الكلمة المسؤولة بين السياسي والكاتب الملتزم والمبدع العظيم؟؟!

 

عبد الرحمن آلوجي

renas550@gmail.com

الكلمة المسؤولة سلاح ذوحدين، وهوسلاح ماض، فعال، يفعل فعل الشرارة في النفوس، تحرك كوامنها، وتفجر انفعالاتها وطاقاتها، وتمدها بالقوة والحركة .. إن كانت هذه الكلمة تمس أوتار فعل جاد، وحركة دافعة باتجاه البناء، في دعوة إلى رفض الخنوع وهجر الذل، وتحريك الهامد، ودفع الركام الكامن على الصدور، لينطلق فعل الركون من عقاله، ويندفع النائم إلى اليقظة وينفض عن نفسه غبار المهانة وينطلق إلى الحياة .. والكلمة سلاح أيضا ماض ولكنه مدمر إن هي دفعت إلى الشر، وحرضت على الفتنة، وجعلت من البلاغة شرا مستطيرا .. وعبئا ثقيلا على الفكر، ودفعا إلى الإثم والبغي والظلم والمنكر، فكان شنيعا في المبادرة إلى تحريض على الظلم، وإيقاد نار العنصرية، وتربية النفوس على المنكر والاستعلاء والعنجهية، وإنامة مشاعر الآخرين إلى مهانة الرضوخ، وذل القبول بالأمر الواقع والهوان ... ووالكلمة بتأثيرها وسحرها وشدة وقعها من جانب آخر ـ فوق هذا وذاك ـ وبال على النقد – إن هي توجهت إليه واعتمدته - .. وهي بؤس على الناقدين وشر على المنتقدين، إذا اندفعت إلى ميل ذاتي وغرض شخصي، ولغة تحريضية وأخرى إرضائية هابطة، فيها من البغي والعنت والتجاوز والضلال ما فيها، حيث تخترق وتتجاوز منطق الموضوعية، وإثارة النواقص التي يمكن تداركهه وتلافيها، والارتقاء إلى الأفضل والأرقى، بحوار عقلاني، مرن وهادئ ليتحول إذ ذاك إلى قوة دفع للحقد، ورؤية متوازنة لقيم الاختلاف فيثرى ويكتنز وتعلومادة النقد، فتصلح الكلمة المسؤولة للتهذيب والتوجيه والصقل, وبناء حالة من الخلاف المرن الذي يقود إلى اكتمال موضوع الخلاف ونضجه وتصويبه وتقويمه .. ويبتعد عن التضخيم والتشهير والمبالغة، والاستناد إلى مرض داخلي وبيل من الحقد والحسد والذاتية المفرطة.. والورم الداخلي المتأصل، والسياسي الذي يحترم كلمته، والكاتب الملتزم الذي لا يخرج عن نطاق الفكر المتزن والموقف المسؤول . يتخذان من الكلمة أمضى سلاح، وأقوى لغة وأكثرها تأثيرا وتفعيلا وتحريكا لكوامن الإبداع ورواكده، لتكون فعلا قوة دفع مسؤول، وطاقة فعل قادر، ورؤية موقف نبيل، وقدرة عل التحريك باتجاه اليقين والعدل، والبعد عن الانحراف، والتوريط في هدر الوقت فيما لا طائل تحته .. فكم من كلمة معززة بفكر غزير، وعاطفة دافقة، وعمق سخي يفيض بالحكمة، ويرقى إلى السمو، حركت جموعا، وأوقدت قناعات، وقادت إلى سيل عارم متدفق من البشر, غاضب في دفع الشر ورفض العبودية والذل .. لقد ألقى الشيخ عز الدين القسام كلمة في يوم الجمعة عام 1936في جموع المصلين فكانت كالشرارة التي ألهبت الهشيم، وامتدت إلى الجذور الراسخة، فتحركت فلسطين من أقصاها إلى أقصاها في ومضة برق، لسحر كلمته الجامعة، وروعة وقعها، وجلال فكرها، وكان لطاغور من القول المأثور، والخيال المجنح، والروعة الشعرية ما أبقاه علما إنسانيا رائدا تجاوز الهند إلى أرجاء المعمورة قاطبة .. كذلك فعل تولستوي وغوركي ودستوفسكي وتشالر ديكنز .. ومحمد إقبال والمنفلوطي والمازني وطه حسين، وكذلك كانت أشعار الجزري والخاني وقادر كويي والنامي وجكرخوين .. ليكون الشعرالغنائي والرواية الساحرة والقصة البليغة والمقال الملتزم, والمثل والحكمة .. والنقد الهادف البناء قوة دافعة تهب الكاتب الملتزم بقضايا أمته، والشاعر المبدع, والسياسي المحنك والناضج، والخطيب البارع، تهب كل أؤلئك القدرة على إثارة كل عوامل التأثير، ودفعها كتلة واحدة تدوم وتدوم، على كر السنين والدهور وهوما فعله قس بن ساعدة الإيادي، وكبار الخطباء والمبدعين في الشرق والغرب .. وقد يتجاوز تأثير الكلمة المحيط والصقع والقطروالقارة .. وقد تتجاوزثمرة الإبداع زمنه إلى مئات السنين، بل إلى آلافها كلمة خالدة ساحرة، ونقد بناء عظيما، وشعرا رائع البناء ليخلد مع الأيام ... ويعظم تأثير ما يلقى.. فتصل الأسماع من وراء القرون المتطاولة، والأقطار المتباعدة فنا راشدا، وقدرة ساحرة ونقدا ملتزما ... بعيدا عن التلفيق والمهاترة والتشفي المرضي, والتشهير، وسخف القول، ورمي الناس بعيوب ليست فيهم .. والسياسي البارع، خطيبا كان أم شاعرا أم كاتبا .. والكاتب الملتزم بما أوتي من براعة وقوة تعبير وبلاغة آسرة، والناقد الفحل بما وهب من موضوعية وبراعة قول وقوة حجة .. لا يمكن لهم أمام الكلمة الجامعة الساحرة إلا أن يكونوا روادا أمناء، يحترمون قولهم، ويتقنون مسارات تأثيرها, ويحسنون رصدها، ويؤمنون بما تفعله من قوة وحركة وسرعة إلهام .. فيقفون بجلال الخاشعين، ورهبة العابدين، وخشوع المفكرين أمام الكلمة وسحرها، وروعة بيانها، فهل لنا أن نتعظ بجلال الكلمة وشرفها، وروعة الإبداع ورسوخه، وقوة البلاغة وعمقها، وجمال النقد وسلامته من عيوب الذات المريضة ؟؟!، وهل لنا أن نتخذ من الكلمة حسا رفيعا، وموقفا مسؤولا، وقدرة فاعلة لبناء مجتمعنا، وهدي عالمنا ولم شملنا، وجمع الناس على التكاتف ورفض الخنوع والعبودية ؟؟! وهل للسياسي والكاتب الملتزم أن يتحاشيا هذر القول، وهدر الوقت فيما لا طائل تحته من قول ذميم، وكلمة مهاترة وبائسة, وموقف متهوومتداع؟! وهل للناقد أن يكف إلا عن التوجيه والرؤية المتوازنة، ويبتعد عن التشفي والانتقام ؟؟! نرجوأن نرقى بالكلمة، وأن ترقى بنا، وأن ندعها تفعل فعل السحر في الجماهير .. بقوة تأثير ونبل فعل وسموفوق الترهات .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com