|
خلل فادح في قانون الانتخابات أغفله الهاشمي
د. حامد العطية يحذر المثل الإنكليزي من الشيطان في التفاصيل، ويقصد بها تلك الأمور التي يظن بأنها ثانوية، ثم يتبين بعد فوات الأوان بأنها مكمن التعقيد والمتاعب، لذا يحرصون في الغرب على قراءة الشروط المكتوبة بالحروف الصغيرة، في هوامش الاتفاقيات والعقود والقرارات، فقد يكون الشيطان خاتلاً فيها. وعلى الرغم من أن تعديل قانون الانتخاب، الذي أقره مجلس النواب العراقي، ونقضه نائب رئيس الجمهورية الهاشمي جاء موجزاً، لكنه احتوى بعض التفاصيل، التي تشم منها رائحة نار وكبريت ودخان، لذا وجب التحذير من الكامن فيها. ينص البند الأول من المادة الثالثة من التعديل على ما يلي: ( يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة ولا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة ولا يزيد على ضعف المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية ويحق للناخب التصويت على القائمة أو أحد المرشحين الوارد فيها ويجوز الترشيح الفردي). وبموجب هذه المادة استبدلت القائمة المغلقة سيئة الصيت بالقائمة المفتوحة، التي طالبت بها أطراف متنفذة عديدة، وصورها البعض بأنها انتصار ساحق للمطالب الجماهيرية، أو على الأقل تنازل كبير من الكتل والأحزاب الكبيرة المهيمنة على مجلس النواب. يتضح لنا القصور الفادح في النظام الانتخابي، الذي لم يعالجه التعديل الأخير، واغفله الهاشمي وغيره من النواب، أما عمداً او جهلاً، في إخلاله بمبدأ المساواة بين العراقيين، الذي اعتمده الدستور العراقي الحالي، واستوحى منه المشرعون المادة الثالثة من قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي لعام 2008م: (يهدف هذا القانون إلى ما يلي:...ثانياً: المساواة في المشاركة الانتخابية) والتفسير الظاهري لهذه المادة، وما تأسست عليه، هو أن أصوات العراقيين المشاركين في الانتخابات متساوية، فلا فرق بين قوة صوت عراقي في الموصل عن مثيله في بغداد أو البصرة أو السليمانية، ولكن هل هذا المبدأ مطبق ومعمول به في تعديل قانون الانتخاب قيد الجدل؟ لتحري هذا الموضوع ينبغي التذكير أولاً بأن القانون الحالي يعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة على أساس دائرة انتخابية لكل محافظة، ومن هذا المنطلق وزعت المقاعد البرلمانية على الدوائر الانتخابية أو المحافظات وفقاً لعدد سكانها، فبينما خصص لمحافظة بغداد، على سبيل المثال، 68 مقعداً، اقتصرت حصة محافظة القادسية على أحد عشر مقعداً. في يوم الانتخابات لنفترض ان أحد مناصري القائمة (س) في بغداد سيتوجه للإدلاء بصوته لها، ولنتصور أيضاً بأن مناصراً اخر لنفس القائمة في محافظة القادسية يروم التصويت لصالح هذه القائمة حصراً، فماذا سيفعل كل منهما مع افتراض أن قادة هذه القائمة قد اختاروا ترشيح أكبر عدد متاح قانوناً من المرشحين في المحافظتين؟ الناخب في بغداد وفي تصويته على القائمة (س) بالجملة سيمنح صوته لـ 136 مرشحاً، أي ضعف عدد المقاعد المخصصة لمحافظة بغداد، وفقاً للمادة الثالثة من التعديل، أما الناخب في محافظة القادسية فسيعطي صوته لـ 22 مرشحاً فقط، وهم المدرجون على القائمة (س) بالحد الأعلى، نستنتج من ذلك أن قوة صوت الناخب في بغداد تعادل في هذه الحالة ما يزيد على ستة أضعاف قوة الناخب في القادسية، فأين المساواة والعدل بين الناخبين العراقيين، كما نص على ذلك الدستور والقوانين المبنية عليه؟ كما أن من الغبن الفادح منح القوائم الانتخابية الحق في تقديم مرشحين لكل مقعد مقارنة بوضع المرشح الفردي، مما سيعطي هذه القوائم أصواتاً اكثر مقابل المرشحين الفرديين، عند تحديد الفائزين بما يعرف بـ"المقاعد الشاغرة"، وفقاً لما حدده البند الرابع من المادة الثالثة من التعديل: "تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب نسبة ما حصلت عليه من الأصوات"(مع ملاحظة رداءة صياغة المادة)، هذا هو الخلل الأعظم في قانون الانتخابات وتعديله، والذي أغفله ساسة العراق، جهلاً أو لغاية في أنفسهم. معالجة هذا الخلل ممكنة، وفي ضوء الظروف الراهنة، بما في ذلك عامل الزمن، من خلال تطبيق ما يلي: أولاً: اعتماد القضاء دائرة انتخابية واحدة مرحلياً، حتى يتم تعداد السكان، وتحديد الدوائر الانتخابية، على أساس مرشح واحد لكل دائرة واختيار واحد لكل ناخب. ثانياً: لكل كيان سياسي تقديم مرشح واحد فقط عن كل دائرة انتخابية. ثالثاً: يجوز الترشيح الفردي، ولكل من توفرت فيه شروط الترشيح أن يرشح نفسه في دائرة انتخابية واحدة فقط. رابعاً: للناخب صوت واحد يدلي به لمرشح واحد في دائرة انتخابية واحدة. خامساً: يفوز بالمقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية المرشحون الحائزون على أكبر عدد من الأصوات. بهذه الطريقة تستنقذ العملية الانتخابية من هيمنة الكيانات والتحالفات السياسية، التي تريد احتكار العمل السياسي، كما لو طبق هذا المقترح فسيتجه المرشحون لتركيز جهودهم على كسب أصوات الناخبين، لا إرضاء القادة السياسيين فقط، وبالتالي سيتوجب عليهم تقديم برامج انتخابية جادة، تلبي طلبات واحتياجات ناخبيهم، والحرص على الالتزام بها والسعي الحثيث لتطبيقها، لكي يفوزوا في الانتخابات اللاحقة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |