|
بقلم جون هاري ترجمة علي عبد الرزاق بعضهم رجال عصابات، والآخرون يحاولون إيقاف عمليات تلويث المياه والصيد الجائر. كيف كان لنا أن نتخيل أنّ حكوماتِ العالم ستضطر لإعلان حربٍ جديدةٍ على القراصنة؟ كما قرأت، فالبحربة الملكية البريطانية، مؤيدةً بسفن أكثر من أربع وعشرينَ أمةً، من الولايات المتحدة حتى الصين تبحر داخل المياه الصومالية لتقبض على رجالٍ ما زلنا نصورهم كببغاءٍ على كتف جلف في مسرحيةٍ إيمائية. سيبدؤون حالاً قتال السفن الصومالية ومطاردة القراصنة إلى اليابسة داخل واحدٍ من أكثر بلدان العالم تمزقاً. لكن خلف الرواية الغريبة هذه تختفي فضيحة لم تروَ. هؤلاء الناس الذين تصفهم حكوماتنا بأنهم "أكثر التهديدات خطورةً في أيامنا" لديهم قصةً شيقةً ليرووها ولديهم بعض الحق إلى جانبهم. لم يكن القراصنة أبداً كما نتعقد. خلال "العصر الذهبي للقرصنة" من 1650 إلى 1730 كانت فكرة القرصان عديم الأخلاق مثل ذي اللحية الزرقاء والتي مازالت مستمرةً حتى يومنا هذا قد ابتكرت من قبل الحكومة البريطانية في عمل دعائي كبير. الكثير من الناس العاديون كانوا يعتقدون أنها فكرةٌ كاذبة والكثير من القراصنة كان يتم إنقاذهم من حبل المشنقة من قبل الجماهير المتعاطفة. لماذا؟ ما الذي رأوه مما لا نستطيع رؤيته نحن؟ في كتابه "أجلافٌ من كل الأمم" يتفحص ماركوس ريديكر Marcus Rediker الأدلة. لوكنت تاجراً وبحّاراً ملتقطاً من أرصفة ميناء لندن الشرقي ووجدت نفسك آخر المطاف في جحيم خشبي عائم. ستعمل كل الساعات في سفينة رثّة مزدحمة، وإذا تراخيت، سيجلدك القبطان فائق القوة بالسوط. إذا تراخيت من الممكن أن تُرمى في البحر، وغالباً ستجد نفسك بعد كل هذه الشهور محروماً من أجرك. كان القراصنة أول ناس ثاروا على هذا العالم. لقد تمردوا وأوجدوا طريقةً جديدةً للعمل في البحر. حالما يكون لديهم سفينةً، يختار القراصنة قبطانهم ويتخذون كل قراراتهم جماعياً دون أي تعسف. يقتسمون غنيمتهم عبر ما يسميه ريديكر "واحداً من أكثر أساليب توزيع الثروة التي وجدت في القرن الثامن عشر إنصافاً" كانوا غالباً ما يأخذون العبيد الأفارقة الآبقين ويعيشون معهم على قدم المساواة. "لقد أظهر القراصنة "وبوضوحٍ كاملٍ –وعنفٍ- أنّ السفن لا يجب أن تعود للعمل بالطرق الوحشية والظالمة في الخدمة التجارية للبحرية الملكية". لذلك كانوا أبطالاً حالمين على الرغم من كونهم لصوصاً غير منتجين. كلمات أحد القراصنة من العصر الضائع، شابٌ بريطانيٌ اسمه ويليام سكوت (William Scott)، تجد صداها في عصر القرصنة الجديد هذا. قبيل أن يُشنَق في تشارلستون، كارولينا الجنوبية، قال "ما فعلته كان لأتقي الهلاك، أجبرت على القرصنة لأبقى على قيد الحياة" سنة 1991 انهارت الحكومة الصومالية. ملايينها التسعة يعانون المجاعة منذئذ. وقد رأت أبشع القوى الغربية في ذلك فرصةً عظيمةً لتسرق إمدادات البلاد الغذائية ولترميَ النفاياتِ النووية في شواطئها. نعم: نفايات نووية. حالما غابت الحكومة، راحت سفنٌ أوروبيةٌ غامضةٌ تظهر قبالة الساحل الصومالي، ملقيةً براميل كبيرةً في المحيط. بدأ سكان الساحل معاناة الأمراض. بدايةً راحوا يعانون طفحاً جلدياً غريباً وغثياناً وأطفالاً مشوهين. بعد تسونامي عام 2005 جرفت الأمواج إلى الشاطئ المئاتِ من البراميل الغرقى والمهترئة. راح الناس يعانون من أمراض التلوث الشعاعي ومات أكثر من 300. أخبرني أحمد ولد عبد الله مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال "بعضهم يلقي مواد نووية هنا. هنالك أيضاً رصاص ومعادن ثقيلة، كادميوم وزئبق، وسمها ما شئت" الكثير منها يعود إلى المشافي والمصانع الأوروبية التي تعطيها للمافيا الإيطالية للتخلص منها بتكلفة رخيصة. وحين سألت السيد ولد عبد الله ماذا تفعل الحكومات الأوروبية بذلك، قال بأسفٍ: "لا شيء، ليس هنالك داعٍ للتنظيف، ولا للتعويضات ولا للوقاية" في نفس الوقت كانت السفن الأوروبية تجوب المياه الصومالية لأجل مواردها العظمى: الأسماك. لقد دمرنا مخزوناتنا من الأسماك بالصيد الجائر والآن نتحرك باتجاه مخزوناتهم. في كل عام ما يزيد على 300 مليون من التونة والروبيان وجراد البحر تُسرَق عبر حملات الصيد غير القانونية. الصيادون المحليون يعانون. يقول محمد حسين وهوصيادٌ من بلدة مركة الواقعة على 100 كلم جنوب مقديشولرويتر "إذا لم يُعمَل شيءٌ فإنّه لن يبقى سمكٌ في مياهنا الساحلية". هذا هوالظرف الذي نشأ فيه القراصنة. أخذ الصيادون الصوماليون قوارب سريعة لإبعاد مغرقي البراميل والصيادين، وعلى الأقل لفرض ضريبةٍ عليهم. يسمون أنفسهم حرس سواحل الصومال المتطوعين، ويوافق الصوماليون العاديون على هذا. موقع الأخبار الصومالي المستقل WardheerNews وجد أن 70% "يدعمون بقوةٍ القرصنة كشكلٍ من أشكال الدفاع الوطني" كلا، ذلك لا يبرر أخذ الرهائن، من الواضح أنّ بعضهم عصابات، خصوصاً أولئك الذين استولوا على إمدادات برنامج الغذاء العالمي. غير أنّه وفي مقابلة هاتفية مع أحد قادة القراصنة، صقل علي قال: "نحن لا نعتبر أنفسنا عصابات بحر، نحن نعتبر أنّ عصاباتِ البحر أولئك الذين يصطادون بغير شرعي ويلقون النفايات في مياهنا" سيفهم ذلك وليام سكوت. هل نتوقع أن يقف الصوماليون على شواطئهم بشكلٍ سلبي ويجدفون وسط نفاياتنا الملوَّثة، وأن يراقبوننا نستولي أسماكهم لنأكلها في مطاعم باريس ولندن وروما؟ نحن لم نعترض على هاته الجرائم- وذلك هوالحل العاقل الوحيد لهذه المشكلة- لكن عندما ردّ بعض الصيادين بإعاقة تدفق حوالي 20 بالمئة من إمدادات الزيت العالمية، قمنا ببساطة بإرسال السفن الحربية. قصة حرب 2009 على القرصنة يختصرها بشكل أفضل قرصانٌ آخر عاش ومات في القرن الرابع قبل الميلاد. اعتُقِل وجيء به إلى الإسكندر الأكبر الذي أراد أن يعرف : "ما الذي يعنيه باستحواذه على البحر؟" ابتسم القرصان وأجاب: "ما الذي تعنيه باستحواذك على كل الأرض؟ غير أنّه ولأنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة أُسَمَّى لصاً فيما تسمى إمبراطوراً لأنك تفعل ذلك بأسطولٍ ضخم" مرةً أخرى، يبحر أسطولنا الإمبراطوري الضخم، لكن من هواللص؟ -------------------------------------- * جون هاري (Johann Hari) صحفي بريطاني، كاتب عامود في جريدة الإندبندنت (the Independent) وهافنغتون بوست (Huffington Post) وتظهر مقالاته في نيويورك تايمز (New York Times) ولوس أنجلس تايمز (Los Angeles Times) ونيوريبوليك (New Republic) والموند الفرنسية (Le Munde) والبايس الإسبانية (El pais) وهآرتس. يقدم نفسه كديمقراطي إشتراكي أوروبي، يؤمن بأنّ السوق أداةٌ فعّالة لإعادة توزيع الثروة، غير أنّ ذلك يجب أن يتم عبر حكومات ديمقراطية قوية وتجمعات تجارية كبيرة وإلا فإنّه –السوق- سيؤدي إلى كوارث. عن الإندبندنت أخذنا هذا المقال.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |