حيونة السياسة أو أنسنة الحيوان كعلاقة ازلية!

 

حميد الشاكر
alshakerr@yahoo.com

ربما كان الكثير منّا سمع أو قرأ عن علاقة عضوية ما بين الدين والسياسة او الاقتصاد والسياسة او الاجتماع او الاخلاق او الانسان او .. الخ والسياسة، أما كون احدنا يلتفت الى كينونة علاقة تاريخية واصيلة بين عالم الحيوان والسياسة فلربما اقول ان هناك الكثير لم يلتفتوا بعدُ بشكل جدّي او واقعي لمثل هكذا علاقة بين عالم الحيوان وعالم الانسان السياسي، مع ان مثل هذه العلاقة ترتقى في احيان طويلة الى مستويات عالية جدا في عالم السياسة !!!.

والحقيقة ان علاقة (الحيونة) او عالم الحيوان او المخلوق الحيوان نفسه والسياسة من اقدم واجذر العلاقات الحميمة بين عالم السياسة وعالم الحيوان، ولعل هذه العلاقة ومع الزمن قد تطوّرت الى اشكال واصناف وعناوين متنوعة ومختلفة ومتلونة حتى إن الباحث في هذا المضمار يعجب من اين يبدأ تأريخيا في تناول ظاهرة (حيونة السياسة) او (تسييس عالم الحيوان) لكن يكفي ان نقول : ان هناك علاقة بين العالمين ولدت اسطوريا وتاريخيا ودينيا بين الانسان والحيوان تمتد الى قصة ولدي ادم قرءانيا باعتبار تكامل الجنس البشري في هذه الحقبة من حياة الانسان على هذه الارض وبروز علاقة (غراب) كحيوان طائر مع احدهما لتبدأ علاقة جريمة سياسية على هذه الارض بين اخوين حسب الاسطورة الدينية، والتفات غراب للحادثة ومن ثم ليشارك هذا الغراب بتعليم احد الاخوين كيفية مواراة جريمته السياسية بحق اخيه الاخر البريئ والمسكين !!!.

ومن هنا بدأت علاقة الانسان بالحيوان ككائن يمتلك ذكاءً فطريا يهبه حلّ بعض المعضلات التي تصادف هذا الانسان الذي وهب عقلا الا ان بجانبه غباءً يفقده ميزة العقل والتبصر والتفكير والتدبر مما يدفعه للبحث عن وزير او مشير الى جانبه يتحمل عنه اعباء ايجاد الحلول وحياكة الحيّل وصناعة المخارج من ورطات الانسان ودرابينها المتنوعة كما حصل للانسان (قابيل) عندما قتل اخيه الانسان (هابيل) وعجز عن خلق الكيفية التي من خلالها يواري جريمته فدله (الغراب) وهو يدفن اخيه الغراب الحيوان الاخر تحت التراب ثم ليساوي عليه الارض وكأن شيئا لم يكن !!!.

طبعا ذكر الاسطورة القرءانية هذه في علاقة عالم الحيوان وعالم الانسان فيها من الدلائل والاسرار والنكت الشيئ الكثير والكثير جداً

ويكفي ان نأخذ منها حكمة الغباء المستديم لعقلية السياسي الانسان، وحكمة تاريخية العلاقة بين حيونة السياسة وتسييس عالم الحيوان كمعادلة تداخلت مع الانسان لتهب له الحلّ وتخلصه من الورطة وتدفعه للثقة بمقدرة عالم الحيوان على ايجاد الحلول لعالم الانسان المليئ بالدسائس والجرائم والمؤامرات والحيل !!.

بعد ذالك تطورت علاقة الحيوان بالسياسة وعلاقة السياسة بالحيوان الى ان انتهت في (كليلة ودمنة) لابن المقفع على اساس ان عالم الحيوان اصبح هو الوحيد العالم القادر على ارشاد الملوك وتقديم النصائح والحكمة لهم بدون ان ينزعج الملوك والساسة من تقديم النصائح لهم من عالم الانسان باعتبار ان السياسي الانسان يأنف من ان يكون احدا من الناس انبه منه واعلم واحكم منه مع انه اغبى البشر، ولكن اكثر الناس حظاً، ولهذا ارتأى ان يكون الحيوان هو المرشد والناصح له بدلا من ان يخضع لعار ارشاد اخيه الانسان واخذ الحكمة من عقله وفمه، ليصبح من ثمّ الاسد ملكا للغابة والثور وزيرا او خادما والثعلب والديك والحمامة والنملة .... باقي اعضاء مملكة حيونة السياسة هذه !!.

الآن ربما يتسائل متسائل حول الحكمة من كليلة ودمنة كارقى علاقات السياسة بالحيونة والحيونة بالسياسة ؟.

وربما هناك من لايدرك المغزى بين الملك الانسان من جهة والملك الاسد الحيوان من جهة اخرى ليسأل : هو لماذا يختار السياسي دوما ليرى عالمه السياسي من زاوية عالم الحيوان الطبيعية ؟.

ألسبب ان قوانين السياسة هي بحد ذاتها لاتختلف عن قوانين اي غابة حيوانية ؟.

أم بسبب تاريخية العلاقة العضوية التي نشأت زمانيا بين حيونة السياسة وتسيس الحيوان ؟.

ثم لماذا يعجب الساسة دوما بشجاعة وفتك الاسد ومكر ودونية الثعالب واخلاص ووفاء الكلاب وصبر وتحمل الحمير ؟.

هل لان الساسة في عالم الانسان لم يزالوا بعد لم تتطور ارواحهم الداخلية لتعيش في عالم الانسان ولهذا يرى السياسي دائما انه في الانتماء لعالم الحيوان اقرب منه لعالم الانسان ؟.

أم بسبب ان هناك علاقة ازلية بين عالم الحيوان وعالم السياسة في الانسان ومن خلال التجربة اكتشف الانسان فطرية الحكمة داخل حياة الحيوان فسارع لاستثمار حكمتها الفطرية التي تدرك مالايمكن للانسان ان يدركه بعقله، ولهذا اعجبته صفات الثعالب فقلدها في عالم السياسة ويفتخر ان وصفه احدنا بثعلب السياسة، واعجبه فتك الاسد وجرأته وعدم رافته ورحمته فقلده في التسلط والتجبر والقسوّة وهو اشدّ افتخارا من كل العالمين ان لقبه احدنا باسد السياسة ؟!.

على اي حال ظاهرة استخدام حكمة الحيونة في عالم السياسة ظاهرة حتى اليوم تعيش مع الانسان في كل يوم، وحتى في جميع قوانين السياسة في الحرب والسلم تجد ان قوانين الحيونة هي هي تماما المتحكمة بعالم سياسة الانسان !!.

والعجيب الغريب ان في عالم السياسة الانساني تجد ان الاشد توفيقا ونجاحا ومكرا واستمرارية في البقاء السياسي في هذا المضمار هو الاقرب حيوانية لحيوانية الحيوان !!.

اذكر عندما كان الاتحاد السوفيتي قائما كان يلقب بالدب الابيض، بينما وحتى اليوم في الولايات المتحدة تجد ان شعار الحزب الجمهوري هو الفيل للدلالة على القوة والتدمير بينما شعار الحزب الديمقراطي هو الحمار للدلالة على التحمل والصبر !!.

عند العرب يفضلون شعار الحصان للدلالة على الفروسية والشجاعة ويتجنبون الحيوانات الاقل منزلة في عالمهم لاسيما منها الحشرات فقد كان العربي يصف به عدوه للدلالة على حقارته وربما للاغراء به لسحقه بدون رحمة ووجع ضمير باعتباره من الاشياء الضارة !!.

في الانسانية اسطورة تقارن بين المرأة من جهة والحية كحيوان يحمل من الاسرار مالايستطيع ادراكه الا الخائفون !!.

وهكذا عندما عبدت الانسانية وقدست الحيوان في حقب طويلة من تاريخ البشرية لتدلل على ان علاقة الانسان بالحيوان علاقة ليس لها حدود متخيلة فهي ربما تبدأ في عالم بسيط الا انها حتما تمتد لعالم الانسان في جميع جوانبه المتعددة لاسيما في عالم حيونة سياسة الانسان وانسنة حياة الحيوان !!.

وفي العلم لم يقصرّ دارون عندما ختم القصة بان الانسان حيوان متطور والسلام !!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com