|
بين دولة القانون ودولة العشائر .. من الغالب؟!
د.مؤيد العابد لقد تحمّل العراقي ما لم يتحمّله شخص في الدنيا من آلام ومعاناة لا يمكن تفسيرها ولو بأعقد القوانين الفيزيائية! فمن معاناة الإضطهاد الاجتماعي عبر العصور الى معاناته السياسية والاقتصادية بل وحتى النفسية، ناهيك عن الاضطهاد الاسري الذي يعيشه العراقي منذ الولادة الى سن البلوغ ومن بعد النضوج تلتصق به قيم غريبة تفرض عليه ليقول لغيره السمع والطاعة ولا نقاش! وفي كلامي شيء من التحدي للاخر ناكر القول! ليس شماتة بك ايها الحبيب لكن.. نعم هكذا تسير قيم الكثير من أهلنا العراقيين، تلك القيم التي تتصارع فيها قيم البداوة والحضر(المدنيّة) وبالتالي تنعكس على السلوك العام. قل معي رحم الله أستاذ الاجتماع العراقي علي الوردي إذ يقول(إنّ من دلائل<هذا> الإصطراع بين قيم البداوة والمدنية في العراق هو ما نشاهده من إزدواج في القانون، فليس هناك في الدنيا مجتمع حديث يسيطر فيه قانونان قانون عشائري وقانون مدني: والعراقي مترنّح بين هذين القانونين لا يدري أين يتوجّه. انّه يرقص رقصة عشائريّة ويغني أغاني مدنية، وخلاصة الأمر:نشاز)! لقد تطرّق الكثير من الباحثين الى الشخصية العراقية والى النوعية أو النمط من التفكير والتطبيق الذي يحمله الفرد العراقي. فقد وصمنا الجاحظ بأننا (ويقصد أهل العراق) لنا علة في عصيان الامراء حيث يقول(أن العلة في عصيان أهل العراق على الامراء هي انهم أهل نظر وذووا فطن ثاقبة ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء واظهار عيوب الامراء!!) هل يكون الجاحظ هنا مصيباً؟! وهل للوردي حق في وصم شخصية العراقي بالازدواجية؟! ليس بالامر الهيّن الحكم والتحليل وفق العوامل التي ذكرها الباحثون فلم يؤخذ معيار أو مؤثّر الزمن بنظر الاعتبار ولم يؤخذ عامل الجغرافية الزمنية المتغيرة وعوامل اخرى لم يثرها الباحثون ليحكموا على الشخصية العراقية بهذا الحكم ان لم يكن فيه تخطّي لحدود البحث في أحيان معينة. يمكن أن نقسم الباحثين من هذا النوع الذي تحدّث وحلل الشخصية العراقية الى فئتين أحداهما قد بحثت ونقّبت وإحتاجت بنفس الوقت الى المعايير التي ذكرناها من حيث التجرّد الكامل والبحث عن الحقيقة فهم بلغوا ما بلغوا من جزء الحقيقة والفئة الثانية متجنّية لا علاقة لها بالبحث أكثر من الانتقام التاريخي الذي يضمره العديد من الباحثين وليس غرضهم الا التنكيل بهذه الشخصية التي تتمحّص كلّ زمان لتهيئتها الى شيء عظيم قد أشارت لها جملة من الاحاديث التاريخية النفسية والسوسيولوجية والى الاحاديث الدينية التي تضمنتها عشرات بل مئات الكتب بحيث لا ترى أي حديث قد ورد فيه إسم قوم أغلب الباحثين!! فهي عقدة الحضارة والتاريخ لا أكثر! ما يهمّنا هو ما دور التحليلات المتتالية للشخصية العراقية وما الرابط الذي يوصل الى حلّ مهم لما يجري من تخبّط في الوصول الى النتيجة الطيبة التي تعبر بالبلد الى شاطيء الأمن والأمان. نعم لقد فات الاجتماعي الكبير الوردي الكثيرمن الامور المتعلقة بوجود الشخصية الدينية التي يشير لها دائماً بشيء من الاستخفاف فمثلاً يقول(( ومن الملاحظ ان كل مدينة يكثر فيها رجال الدين ينتشر فيها ايضاً ازدواج الشخصية على درجة كبيرة)) كما يقول(( ورجل الدين عادة يحترف بث التعليم الدينية، فهو يبثها قولاً ويقبض على ذلك أجراً، ولكن هذا الاجر يدفعه في الغالب أناس بعيدون عن تعاليم الدين في أعمالهم. ورجل الدين يضطر اذن ان يجاري هؤلاء فعلاً ويناقضهم قولاً وكثيراً ما يقع في مأزق حرجة للغاية نتيجة هذا التناقض)). أي أنّه خلط بين العالم العامل وبين أؤلئك الذين يلعبون على وتر الإسترزاق واللعب بالدين والدين منهم براء! وهم فئة منبوذة من جميع العقلاء وإن كانوا كثرة! نعم هم أؤلئك الذي يتاجرون بالدين في كلّ زمان ومكان وليس في هذا الزمان وحده وليس في العراق وحده(ولو أنّ بحث الوردي إقتصر على الشخصية العراقيّة هنا!). هؤلاء شرذمة تراها اليوم أكثر من أيّ وقت آخر قد فرزت ومحّصت وعرفت مآربها فهم تجّار فاشلون وأصوات نشاز وقلوب قد ختم الله عليها بأن جعلها ترد على لسان سيد الشهداء الحسين عليه السلام بأن وصفهم(..الدين لعق على ألسنتهم يلوكونه ما درّت معايشهم إذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون!). هؤلاء مع الوضع الجديد في العراق تراهم ذوي سطوة مفتعلة وأصواتهم باتت نشازاً. إنّهم أعداء الدين وأصدقاء الدرهم والدينار عبدوا المال وكانوا له أذلاّء! فهذه الفئة فئة إمّعة تنعق مع كلّ ناعق، يوم أمس مجّدوا الطاغية وكانوا له العون في الكثير من الامور التي إستأسد بها على المواطن المسكين! واليوم هم مع العشيرة التي ركن عملها في السنوات التي سادت فيها دولة القانون ودولة المؤسسات ودولة التحضّر التي تواكب التطور العلمي ولا تبتعد عن قيم السماء فمعينها هذا المدّ الاخلاقي السماوي بلا شكّ. واليوم هم شراذم تركض على مصالح ضيّقة وتضحك على ذقون الكثير من السذّج! فقد وقفوا ضدّ الحضارة والتقدم وإستخفّوا بالعلم أيّما إستخفاف! وتلك الفئة التي جاءت بعقد تملؤها منذ سنوات غربتها وتغرّبها! فلا تراها مخلصة في التعامل مع المواطن وتتهمه بعقلها الباطن أنّه مع نظام قد ولّى الى غير رجعة فلذلك يستحقّ ما يجري له من أمر! نعم شماتة به لا أقلّ من ذلك. وقد نادى أحدهم بعلو الصوت(نعلة أبو بغداد!! أي لعنة على أبي بغداد!) يوم كانت العمليات الاجرامية تقتل بالجملة بأبناء بغداد الحبيبة التي ليس لها إلاّ الله! إنّ المجتمع العراقي وقع اليوم ضحية التصارع بين قيم البداوة وقيم التحضّر بين قيم تريد بناء دولة المؤسسات الحقيقيّة ودولة القانون الحقّة، وقيم تريد طغيان قانون العشيرة قانون يقول(أنا وأخي على إبن عمّي وأنا وإبن عمّي على الغريب!) قانون (لو ضاع أصلك كول آني.... من العشيرة كذا!) فأين الدين هنا وموقع الاخلاق التي جاءت بها الانبياء والرسل والمصلحون وأهل القيم العظيمة من ثقافة وحركة بإتّجاه السمو الى التكامل المنشود! لقد صدق الدكتور الوردي هنا حين قال(فإنّ إنتشار هذه القيم البدويّة في المجتمع العراقي قد أضاف إلى إزدواج الشخصيّة عنصراً جديداً. فإنّ هذا البطل الذي يسطو على الدور ليلاً كان مضطراً أن يستجيب للمثل الدينيّة في النهار. وقد تراه نهاراً يلبس الوقار والفضيلة ويذهب الى المسجد متعبّداً راجياً من الله أن يدخله الجنة، ناسياً أعماله الليليّة وما جنته يداه فيها، كأن ما يعمل في الليل لا دخل له بأعمال النهار). ولي مع أؤلئك تجارب وتجارب فقد رأيت أحدهم من السرّاق والكذّابين المعروفين في المدينة لكنّه كان من أكثر الذين يسعون الى لطم الصدر على الحسين الشهيد سلام الله عليه، وكان من شدة لطمه يجلس على الارض لا يستطيع الاستمرار من شدة الآلام التي تنتابه من هذا اللطم! وذاك الذي يلعب على كلّ القوانين الوضعية والسماوية وهو من أكثر الذين يشدّون الرحال الى الحج لاداء المراسيم والشعائر التي أقل ما يقال عنها أنّها تلعنه!! هنا تكمن العلل حينما نريد أن نتحدّث عن الوضع العراقيّ الذي يمثّل المواطن العراقيّ الجزء الحسّاس من المشكلة ونبدأ بالساسة أصحاب الكلمة الفصل على المستوى الوطني الحالي(إن أحسنّا الظن في قولهم وهو كذلك الى حدّ كبير أن لا علاقة للامريكيّ فيما يعملون في تفاصيل كثيرة من سياسة البلد). لاشكّ أن الوضع بالعراق استثنائي ويعلم الكثير ان الوضع الاستثنائي للدولة يجعلها تركن الى العشيرة والقبيلة. والمعروف عن عشائر البلاد أنّ سلالاتها تمتد الى خارج الحدود وهنا تكمن المصيبة الكبرى! فهل ستكون دولة العراق الجديد في مأمن وهي في هذا الوضع الخطير؟! ونسمع المسؤولين كلّ حين في مناداتهم الى تخليص العراق من تدخّل الخارج فهل هم صادقون في ذلك وهل يعرفون كيفية دخول التأثير الخارجي الى البلاد؟! إنّها واحدة من أخطر التدخّلات في شؤون العراق هذا الإمتداد العشائري الذي يسعى الى تأسيسه والإستمرار به هم أؤلئك الذين ينادون بدولة القانون! أوليس هذا بالعجيب؟! لقد مرّت على العراق سنيناَ عجافاَ بكل ما للكلمة من معنى. فمنذ أن تسلّط النظام الصدّامي على العراق عام 1979 بعد الانقلاب الدموي الذي رافق إعدام جزء مهم من قيادة حزب البعث في العراق( وقد كانوا من التيار اليساري في الحزب إن أمكن التعبيربإعتبار أنّ حزب البعث في أدبياته لا يعترف بالتيارات المذكورة فهو من الاحزاب التي أوجدت الفكرة الواحدة فإما بعثي يخضع لتعليمات الحزب بقضّها وقضيضها تحت عنوان نفّذ ولا تناقش!! أو أنت مشكوك بوطنيتك!!) وقد تكالبت المصائب على البلد بحجّة أو أخرى. من الحرب التي شنّت على إيران الى الحرب الثانية عام 1991 بعد إحتلال دولة الكويت الى (أم المعارك!!) ولو بقي النظام لكانت الرابعة والخامسة و.. فهل جاءنا البديل المناسب الذي كنّا نطمح اليه حقاً؟! هل تخلّى أصحاب الانتماء الى العشيرة أولاً عن هذا الانتماء الى الانتماء الى الاسمى وهو الوطن(ولا تعارض في قول الإنتماء الى الدين وهو الموجد الاوحد للتسامح)، لا أعتقد ذلك! نظرة بسيطة الى حال ونقاش البرلمان يأتيك الجواب من مجاميع كثيرة من المتخلّفين والعشائريين والشوفينيين وحفنة بسيطة من أصحاب الحق والبحث عن الحقيقة وهم أصوات تضيع كلّ مرّة وسط هذا الكمّ من الإمّعات! نعلم انّ دولة العراق كانت في عهود التدخلات الخارجية دولة ضعيفة مقهورة فمن زمن العثمانيين الى الان مرورا بدولة البعث اللاعادلة والفوضويّة والعشائريّة المقيتة! والعراق يئن من التدخلات الخارجية لكن هل استطعنا ان ندرس الامر ملياً لنعرف السبب؟ هاتوا لنا دولة قانون حقيقة وسيكون العراق في مأمن من التدخلات والا فلتسكتوا عن ترديد نغمة التدخلات فلهذه، بالاضافة الى العوامل المعروفة اصبح العراق (خان جغان!!). ولك الله يا بلاد الخير وأنت تنزف الدم ونوّابك يتقاتلون على زيادات المال في جيوبهم! وللحديث بقايا من آلام!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |