|
الكفاءات العراقية المهاجرة بين العودة والتفاعل ..!
د-مراد الصوادقي منذ أن بدأت العقول العراقية بالهجرة إلى مواطن غربتها، ونداء عودتها يتردد في وسائل الإعلام وأروقة صنع القرار. ومع الكثير من الدعوات والمغريات والمحفزات، لكنها تغادر وطنها وبكثافة متزايدة. ومن خلال نظرة فاحصة لفكرة العودة، على مدى العقود الماضية، يتبين بأنها لم تساهم إلا بزيادة النزيف المتواصل. فالعقول العراقية المهاجرة قد استقرت وتفاعلت وعبرت عن دورها الحضاري والإنساني في بلاد المهجر، وهي تحمل الكثير من الخبرات والمهارات التي تطمح أن تتفاعل بها مع الأجيال الناهضة في الوطن الأم, ومن الصعب عليها أن تعود بعد أن تأقلمت مع واقعها الجديد. إن فكرة العودة أصبحت باطلة ولا تصلح للنقاش ولا تستأهل الدعوات والمؤتمرات، فأنظمة الحكم التي تعاقبت ما تمكنت من توفير مستلزماتها، إلا فيما ندر ولوقت قصير, وعجزت عن بناء القاعدة الصحيحة اللازمة لانطلاقة ذات قيمة معاصرة. وفي واقع يعاني من الفساد, يكون من أصعب الأمور التفكير بالعودة، إضافة إلى الاضطرابات الأمنية وفقدان مؤهلات العيش الإنساني المقبول. ويبدو أن المعنيين بوسواس العودة عليهم أن يراجعوا أفكارهم، ويخرجوا من هذا النفق الغير مجدي ويتعاملوا بموضوعية وواقعية مع الكفاءات المغتربة، ويتحرروا منها وينظروا بعيون أخرى وبعقلية ذات قدرة على تحقيق بعض الإنجازات المفيدة. فدعوة عودة الكفاءات صارت كأنها حجة لتهجير المزيد منها ومنع عودة الراغبين، أو هي كأسلوب مبطن فيه غايات مخالفة لما يظهر فيه. وباختصار، فأن نداء عودة الكفاءات بحاجة إلى دراسة وتحليل واقتراب معاصر، واكتشاف وسائل أخرى تحقق استثمارا لطاقات وخبرات الكفاءات العراقية المهاجرة، وأفضل صيغة لذلك هو التفاعل. أي أن تتفاعل الكفاءات الموجودة في الداخل مع الكفاءات المهاجرة، وذلك يكون عن طريق ابتكار صيغ عمل مشتركة ذات قدرة على عودة الأفكار والخبرات واستثمارها من قبل الكفاءات المقيمة في الداخل، والتي عليها أن تتخلص من النظرات السلبية تجاه الكفاءات المهاجرة لكي يتحقق التفاعل الصادق النزيه. وهذا يعني أن على جميع الوزارات والمؤسسات وغيرها من مراكز النشاطات العلمية والثقافية والفكرية، أن تستحدث آليات تستطيع من خلالها أن تستوعب قدرات الكفاءات المهاجرة وتستثمرها وتوفر أسباب وعوامل نجاحها وتحققها في الواقع العراقي. إن الخبرات العراقية المهاجرة متطورة ومعاصرة وذات تأثير حضاري مهم، وليس من الصائب أن ننكرها ولا نحقق الفائدة القصوى منها، بل الأجدر بنا أن نسعى إليها ونستفيد منها في بناء التقدم وتحقيق المعاصرة. والذي يريد أن يبني وطنا لابد له من الاستعانة بعقول أبنائه أولا وأينما كانوا، لأنهم يملكون التأثير الكبير والناضج الخبير الذي يصنع الإرادة الحضارية للوطن. وهكذا فأن أمام العراق فرصة تاريخية متوهجة، تمكنه من التقدم السريع، وتجاوز زمن الخراب والدمار، والدخول في عصر البناء والإعمار الشامل الذي يتسع لجميع الطاقات والقدرات ويوفر فرص العمل وينمي الاقتصاد. فتفاعل الكفاءات العراقية أينما وجدت لهو الخيار الحضاري الأرجح في هذه المرحلة التاريخية من حياة العراق. وربما من المفيد إنشاء مجلس عراقي أعلى للكفاءات، ليكون مركزا استشاريا وطنيا يبدي الرأي المهني الاختصاصي النزيه في الموضوعات العلمية والحضارية ذات القيمة الوطنية والإنسانية البناءة. فالعقول العراقية الفذة قد عانت كثيرا من الإهمال وعدم الاستثمار والاهتمام، ولا بد من هبة غيورة واعية لتفعيل دورها في البناء والصيرورة الوطنية المثلى. فقد أصابنا ما أصابنا بسبب إهمالنا لعقولنا وأسرها وحرمانها من حريتها في النظر والتقدير والإبداع والعطاء. فالأوطان تبنيها وتحافظ على سلامتها وتقدمها العقول وتشيد معالمها الأفكار، ومجتمع لا يحترم عقوله يسعى إلى الضعف والهوان . ومجتمع لا يحرص على كفاءاته المهاجرة، يكون قد مارس الضياع والخسران لأنه يمضي بلا دليل. فهل سنبتكر صيغ تفاعل عملية ذات قيمة حضارية مؤثرة في بناء العراق المعاصر. أظنها مسؤولية كل مواطن، وهي أهم عناصر المواطنة الصالحة ذات النفع العام. ترى أيهما أصلح العودة أم التفاعل؟!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |