العولمة الاوربية الغربية عندما تنغلق أمام مأذنة!!

 

حميد الشاكر
alshakerr@yahoo.com

( بمناسبة تصويت سويسرا على حظر بناء المآذن للمساجد الاسلامية خوفا من الاسلمة بدلا من العولمة !!)

**********

في بداية التسعينات من القرن المنصرم طُرح مصطلح (( العولمة )) ووظفت جميع الميديا العالمية للمشروع الامريكي الاوربي العولمي الجديد على اعتبار : إن هناك عالما منفتحا جديدا يتمخض للولادة وعلى كل العوائق ان تنحني امامه بخشوع !!.

عالما يقترب فيه الانسان من الانسان بلا فواصل !!.

عالما ترفع به التعرفة الجمركية وتفتح به الاسواق للبضائع المتدفقة من الغرب الى الشرق !!.

عالما تتوحد فيه الثقافات البشرية في ثقافة ديمقراطية واحدة !!.

عالما يدار فيه سوق الشيوخ من واشنطن، وسوق مريدي من هونكونك !!.

عالما ليس فيه للجغرافية الوطنية المصطنعة اي معنى !!.

وعالما كل همه ان يعود لهويته الانسانية الموحدة !!!.

في ذالك الحين منهم من تحدث في عالمنا العربي والاسلامي حول المستقبل للعولمة الغربية وعن وجوب مقاومة الغزو الثقافي القادم من اميركا والذي يريد ان يبتلع ثقافات الامم والشعوب الاخرى لصهرها بالثقافة الاميركية !!.

واخرون تحدثوا وكتبوا ونظرّوا الى كيفية صدّ هذا الاستعمار الجديد القادم عبر البحار ليزيح الحدود ويدخل فاتحا بلا حساب !!.

واخرون صرخوا باعلى اصواتهم لحماية الهويات الوطنية وثقافاتها المحلية من جانب، ومن جانب اخر كانت البروبجندة مركزة على قضية كيفية حماية المنتج الوطني والسلع المحلية من الاندثار امام منتج وسلع الماكنة الغربية والامريكية من جانب اخر !!!.

وهناك اخرون ايضا اعلنوا الجهاد كفرض عين لحماية الدين والمعتقدات والمقدسات من الردّة العولمية الاتية من الغرب لتجرّد المسلمين من اسلامهم وتمسخ عقليتهم وعقيدتهم وتقتلع اخلاقهم من الجذور !!!.

كل هذا كان حاصلا ليس فقط في عالمنا العربي والاسلامي فحسب ولكن حتى في العالم الشرقي البعيد في الصين والغربي الاشتراكي ايضا هناك من كان يدعو للمقاومة والمحافظة على الهويات والثقاقات والاقتصاديات والخصوصيات والاجتماعيات...... في بدايات تسعينات القرن العشرين المنصرم على اثر (العولمة) وما صاحبها من ردّات فعل ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية ..... تطبخ في الولايات المتحدة ويأكلها (وجيه عباس) بالدهن الحرّ في بغداد !!.

نعم كان الغرب الديمقراطي بقيادة الادارة الامريكية هو صاحب مشروع العولمة آنذاك، وازالة الحدود وفتح فضاء الاتصال وتبادل السلع وصهر الثقافات ..... باعتبار ان هذا الغرب صاحب الفائدة والمصلحة في هذه العولمة المتفتحة الابواب والتي تقف بين قطبي الكرة الارضية من شماليين تجّار واصحاب تكنلوجيا متطورة ورأسمال ضخم واسلحة فتاكة وقوّة نووية ليس لها حدود وثقافة ديمقراطية لمّاعة واقتصاد ضخم ومجتمعات مرفهة غربيا من جهة .... بالقطع ستكون لهم الغلبة والنصر والفتح المبين، في مقابل جنوبيين يأكلهم الفقر ويركعهم الجهل والتخلف وتنقصهم قوة السلاح للحماية وقوة المال والتكنلوجيا للنهضة سيكونون من الجانب الاخر حتما في موقع التابع الذليل لذاك الغرب الاوربي والاميركي السوبر والسيد والمتفوق والمبدع والمبتكر والمتحضّر بكل شيئ !!!.

انتهى عقد التسعينات لتطوى صفحة القرن العشرين وليبدأ على اعقابه القرن الواحد والعشرين ولا احد بالكون كله كان يشك في ان المعركة العولمية محسومة النتائج غربيا واميركيا مئة بالمئة بحيث يصبح العالم كله وبكل مافيه وماحوله وما...... تابعا للنمط الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعقدي الغربي بالعموم والامريكي بالخصوص !!.

ولكنّ وفجأة وعلى حين غرّة من البشرية حصل شيئا ما !!.

شئٌ افقد الغرب بريقه والتجربة الامريكية لمعانها وشعاراتها !!!.

شئ فيه ردّة او انتفاضة او تمردا او .......شيئ لاتعرف ماهيته قلب المعادلة العالمية العولمية رأسا على عقب في اول دقيقة من دخول العالم والبشرية في القرن الواحد والعشرين الجديد بدون ان تقوم القيامة !!!.

شيئ لم يكن فوكاياما ملتفت اليه ولامنظرّي نهاية العالم والتاريخ في مسيرته العولمية الجديدة كأرقى ماوصلت اليه البشرية !!.

شئ جعل المسيرة العولمية تنحرف عن ما رُسم لها من طريق ومن توظيف ومن حركة ومن مسار !!.

الفقراء او الجنوبيون في العالم بدلا من ان يصبحوا اكثر تبعية وولاءا للاغنياء الشماليين في العالم العولمي اذا بهم يتطلعون الى ازاحة الشماليين ليستولوا هم على مصادر قوّة الشماليين وسرّ تفوقهم مع اشارات صريحة بانه في حال استولى الجنوبيون على سرّ القوّة فهم ماضون بأخذ الثأر من اهل الشمال واستعبادهم بدلا من التبعية لهم !!.

وبدلا من ان تنصهر جميع الثقافات في ثقافة عولمية ديمقراطية رأسمالية واحدة، اذا بجميع الثقافات تستنفر باقصى قوّة الى حدّ الصراع والتشبث بكل ماهو ثقافي او مهمل من الثقافات التي كانت مركونة قبل العالم العولمي على الرفوف !!.

وبدلا من ان يساهم الفضاء الاعلامي وفضاء الاتصال المفتوح بين الامم والشعوب بالتقارب والتعارف اذا بالنتائج تأتي معاكسة تماما لروح العولمة وما خُطط لها من تصورات لتزداد البشرية تنافرا بدلا من التعارف وتضاربا بدلا من الانصهار وتصادما وعدوانية بدلا من التوحد والانسجام والتآلف ....، ليصبح الانسان الاوربي والامريكي اكثر بعدا من انسان الشرق والجنوب !!!.

وهكذا عندما تفوقت سلعة ومنتج المصانع البدائية الشرقية في الصين وسنغافورا وروسيا ..الرخيصة على منتج المصانع الغربية الفخمة والمنفق عليها بترف وتفنن اميركي غير مسبوق، لتعكس معادلة فتح الاسواق ورفع التعرفة الجمركية عولميا، وبدلا من غرق السوق العالمية بالبضاعة الرأسمالية الفاخرة غرقت اسواق الراسمالية الغربية نفسها بالمنتج المصنع محليا في الصين وروسيا واوربا الشرقية لرخص ثمنها من جانب وتناسب ذالك مع الازمة الاقتصادية في العالم الجديد من جانب اخر !!!.

عندئذ وحتى اليوم بدت العولمة وليدة العالم الغربي والامريكي المدللة وكأنها تجلب التعس لاهلها وتحوز السعادة والتقدم للاخرين !!!.

في العالم الاسلامي كان من المفترض للعولمة انها ليس فحسب سوف تفتح اسواق هذا العالم النهمة للسلعة الحديثة لشرائها واستهلاكها لاغير، بل وكذالك سوف تفتح ايضا افاق ومدارك واذهان الناس في العالم الاسلامي لتدعوهم للدخول افواجا للثقافة الغربية وينتمون جماعاتٍ للبروتستانتية الاميركية التي انشأت كل هذه الحضارة والقوّة، وينخرطون بلا حدود للتمتع بالديمقراطية بلا حساب !!!.

لكن الذي حدث هو العكس تماما، فالاسواق لم تعد تحتمل ماضخ اليها من سلع، والسلع نفسها لم تعد تجبي المنفق عليها من راسمال حقيقي، والاذهان والثقافات والانتماءات بدلا من ان تكفر بالاسلام وثقافته والانتماء اليه اذا بالعولمة تفتح افاق الانسان الغربي بدلا من الشرقي ليتعرف هو على الاسلام ويؤمن بثقافته ويزيد من مساجده ومنائره ومصليه ومريديه !!!.

اين يكمن الاخفاق في العالم العولمي الغربي والاميركي بالنسبة لاصحاب المشروع والمتأملين النفع من وجوده ؟.

هل في التخطيط من البداية ؟.

ام في الاهداف والغايات التي طرحت تصورا وجاء اخر بغير ميعاد ؟.

سؤال يتردد في هذه الايام داخل اوساط اساطين مخططي العالم الغربي والاميركي العولمي ليكتشفوا مؤخرا ان ليس القوّة ولاترسانة الاسلحة النووية ولاحتى رفاهية المجتمع وخضار ارضه هي صاحبة البريق واللمعان الحقيقي الذي يفعّل من مشروع العولمة ليغزو العالم ويصهره في بوتقة واحدةوانما الفكر والايمان والدين الانساني الفطري القريب من الآم ومشاعر وحاجات البشر هو وحده من يستطيع خلق عولمة ينتمي لها الانسان بلا تحفظ وهو محافظا على ثقافته وحاميا لحدوده ومتمتعا بخيراته وصانعا لسلعه بيديه ومصانعه، وهذا مالم يلتفت اليه صنّاع العولمة الغربيون والامريكيون الذي وقعوا في فخ المأذنة الاسلامية وهي تغزو مدنهم بلا قوة ولاحرب ولاسلاح ولاميديا ولاراسمال ولاتمشدق بتحضر ولانظرة استعلاء ولاتخطيط لاستعمار ونهب لخيرات وفتح اسواق واحلال ماكنة عملاقة بدلا من الف عامل يرمون الى المجهول في الشارع، ولهذا قرر الغربيون الغاء العولمة وانفتاحها ورفع حدودها وانتشار اتصالها السريع امام بناء المأذنة في عالم ضاق ذرعا بعولمة الاسلام التي لاتقهرها عولمة الراسمال الغربي !!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com