قانون الإنتخابات الجديد والنهج الديمقراطي ..! 

 

باقر الفضلي

 bsa.2005@hotmail.com

اشارت جميع الدلائل بعد إعلان نتائج إنتخابات مجالس المحافظات الماضية، ما يتوقع أن تكون عليه نتائج إنتخابات مجلس النواب القادم في كانون الثاني/2010، وذلك إعتماداً على ما ستفرزه معركة إقرار قانون جديد للإنتخابات، من خلال إجراء بعض التعديلات الضرورية على قانون رقم/16 لسنة 2005 ، حيث وكما أمل الكثيرون بأن مجلس النواب الموقر الحالي لا بد وأن يرقى في تعديلاته الى ذلك المستوى الذي يمكن أن يمنح للعملية الإنتخابية إطارها الديمقراطي الصحيح بعد أن شوهتها أحكام وبنود قانون/2005، الذي تمت بموجبه إنتخابات مجالس المحافظات، وما إستتبعها من غمط لحقوق الناخبين وإستئثار القوى السياسية الكبيرة والمتنفذة سياسياً والمتحكمة بالقرار السياسي في البلاد، بأصوات المواطنين على حساب الكيانات السياسية الصغيرة، من خلال عملية إستحواذ لا ديمقراطية، مما طبع تلك الإنتخابات بسمة اللاديمقراطية، ومنح لتلك القوى إمكانية التحكم بقرارات البرلمان بالشكل الذي لا يحقق إلا مصالحها على حساب مصالح القوى الأصغر من جهة، وهيمنتها على قيادة أغلبية المحافظات طبقاً لتلك العملية " التشريعية"  بالإستحواذ على أصوات الناخبين..!

 ولقد جاءت جلسة مجلس النواب في 8/11/2009  التي أقر فيها المجلس المذكور التعديلات المرتقبة على القانون آنف الذكر، معززة لما توقعه الكثيرون ومنها ما أشرنا اليه في المقالة السابقة والموسومة ب (كرسي البرلمان)(1) حول طبيعة الصراع الدائر في الساحة السياسية، وكيف ستحاول الكتل السياسية المتنفذة، وذات الهوية الطائفية والأثنية الإلتفاف على القانون بشتى الوسائل من أجل تكريس العودة الى القانون رقم/16 لسنة/2005، الذي كان يقف وراء "إنتصارتها" في إنتخابات مجالس المحافظات. وهذا حقاً ما جاءت به التعديلات الجديدة لتصب في نفس الهدف الذي أشرنا اليه فيما سبق، بل حتى وقد ذهبت أبعد من ذلك، عندما أنقصت عدد المقاعد التعويضية المخصصة الى القوائم التي لم تحقق القاسم الإنتخابي على صعيد المحافظات وتحققه على الصعيد الوطني من 45 مقعداً الى 15 مقعد، بما يعادل نسبة 5%. كما جاء في المادة الأولى من القانون المعدل، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمنح المقاعد الشاغرة الى القوائم الفائزة كما ورد في المادة الثالثة من نفس القانون.(2) 

فالقانون الجديد قد وضع مصير جميع الكيانات السياسية الصغيرة في مهب الريح، وهي جميعها مهددة بالخسارة في النتيجة، في محاولة منافستها إنتخابياً أمام الكتل السياسية الكبيرة والمتنفذة سياسياً في مؤسسات الدولة، طبقاً لنص المادة الثالثة من القانون، وفي هذا المجرى يتحدد ايضاً مصير التيار الوطني الديمقراطي والعلماني، وهو حكماً يقع في حدود الكيانات الأصغر في العملية السياسية بما فيها تلك المشاركة في تلك العملية، جرياً على تجربة إنتخابات مجالس المحافظات، فالسمك الكبير دائماً هو من يأكل السمك الصغير ولله الحمد؛ او على حد قول الشيخ همام حمودي النائب من الإئتلاف الوطني وعضو البرلمان ف :" ان وجود مجموعة قليلة من ائتلافات كبيرة افضل من وجود عدد كبير من الاحزاب لا تستطيع اتخاذ قرار سريع ومفيد "...!!(3)

