتلي بها الانسان لترفع جدارا بين الانسان وربه بمساحة مادية ملموسة ؟. أم انها مسافة معنوية بنائّها الاول والاخير نسياني الدائم لله سبحانه وعدم ذكري له وحضوره بين روحي وجسدي في هذه الحياة هو الذي صنع في المقابل نسيان الله سبحانه ليّ في نسوا الله فانساهم انفسهم !!. هل حقا عندما نسيت نفسي ووجودي انساني الله نفسه ووجوده ؟. أم انها جدلية متوالية تبدأ بنسياني لله فينسينا الله فانسى نفسي ؟!!. في الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فهل من المعقول ان المسافة والمساحة قد اخترقتني في العمق لاعيش الغربة مع نفسي ولاكتشف ان هذه المساحة اولا بدأت بيني وبين نفسي، وهي بالاساس التي بنت المساحة بيني وبين الله سبحانه ؟. أم انني فقدت نفسي وبدت المسافة بعيدة بيني وبين ذاتي ووجودي عندما توسعت المسافة بيني وبين ربي ؟. في الاول قال سبحانه: (نسوا الله فانساهم انفسهم) كتعبير عن متاهة الانسان المزدوجة بينه وبين نفسه من جهة وبينه وبين خالقه من جانب اخر !!. بينما في الثاني يقول الحبيب محمد المصطفى ص: (مَن عرف نفسه فقد عرف ربه) كتعبير لبداية البحث والطريق والسؤال عن النفس في واذا سألك عبادي عنّي فاني قريب، لنعرف الله سبحانه بعد تعرفنا على الضائع من انفسنا في هذا الطريق ؟!. كان المفروض اولا ان نسأل عن انفسنا التي تاهت في غربة المسافة بيننا وبين الله سبحانه، ثم بعد ان نتذكرها ربما سنفوز باللقاء بيننا وبين الله وانفسنا التائهة، أما ان نشعر بالقرب الالهي بلا مسافة ولامساحة ونحن لانشعر بالقرب من انفسنا فهذا من الصعب ادراكه او تصور موضوعه من الاساس !!. يروى ان سمكة سمعت قصة عن ماء البحر العظيم، فبدأت بالبحث عن هذا البحر العظيم لترى كيف تعيش المخلوقات في داخله، وبينما هي تجوب الاقطار اذا وقعت في شبكة صياد، وعندما رفعت من البحر واختنقت بالهواء ادركت اخيرا انها كانت تعيش في عمق البحر العظيم ولكن بدون ان تدرك ذالك فايقنت بغفلتها الكبيرة عن ماكانت تعيش فيه !!. وهكذا الانسان يعيش في الله سبحانه ولكن يغفل عن وجوده حتى ياتيه اليقين ويكشف عن غطاءه ويصبح بصره حديد !!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |