صناعة "التخويف" من الآخر .. إستراتيجية المتطرفين لتخريب الانسان والوطن!؟

 

محمود حمد

mehmood.hamd@gmail.com

عندما يجثم الاستبداد قرونا على شعب كـ ـ حال ـ شعب العراق، فان الخوف يسري في عروق فئات واسعة منه..حتى يصير الخوف المتلازم مع هشاشة الوعي مصدرا لانتاج خوف اكثر بدائية وأشد شللا لإرادة الفرد والجماعة.. و يتفشى في روحهم الاذعان ـ رغم تعاظم دور المقاومة والرفض بين قوى واعية فيه ـ ..

والاذعان يؤدي الى تحول المجتمع الى حاضنة للاستبداد..و)الإستبداد أصل كل فساد(كما يقول الكواكبي!

ولما كان الاحتلال قد جاء في أعقاب مرحلة دكتاتورية إمتد إستبدادها لعقود متصلة إتسمت بابتداع وسائل واساليب مُروَّعة لصناعة الخوف وتقنين الاذعان..

ورافق الغزو والاحتلال انتاج انماط جديدة من اساليب ووسائل اشاعة الخوف والترهيب التي مازالت سارية في نفوس الناس ومربكة لإرادتهم..

مما جعل المجتمع العراقي مِرجلا للخوف من الماضي والحاضر والمستقبل، وبيئة موبوءة بالذعر من الآخر..

فتشرذمت ـ من فرط الخوف على مصيرها وبحثا عن الأمان ـ قطاعات واسعة من الشعب وإنتبذت مجتمع الجماعة المشتركة معها بالنشاط الاقتصادي والانساني في المدينة او القرية، منكفئة الى التشكيلات المجتمعية التي سبقت مجتمع المدينة (المرتكز للمصالح الاقتصادية ونمط الحياة المدني المشترك) الى كهوف:

القومية المتشنجة..

والطائفة المنغلقة..

والقبيلة المتوترة..

والقرية المتحصنة..

والاسرة المتخندقة..

وتلقفت الفئات السلطوية المنتفعة من العزلة والتخندق المجتمعي الضيق ذلك النزوح النفسي والسلوكي في تلك الكهوف، وطفحت ـ من بينها ـ على سطح هذه المجتمعات ـ المتراجعة ـ قشرة سياسية طفيلية تقتات على غنائم التفرد بمجتمعها المنغلق، وتَدَّعي الوصاية على قومها المُكَبَّلة إرادته بالخوف من الآخر، وكرست تلك الفئات المنتفعة من التشرذم والتناحر ذلك الخوف:

بسفك الدماء..

وتقديس السلاح..

وتكبيل مصدر العيش..

وإمتهان القانون..

وإحتقار العقل..

وتهديد بيئة الامان!

فاستسلم المجتمع للخوف بعد ان انتظم الخوف في:

1.   دولة..

ترعاه وتتتبناه وتخصص الموارد المالية الطائلة والقوة البشرية الهائلة لادامته ( كما هي عليه جميع الدول المستبدة)!

2.   مؤسسات..

تديره وتؤهل الجانحين على إشاعته في نفوس الناس ( الاجهزة السرية المحترفة لأخس اساليب الخطف والإخفاء ووسائل الاغتيال والتصفيات الجسدية والنفسية والاعتبارية للخصوم )!

3.   عقائد..

تقدس مُنتجيه من المستبدين وتسميهم ـ أولي الأمر ـ وتمد الجسور بينهم وبين السماء!

4.   رموز..

تتداول الاجيال المتعاقبة بمنهجية ـ مآثرها!ـ الدموية كبطولات للمنتصرين على الخصوم في الداخل والخارج!..

وتعلق صورهم في غرف الزوجية .. ورياض الاطفال .. ومؤسسات القمع .. وسيارات الاجرة .. والمعابد .. ومطاعم الفلافل .. والمختبرات العلمية .. وو .. كمنقذين للجماعة من الآخر ـ شريك الوطن ـ المتربص بها شراً!

5.   شعارات..

تطغى على وظائف العقول وتنفي مستلزمات حياة الانسان كطاقة تنموية ارتقائية! كـ( الانسان مشروع استشهاد!)

6.   سلوكيات..

مفزعة تضطرب لهولها المدارك وتنطفئ الارادات ( تفخيخ الاجساد بين حشود البشر!)..

7.   مقدسات..

تكرس الاذعان لسلطة الخوف ( من يموت عاصياً ولي الامر ـ حتى وإن كان جائراً ـ يدخل جهنم دون حساب!)..

8.   مقابر..

لضحايا دولة الخوف ومنظمات انتاج ونشر الخوف، كشاخص يزرع الرعب في نفوس الاحياء كـ( المقابر الجماعية!) و ( مذابح الشوارع على الهوية!)....

9.   شهود..

يروون قصص الخوف في اقبية دولة الاستبداد وفي كهوف منظمات الارهاب..( السجناء والمختطفون من قبل اجهزة الارهاب على اختلاف انتماآتها!)..

10. مقولات..

يتوارثها الابناء عن الاباء والامهات للخلاص من منزلق الموت الذي يحيطهم اينما ذهبوا,,مثل:( ان للحيطان آذان تصغي للوشاية بكم للسلطة المستبدة!)..

11. منهجيات..

كَرَّست لها عقول الشر احدث التقنيات وابشعها لتبديد مقومات الامان في نفوس الناس..كـ( الاتفاقيات بين الدول المستبدة لخنق الانسان المتسائل ) و ( فرق الموت الجوّالة التي تلاحق المعارضين والمخالفين في الرأي ) و( اجهزة التجسس على الفكر) و ( معدات التعذيب لاذلال الانسان ـ المختلف معهم ـ وتصفيته) و ( شبكات الرصد والاتصال السريةلانتهاك حرمة الانسان الشخصية ) و ...

12.                      لغات لتسويق الخوف..

يمجد بها منظرو ووعاظ وسياسيو وشعراء الاستبداد اساليب ووسائل نشر الخوف ويتوعدون الاخرين بها!(لايخلو نص متاح لحواسنا من مفردات التخويف..ابتداء من ارشادات حليب الاطفال وانتهاء بالكتب المقدسة!)

وصار الفرد المستلب الارادة..

يبرر جرائم ناشري الخوف!

ويُنتِج مجرمي صناعة الخوف في محيطه ومن محيطه الأُسرِّيْ والجمعي!

ويُصََدِّرْ الخوف الى البيئات الآمنة القريبة والبعيدة ـ إبتداء من محيط اسرته الى الابرياء في مجتمعات الاوطان الاخرى ـ!

.................

يفسر بعض علماء النفس الخوف بانه :

(حالةٌ شعوريّةٌ تنتابُ الإنسان عندما يحسّ بخطر ما يواجهه دون أنْ
تكون له مناعةٌ ضدّه أو سبيلٌ لمقاومته. وقد يعظمُ هذا الشعورُ عندما يكون
الإحساسُ بالخطر أعظم وأقوى وكلّما زادتْ درجةُ الإحساس بهذا الخطر زادَ
الخوفُ لدى الإنسان أكثر وقد يصلُ فيها إلى مرحلة العجز الفكريّ وهذا العجزُ يقوده إلى شلل في الإرادة وفي معنويّة الجسد فيعلن عن استسلامه لهذا
الخطر معلناً عن إقراره بأنّه القضاءُ الذي لا مردّ له والحكمٌُ الذي لابدّ
من تنفيذه)

فـ( الخوف يجعلنا نفقد الإحساس بالأمن والطمأنينة والهدوء ويدخل إلى نفوسنا قلقاً واضطراباً وعدم استقرار)

ومن بين اكثر اشكال الخوف زلزلة لروح الانسان ( الخوف من الأعمال الإرهابيّة ـ بغياب سلطة القانون ـ تلك الجرائم التي تنشأ في بيئة اختلاف العقائد أو المذاهب وربط الدين بالسياسة التنفيذية وتسخير الدين لأغراض فئوية ومصالح غير وطنية تهدف إلى بلوغ مراتب أو إقرار دعوة ما او مشروع استراتيجي تنبذه الاغلبية، وهذا النوع من الخطر المُسبب للخوف يكون مفاجئاً وسريعاً وغير متوقّع أو منتظر..كما شهده ويشهده العراق منذ الاحتلال وسقوط الدكتاتورية الى اليوم!).

 وكذلك:

( الخوف من الديمقراطية: الذي ينتاب ـ امراء الطوائف والاقوام ـ  المتحكّمين في القرار السياسي مما يجرهم الى المزيد من الاستبداد والبطش بالشعب وقواه الديمقراطية خوفا منهم..ومن أن تطيح الديمقراطية وممارستها بهذه السلطة المستبدّة!)

( ويمارس هؤلاء المستبدون ”الترهيب” و “الإرهاب” و “استخدام العنف” كطريق لإدخال الخوف إلى قلب الإنسان ومن ثمّ السيطرة عليه بعد شلّ قدرات تفكيره العقليّة بوضعه ضمن إطارمن الضغوط الهائلة التي لن يكون باستطاعته اختراقها أو التغلّب عليها، فينزلق الى الخضوع، وهذا ما تلجأ إليه السلطة السياسيّة لفرض قرارها وتثبيت سلطتها، وهذا السلوك هو أداة قمع غير أخلاقيّة يذهب ضحيّتها أبرياء أو من لهم رغبة في إعلان الرأي أو الإعراب عن الرفض لواقع معيّن أو قرار سلطويّ ظالم)!

.....

ان العراقيين اليوم يقعون فريسة ـ الخوف ـ وـ التخويف ـ الذي تجذر في عقولهم ونفوسهم..وترسخ في ماضيهم..وتعاقب عليهم..وتفاقم بحاضرهم..ويهدد مستقبلهم..ويتفجر بينهم..ويحيط بهم..ويحوم فوقهم ..ويتوعدهم!

فهاهي:

1.   امريكا ـ المحتلة للعراق ـ تخيف العالم والمنطقة من ـ الارهاب ـ وتعلن الحرب عليه..لكنها تقع في فخ الخوف من الارهاب في ذات الوقت الذي  تروج فيه ثقافة التخويف من الارهاب..

يقول زبيغنيو بريجنسكي ( مستشار الامن القومي الاسبق ) في الواشنطن بوست بتاريخ 12/4/2007 في مقال بعنوان: ( ثلاث كلمات أفضت إلى إضعاف أميركا):

(عملت "الحرب على الإرهاب" على خلق وتكريس ثقافة الخوف في أميركا. وكان رفع إدارة بوش لهذه الكلمات الثلاث لترقى إلى مستوى الرقية السحرية الوطنية منذ أحداث 11/9 المرعبة، وقد أحدث تأثيراً مؤذياً على الديمقراطية الأميركية، وعلى النفسية الأميركية، وعلى موقع الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. وقد ادى استخدام هذه العبارة الى إضعاف قدرتنا لمواجهة تلك التحديات الحقيقية التي يشكلها المتطرفون الذين ربما يستخدمون الإرهاب ضدنابفعالية.
إن مدى الضرر الذي أحدثته هذه الكلمات ـ وهي طريقة كلاسيكية في إلحاق الأذى بالذات ـ هو بالتأكيد أكبر من أي أحلام جامحة ربما كانت قد دارت في أذهان المخططين المتطرفين لهجمات 11/9 عندما كانوا يتآمرون ضدنا في كهوف أفغانستان القصية. والعبارة نفسها بلا معنى، فهي لا تحدد، لا السياق الجغرافي ولا أعداءنا المفترضين. ذلك أن الإرهاب ليس عدواً وإنما تكتيك من تكتيكات الحرب، والذي يقوم على التدجين السياسي عبر قتل أناس عزل وغير مقاتلين.)

(لقد حَرَّض هذا الشعار نجوم ثقافة الخوف. والخوف يعطل العقل، ويكثف المشاعر ويجعل من السهل على الساسة الديماغوجيين تحريك الجماهير لصالح السياسات التي يرغبون تطبيقها)

امريكا تخيف العالم من الارهاب ..

وهي اكبر مُنتج..ومُصدر..ومُسبب للارهاب الذي يشكل اعظم مصادر الخوف الذي يطيح بإطمئنان الشعوب وإستقرار البلدان، وترويع النفوس في ايامنا هذه!

وغزوها وإحتلالها الوحشي للعراق أبشع انواع الارهاب الدولي وأكثرها إشاعة للخوف في نفوس الافراد والشعوب والدول؟!

2.   ايران تخيف المنطقة من امريكا التي تحتل العراق، لانها تهدد نظامها الطائفي الشمولي..فسوقتها للسكان كـ(الشيطان الاكبر)..

دون ان تقطع نغمات الغزل السري والعلني معها للخلاص من دوامة الخوف من ـ الآخر ـ التي تعصف بالنظام!

3.   ـ الطائفيون العرب ـ يخيفون المنطقة من ايران الشيعية (الهلال الشيعي)..تحت مطارق الخوف من ـ الاخر ـ في الداخل..والخوف من ضغوط ـ الاخر ـ من الخارج!

4.   امراء التطرف ـ السني ـ في العراق يخيفون اتباعهم من :

ابتلاع الشيعة (الروافض) لوجودهم!

5.   امراء التطرف ـ الشيعي ـ  في العراق يخيفون اتباعهم من:

استدامة سحق السنة (النواصب) التاريخي لهم!

6.   امراء التطرف القومي الكردي يخيفون اتباعهم من:

استدامة تهميش العرب القومي لهم !

7.   امراء ـ الاسلام ـ السياسي المتطرفين يخيفون اتباعهم من:

إلحاد العلمانيين الذي يهدد المقدسات !

8.   امراء ـ العلمانيين ـ المتطرفين يخيفون اتباعهم من:

اقصاء المتدينين لهم وتكفيرهم!

9.   ـ المتغربنون ـ المتطرفون يخيفون اتباعهم من :

زحف التخلف القروي خلال اشهر لتدمير ماوصلت اليه المدينة عبر قرون!

لقد تراكمت وتفاقمت اشكال الخوف التي انتجتها دولة الخوف على مدى اجيال متصلة تتوارث الفزع من السلطة التي تمثل الاخر..واعقبتها فترة الاحتلال البغيض التي استوردت..وايقظت..وانتجت..واشاعت اشكالا متوحشة جديدة من الخوف والتخويف!

مما خلق بيئة وحاضنة فردية ومجتمعية للخوف استغلتها قوى التطرف والتخلف لشرذمة المجتمع وتحويله الى مجتمعات متناحرة خائفة من بعضها البعض!

بحيث اصبح عسيرا على القوى الوطنية الديمقراطية الواعية الخوض في غمار الصراع لكسب نفوس وعقول الملايين من ضحايا الخوف الملتاذين بامراء الطوائف والاقوام لـ ـ حمايتهم ـ من أخيهم الاخر!

ان صناعة ـ التخويف من الآخر ـ هي: استراتيجية المتطرفين لتخريب الانسان والوطن!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com