المصريون بين ازمة نفسية قاتلة وورطة سياسية مدّمرة؟!

 

حميد الشاكر
alshakerr@yahoo.com

كمتابع للشأن العربي بصورة عامة والشأن المصري بصورة خاصة أشعر بإن المصريين في ورطة عميقة وعميقة جدا!!.

ورطةٌ سياسية وهي الاهم وأسّ الورطات كلها حيث ان النظام السياسي في مصر لم يبقى في كنانته اي نبل يرمي بها لاثبات شرعيته السياسية غير تحويل الشعب المصري الى كرة يركلها بعيدا كلما شاء ابعاد نار الغضب الجماهيري عن ثوبه المهترء بالتمام، وبمساندة الفضاء الاعلامي الكبير الذي تسيطر عليه الدولة في مصر بشكل خفي وبعيد عن الانظار كي لايوحي بالتواطئ بين الاعلام الفضائي الخاص الممون من قبل اصحاب رؤوس الاموال من التجار والمرابين المصريين والذي هم بنفس الوقت اعضاء في الحزب الحاكم المصري وقياداته والمتحكم برسم سياساته الداخلية والخارجية!!.

كما ان هناك ورطة اخرى للشعب المصري الشقيق لاتقلّ خطورة عن الورطة السياسية الاولى الا وهي الورطة النفسية التي أُصيب بها هذا الشعب العملاق عندما اعتقد خطأ او اوحت له وسائل الاعلام المصرية الخاصة عمدا بان اثبات وطنية الفرد المصري لاتتحقق الا عندما يمالئ نظامه السياسي بكل خطواته التي يتخذها وباي شأن داخلي او خارجي ومهما كانت خارجة عن سياق القيم والموازين والاخلاق المصرية والعربية والاسلامية، حتى بدا الفرد المصري بصورة مهسترة تماما بالدفاع والنضال من اجل النظام المصري القائم ولو على سبيل العصبية الجاهلية او التعاون على الاثم والعدوان في سبيل اثبات هذا الفرد لنظامه السياسي انه من المصريين الوطنيين ومن الذين يحق لهم بعد ذالك ان يتحدثوا بصوت عال باسم الوطنية مادامت مواقفه مع خطوات النظام السياسية الخارجية بالخصوص منسجمة ومهما كانت هذه المواقف الرسمية السياسية شاذة او بعيدة عن قضايا العرب ومصالحهم وتوجهاتهم السياسية،وهذا ماحصل جليا عندما ارتأى المصريون ان يقفوا مع نظامهم السياسي ضد المقاومة الوطنية في لبنان، وضد غزّة العربية الفلسطينية في حصارها، والى ان وصل الحال بالمصريين ان يدعموا نظامهم السياسي بدعمه للصهاينة المحتلين في حربه الاخيرة ضد الفلسطينيين في غزة والعرب والمسلمين!!!.

ولكن لماذا نحن نقول ان المصريين كشعب وافراد في ورطة عميقة جدا سياسيا ونفسيا واليوم بالذات؟.

وهل حقا ان المصريين في ورطة ؟.

أم ان ليس هناك اي خطأ داخل تركيبة الشعب المصري السياسية والاجتماعية النفسية ليشكوا منها او يستشعروا خطرها الداهم ؟.

واذا كان نعم هناك ورطة فماهي اسباب هذه الورطة ؟!.

ان مايدلل على ان المصريين يشعرون انهم في مأزق سياسي خطير وخطير جدا هو المبادرة الاخيرة التي اطلقها محمد حسنين هيكل في تشكيل مجلس دستوري يقود البلاد بدلا او بعد الرئيس محمد حسني مبارك لاخراج مصر كشعب ودولة من عنق الزجاجة الذي يخنق بجدٍّ مصر والمصريين في هذ الايام العصيبة، وكذا مايدلل على ان المصريين يشعرون بانهم على حافة هاوية حقيقية تداعي رجال فكر وسياسة وعلم مرموقين عالميا كالدكتور البرادعي والعالم المشهور احمد زويل ...الخ للتقدم للساحة السياسية وطرح اسمائهم كمرشحين انقاذيين للانتخابات المصرية المصيرية القادمة امام الرئيس محمد حسني مبارك لقطع الطريق على حياكة مؤامرة التوريث الذي فاحت روائحها في كل مكان لنجل الرئيس جمال مبارك بعد ابيه،فهيكل وجمع من رجال مصر الفكريين والسياسيين والعلميين يشعرون كما نشعر نحن اليوم ان مصر وصلت الى طريق مسدود مع هذا النظام القائم، وانه اصبح بلا ادنى ريب نظام سياسي مترهل وطبقي يضرّ باي حالة تطور لحركة الشعب المصري او تقدمه او لحاقة حتى بركب الامم التي تتقدم وهو لم يزل يفكر فقط في كيفية بناء الجدران والقضبان لاعتقال حركة الشعب المصري او تفكيره بالتغيير باعتبار ان هذا التفكير او اي حالة تقدم (تعتبر)  في فكر سلطة مبارك القائمة تجاوزا وانقلابا على جمود السلطة وتكلس مفاصلها التحتية التي انتهت صلاحيتها في الحركة او النهضة او الجري للحوق بباقي الشعوب والامم التي ساوقت مصر في الحركة الا انها وصلت للسماء كالصين وايران حديثا  ولم تزل مصر تحت الارض تعيش مع المقابر وعشوائيات الصفيح المنتشرة خارج القاهرة وداخلها !!.

نعم جاءت مبادرة هيكل لتمثل ثورة ناعمة وحقيقية على النظام القائم،وتبلورت تداعياتها عندما شعر النظام بجدية تاثير هذه المبادرة وانها بدأت بالتفاعل الايجابي ضد السلطة السياسية المصرية القائمة بل وشعر النظام المصري القائم ان المبادرة تغلغلت في روح الشعب المصري الذي هو ايضا يشعر بعمق المأزق والورطة التي تعيشها حياته بصورة عامة الى درجة ميل الشعب المصري نفسيا للتفكير بجدية بهذه المبادرة مما ارعب النظام المصري القائم وادخله في حالة انذار وترقب مريبة ودفع لاقلامه وفضائياته الاعلامية الموالية له للهجوم على المبادرة الهيكلية لتفريغها من المضمون وتسفيه ماجاء فيها، الى حد تطور هذه الهجمة الحكومية الاعلامية للوصول الى اتهام محمد حسنين هيكل بالتحريض على الانقلاب والثورة والاطاحة بالحكم المصري القائم ولكن بشكل سياسي وماكر ومدروس ومقنن !!.

لكنّ المتابع للسجالات التي اثارتها مبادرة هيكل مع النظام المصري القائم سيكتشف ان النظام المصري لم يستطع تفريغ مبادرة هيكل من زخمها الشعبي المصري مع كل مابذله اعلاميا في هذا السبيل لاسيما ان المصريين ايضا يبحثون عن قشة للتعلق بها لانقاذهم من هذا الغرق السياسي الذي يشعرون به بقوة، وعندئذ جاءت فرصة ذهبية للنظام المصري بركل الشعب المصري بعيدا عن هذه الاجواء السياسية المصرية المشحونة بالتفكير بعملية التغيير والخروج من المأزق وعنق الزجاجة الا وهي فرصة (الرياضة) وما احدثته مبارات مصر والجزائر من مشاداة اعلامية ضخ من تفعيلها النظام المصري بقوّة وبمساندة نفس الوسائل الاعلامية الفضائية الخاصة التي يملكها رجالات الحزب الحاكم الراسماليين المتنفذين في مصر اليوم، فكانت هذه الصرعة الرياضية هي عصى موسى التي بامكانها ان تبتلع هيكل ومبادرته وجميع الشعب المصري وتفكيره بعملية الخروج من المازق لتعيد اللعبة من جديد الى المربع الاول !!!.

طبعا هناك من تابع الاحداث الرياضية المؤسفة، التي حدثت بين منتخبي الجزائر ومصر بما فيها جمهوري هذين المنتخبين ولعل المتابع الفطن يدرك لماذا جيّش النظام المصري كل طاقاته الاعلامية لتسليط الاضواء على احداث اللعبة الرياضية المحبوبة هذه لينقلها من اطارها الرياضي الى اطارها السياسي، وربما لاحظ بعض المتتبعين للشأن المصري كيفية سحب النظام المصري للنظام الجزائري الى ساحة معركة وهمية بحيث استطاع النظام المصري استفزاز المشاعر الوطنية للنظام العربي الجزائري عندما اعتدى انصار النظام السياسي المصري على المنتخب الجزائري في القاهرة ليلقي عليهم الحجارة بشكل مهين للكرامة الجزائرية وما عُرف عن الجزائريين من عصبية وطنية تفوق كل التصورات، وبهذا استطاع بنجاح النظام المصري ان يفعّل الساحة السياسية العربية ويقلب الطاولة بالكامل على الجدل المصري السياسي الداخلي في التغيير والتفكير به بجدية بقيادة هيكل وغير هيكل ليصبح الشغل الشاغل للفرد المصري اليوم وبعد ان حبك النظام المصري سيناريو حرب الجزائر ومصر الكروية، واخرج الكثير من الفنانين والفنانات والسياسيين ونجل الرئيس وعامة الناس وهم يبكون بحرقة من الم الاهانة التي تعرضوا لها نفسيا ومعنويا بالسودان على يد (البرابرة الجزائريون الجدد)كما وصفهم الاعلام المصري الرسمي،والذي اراد الجزائريون  فقط ان يجعلوا المصريين يشعرون بماهية بالرعب الجزائرية التي بامكانهم ان يصنعونها عندما تقذف راس جزائري بحجر سياسي مفتعل بالقاهرة!!!

وبالفعل صراخ المصريين في دولة السودان الشقيقة ورعبهم الهستيري العجيب والغريب واستنفار كل الاعلام الفضائي المصري الخاص لتغطيته على اساس انه اعتداء على كرامة مصر والمصريين جعل من هذا القالب عصى موسى الجديدة التي اكلت جميع ماطرحه الوضع السياسي المصري الداخلي من سجالات في التغيير وكيفية التصدي لعملية التوريث في مصر وغير ذالك لتتحول مصر ككرة ايضا ضربها النظام السياسي المصري مرّة اخرى بقدمه ليدحرجها بعيدا عن قضاياها الواقعية ومأزقيتها الاجتماعية والسياسية الخطيرة لينجو النظام المصري براسه ولكن على حساب تدحرج رؤوس المصريين كلهم داخل شبكة المؤامرة واللعب مع الكبار !!.

هنا وفي هذا المفصل من معركة النظام المصري مع شعبه، ايضا ومع الاسف كان مقياس الفرد المصري لوطنيته ومواطنيته منوطة بمدى وقوفه مع نظامه السياسي وتوجهاته المشبوهة خارجيا وداخليا وبدلا من ان يسأل الفرد المصري بذكاء حول الاعيب نظامه السياسي وكيف انه يستغل مشاعر الوطنية ليديم استمراره بالسلطة وتقديم خدماته لاسرائيل والغرب على حساب مصالح مجتمعه وامته ومحيطه العربي والاسلامي انساق هذا الفرد مرة اخرى،وبلا تفكير لمناصرة توجهات نظامه السياسي ضد الجزائر شعبا ودولة وحكومة وتاريخ وليُدفع سياسيا ليكون هو الواجهة وهو الجبهة الامامية لمعركة وهمية خلقها النظام المصري للتخلص من اجواء الحديث عن مستقبل مصر السياسي وكيفية التغيير واستحالة التوريث وكفاءة البرادعي او زويل لحكم مصر القادم .......الخ في هذا البلد الى الحديث عن كرامة المصريين الذي اُهينت رياضيا بالسودان على يد الجمهور الجزائري الغاضب جدا من اهانة القاهرة لرياضييه في مصر؟!!.

يتسائل احد الاعلاميين المصريين المأجورين للنظام المصري ب: لماذا يكرهوننا، وهو يشير للعرب بصورة عامة وللجزائريين بصورة خاصة ؟!!.

احد الفنانات بكت امام الجمهور المصري دما بدلا من الدموع على اهانة الجمهور الجزائري لها ولكرامة مصر  !!.

برلماني مصري معروف انه برلماني للايجار كان لصدام نابحا يصرخ: كرامة مصر اهينت ويجب طرد السفير الجزائري من مصر !!.

مذيعة مصرية مرموقة شكرت بالقيادة الحكيمة لمصر بسبب انها هي الوحيدة التي قلبها على مصر والمصريين وكرامتهم والدفاع عنهم في جميع المحافل الدولية ؟.

صحفي اخر يتسائل : هو ايه اللي حصل ؟. وليه الناس دي بتكرهنه كده ؟.

الخلاصة ان عصى موسى الاعلامية الرسمية المصرية هذه نجحت بتغيير دفة السفينة المصرية، ومزاجها وميولها الفكرية من الحديث الداخلي عن التغيير بعد الرئيس حسني او حتى في ايام حكمه، الى الحديث عن كرامة مصر الذي اهينت وكيفية حماية النظام المصري السياسي لهذه الكرامة، وانه هو الوحيد القادر على ردّ الاعتبار والكرامة لكرامة المصريين قبالة اعتداءات الجزائريين، لاسيما ان مثل هذه المطالب اتت اولا واخيرا من نجل الرئيس المصري محمد حسني مبارك الا وهو جمال مبارك البار بشعبه والمرشح لخلافة والده ووراثة عرشه السياسي بعده!!.

لكن في خضم هذه الخلاصة النهائية للعبة النظام المصري مع شعبه برز سؤال مصري نفسي جديد لمسه بالفعل جميع المصريين الذين ذهبو للسودان كي يشاركوا في مؤامرة السلطة لتزييف وعي الانسان المصري البسيط وهو سؤال : لماذا كل هذه العدوانية من قبل الانسان العربي بصورة عامة ضد الانسان المصري ؟.

بصورة اخرى كما طرحه بعض الاعلاميين المصريين قائلا : هناك ظاهرة داخل المجتمع المصري نفسه هو شعور هذا الانسان المصري انه منبوذ ومكروه وينظر اليه بحقارة من قبل جميع الشعوب العربية بغض النظر عن الجزائريين وغيرهم، وعلى هذا الانسان المصري ان يعيد  تقييم وضعه الانساني داخل شعوبه العربية ولماذا وصلت النظرة العربية للانسان المصري الى هذا المستوى من الاستصغار ؟!.

والحقيقة لم يجب احدٌ من المصريين الذين شاركوا بالهوجة الاعلامية للنظام المصري كلها على هذا السؤال النفسي والذي يشعر به المصريون اليوم بقوّة، غير ان نائبا في مجلس النواب المصري عن الحزب الحاكم قال كلمة عن احداث الجزائر ومصر في السودان اعتقد انها هي من يختصر كل الاشكالية النفسية للأنسان المصري اليوم وكيفية شعور هذا الانسان بان في داخله شيئا ما مركبا تركيبة خاطئة هذه الايام، تلك الكلمة هي : (( كان الجزائريون وهم يرمون الحجارة على المصريين يصرخون ويهتفون و..باعلى اصواتهم يا انصار الصهاينة واليهود وياقارئي التوراة وقاتلي الفلسطينيين بغزة ))!!!!.

انها الكلمة التي تعبر بعمق عن لماذا غضب المصريون من الجزائريين بهذه الصورة اللامعقولة جدا بين عربيين   !!.

كما انها الكلمة التي تعبر بصدق عن لماذا يشعر المصريون انهم متواطئون مع نظامهم بعمل خطيئة خطيرة وكبيرة جدا يستحقون عليها كره الشعوب العربية الاخرى لهم !!.

بل انها الكلمة الذي تحدث بها هذا النائب الساذج ببساطة الفلاح الصعيدي الطيّب  عن الحزب الحاكم وهو لايعلم ان مفتاح ازمة الانسان المصري النفسية والسياسية تبدأ من هذه الكلمة وتنتهي عندها !!!!!.

نعم كان الجزائريون ينظرون الى المصريين على اساس انهم انصار الصهيونية اليهودية في المنطقة العربية، وهذا ماجناه الشعب المصري عندما اعتقد ان سكوته على سياسة نظامه السياسي المصري ودعمه له عندما كان يدعم الصهاينة ضد المقاومة في لبنان وفي فلسطين هي من صلب الوطنية المصرية، لكن مافات المصريون انفسهم ان الوطنية ليس هي ان تعين اخاك ظالما كيفما اتفق، ولكن ان تكون مع نظامك السياسي عندما تردعه عن ظلم الاخرين، والنظام المصري لم يظلم العرب والمسلمين والفلسطينيين واللبنانيين المقاومين فحسب، بل انه دخل بحلف استراتيجي مع الصهاينة المحتلين ليكون شوكة في عيون اي نهضة عربية او كرامة اسلامية في منطقتنا العربية والاسلامية هذه، واي شعب من شعوبنا العربية يتواطئ مع نظامه السياسي ليعينه على الاثم والعدوان ونصرة الظالم على المظلوم سيلاقي مصير ضرب الله عزوجل الذلة والمسكنة في قلوب القوم الظالمين ومعاوني الظالمين، وسوف يشعرون نفسيا انهم مكروهون من باقي الشعوب والامم الى يوم الدين !!!!!!!!!!!!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com