|
لعبة الشطرنج بين فن التفكير ورقعة السياسة
حميد الشاكر
في السابق كتبتُ موضوعين حول لعبة الشطرنج باعتبارها لعبة جاءت بالاساس من خلفية فلسفة فكرية سياسية أخذت بنظر الاعتبار جميع القوانين الواقعية للفكر السياسي الانساني، وأذكر آنذاك دعوت الجميع الى تلقين اطفالهم هذه اللعبة منذ الصغر، ثم تدريسهم قوانينها عند الكبر، وكذا اشرت الى مقارنة لطيفة بين الفروقات للعبة الشطرنج الازلية الحضارية وبين باقي اللعب الاخرى لاسيما منها التكنلوجية الحديثة المعتمدة على الحاستين البصرية والسمعية اكثر من اعتمادها على الحاسة الفكرية العقلية المتوفرة في لعبة الشطرنج!!. نعم ذكرنا بتلك الاطلالتين الكثير الكثير حول لعبة الشطرنج ليس باعتبارها لعبة تسلية فقط مع ان التسلية ايضا قيمة انسانية ثمينة لاتقل اهمية عن قيمة فن التفكير الذي تخلقه رقعة الشطرنج المليئة بالاسرار الفكرية من جهة والرائحة الحضارية العتيقة من جانب اخر، ولهذا ارتأينا ان نطرح موضوعا اخر يختص باسرار لعبة الشطرنج باعتبارها منعكس عن حياة الانسان السياسية وقوانينه الحربية السلمية الدفاعية او الهجومية الانتقامية !!. ان الملاحظ لفن لعبة الشطرنج سيجد هناك ظواهر كثيرة تثير الانتباه على رقعة الشطرنج من مثل سؤال : لماذا على رقعة الشطرنج لاتنتهي لعبة الحرب الا بموت الملك فيها، مع ان هذا الملك ومن خلال فهمه داخل قوانين رقعة الشطرنج هو الاثقل حركة من اداة الوزير وخفتها او اداة الحصان وحركته التي تتحكم بمعادلات الضرب الاربعة لكل الاتجاهات تقريبا ؟. بمعنى اخر : هل يدلل قانون لعبة الشطرنج هذا وما اتاحه من قوانين لموضع الملك وثقل حركته وترهله البادي للعيان لكل لاعب مميز للشطرنج وفن الحرب، هل يدلل هذا لنا اننا امام حكمة تقول : ليس بالضرورة ان يكون قائد القوم وملكهم هو الارقى والاكثر تقدما وتكاملا على باقي الناس اجمعين والدليل ان ملك الشطرنج ليس هو الارقى حركةً ولاهو مدير المعركة الخفيف والذكي والخطير كالوزير او الحصان مثلا او الفيل او القلعة بتدميرها الكاسح، ولكن مع ذالك يبقى الملك ملكا والوزير وزيرا الى اخر يوم في هذه الحياة ولاتنتهي اللعبة الا عندما يقرر الملك اما الاستمرار بالمعركة الى النهاية او الاستسلام او القائم وهو ربما عبارة عن اللجوء السياسي بمصطلحات هذا العصر الذرّي اليوم ؟. إن هذه الحكمة بحد ذاتها تشرح لنا لماذا لعبة الشطرنج عظيمة في السابق وستبقى راقية وحضارية وعظيمة الى اخر يوم في هذا العالم، بعكس لعب التكنلوجيا الحديثة اليوم التي لاتوحي الا باستنفار مشاعر مادية لاغير وهستيريا مفتعلة ليس الا !!. نعم في قوانين لعبة الشطرنج درس بليغ وبليغ جدا لنا نحن البشر من صنع هذه اللعبة واراد اختصار كل الحكمة البشرية السياسية في شكل لعبة ليقول : انتبه الدرس الاول الذي تستوحيه من لعبة الشطرنج وقوانينها الفكرية الخطيرة، هو درس: (ان في الحياة ليس الفلاسفة او المفكرين هم دوما الحاكمون للممالك والمسيرون للجيوش والمديرون للمدن والامبراطوريات العظيمة ؟!!. بل الاكثر قانونا يكون فيها الملوك اكثر الناس تخلفا فكريا وترهلا حركيا واقل الناس تمتعا بالكفاءة ومخاطرة بالشجاعة، إلا انهم الاعظم حظاً بين الناس كي يكونوا ملوكا على الخلق اجمعين وتكون لهم الفلاسفة والمفكرين واصحاب الكفاءة والشجاعة والحكمة خدما لزمن حكمهم وتبعا لاجتهاد امرهم ورغبتهم، وهكذا كان وهكذا بقت الحياة جارية !!)). طبعا ان اي وزير على رقعة الشطرنج تقريبا هو مدير المعركة على رقعتها، بل يعتبر الوزير هو فاتح المعركة وهو الخاتم لها على الحقيقة، واي لاعب فنان منّا عندما يفقد وزيره يفكر في كيفية رفع علم الاستسلام (ان كان ضعيفا بلا وزير يتحرك ) اوالقبول بالشروط المذلة للمنتصر الاخر على امل اعادة الزمن وبداية معركة جديدا يكون فيها وزيرا جديدا بدلا من الذي فُقد في المعركة الاولى، وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدلّ على ان ملك المعركة الحقيقي على رقعة الشطرنج هو الوزير الذكي والمفكر وليس الملك الجبان والمترهل الحركة والمقيد بقوانين الحفاظ على حياته الناعمة لاغير، ولكنّ مع كلّ هذا يقول لنا قانون اللعبة: (انه اذا تعرض الملك لاي خطر ينتهي الى القضاء عليه، فعلى جميع اعضاء المملكة الفداء بما فيهم الوزير مدير المعركة كلها وملك الساحة الحقيقي ...، على هذا الوزير ان يقدم رقبته فداءا لحياة الملك الذي ربطت حياة المملكة بحياته لسرّ لايعلمه الا الحظ وسوء قوانين لعبة السياسة وحقارة الدنيا ومعيشتها الردّية !!!. نعم لماذا ربط قانونيا في لعبة الشطرنج حياة المملكة بجميع مافيها من عباقرة وحكماء وفرسان وشجعان وقلاع وجنود وخيرات ووزراء ... بحياة الملك الذي اذا تحرك يهدد كل المملكة بالفناء، هذا سؤال ايضا بحاجة الى تفكير واجابة حول فلسفة قوانين لعبة الشطرنج ايضا !!. كما ان سؤال : كيف يستطيع جنديا مقاتلا مغمورا وليس له اي خطر عندما يقتل على سير معركة الحياة، كيف يستطيع هذا الجندي ان يتحول لمنصب وزير بعد ان يقطع الطريق الى اخر مربع من ارض معركة لعبة الشطرنج ؟. صحيح : ماهي الحكمة في قوانين لعبة الشطرنج عندما تهب جنديا مغمورا مستعدةً اي مملكة في هذا العالم بالتفريط به او التضحية بوجوده لاتفه الاسباب، ما الذي يجعل تلك القوانين تسمح لهذا الجندي المغمور إن وصل لاخر مربع ان يتوّج كوزير في لعبة الشطرنج السياسية ؟. هل بسبب الحظ (مثلا) يعتبر قانون اللعبة انه ومادام وصل جنديٌ مغمور الى اخر مربع للعبة، وخلف خطوط العدو ولم يصب باي مكروه وهو يمضي الى الامام، فعليه يقلد وزيرا لسرٍّ ما مقترن بحظه الجيد الذي وهبه حياة الى اخر خطوط العدو ؟. أم بسبب ان وصول جنديٌ بسيط الى اخر مربع من خطوط العدو والذي هو يعتبر خط ملك المملكة الاخرى وعليه استحق هذا الجندي ان يرقى الى منصب وزيرا لكفائته وشجاعته النادرة وصلابة وجوده الذي استطاع للوصول الى بساط ملك العدو ليسحقه بقدمه ؟!!. هذا السؤال ايضا بحاجة الى موضوع اخر سنتناوله فيما بعد لكشف اسرار لعبة الشطرنج وقوانينها الغريبة والعجيبة !!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |