|
محمود غازي سعدالدين كنت قبل فترة ليست بالبعيدة كنت قد نشرت مقالا تحت عنوان (الدراما التركية ودور تركيا الجديد) تطرقت فيه إلى بعض أسباب اعتلاء الدراما التركية وحلولها في المرتبة ألأولى وتصدرها لقائمة الدراما العربية المختلفة ألأخرى من حيث استقطاب العدد الكبير من المتتبعين لها وقد ربطت ذلك بتنامي نفوذ الدولة التركية بسبب تبنيها سياسة فصل الدين عن الدولة بنجاح ودخولها المعترك السياسي وتبني الخطاب المعتدل لحل ألازمات العديدة في الشرق ألأوسط بدءا بالعراق وفلسطين وقضايا ألإرهاب الدولي وغيرها من القضايا العالقة . لعلني أستطيع القول أن سياسة الانفتاح نحو العالم والدخول إلى الاتحاد ألأوربي كانت ولا زالت من ألأهداف الرئيسية التي تسعى إليها الدولة التركية , واستطاعت أن تنمي قدراتها ألاقتصادية والسياحية بفعل عقود الشراكة مع دول الاتحاد الأوربي المتقدمة في هذا المجال حتى وصل مستوى دخل المواطن التركي إلى أعلى مستوى له في العشر سنوات ألأخيرة , وارتفع الوارد السنوي لها إلى أرقام لا ترقى إليها معظم الدول العربية بالمقارنة لما تملكه هذه الدول من قدرات وخزين كبير من النفط وخيرات كثيرة أخرى . هناك مؤشرات خطيرة على تراجع الدور التركي في المنطقة والعالم بسبب أخطاء تقوم بها الحكومة التركية (حكومتان متعاقبتان تحت مظلة حزب العدالة والتنمية) ولعل من تلك المؤشرات التي تدل على ما ذكرت هو أن الخطاب الديني (الإسلامي) اخذ يأخذ حيزا كبيرا من التوجه الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية الحاكم بالإضافة إلى الانفتاح نحو الدولة السعودية (ممولة ألإرهاب العالمي وراعية التطرف ألأولى) وكذلك الانفتاح على الدول العربية وغير العربية (الدكتاتورية) كسوريا وليبيا والسودان بل وحتى إيران . كما ذكرنا إن سياسة الانفتاح على دول العالم كافة على أساس المصالح التجارية وإنعاش ألاقتصاد المحلي ورفع مستوى دخل المواطن هي تعتبر أهدافا سامية ونبيلة تتبناها حتى أرقى الدول العالمية والديمقراطية ولكن ما يخشى منه هو إن خطاب حزب العدالة أصبح متوالفا وقريبا جدا من الخطاب الإسلامي القومي العربي والخطورة تكمن هاهنا , وما يعزز شكوكنا هو ما شاهدناه من نفور في العلاقة بين الحكومة التركية والحكومة الإسرائيلية الذي بدت مؤشراته تتضح عند السجال الذي حصل بين الرئيس ألإسرائيلي شمعون بيرس والسيد رجب طيب أردوغان أثناء انعقاد مؤتمر دافوس ألاقتصادي العالمي (على ما اذكر) ووقوف غول بوجه السيد شمعون بيرس وكيل الاتهامات له ورمي مسؤولية وتبعات وتداعيات جل ألأزمة الفلسطينية قديما وحديثا على عاتق دولة إسرائيل لينسحب السيد أردوغان من الجلسة غير آبه بحديث السيد بيرس وعلامات الغضب بادية ومرسومة على محيى رئيس الوزراء التركي حتى بدا لنا في تلك الوهلة أنه ليس رئيسا لدولة علمانية (يشهد لها بتقدمها خطوات كبيرة نحو ذلك) بل انه احد قياديي حركة حماس ألإرهابية يدافع ويتحدث بخطابهم ألمتطرف . ويؤكد لي المشهد من الوهلة ألأولى ان الدولة التركية ليست مؤهلة وجعلت المسافة التي تفصلها بينها وبين ألانضمام لدول الاتحاد ألأوربي أبعد قليلا (قلت حينها وفي إحدى الجلسات مع بعض ألأصدقاء نتناول فيها الشأن السياسي العالمي أن تركيا سوف تتراجع خطوات إلى الوراء بسبب هذه السياسة التي سوف تأتي بنتائج عكسية عليها) . لقد بدت مؤشرات النفور التركي من الدولة الإسرائيلية تتضح معالمه أكثر فأكثر من خلال إلغاء المناورات العسكرية المشتركة التي كان من المزمع إجراءها مؤخرا , وعوضا عن ذلك بدأت بالتقرب والتودد إلى النظام السوري الدكتاتوري الذي يرعى ويدعم معظم الحركات والمنظمات القومية العربية وغير العربية ويصب هذا الدعم الخفي حتى ضد مصلحة الدولة التركية نفسها بدعم جماعات تدعو لقيام دول ( قومية جديدة) وتأوي فصائل لحزب العمال الكردستاني داخل سوريا وخارجها والذي وضع ضمن لائحة قائمة ألأحزاب ألإرهابية من قبل دول عديدة منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وما ينتج عن الصراع المسلح الذي تقوده فصائل هذا الحزب ضد الدولة التركية بدوره يتم هدر المليارات من الدولارات من وارد خزينة الدولة التركية والتي تصرف لغرض الوقوف بوجه هذا التنظيم ووقف أعماله العدائية . تركيا التي أدخلت سوريا معها ضمن جملة من المحادثات التي تخص شان ألإرهاب , حيث من المعلوم أن سوريا ليست بمعزل عن ملف الإرهاب الدولي بدءا من لبنان , والعراق الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى قرار دولي وأممي بالتحقيق في التفجيرات الدامية ألأخيرة في العراق والتي وجهت أصابع ألاتهام إلى سوريا تحديدا ومن يدور في فلكها والتي أضحت حاضنة للبعث ألصدامي وجماعات متطرفة أخرى في الوقت الحاضر . من المؤشرات ألأخرى التي لاحظناها هو ما تبادر من قبل ساسة الدولة التركية أخيرا هو توجيه الدعوى إلى الرئيس السوداني الدكتاتور عمر حسن البشير لحضور القمة الإسلامية ورفض الدعوة ألأوربية بعدم توجيه الدعوة له بدعوى حضور القمة ألإسلامية حتى أنني استطيع مقارنتها وتشبيهها بقمم الجامعة العربية ومهازلها , متجاهلة أن الرئيس البشير قد صدرت بحقه مذكرة قضائية من مؤسسة دولية ألا وهي محكمة العدل الدولية فأي قمة إسلامية هذه التي يحضرها جمع من الطغاة و المستبدين. لقد أيدت الولايات المتحدة ألأمريكية ومعظم الدول الأوربية ونادت بتنفيذ المذكرة بحق الرئيس السوداني الذي تؤكد جميع التقارير الدولية وهيئات حقوق ألإنسان والمنظمات ألإنسانية العاملة ضمن أطار الأمم المتحدة بضلوع حكومة البشير في جرائم إبادة جماعية في دارفور والشعب السوداني على العموم ودعم حكومة السودان لجماعات إسلامية متطرفة تغذي الإرهاب الدولي . ليس من صالح المنطقة أن تخسر دولة علمانية حقيقية وكونها الديمقراطية الثالثة بعد إسرائيل والعراق (بعد تحريره من براثن الحزب الشمولي ورغم المصاعب التي تعترض هذه التجربة) وإذا ما استمرت الدولة التركية على هذه السياسة فإنها لا محالة ستشهد تدخلا محتملا في ألأفق القريب من قبل المؤسسة العسكرية التركية( وكما تسمى حماة العلمانية الحقيقيون) ضد الحركة التي يتبناها حزب العدالة والتنمية باستمالة ومجاملة دول العالم الإسلامي المتخلف تدخل في كنفها دول دكتاتورية وممولة للإرهاب العالمي , ومصداقية الدولة أمام المجتمع الدولي والأوربي خاصة بدأت بالتأرجح لتدخل المنطقة في منعطف خطير آخر فيما لو استمرت هذه السياسة والتي ستؤثر سلبا على تقدم المشروع الديمقراطي في المنطقة والعالم أجمع .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |