|
سلسلة آلمباحث العرفانية - ج2 ح6
عزيز آلخزرجي لئن كنت مُدركاً خطورة ما أنا بصددهِ، وحريصاً على تأسيس بنيان متكامل جديد لمنهجنا بإعتباره آلمنهج آلأم ليس لأنقاذ العراق فقط بل آلعالم كلّه، فقد وجدتُ نفسي مدفوعاً بقوةٍ غيبيةٍ .. لسوق جملة من آلمقالات آلتي أعتبرها آلأسس آلتي سأرصف فوقها لُحَمَ هذا آلمنهج وصولاً إلى إكتمال جميع قوامها ولا يستقيم إلا بالله لأننا إليه راجعون. بعد أن وضحنا موضوع آلجوهر وآلعرض، ثم ركّزنا حديثنا في آلحلقة آلسابقة على جوهر الأنسان (ألقلب) آلذي وسع آلوجود كلّه .. سنقوم في هذه آلحلقة بالحديث عن آلرّوح لبيان ما بيّنهُ آلمعشوقُ تعالى لي، إنّهُ حبيب آلمتقين . ما هي آلرّوح ؟ هل يَحقّ لنا أنْ نتحدّثَ عنها ؟ ما هي قدراتها ؟ ما هي ماهيتها ؟ من لهُ آلحقّ بالتحدث عنها ؟ هل يستلزم آلأمر آلكثير من آلعلم - كون آلذين أوتوا آلقليل من آلعلم لا تشملهم آلآية (وما أوتيتم من آلعلم إلاّ قليلا)؟ وهل آلذين أوتوا من آلعلم آلكثير بفضل الله .. لهمُ آلحقّ في ذلك فقطْ ؟ وهل يوجد من هؤلاء أحدٌ بين ظهرانينا ؟ بداية أقولُ للذين لم يقرؤا مباحثنا آلسابقة على آلأقل ؛ أن لا يقرؤا هذا آلمقال لأنهُ قد لا ينفعهم كثيراً! وإذا كانت آلحكمة كما قلنا سابقاً لا تُؤثر ولا تُثمر في آلنفوس آلتي إتّخذت من بعض آلعلوم آلمُتحجرة مداراتاً وشرانق تعتاش عليها وتتكبّر بها .. فكيف بعالم آلرّوح ألذي يفوق آلحكمة وآلفقاهة وكلّ آلعلوم ؟ ومن هُنا أدركنا مكامن آلخطر! لأنّه حديثُ آلقلب وليس آلعقل ألذي لا يعْدُوأن يكون سوى رافداً من عشرات آلروافد لهُ . ما هي فوائد معرفة آلرّوح ؟ هناك ثلاثة فوائد في معرفتها، هي : أولاً : ألفائدة آلمعرفية ؛ ألمعرفة، من شأنها رفع آلأشكالات وآلمحظورات وآلخوف، وبالتالي آلتعامل مع آلوجود بإتّزان وحكمة، وبمعرفتنا للرّوح نتجاوز آلخوف منها ولا نُعاديها، كما هوشأن آلبعض حين يمتنعون من آلدخول إلى بعض الأماكن لكونها مسكونة بالأرواح، وعدم دخول آلمقابر بسبب فوبيا آلروح وعدم وضوح آلرؤية عند هؤلاء . كما أنّ هناك آلكثير من الخرافات آلتي تنتابُ آلناس حولها، بينما آلروح هي هذه آلتي بين جنبينا . وآلتي بدونها سنكون جسداً لا حراك فيه. ثانياً : ألفائدة آلدّنيوية ؛ معرفتنا للرّوح و(ما يمكننا معرفتهّ عنها) من شأنه زيادة آلثقة بأنفسنا بعد آلثبات أكثر على آلحقائق، وسنكتشف قوى آلرّوح وقدراتها وعوالمها وفرقها عن آلجسد آلماديّ آلذي لا قيمة لهُ بدونها، وإنهما (ألجسد \ ألروح) سنخان يختلفان في "جوهرهما" و"عرضهما" . وسنقف من خلالها على حقائق كبيرة بدءاً بمعرفة آلنفس وأنتهاءاً بمعرفة الله تعالى آلذي هوبيت آلقصيد في مباحثنا آلعرفانية هذه، وعندها سيرى آلأنسان نفسهُ مُختلفاً كثيراً عمّا سبق . ثالثاً : ألفائدة آلآخروية ؛ ألذي يبقى بعد آلموت هي آلرّوح، أمّا آلجسد فإنه يتفسّخ ويتحلّل إلى عناصره آلأولية، فالرّوح هي آلخالدة وليس هذا آلجسد آلمحدود في قواهُ وقدراتهُ وآلذي يجرى عليه أنواع آلتغيّرات وآلتبدلات في ثلاثة عوالم وأكثر منها مراحل آلنطفة وما قبلها، ثم آلنموآلكامل وآلتفاعلات آلكيمياوية وآلبيولوجية بعد آلولادة، ثم آلتفسخ مرة أخرى بعد آلموت، وتحلّله إلى عناصره آلأولية آلمكونة من عناصر آلتربة آلمعروفة خُصوصاً لدى آلأطباء آلكيمياويين وآلبيولوجيين ثم مرحلة آلصور الأولى والثانية، بعد خروجهم من آلأجثات مرة أخرى، حيث أنّ آلبشر لا يشهد من تلك آلمراحل سوى مرحلتين في آلحياة آلدنيا، مع بعض آثار آلمرحلة آلثالثة وآلتي تبدء بعدها مرحلة آلبرزخ لأنّها ليست من عوالم آلشهود بل تتعلق بعوالم آلغيب آلمحجوبة عن آلبشر آلعاديين إلا آلعرفاء آلذين يطّلعون عليها بفضل الله تعالى عليهم، ثم إعادتهم إلى هيئتهم الأولى يوم آلقيامة بعد أحداث آلصور الثانية، وأخيراً آلتعديلات التي تجرى على الأجسام بعد إتمام آلحساب يوم آلقيامة للتهيأ للبقاء وآلخلود ؛ إمّا في آلجنان شبابٌ ؛ وحرق وعذاب في آلنار ونضج للجلود في جهنّم . ولمعرفة تلك آلحقائق وآلدّلالات علينا إستنطاق آلقرآن آلكريم .. فهوخير دليلٍ ومُعينٍ، حيث وردت فيه أربعٌ وأربعونَ آيةً صريحةً ذكرَ آلباري فيها نفخ آلرّوح في آلأجسام مع إشارات خفية كثيرة في آيات أخرى نكتفي بالأشارة لبعضها : أولاً : آية 9 من سورة آلسجدة . ثانياً : آية 29 من سورة آلحجر . ثالثاً : آية 72 من سورة ص . رابعاً : آية 91 من سورة الأنبياء . خامساً : 12 من سورة التحريم . سادساً : آية 49 من سورة آل عمران . سابعاً : آية 110 من سورة آلمائدة . ثامناً : آية 96 من سورة الكهف . تاسعاً آية 99 من سورة آلكهف . عاشراً : آية 101 من سورة المؤمنون . إحدى عشر : آية 51 من سورة ياسين . ثاني عشر : آية 68 من سورة الزمر . ثالث عشر : آية 68 من سورة الزمر أيضاً . رابع عشر : آية 20 من سورة ق . خامس عشر : آية 13 من سورة الحاقة . سادس عشر : آية 73 من سورة الأنعام . سابع عشر : آية 102 من سورة طه . ثامن عشر : آية 87 من سورة آلنمل . تاسع عشر : آية 18 من سورة آلنبأ . عشرون : آية 12 من سورة الحاقة . كما وردت 24 آية أخرى ذكر آلباري فيها آلروح ؛ يوسف : 87، يوسف : 87، ألواقعة : 56، ألبقرة : 2، البقرة : 2، ألنساء : 171، ألمائدة : 110، ألنحل : 2، ألنحل : 102، ألاسراء : 85، ألاسراء : 85، ألشعراء : 193، غافر : 15، ألمجادلة : 22، ألمعارج : 4، ألنبأ : 38، القدر : 4، ألشورى : 52، مريم : 17، الانبياء : 91، ألتحريم : 12، السجدة : 9، ألحجر : 29، ص : 72، وبما أن الله خالد فأن آلرّوح خالدة أيضاً، ولا يمكن أن تُفنى .. قل آلرّوح من أمر ربّي . ومن هنا نكتشف أن هناك عالمان : عالم آلرّوح، وعالم آلمادة عالم آلرّوح وسيع آلمدى قوي آلأثر، تفوق آلمادة، وترتبط بعالم آلملكوت، ألكثير من آلناس جرّبوا في حياتهم كيف أن أحدهم عندما يُفكر بشخص مُعيّن ويُركّز في تفكيره عليه، فإذا بالشخص آلمُفكّر فيه يتصل بنا هاتفيّاً في نفس آللحظة ! ممّا يدلّ على وجود أتصالات في عوالم لا يعرف آلناس عنها آلكثير . أتذكّر عندما كنتُ صغيراً وإلى آلآن كيف كانت تتحقّق تلك آلأتصالات آلغيبية قبل أن يدخل بيتنا آلتليفون، حيث كان يرنّ آذاننا برنين خاص إعتقد آلكثيرون بأنّ هناك شخص قريبٌ .. بعيدٌ يُفكّر بنا ويتحدّث عنّا في تلك آللحظة، وقد تحقّق آلبعض من ذلك وأنا شخصياً ثبتَ لي آلأمر مراراً . ممّا يُدلّل أنّ آلرّوح لا تخضع لعالم آلطبيعة وآلمادة، لكنّها قد تتأثّر قليلاً وكثيراً بمجريات آلأحداث من حولها تبعاً للإرادة آلقلبية لكلٍ إنسان . لقد وصف حافظ آلشيرازي آلرّوح وصفاُ لم يسبق لغيرهِ أن وصفها، حتى سميّتهُ بـ (لسان آلغيب) ومن جُملة ما قالهُ في ديوانه آلشهير : {هي آلرّوح آلتي كانت تدور بخُيلاءٍ مُتلئلئة لفرط آلعشق في وجودها في آلعوالم آلآفاقية آلعلوية عند آلملكوت آلأعلى لتحطّّ في أفق مجرّتنا ساعة آلصفر عندما لم يكن هناك زمان ولا مكان حقيقي .. وعندما كانت تدور بحركاتٍ محوريةٍ ودائريةٍ وكأنّها ظفائر عروس تتموّج مع آلرياح وهي مشحونةً بالعشق وآلحب لتخترق آلوجود، وبينما هي كذلك .. حتّى إستقرّت على آلأرض لتهدأ فيها، فكان آلأنسان .. وأيّ إنسان .. وما أدراك ما آلأنسان ؟ إنّه آلسرّ آلعظيم لموجودٍ عظيم } (1) . إن ذلك العشق مَكَنَ في قلب الأنسان، لكنه أبْتلي بمحنة آلسكون وآلتحجر داخل زنزانة آلجسد، فكانت آلنفس وليدة ذلك آلسكون آلمُملّ لتكون آفة الأنسان الذي لا يشبع ولا يعرف آلشكر لمكنونه ؛ فمنّا - وكمْ منّا - من سوّاها بالتقوى تحدّياً لوليدها وتباهياً أمام أصلها ؟ ودرأً لخطيئتها ؟، وكمْ منّا من ألهمها آلفجور فجزيها لتخلد في آلعذاب آلأبدي آلأدنى ؟ إن جمال آلمعشوق لوبان في آلوجود لخضعنا لها جميعاً في هذا آلعالم.. عالم آلكثرة وآلتكثر، عالم بات صاخباً مليئاً بالظُلم وآلآهات، ومع كلّ هذا تدور تلك آلرّوح وهي مستمرةً في حركةٍ جوهريةٍ نحوآلأعلى لترجع إلى آلأصل آلذي إنقطعت عنهُ، فكلّ شيئ يعودُ إلى أصلهِ . وقد بيّن آلقرآن ذلك بـ (إنا لله وإنا إليه راجعون ) . إن الأنسان روحٌ قبل أن يكون جسداً، وتلك حقيقةٌ ملموسة .. حين يكبر آلأنسان ويبدأ جسمه بالنحول وآلضعف وتبدوعلى ملامحه ظواهر آلشيب، نرى أن روحه وإدراكه وتصوراته على عكس ذلك تقوى وتشتدّ، ممّا يدلّ على إنفصالها عن آلجسد وربما إختلافهما لأختلاف قوانينهما، حيث لكل منهما كيان مستقل عن آلآخر .. وهذا ما أكّده آلفيلسوف محمد حسين الطباطبائي في مقولاته، وعندما أورد صاحب آلأسفار آلأربعة (ألمُلا صدرا) رحلاته في أربع مُجلدات خالدة .. إنّما عنى بها سفر آلروح، أما دور آلجسم فقد ورد في آلسفر آلأخير ضمنياً فقط، حيث إختصّ بخدمة عباد الله فكان (سفر بالحقّ في آلخلق) في رحلة آلحياة عبر آلبناء وآلعمل وآلمشاركة مع بني آلبشر ليعكس أثر آلأسفار آلثلاثة آلأولى من خلال وجوده عبر آلواقع، وقد تحدّثنا عنها بالتفصيل في حلقاتٍ سابقةٍ . هناك أدلّةً كثيرة على آلرّوح ؛ كالدّليل آلعلمي، حيث أثبت آلعلماء وجودهُ في كلّ مَخلوق . وآلحقيقة أن ظواهر وقدرات خارقة تقع خارج حدود آلفهم آلطبيعي وآلمنطقي للأنسان كانت قد برزت على إمتداد آلوجود آلأنساني، وكانت تجذب آلأنسان بلا هوادة وإنقطاع، وتُعَكّر صفوإستسلامه للتحليل آلمادي وكأنها تستدرجهُ إلى أكتشاف دُنياه آلباطنة وأبعادهُا آلعميقة آلأغوار، وما ينطوي عليها من أسرار، بل لتكون أدوات لفلسفةٍ حقيقيةٍ قادرةٍ على آلنفاذ إلى كُنه آلأشياء، فتواضع آلأنسان أمامهُ قليلاً ليتقدم بإتجاه هذه آلثمرات ليقطفها فيضع بين يديه هذه آلكنوز، إن مثل هذا آلدافع قد وفرّه على أكمل وجه إحساس آلأنسان بالإحباط وآلغبن آلذي لحق به نتيجة مقايضةٍ غير عادلة على الأطلاق، عندما أخذ كل شيئ من آلتكنولوجيا ليتّضح لهُ فيما بعد أنها لا تناسب طبيعته ولا تُلزمهُ بل تضرّهُ، في حين أخذتْ منهُ كلّ آلأشياء آلحقيقية فيه، بمعنى : ألانسان إشترى آلتكنولوجيا بروحهِ .. وآلتكنولوجيا إشترت رُوح آلأنسان ألذي هوأساسهُ ووجودهُ . في آلحلقة آلقادمة سنتحدث عن آلروح من وجهة نظر آلعلم آلتجريبي إنشاء الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله آلعلي العظيم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ديوان حافظ آلشيرازي .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |