رأي من داخل البيت الكوردستاني

 

حيدر شيخ علي/ وزير سابق وعضو المكتب

 السياسي للحزب الشيوعي الكوردستاني

 haydar_alshekh@yahoo.com

لا اظن ان هناك ضرورة لعرض معاناة الشعب الكوردستاني، والنضال المتفاني لحركته التحررية من اجل حقوقه القومية المشروعة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد. في نفس الوقت لا ينبغي نسيان ظلم وتعسف النظام الدكتاتوري المقبور واستبداده. ولا يمكن أيضا نسيان السياسات العنصرية والشوفينية التي مارستها مختلف النظم الدكتاتورية التي توالت على حكم العراق، مستعينة بقوى داخلية وخارجية، من اجل الحيلولة دون وصول شعبنا الكوردستاني إلى تحقيق المصير في الظرف التاريخي الملموس. ولكننا بصبرنا الدءوب وتضحياتنا الجسام استطعنا عبور كل المعوقات والخروج متعافين من كل حروب الإبادة وجرائم القتل الجماعي، التي تعرضنا لها. وستبقى المجزرة التي تعرضت لها مدينة حلبجة الشهيدة وحملات الأنفال سيئة الصيت لطخة عار في جبين كل من اشترك في تنفيذ هذه الجرائم المشينة.  

من جانب آخر ينبغي الإشارة الى دور الأحزاب والقوى و الشخصيات الكردستانية التي لعبت دورا فاعلا و مؤثرا ومشهودا. وأشير هنا بشكل خاص الى الدور الذي لعبته الأحزاب والزعامات الكوردستانية، في العملية السياسية التي انبثقت بعد سقوط النظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان عام 2003 وما حققته تللك القيادات من منجزات هامة وتاريخية ليس لشعب كوردستان وحسب، وإنما للشعب العراقي بصورة عامة. وأصبح الدور الكوردستاني مطلوبا من كل الأطراف العراقية، واعدوه جزأ من الحل، بعد ان كان العنصريون يعدونه في سالف الأيام هو المشكلة. ولا ننسى السنوات الأولى بعد التغيير ودور القائديَن السيد مسعود البارزاني والسيد جلال الطالباني، واشتراكهما في الاجتماعات واللقاءات التي أجرتها الأحزاب والشخصيات العربية، والتنسيق بينها في مجلس الحكم المنحل. 

  شغلت القيادات الكوردستاية مواقع سيادية وقيادية متميزة جدا. فلأول مرة في تاريخ العراق الحديث يصبح رئيس الجمهورية في العراق كُرديا بالإضافة إلى مواقع سيادية عديدة أخرى في السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية. وأعطت رسائل مهمة للعراقيين وللمحيط العربي والإسلامي بتمسكها وحرصها على التعايش السلمي مع مكونات شعبنا العراقي الأخرى في عراق اتحادي يستند ويلتزم بدستوره الدائم والذي جاء حصيلة لتوافق القوى المشاركة في العملية السياسية والذي حضي بتأيد أغلبية الشعب العراقي التي قابلت المواقف الكوردستانية بترحاب كبير.  

لكن المؤسف في الأمر هو تراجع الدور الايجابي الذي عهدناه في السنوات الأولى التي أعقبت سقوط النظام، وتدني واضح لمستوى أداء ممثلي الشعب الكوردستاني في المؤسسات الاتحادية، فضلا عن ضعف التنسيق، وعدم وحدة الرأي، حتى بدا وكأن العمل في المؤسسات الاتحادية هو شأن شخصي وليس تكليف وواجب وطني مشرف. فالمواقع التي حصلنا عيها هناك هي مواقع جاءت استحقاقا نتيجة دور الشعب الكوردستاني وتضحياته، وبالتالي فان من يمثله في أي مؤسسة اتحادية انما يجب ان ينطلق من هذه الرؤية، وان ينظر للمهمة على انها مهمة وطنية وليست فرصة للامتياز والسفر والإثراء على حساب الشعب وقضاياه.  كما ان هذه المهام هي مهمات ينبغي القيام بها على أحسن وجه، كي تعكس الدور الايجابي والمتميز لممثلي الشعب الكوردستاني في المؤسسات الاتحادية امام أنظار الشعب العراقي.

 ان تراجع هذا الدور وتخلف الأداء، انعكس بشكل مخل على طبيعة وشكل تمثيلنا. فبدا يتقلص دورنا من 77 نائب في الجمعية الوطنية الى 55 نائب حاليا. ويبدو ان موقع كتلتنا البرلمانية سوف يتراجع الى الثالثة او الرابعة ان لم نتوقف ونقيم أدائنا بشكل جذري.  ولاشك ان دورنا قد تقلص نتيجة ضعف الأداء كما اسلفت، رغم تمثيلنا الواسع والرئيسي في جميع مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء ورئاسته مرورا بمجلس النواب ورئاسته، فضلا عن العدد الكبير من وكلاء الوزارات والمدراء العامين والسفراء والمستشارين. ويقابل تراجع دورنا تصاعد موجة العداء ضد الشعب الكوردستاني بتأجيج من بقايا البعث الذين نفذوا الى الأحزاب والمؤسسات الحكومية، مستغلين التصريحات المتشنجة والمواقف المتسرعة والأداء المتواضع لعدد غير قليل من ممثلينا في بغداد، ما أدى إلى ابعاد أوساط شعبية واسعة من دائرة التضامن مع الشعب الكردستاني بما في ذلك مجاميع وفئات معروفة بصداقتها له.

 إن المتابع للصراعات السياسية و للجدل الصاخب الذي رافق طيلة الشهرين المنصرمين حول مناقشة وإقرار  ثم نقض التعديلات على قانون انتخابات البرلمان الاتحادي في العراق يتلمس، و بأسف شديد، عدم وجود إستراتيجية كوردستانية واضحة المعالم رافقت أداء القيادات الكوردستانية في جولات الاختلاف والتوافق التي شهدتها بغداد في الأسابيع الماضية إذ جرى التركيز على الموقف من قضية كركوك فقط،  رغم أهميتها القصوى لشعب كوردستان،  ورمزيتها شديدة التأثير على مزاج الشارع الكوردستاني. إلا إنها ليست القضية الوحيدة، إنما هناك قضايا هامة أخرى أكدت الإحداث الأخيرة ضرورة مراعاتها كالحفاظ على الدور الكوردستاني الفاعل في بغداد والذي لا يمكن ضمان استمراره إلا بحضور قوي للتحالف الكوردستاني قي البرلمان العراق القادم.

لا اعتقد ان إجراء الانتخابات وفق البطاقة التموينية وحسب إحصاء 2009، قد مر بغتة على نوابنا ووكلاء الوزارات وممثلي شعبنا في كافة المؤسسات المختصة، كما ان التقسيم غير الطبيعي للمقاعد النيابية في تعديل القانون، لم يمر بغفلة على نوابنا في البرلمان الاتحادي. لكن يبدوا ان ممثلينا ركزوا على قضية كركوك وحسنا فعلوا، لكنهم نسوا مقابل ذلك كل من محافظات السليمانية واربيل ودهوك، ولم ينتبهوا الى ما فعله الآخرون بشأن مضاعفة المقاعد في باقي محافظات العراق. ولو كنا منتبهين جيدا لحساسية واهمية قضايانا لما كنا بحاجة الى نقض القانون كي يعاد إنصافنا. ولم نكن بحاجة الى ان نكون بعيون العراقيين متحالفين مع جهة بالضد من الأخرى، لذا كان علينا عدم إقرار القانون أصلا إذا لم يتضمن حقوقنا. وهناك واجب علينا يجب ان نؤديه وهو حماية حقوق القوى الديمقراطية، وتعضيد موقفها بمنح المقاعد الشاغرة في المحافظات الى من يحصل على الباقي الأقوى، فهم حلفائنا موضوعيا، وبينهم من لم يبخل في نضاله لنصرة حقوق شعبنا العادلة، لا ان نتآلف بالضد من مصالحهم وكما حدث. ولابد من التساؤل ثانية عن ما هي مصلحة الشعب الكردي في إعطاء الأصوات المتبقية للرابح الأكبر الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل فرص القوى الديمقراطية من الدخول إلى البرلمان مما سيتسبب في إضعاف الحليف الأساسي والمجرب تاريخيا لشعبنا الكوردستاني؟.

ولا بد من طرح سؤال اخر: ما هي الغاية من المشاركة في إقرار القانون أصلا ونحن ندرك ان الهدف منه قضم مقاعد كثيرة من التحالف الكوردستاني؟  ويدفع به إلى الموقع الرابع بدلا من الموقع الثاني الذي يتمتع به الان، مما سيعني بالملموس حرمانه من المواقع السيادية والكثير من المواقع المؤثرة الأخرى في الدولة العراقية؟.  ونضيف سؤالا اخر: كيف وافق التحالف الكوردستاني على تمرير هذا القانون الذي جاء على أرضية البطاقة التموينية، وعدم وجود إحصاء سكاني ولا آلية منصفة وعادلة لحساب الزيادة السكانية في المحافظات العراقية المختلفة وخصوصا الكوردستانية منها؟.

في ظل الدكتاتورية المنهارة كنا تعتبر الجبل ظهيرنا الدائم و ملاذنا الأمين،  وقد كانت الظروف التي أحاطت بنضالنا تبرر ذلك رغم أحادية المنطلق. ولكن الظروف الجديدة التي نسعى فيها لبناء بلد امن، يجري فيه النضال في ظل مناخ ديمقراطي يتطلب من قوى شعبنا الأساسية قراءة التجربة السابقة والحالية بعيون مفتوحة وبذهن صافي، والتأكيد على الترابط الذي لا ينفصم بين نضال قوى التحرر الكردستانية من اجل تعزيز مكاسب شعبنا المتحققة وبين التضامن مع القوى الديمقراطية واليسارية العراقية وبضمنهم الشيوعيين العراقيين الذين كانوا المبادرين لتبني حقوقنا القومية المشروعة و قدموا عبر تاريخهم الطويل المثال الساطع للتضامن مع شعبنا. وإضافة لذلك لا بد من تعزيز وتطوير علاقاتنا مع أصدقائنا وشركائنا وتنميتها، والاهتمام بالخطاب السياسي مع تأكيد مرونته وايجابيته في توضيح حقوق الشعب الكوردستاني وأهمية تفهم مصالحه القومية.  

كما ان هناك حاجة ملحة لتبني إستراتيجية كوردستانية واضحة المعالم، مع ضمان أداء جيد في كل مفاصل نشاطنا السياسي والحكومي على صعيد الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. والاهم من كل ذلك هو ان يكون نشاطنا على تماس مباشر مع مطالب شعبنا وتبنيها، لأنه كما اكدت مسارات التاريخ الفعلي أنه الظهير الذي لم ولن يخذلنا أبدا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com