 إنه ومن عبث الكلام تكرار ما ورد بشأن قصور القانون الجديد المعدل، والذي تناوله العديد من الكتاب وبعض الأحزاب السياسية  ومنها الحزب الشيوعي العراقي بالنقد،(4) بإعتباره لا يلبي طموح العراقيين في إرساء قواعد الديمقراطية العراقية الجديدة، وإرساء الأسس لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؛ فهو في الحقيقة، وبعد تمسكه بنفس نواقص وسلبيات القانون القديم، إنما يشكل مثلاً حياً على تمسك نفس الجهات المتنفذة من الكتل السياسية الكبيرة بالسلطة من خلال التشريع لهذا التمسك بنصوص قانونية لا تتوافق مع التوجه الديمقراطي الذي تعلن نفسها عنه ليل نهار، بل هو في الحقيقة قد كرس تشريعياً للإنقسام الطائفي والإثني، من خلال التمسك بمقولة "المكونات" العراقية، وإعتبارها بديلاً لمبدأ (المواطنة العراقية) الذي يمنح جميع العراقيين نفس الحقوق السياسية بعيداً عن إنتماءاتهم الإثنية العرقية والدينية والطائفية والمذهبية، وبهذا يكون قد خالف الدستور في أهم مبادئه الإنسانية؛ فطبقاً للتعديلات الجديدة، فالمسيحي لا يجد من يمثله إلا مسيحي، والمندائي لا يجد من يمثله إلا مندائي، وكذلك الأمر بالنسبة للشبكي واليزيدي والسني والشيعي، وهكذا دواليك بالنسبة للعربي والكردي والتركماني والآشوري..الخ فأية ديمقراطية هذه التي يهدف لها مثل هكذا قانون، وأين هي يا ترى حقوق المواطنة والمساواة بين الجميع طبقاً للدستور..؟!

إن التأسيس الجديد للمجتمع العراقي بعد الإحتلال في آذار/2003 على أسس من التقسيم الطائفي والمذهبي والإثني وإعتبار العراق مناطق إنتخابية متعددة، هو من يقف وراء قانون الإنتخابات الجديد، وهوما يفسر لنا لماذا تتمسك الكتل السياسية الكبيرة والمتنفذة، ذات الطابع الطائفي المذهي أو العراقي بأحكام مثل هذا القانون، مستفيدة من خصوصيتها من حيث الحجم العددي والجغرافي داخل المجتمع، لكونها تمثل مجموعات سكانية كبيرة على صعيد المذهب أو القومية، ولهذا فهي تظهر وكأنها تتصدق على تلك المجموعات السكانية الأقل حجماً من حيث العدد السكاني في المجتمع، لتمنحها بضعة مقاعد برلمانية رحمة بها وأستيعابها ضمن كتلها الكبيرة..!

ولهذا فإن قانون الإنتخابات المعدل الجديد لا يمكن أن يعبر وللأسباب المتقدمة عن خطوة الى الأمام بإتجاه الديمقراطية، طالما إنه طبخ في نفس المطابخ الطائفية الإثنية وبهذا الإخراج السيء، وهو يمثل خطوة جديدة الى الوراء وإنتكاسة في طريق الديمقراطية الجديدة، لها من التداعيات السلبية ما يقلق الجميع..!!؟

 أما ما تعلنه وسائل الإعلام والرسمية منها خصوصاً، من التهليل والتطبيل لصدور القانون الحالي، وما يطلقه بشأنه من تصريحات بعض الناطقين بأسماء تلك الكتل، أو ما يقال عن الأخذ بنظام القائمة المفتوحة بشكلها "المبتكر الجديد"(5) تلبية لطلب "المرجعية" فلا يغير في الواقع من حقيقة كون؛ أن قانون تعديل قانون الإنتخابات رقم/16 لسنة/2005، لا يلبي طموح المواطن العراقي في التغيير الذي كان ينتظره من وراء معركة الصراع البرلمانية التي أستنفذت أعصابه، ولا يمثل له هذا القانون، سوى خطوة في طريق تعميق خيبته ومعاناته، مع كل ما شكله بالنسبة للقوى السياسية الكبيرة والمتنفذة من إنتصار خططوا له كثيراً ، لينقلوا الآن الكرة الى ساحة الناخب نفسه، فهل سيحسن الناخب العراقي الإختيار..؟؟!! 

 الجواب لابد وأنه سيأتي بعد الإنتخابات القادمة، ومن السابق لأوانه التكهن بأية توقعات في ظل قانون إنتخابي قد خلط الأوراق على الجميع وخلق من البلبلة ما يكفي لتضبيب أجواء العملية الإنتخابية القادمة، ناهيك عن ما سيلعبه ثقل المؤثرات الأجنبية والإقليمية وتدخلاتها العلنية والمستورة بما فيها دور الإحتلال، في التأثير على نتائج الإنتخابات..!!؟     

________________________________________________

(1)  http://www.al-nnas.com/ARTICLE/BFadli/22prl.htm

(2)  http://parliament.iq/Iraqi_Council_of_Representatives.php?name=articles_ajsdyawqwqdjasdba46s7a98das6dasda7das4da6sd8asdsawewqeqw465e4

qweq4wq6e4qw8eqwe4qw6eqwe4sadkj&file=showdetails&sid=3275    

(3)  http://www.burathanews.com/news_article_79569.html

(4)  http://www.al-nnas.com/msval.htm

(5)  http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=51730

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com