بدلا من نيتشة لماذا لايكون مسكويه؟!

 

حميد الشاكر
alshakerr@yahoo.com

كنتُ فتىً غرّا عندما كنت اسمع وأقرأ بكثافة اسماء ( عظماء) فلاسفة اوربا وعلمائها وشعرائها وادبائها وحتى سياسييها من امثال: (كانت البير كامو نيتشة ميكيافلي برناتشو ماركس كونت دارون انشتاين مل ديكارت سارتر..الخ ) وحتى ماسبق من فلاسفة اليونان وعباقرتهم الفلسفيين كانت اسمائهم ايضا حاضرة بقوّة وساطية بالكامل على ساحات ثقافاتنا العربية والاسلامية بحيث انّي ومنذ نعومة الاظفار اسمع واقرأ ل( سقراط افلاطون ارسطو ابيقور ....الخ حتى وان لم افهم كثيرا مما يقولون ) !!!.

الحقيقة كانت كمية الانبهار بهذه الاسماء المستولية على كل دماغي ليس لها حدود او جغرافية محددة بسبب انني ومن اي طريق سلكت وجدت هناك من يحمل كتابا او قطعة من صحيفة او كرّاس دفتر فيه اسما من هذه الاسماء اللامعة، وحتى في صحفنا القومية وبرامجنا الترفيهية وقنوات تلفزيوناتنا الارضية آنذاك كان الترويج لهذه الاسماء شيئا لايصدق !!!.

كُبر الدماغ قليلا وليس هناك في السياسة كتاب نصائح كالامير لميكيافلي، وليس هناك في الفلسفة عبقري كنيتشة، وفي الادب كسارتر، وفي الاقتصاد كماركس، وفي العلم كاوجست، وفي الاجتماع كدوركايم، وفي القصة كبرناتشوا .... وهكذا لاذكر لاي اسم عربي او اسلامي في داخل اجندة ثقافتنا المعاصرة !!.

مرّت الايام ونضجت التجربة وانعتق الدماغ من هيمنة واستعباد الاسماء اللامعة، وتحرر الفكر قليلا من تبعية قال فلان وطرح علاّن لتتبلور الشخصية وتمارس شيئا فشيئا استقلالية بالتفكير والجدل مع مايطرح الاخر الغربي مهما كان صغيرا او كبيرا في عالم الشهرة، ولنصل اخيرا الى البحث عن الرؤية التي لم تذكر بعد، او التي هي قابلة لان تسمى اكثر حداثوية من جيل القرون السادسة والسابعة والثامنة عشر الاوربية وعندئذ حصل الانقلاب الكبير، وبدأ الذهن يلّح بقوة على البحث في الاخر القريب !!.

البحث عن ابن رشد والفارابي وابن سينا ومسكويه ... في الفلسفة، والبحث عن علي بن ابي طالب في السياسة والعقيدة، وعن الجاحظ ومحمد باقر الصدر والطباطبائي في التفسير في علي الوردي في الاجتماع ....وباقي من جادت بهم الحضارة العربية والاسلامية في القديم وحتى القريب من الزمن فاكتشفت الكارثة ؟!!!.

اكتشفت كارثة الوهم الذي عشت فيه اكثر من عقدين من الزمن باعتقادات وتخرصات ماانزل الله بها من سلطان، اكتشفتُ الخديعة خديعة الترويج الاعلامي المقنن الذي كان يضخّ لدماغي الغرّ ويحشوه ويغزوه غزوا على تقديم اسماء وعناوين اوربية برّاقة على اساس انها منتهى الحضارة والرقي والفكر الانساني الاخير الذي لن يجد الزمان بافضل منه وعلى اساس انه عصارة التجربة الفكرية الانسانية الاخيرة التي ينبغي احتذائها حذو النعل بالنعل لنصل نحن المتخلفون العرب والمسلمون الى ماوصل اليه اؤلئك الاوربيون المتطورون فكان ميكيافلي هو القدوة في فهم السياسة بالنسبة لعالم ثقافتنا العربي والاسلامي النائم،وكان سارتر هو مقنن فلسفتنا، وكان نيتشة هو منتشل قوتنا ومدمر ضعفنا وكان ماركس هو مبرمج ثورتنا ..... وهكذا !!.

مرّ اكثر من قرن من الزمن وحياتنا السياسية العربية والاسلامية من سيئ الى اسوأ مع استفحال رهيب لصناعة المؤامرة والدكتاتورية ونزع الرؤوس من على الاجساد حسب رؤية ميكيافلي السياسية الاوربية !!.

مرّ قرن كامل وثورتنا من انقسام متناقض الى انقسام اكبر تناقضا ديالكتيكيا جدليا ومن انقلاب الى اخر اكثر عنفا منه حسب رؤية مارك وانجلز !!!.

وهكذا مرّ قرن كامل وفننا من هبوط الى اهبط وفلسفتنا من سيئ الى اسوأ على يد فلسفة سارتر ووجوديته، وهكذا قوتنا حسب ما خططه لنا نيتشه باكتشاف القوّة واحتقار الضعف، هي قوة تمشي من وهن الى وهن اعظم وبدلا من ان نصل للانسان السوبرمان كما بشرّ به نيتشه لانسان عالمنا العربي والاسلامي الذي آمن بنيتشه وفلسفته ورؤيته ونظرته كاسطورة تفكير اوربية ليس مثلها احد ولاينطق عن الهوى وجدنا ان انساننا العربي والاسلامي المؤمن بقوّة نيتشه الفيلسوف الالمعي تحول الى صرصور غاية في الضعف والجبن والذلّة والمسكنة !!.

عندئذ انا كواحد من الناس انعتق توّا من اغلال الانبهار بالغرب ونتاجه الادبي والفلسفي والحضاري والعلمي تساءلت بغرابة: اين الخطأ في حياتنا الثقافية ؟.

قالوا لنا ان السياسة لاتفهم الا من خلال ميكيافلي فقرأنا وطبقنا الميكيافلية على حياتنا فتحولت كل حياتنا الى جحيم ؟.

قالوا لنا ان الثورة تبدأ وتنتهي عند ماركس قرأنا ماركس وآمنا بنبوته، فاذا بنا نعيش في فوضى لها اول وليس لها اخر منذ قرن كامل !!.

قالوا لنا ان سارتر اكتشف سرّ الحياة، وان نيتشه وان دوركايم وان ....الخ، كل هؤلاء قالوا لنا انهم هم من اسس الاسس الحديثة لنهضة اوربا ومقياس تقدمها العلمي والسياسي الرهيب فصدقنا بذالك وامنا به وطبقناه لكن لاشئ تغيرّ بالفعل في حياتنا التابعة بالكامل لفلسفة الاخرين بالعموم وفلسفة الغرب بالخصوص !!!.

إذن اين المشكلة ؟.

هل في فلسفة الاخرين الغربية الممتازة وغير قابلة للخطأ والتخلف !؟.

أم في انساننا العربي والاسلامي الذي اراد ان يقلد الاخرين في حياتهم فلم يحافظ على الاصالة في حياته ولم يوّفق في تقليد حياة وفكر وفلسفة وسياسة الاخرين ؟.

ثم اذا كان ميكيافلي الذي كانت الميديا والاعلام والاقلام العربية ومازالت تشيد بعبقريته السياسية وتقدمه للقارئ العربي بالخصوص على اساس انه فلتة زمانه في الفكر السياسي، اذا كان هذا الشخص بكل هذا الاحترام والحقيقة لماذا في الغرب اليوم يحتقرون اي فكر يتصل بالميكيافلية باعتبارها سياسة امراء واقطاع ودكتاتوريات ظلامية ذهبت مع القرون المظلمة قبل ان يقرر الغرب الراسمالي الديمقراطي انتهاج سياسة الصدق والانفتاح على الشعب داخليا وليس في السياسة الخارجية، واحترام ارادته والخوف من القانون والوقوف عند فقرات الدستور المنظمة لعلاقة الدولة مع المجتمع ؟.

ولماذا لايطبق اي شيئ من فكر ميكيافلي في الغرب الام الوالدة لميكيافلي وفكره السياسي، بينما في بلادنا يرّوج بشكل رهيب لهذا المفكر العملاق وتطبع مؤلفاته بشكل كبير وكبير جدا وبلا رقابة تخاف على تدمير وعي الشباب السياسي كما دمروا وعيي عندما كنت قارئا مبتدءا يبحث عن الفكر السياسي الاصيل فلم يجد في مكتباتنا غير ميكيافلي ليكون لي هو القدوة ؟.

هل نحن كنا وما زلنا في عالمنا العربي والاسلامي واقعون تحت مؤامرة كيفية تدمير وعينا بالكامل كي نبقى ندور في حلقة مفرغة ؟.

أم اننا عندما تنازلنا بارادتنا عن تراثنا وفكرنا وفلسفتنا واصالتنا الاسلامية وقعنا فريسة سهلة لافكار المادية والانحراف والالحاد والدكتاتورية والفوضوية فاضعنا الطريقين على الحقيقة ؟.

اين فلسفة الفكر السياسي الاسلامي العربي الذي كان ينتهجها علي بن ابي طالب عليه السلام ؟.

اين الفكر السياسي الاخلاقي الاسلامي على العموم ولماذا لايرّوج اعلامنا ومؤسساتنا الرسمية ولاتدّرس مدارسنا الثانوية سياساتنا الاخلاقية السياسية ليدرك الباحث والطالب منذ نعومة اظفاره ان العلم السياسي هو ماخطه علي بن ابي طالب وليس ما سطره ميكيافلي او ماركس او انجلز او لينين او غير ذالك ؟.

نعم هناك بالطبع فرق شاسع في رؤية الفكر السياسية بين ماطرحه ويطرحه الاسلام كمدرسة وبين ماطرحه الغرب بفلسفته وحساباته وعقده وماديته ......،إذن من المسؤول بتقديم وجبة سياسية دكتاتورية وهابطة تصور لي عالم السياسة على اساس انه مؤامرة وذئبية لاغير ويدفعني للايمان بانها هذه هي السياسة لاغير التي اوصلت الغرب للحرية، بينما تغيّب عني الحقيقة بان هذا ليس هو الفكر السياسي الحقيقي للغرب وحريته وليس هذا هو الفكرة السياسية الاخلاقية الاصالية التراثية المنتمية لتاريخي واخلاقي والتي كان من المفروض ان تقدم ليّ على اساس انها العلم السياسي الاصيل الذي يضمن العدالة الاجتماعية والحرية والاخلاقية في التعامل السياسي الذي ينبغي ان يقوم بين الدولة والمجتمع ؟.

طبعا المسؤول هو وسائل الاعلام والتربية والتعليم والاقلام العربية المتغربة التي لم تجلب لنا الا كل النفايات الغربية التي لفظها الغرب من مؤخرته ليقدمها لنا القلم المتغرّب على اساس انها وجبة الافطار الشهية التي سوف تسمن من جسد الانسان العربي وتطوّر من عقله وتصوراته وتقدمه الى مالانهاية !!.

وهكذا عندما قدمت ليّ اقلام الاغتراب العربية نيتشه على اساس انه المفكر الذي فهم كل اسرار الحياة، بينما وفي الواقع وعند قراءة متأنية لاي واحد منّا لفلسفة هذا الرجل سيجد انه احقر انسان عرفته البشرية على الاطلاق وانه صنف من البشر كان يقتات على كراهية الاخلاق الفاضلة حتى موته بمرض السفلس الجنسي حقيرا تافها لايستحق قيمة ذكره في الخالدين !!.

لكن في الجانب الاخر هناك من لم يزل لايكتب مقالته ولايقرّض كتابه الابمقولة لنيتشه تزين من صدر المقالة او الكتاب !!.

هناك من لم يزل يذوب غراما بسارتر ويقدمه لمائدة العشاء الفكرية العربية والاسلامية على اساس انه درّة الانتاج الابداعي الانساني، بينما في الحقيقة سارتر هذا مدمن حبوب هلوسه مات في احد المصحات العقلية مجنونا تافها يكتب مالايفهم كما يذكره هو بشخصه انه يجد متعة لاتقاوم عندما يكتب اشياء هو نفسه لايفهمها بين الوجود والماهية والماهية والوجود !!.

وهناك ايضا ماركس هذا الحاخام اليهودي الماسوني الخطير الذي تقدمه لنا اقلام المتغربين المشبوهة على اساس انه نبي اخر الزمان، بينما الحقيقة والواقع انه اخطر شيطان غوى البشرية بالفوضى والحقد الى ان اوصلت افكاره نصف البشرية الى الخراب والدكتاتورية والحقد والغيبوبة ....، ليموت تافها لوحده وليدفن تحت ارض لاتحتمل قرف رائحته المنتنة !!!.

كل هذا الكمّ الهائل من نفايات الفلسفة والسياسة الغربية كان يقدم لنا نحن في الشرق الاسلامي العربي على اساس انه قمة الحدث البشري، وعلى حساب كل فلسفتنا وكل رؤانا السياسية وكل ابداعنا الفني وكل ادبنا التاريخي الذي لو اردنا ان نستلهمه لشيئ جديد لكان لدينا ماهو في الحقيقة زبدة الرقي البشري في كل شيئ لليوم وللمستقبل !!.

نعم علينا ان نعيد بوصلة افكارنا من جديد لنقرأ ونبحث في تاريخنا وفلسفتنا وادبنا واخلاقنا عن الشيئ الذي لم تقدمه لنا وسائل الاعلام واقلام التغريب المشبوهة، وعلينا بدلا من ذكر مفردات نيتشه الحقيرة في بداية مقالاتنا ان نذكر مقولان مسكويه او ابن رشد في تلخيص سياسته او الفارابي في مدينته الفاضلة !!.

علينا ان نقرأ نثر الدرر للامام الصادق التي كل كلمة من كلمات هذه الدرر تصلح لبناء امة كاملة ونطوي صفحة مقولات سارتر وباقي شلّة المعتوهين المتفلسفين في حياتنا المدمرة والتي تفرض على ادمغة ناشئتنا فرضا كي يؤمنوا بعبقريتها الخارقة للعادة !!.

علينا ان نفعل كما فعلت الامم المتحدة عندما اخذت عهد امير المؤمنين علي بن ابي طالب للاشتر النخعي لتصوّت عليه امميا وتعتبره من ضمن الدساتير التي تصلح لقيادة البشرية كلها نحو الرقي اليوم وغدا والتي يقول في احد فقراتها عليه السلام :(( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) ولانلتفت لماسوني ملحد اراد تدمير العالم بكلماته ليضع لنا فلسفة شيوعية فوضوية اشتراكية دمّرت كل حياتنا العصرية وماتبقى منها من ايام !!!.

علينا وعلى وسائل اعلامنا وعلى اقلامنا وكتابنا ان نبدأ مرحلة الانعتاق والحرية الحقيقية، والبحث من جديد عن ثقافة تتصل بابن رشد وبمحمد باقر الصدر وبعلي بن ابي طالب ع وبالصادق .....، ونبتعد عن ثقافة ترهننا للخارج وللميت واللااخلاقي وكل ماهو منبوذ من قبل الرؤية الانسانية المتوازنة !!.

علينا (اخيرا) ان ندرك ان العظماء ليسوا هم سارتر المعتوه ولانيتشه العنصري الالماني ولاماركس الوسخ ولاباقي هذه النفايات الغربية، بل العظماء حقا هم ائمتنا محمد ص وعلي والصادق ع بكلماتهم وبرؤاهم وباسلامهم وبسياساته، وفلاسفتنا بتنظيرهم وادبائنا بفنهم وسياسيينا باخلاقهم وحبهم للخدمة الاجتماعية وغير ذالك !!.

يروى ان ابن سينا دخل عليه مسكويه والتلاميذ من حوله فرمى اليه جوزة وقال بيّن مساحة هذه الجوزة بالشعيرات، فرفع مسكويه اجزاءا من كتاب الاخلاق الذي الفه ورماها الى ابن سينا قائلا : اصلح اخلاقك اولا حتى استخرج لك مساحة الجوزة، لانك احوج الى اصلاح اخلاقك مني الى بيان مساحة الجوزة !!!.

هكذا كانت ثقافتنا تقدم الاخلاق على العلم لتكون الاخلاق هي رائدة العلم وليس العلم هو عدو الاخلاق كما تطرحه نفايات الفلسفة الغربية !!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com