أوقفوا الاستعمار الإماراتي للعراق!
 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

قرأت قبل أيام تصريحاً لمسئول عراقي، يعنى به ويستاء منه كافة العراقيين الوطنيين، خلاصة التصريح المقتضب قرب التوقيع على صفقة تأجير أراضي زراعية عراقية لشركة إماراتية، وبالكاد لجمت قلمي من الانقياد وراء مشاعري المتألمة، وكلما كتبت كلمتين ملتهبتين مسحت واحدة وهذبت الأخرى، حتى عادت للعقل سيطرته، فاتفق مع القلب على دراسة الموضوع بموضوعية وتجرد، وإليكم النتائج.

يتبين من استطلاع تجارب الدول الأخرى بأن العراق ليس أول دولة لجأت لتأجير اراضيها الزراعية لشركات أجنبية، فقد سبقته إلى ذلك دول عدة، منها مدغشقر وغانا ومالي والسودان وأثيوبيا، كما يتضح أن هذه المشاريع حديثة التاريخ نسبياً، لم يمضي على معظمها سوى أقل من عشر سنوات، وبشكو الباحثون في الموضوع من ندرة المعلومات المتوفرة عن هذه الصفقات، مما يستدل على ان الأطراف فيها حريصة على إبقاء جوانب منها طي الكتمان، وهو أمر مثير للريبة.

يري المختصون وجود عدة عوامل باعثة على القلق تجاه هذه الصفقات، ويشيرون على وجه التحديد إلى عدم التكافؤ بين الدول المؤجرة والأطراف المستأجرة، فمن ناحية يلاحظ بأن الدول التي اجرت أراضيها الزراعية هي كلها فقيرة، ومتخلفة اقتصادياً، ومؤسسساتها التشريعية والتنفيذية والرقابية ضعيفة وحديثة التكوين، كما أن نظامها القضائي متدني الفعالية، وبالمقابل تمتلك الأطراف المستأجرة القوة السياسية والاقتصادية أو المالية.

ويحذر المراقبون من استمرار هذه الظاهرة، مما سيدفع المزيد من الدول الفقيرة للتفريط بالمورد الثمين الوحيد المتبقي لديها، وهي الأرض الزراعية، فتقدم على بيعها أو تأجيرها للأجانب بعقود طويلة الأمد مقابل منافع آنية، غير آخذة بالاعتبار الخسائر والأعباء الناجمة عنها على المدى الطويل، وتبدو وكأنها أشبه بالجائع الذي يقدم على بيع بيته أو مساحة منه مقابل أرغفة خبز.

يقول الخبير الأوروبي ستيفانو مانسرفيسي وهو المدير العام للتنمية في المفوضية الأوروبية:

" نحن قلقون جداُ لأنها طريقة أخرى لاستغلال الدول النامية، إن الدول الأكثر فقراً تبيع المواد الأولية وتصدر المهاجرين، والآن هم يبيعون أراضيهم من دون الحصول على أي نوع من الفائدة من حيث المواد الغذائية وغيرها."

عندما يزرع قوم يحصدون ويأكلون، ولكنهم إن أجروا أراضيهم الزراعية فالقليل منهم سيزرع والمحصول للغريب، ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فماذا بعد انتهاء عقد التأجير أو عندما يصبح الاستثمار فيه غير مجد بالنسبة للطرف المستأجر؟ سيرحل الأغراب تاركين وراءهم أرضاً قفراً، خصوبتها مستهلكة تماماً نتيجة الزراعة المكثفة، ومصادر مياهها السطحية والجوفية مستنفذة تماماً، ناهيك عن التلوث بالمواد الكيماوية الخطرة على الصحة والبيئة، نتيجة استعمال المبيدات والمخصبات على نطاق واسع، لضمان أعلى مردود اقتصادي، باختصار سيتركونها أرضاً اشبه بالصحراء، غير صالحة للسكن.

أقوى رد فعل على صفقات "نهب الأراضي" حدث في مدغشقر، وكان رداً عنيفاً بشكل انقلاب عسكري، وأول قرار لحكومة الانقلاب إلغاء صفقة تأجير الأرض مع شركة دايوو الكورية الجنوبية، والتي كانت ستمنح الشركة الكورية السيطرة على مليون هكتار من أراضي مدغشقر.

لا يوجد فارق بين الصفقة المزمع إبرامها بين الحكومة العراقية الحالية والشركة الإماراتية وتلك الفاشلة لتأجير الأراضي في مدغشقر، سوى الشك بأن غايات الإماراتيين تتعدى حيز الاقتصاد إلى مجال السياسة، إذ إن السعودية والإمارات وغيرهما من الدويلات الخليجية متهمات بالتآمر للسيطرة، أو على الأقل التأثير، على القرار السياسي في العراق، بالطرق المباشرة وغير المباشرة، فهل هذه الصفقة جزء من المؤامرة الخليجية على العراق وشعبه وموارده؟ والسؤال الأهم هل سيثبت العراقيون بأنهم لا يقلون حرصاً على وطنهم وأراضيهم وكرامتهم من المدغشقريين، وسيهبوا لإجهاض صفقة تأجير الأراضي المشبوهة قبل التوقيع عليها؟ وهل سيتعض الساسة في الحكومة والبرلمان من المصير الذي حاق بالمفرطين بأراضي وطنهم في مدغشقر؟ أسئلة ستجيب عليها وقائع الأيام القادمة.

العودة الى الصفحة الرئيسية 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com