استراتيجية الفكر الكوردي ج  _5_  .. "بين القومية والعرقية والشعوبية" 

 

عبد الرحمن آلوجي

renas550@gmail.com

تهدف هذه الدراسة بحلقاتها المتتالية إلى تبيان الخطوط العريضة والملحة لفكر كوردي واضح الرؤى والتصور والمعالم، ليجد من خلالها المتابع كورديا كان أم عربيا أم أي شريك تاريخي آخر من الجيرة القريبة والبعيدة، وآخرين تربطهم بنا علاقات إنسانية حميمة ومتآزرة، لخدمة الفكر الجامع، والرؤية الإنسانية المشتركة، ذات الهموم والمعايير والرؤى المتبلورة .. ليجد هؤلاء في هذه الشذرات ما يحرض على البحث، ويبعث على تلمس الحلول لمشكلات قائمة، وقضايا عالقة، وهواجس مؤرقة، مما تكون من الشؤون والشجون الدافعة إلى البحث, وفهم وتبادل المعارف والتصورات، وإدراك العقلية الكوردية ومنعطفاتها ومواقفها المعلنة، بعيدا عن الضبابية، أو الغموض، أو الخنوع لمن يحاول إلصاق التهم الجاهزة من نزعة عنصرية وأخرى تآمرية تخوينية، أو ربط مصالح وأهداف الكورد بنزعات وتصورات خارجية، أو النظر إلى كل تصور من هذا القبيل أو ذاك بما يعكس رؤية تضاد وتعارض مع الأمم المجاورة والشريكة، كأن هذه الرؤية بنيت على الضد وندية المصالح الأخرى، مع أن الأمة الكوردية هي المتضررة الأكبر من هذه التوجسات والطروحات القائمة على التحذير والتخويف والتوجس من كل ما يمت إلى مبادئ ومصالح وتصورات هذه الأمة التي غبنت تاريخيا، وزاد من غبنها تعقد مصالح الدول المقتسمة لكردستان، وتلاقي سياسات رسمية في إذكاء الهواجس والمخاوف، والدعوات المتكررة للتعاون والتنسيق فيما بينها، في سبيل تطويقها، ومحاولة لي أذرع الحركة الوطنية الكوردية, في أي مكان في ظل هذه التصورات الغريبة والخاطئة، والتي لا بد من تبديدها بمنطق واقعي وعلمي وتاريخي ممنهج، مع طرح الوضوح في استراتيجيا الفكر الكوردي ورؤيتها الواضحة والمتماسكة، والمطلوب حل عقدها، وفك رموزها، وهي – وإن اختصت بوقائع، وأجابت عن مسائل – إلا أنها تظل نموذجا إنسانيا، يمكن القياس عليه وتمليه ودرسه، ليخرج  من نطاق فكر محدود إلى استراتيجية عمل إنساني مؤثر يطرح في العمق قضايا مماثلة ومتوازية، ومطروحة على بساط البحث .

وما نطرحه اليوم من مفاهيم ومصطلحات ومواقف وآراء سوف تبلور الإجابة عليها جملة من إشعاعات تسلط على الغامض والمستغلق والمتعثر من المفاهيم والأفكار، والآخر المثار بغرض النيل منها وتشويه بعض المضامين، فما هو قومي مقدس عند الآخرين، ومشروع رائد ينبغي تأكيده والدفاع عنه، وبلورة المواقف حوله من قضايا الأمة ومصائرها ، ووضع الكراريس والدراسات من خلالها، هو عرقي أو شعوبي أو ادعاء ضال، وغير مسند بل باطل ووهم عند الكورد والآخرين,, وهو ينذر بخطر وكارثة بل قد يرقى إلى الارتباط بدوائر مشبوهة، وأجندة خارجية، تصل أحيانا إلى التآمر " كما عند القلمجي والموصللي وهارون محمد والدليمي ومطر .."، رغم أن الدافع القومي في الحالة العربية والكوردية والتركية والفارسية والأفغانية وسواها واحد لايكاد يتجزأ، والمفهوم الاصطلاحي الذي أشبع بحثا ودراسة هو نفسه الذي يتناول مادة البحث في ضرورة " الدفع إلى رفع شأن أي ملة أو قوم أو أمة تعاني من قضايا ومسائل وضرورات ينبغي التصدي لها، واعتماد رؤية في حل تراكماتها وعقدها ومشكلاتها الكبرى، سواء كان ذلك متعلقا بإرادة البقاء والامتداد والتميز كما في الحالة الكوردية وقضايا تحرر الشعوب المكبلة الأخرى، أم كان ذلك بالبحث عن سبل ووسائل الاستقرار والتطور ومواجهة بناء الدولة الحديثة وقضايا الديمقراطية والسكان والتنمية والبيئة كما في الشعوب والأمم ذوات السيادة .." مما يجعل المفهوم القومي وآفاقه وتطلعاته، وبالتالي مشاريعه الاستراتيجية مختلفة ومتفاوتة، بحكم ضرورات وقفزات التطور بين هذا التجمع البشري أو ذاك، وبين هذه الأمة أو تلك، ليبقى المفهوم القومي واحدا، لا يكاد يتجزأ – كما قلنا - إلى عرقي أو شعوبي، إلا في تصور نفر تلقوا ثقافة معينة متراكمة، فيها كثير من الاستعلاء والتبجح، والنظرة الفوقية الخاوية، والمرتكزة إلى كثير من الاستهجان والتخوين، بحكم تربية قومية متشددة طويلة الأمد، وتقزيم الآخرين، واعتبارهم عالة على المجتمعات المتحضرة كما فعل الدكتور سهيل زكار، أو عدهم مهاجرين ومقتلعين من صحارى بعيدة، رموا من صحراء " راجستان الهندية " كما قدم الدكتور غازي عبد الغفور تفسيره لهجرة الكورد، أو أ ن هؤلاء مجرد " كيانات مجهولة، ينبغي لها أن تجد في شرف قبولها الانتماء إلى الأمة العربية كسبا تاريخيا كبيرا لها، أو تهجيرها نهائيا من الوطن العربي لمجرد رفضها هذا الانتماء المشرف، وقبول الذوبان في الأمة العربية ... " كما يقول إسماعيل العرفي في كتابه " الشعوبية "، بل يفترض " استئصال المواطن السوري من أصل كوردي استئصالا، إن فكر – مجرد تفكير قومي - ..!! " كما يقول منذر الموصللي المستعرب أصلا، كل ذلك بدوافع عنصرية وعصبية موتورة، وغير مستقرة علميا ومنهجيا لاستنادها إلى ردود أفعال سطحية،وعدائية غير مبررة، وبخاصة في موضوع بذلت فيه أبحاث ودراسات تاريخية وأكاديمية كردية وعربية واستشراقية وغربية – وبمختلف اللغات –  في القضية الكوردية الحيوية لواق وأحوال وأزمات أكثر من أربعين مليون إنسان يتوسطون الشرق الوسط منذ فجر التاريخ، ولهم بصمات واضحة على تاريخ المنطقة وحضارتها وتطوراتها المدنية والحياتية، وعملية صنع القرار السياسي، وما يقتضيه الحق الإنساني والقوانين والدساتير الدولية من وجوب حل مسألتهم الكبرى والعالقة، والتي تعد واحدة من أكبر وأهم القضايا القومية والتحررية في المنطقة والعالم، فهي ليست قضية عرقية عنصرية، يتبادر إلى ذهن البعض عرقيتها بمجرد طرح قضية " كركوك وتوابعها والمناطق المستقطعة كسنجار ومخمور، بغرض تعريب وتفتيت المنطقة الكردية ومحوها .. " والخوف الذي يبديه أمثال النجيفي والمطلق والنجار وسواهم " ممن يحنون إلى ماضي الأنفال والسحق وفناء شعب آمن وحي، ومحب للسلام، تواق إلى الحرية، بعيد عن منطق شعوبي " صنعه وابتكره العنصريون "، ممن لا يكادون يؤمنون بالآخر المختلف والمخالف، مما لم تألف عقليتهم إلا لونا عروبيا عصبويا واحدا، مع أن الكورد كانوا في الصلب من قضايا المنطقة والعالم الإسلامي في السلم والحرب، والحضارة والحياة، في بعد كامل عن كل عنصرية قاصرة وهابطة وممجوجة، قاتمة الألوان، تشوه فكرا إنسانيا رائدا ومتألقا في المجال القومي الداعي إلى كون " الاختلاف في الألسنة والألوان والقيم والمعايير والطبائع، من الآيات الباهرة في الخلق والتكوين، وسنن الحياة .." ليبرز المفهوم القومي في منطقه العلمي والإنساني واحدا على اختلاف الأصقاع والبلدان والأمم والشعوب، وليبدو الطرح الآخر العرقي والشعوبي مستهجنا إلا في رؤية أصحابها وعقولهم وتصوراتهم المحدودة بحكم رفض تصور " أن يكون للآخرين ما لهم من أماني وآمال،وتصورات تليق بالمجتمع الإنساني، أينما كان، وحيثما حل، غير مقتصرة على أمم وشعوب بعينها، ومسلوبة – وفق أمزجة وتصورات معينة – عن بعض منها، مما لا يمكن أن يصلح ويستقيم كمقياس موضوعي، ورؤية منهجية وتصور علمي محايد، يسقط كل تصور ذاتي هزيل وبائس .. في ظل رؤية قومية إنسانية واضحة المعالم "، عسانا ندرك – بشيء من التأمل والدراسة المتأنية- بشاعة أي تصور أحادي الطرح خاوي المحتوى !! .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com