|
مقدمة (المترجم): منذ أن ظهر النفط في بلادنا تلك ظهر لدينا نمطٌ جديدٌ من الهموم، أضحى السائد هوأن نتحدث عن أكبر وأغلى وأعلى، لقد فرضت ثقافة النفط نفسها حتى على أقصى قرية من وطننا، لقد أصبح من همومنا التطاول بدل إرساء جذور. تلك البنايات التي شُيّدت بعرق ودماء فقراء العرب والهنود، الذين بذل الكثير منهم حيواتهم مقابل كفاف يومهم، قد تضحي بين ليلة وضحاها خراباً. ربما كانت "مدن ملح" كما أسماها عبد الرحمن منيف. منذ يومين توقع الصحفي البريطاني روبرت فيسك أن تضع الهند يدها على دبي، لأنّ أغلب أصحاب الأموال فيها هنودٌ ولأنها لا تبعد عن الساحل الشرقي الهندي أكثر من ساعتين. ربما يضحي الهنود الذين يطيب للعرب عامةً أن يتندروا على فقرهم وسوء حالهم سادةً للساحل الشرقي العربي، لم تتضح بعد آثار الهزة، هزة أن تعلن دبي توقفها عن سداد دينها لمدة 6 أشهر، راح المحللون يناقشون لمَ أعلنت دبي قرارها قبل أن تتفاوض مع دائنيها كما يحدث عادة. قد تبدوالكارثة مؤجلة قليلاً وكثيراً، غير أنّ ما بني على رملٍ تأخذه السيول. في هذا المقال الذي اخترته لكم يعرض الكاتب، وهوصحافيٌ ومحللُ اقتصاديٌ اسبانيٌ معروف، التطور القريب للأزمة بأسلوب مبسط دون الدخول في تفاصيل معقدة. ***** لديها الميناء الأكبر في العالم، البناء الأعلى، الفندق الأفخم، وقد بدأت مشروعاً كبيراً جداً لإقامة الفندق الأكبر في العالم، المركز التجاري الأكبر في العالم، ومدينة الملاهي الأكبر وأول فندق تحت الماء، الآن لديها مشكلة… كل شيئٍ كان يبدوواعداً في دبي، الإمارة العربية التي لُقِّبت بموناكوالخليج العربي. غير أنّه ومنذ عدة شهور راح يحدث أمرٌ غريب. مئات السيارات راحت تتجمع عند بوابة مطار دبي. سياراتٌ فخمة مقتناةٌ من مغتربين، بكلامٍ آخر، موظفي الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تقوم بنشاطات تجارية في الإمارة. هجروها دون إنهاء أقساطها. كان ذلك دليل أزمة، والآن انفجرت الأزمة. من أجل بناء هذه الفنادق والمراكز التجارية الفخمة والبيوت العائمة والمدن الخيالية كان على دبي أن تمدّ يدها طالبة مالاً كثيراً. منذ عدة شهور عُرِف مقدار دينها: 80000 مليون دولار. قبل عدة أيام حصلت دبي من جارتها أبوظبي على قرضٍ مقداره 5000 مليون دولار من أجل سداد ديونها العاجلة. لكن عندما اتضح أنها تواجه مشكلةً في دفع 4000 مليون دولار مستحقةٍ يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) فقد هبت عاصفة الصحراء الحقيقية: شهدت كل بورصات العالم هبوطاً. إن لم تستطع دفع 4000 مليون دولار هذه هل تستطيع دفع 80000 دولار؟ كيف بدأ كل هذا؟ بدأً من النصف الثاني من عام 2008 ومع هبوط أسعار النفط راحت الحالة في هذه البلد تتغير. لنرَ: البرميل الذي كان ثمنه 150 دولاراً في يوليو(تموز) 2008، أضحى بأربعين دولاراً بدايات هذا العام، وقد ارتفع الآن إلى 70 دولاراً. ورغم هذا فإنّ هذا السعر لا يحل المشاكل المالية لهذا البلد. أكّد مقالٌ منشورٌ في Financial Times في مارس (آذار) هذا العام أنّ الحفلة قد انتهت. "بالنسبة للآلاف من المغتربين الذين أغرتهم دبي لوقتٍ طويل يالشمس المشرقة على مدار العام والحياة الخالية من الضرائب، فإنّ الحفلة قد انتهت. إعادة الهيكلة في المؤسسات كانت مفروضةً بسبب الانخفاض الحاد في أسعار العقارات وفقدان الثقة الملحوظ عند المستهلكين. إجراءات التقشف امتدت من القطاعات المالية والعقارات والسياحة حتى وسائل الإعلام والبيع بالمفرق، وهكذا فإنّ عمالاً أجانب كثيرين يجهزون حقائبهم ويعودون إلى أوطانهم". حسب حكومة الإمارات فإنّ شيئاً لم يتغير وتصاريح الدخول المعطاة لم تنقص. غير أنّه لم يكن ذا مصداقية مجرد نفي أنباء التسريح الجماعي من العمل. تؤكد Financial Times أنّ "استطلاع رأي قامت به YouGov في الإمارات العربية المتحدة أشار إلى أنّ أكثر من نصف الأشخاص المستًطلَعين يعرفون قريباً وصديقاً سُرَّحَ من عمله، نسبةٌ أعلى بكثير عما كانت عليه أواخر 2008". تجبر هذه المشاكلُ دبي على أن تطلبّ مساعدةً من جارتها "أبي ظبي". في فبراير (شباط) من هذا العام قامت أبوظبي بعملية إنقاذٍ بشرائها سنداتِ دينٍ عامةً لخمسة أعوام بقيمة 10000 دولار. حسب The Economist فإنّ ذلك سمح لها أن تقوم بالوفاء بالتزاماتها الأكثر إلحاحاً والتي كانت تتراوح بين 10000و15000 دولار. غير أنّه مع دينٍ يصل مقداره إلى 80000 دولار وانخفاض أسعار الخام فإنّه لم يكن ثمة طريقة للمعالجة على المدى القصير. هل هي موناكوالخليج؟ كل ذلك يعود إلى أنّ هذه الإمارة أن تكون موناكوالخليج فقامت بالبناء في كل مكان. كانت الإمارة ترغب أن تستبدل مداخيل النفط التي ستنضب يوماً بمداخيل السياحة والتقنيات. ليست إمارةً غنيةً كما يظن للوهلة الأولى. احتياطاتها النفطية هي خمس احتياطات جارتها "أبي ظبي". الدفعة السياحية قادت إلى طفرة في قطاع البناء. هذا القطاع كان له دورٌ أكثر وزناً من البترول في اقتصاديات الإمارة، غير أنّ توقف الاستثمارات على الصعيد العالمي وانهيار الأسعار كان لهما أثرٌ خطيرٌ على هذه الإمارة. عدم ثقة المستثمرين الأجانب في دبي تنعكس في سعر تأمين عدم الوفاء المحتمل credit default swap، منذ أسبوع إذا كان أحدٌ يريد أن يضمن استيفائه سنداً من دبي، كان عليه أن يدفع تأميناً يعادل 131 نقطةً أساسيةً أعلى من سعر السوق: الآن، ذلك 434 نقطةً أساسية، حسب وكالة الأنباء Bloomberg. في اللغة المالية فإنّ 100 نقطة أساسية يعادل 1%. دفع كل هذه النقاط الأساسية فوق ديون دبي (جمعاً يكون: 4.34% أعلى من المعدل العادي) يصبح مثل التأمين على سيارة سيات إبيسا (Seat Ibiza)** كما لوأنها سيارة ماسيراتي (Masseratti) الخوف من وقف مدفوعات هذه الإمارة عولج من الدورية Financial Times، التي أكّدت أنّ الإمارة لم توضح مما يتشكل دينها البالغ 80000 دولاراً ومن أي موارد تخطط لسداده. توقع نسبة نموٍ اقتصادي يبلغ2.50% كانت حكومة دبي تتوقع لهذا العام نمواً اقتصادياً يصل إلى 2.5%، بعيداً على حالٍ عن نسبة 15% التي بلغها في خير سنينها عندما تجاوز سعر النفط حاجز المئة دولار. غير أنّ هذه التوقعات مفرطةٌ في التفاؤل. على الرغم من أنّ فوائد الاستثمار في دبي تبدومغريةً جداً، مثل انعدام الضرائب على الدخل وخطط التطوير غير العادية، فإنّه كان من الصعوبة بمكان في الأوقات الأخيرة إقناع أية مجموعة استثمار عالمية أن تضع ثقتها في دبي، ما لم تكن مستعدةً لانتظار العوائد على المدى الطويل والمتوسط. إذ أنّه كان من الصعب جداً على الإمارة تقديم ضماناتٍ على المدى القصير حسب الخبراء، إذا لم تستطع دبي أن تفي بأقساط وفوائد ديونها خلال 2010 وأعلنت إيقاف دفوعاتها، فإنّ ذلك سيصبح التوقف عن دفع الديون الأكبر لبلدٍ ما منذ توقف الأرجنتين عن سداد 95000 دولارٍ عام 2001. حدثٌ سيكون له عواقب عالمية. ------------------------------ ملاحظة * كارلوس سالاس Carlos Salas صحافي اسباني مجاز في الصحافة والفلسفة، تولى رئاسة قسم الاقتصاد والشؤون الدولية في جريدة El Mundo الإسبانية، وأيضاً مديراً لجريدة Capital وEl Economista وMetro. يكتب حالياً في Yahoo Finanzas. وعنه أخذنا هذا المقال. ** سيات إيبيسا Seat Ibiza سيارة صغيرة من صنع إسبانيا، ثمنها يتراوح بين 12000 و13000 دولار، فيما يتراوح ثمن سيارة ماسيراتي Masseratii بين 12000 و15000 دولار.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |