ماذا تخفي مآذن سويسرا؟

 

حيدر زناز

shehryar0@googlegroups.com

في سويسرا ديمقراطية يحترم فيها رأي الأغلبية، فالناس أولى بأمور دنياهم، يقررون في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياتهم. ويتم ذلك عن طريق استفتاءات شفافة نزيهة وأن افتك بعضها افتكاكا من السلطة القائمة أحيانا كما في حال التصويت حول السماح ببناء المآذن في البلد. وقد جاءت نتيجة استفتاء الأحد الماضي منطقية ومتوقعة إلا من لدن هؤلاء البلهاء الذين يعيشون نصف حياتهم مع الأوراق والأرقام والنصف الآخر في الأوهام. وأستغرب استغراب بعض المحللين الأوروبيين وبعض مدعي تمثيل الجالية المسلمة في سويسرا وأتساءل بجدية عن سلامة صحة البعض النفسية وعن مدى قيمة شهادات البعض العلمية!

على المسلمين أن يفرحوا بالأمر فــالنتيجة ليست سلبية بالنظر إلى المشاكل التي تخلقها الجاليات المسلمة في أوروبا عموما فضلا عن تلك الصورة القبيحة التي يقدمها المسلمون في بلدانهم. فمن هنا صحفية يحكم عليها بالجلد بمجرد ارتدائها السروال ومن هناك رؤوس تقطع بالسيف جهارا نهارا وطفلات تزوج لبشر وصلوا لأرذل عمرهم. كيف يتصرف الأوروبي حينما يلتقي خيما متحركة ويجد نفسه مضطرا لتهدئة روع أبنائه الصغار من هول ما يرون وليشرح لهم أن هذا الشيء المتحرك ليس زورو أو دراكولا وإنما لباس إسلامي يسمى البوركة، تختفي تحته امرأة مسلمة كي لا تغري الرجال! كيف لا يخاف الأوروبي حينما يرى الطرق تغلق في وجهه في مدنه لتقام فيها صلاة الجمعة؟ كيف لا يشك في نية أناس لا يريدون لا التزاوج معه ولا أكل ما يأكل ولا حتى أن يدفنوا معه؟ كيف لا يتذمر من أناس لا يترددون في القول علنا أنهم هم الذين يملكون الدين الصحيح وبقية الإنسانية كلها على ضلال كأنها ما كان ينبغي أن تخلق إطلاقا؟ فهل الوعي بالخطر خوف مرضي، إسلاموفوبيا كما يدعي البعض، أم هو خوف واع و مشروع؟ لم يترك لي وجودي في الغرب منذ سنوات طويلة ومتابعتي لأمور المسلمين فيه مجالا للشك في استفاقة الأوروبيين لما يتربص بهم من خطر إسلامي أصولي حقيقي وقد توقعت أن يرفض السويسريون بناء المآذن بنسبة تفوق النتيجة المسجلة بكثير.(انظر فصل 'كيف حفر الغرب قبره؟' في مؤلف بالفرنسية لكاتب المقال تحت عنوان 'المأزق الإسلامي') لو أتيح للأوروبيين أن يصوتوا على هكذا قضايا لكانت النتيجة مماثلة بل أدهى وأمر وهو ما تفطن له الساسة في الغرب وناوروا بأساليب ذكية من أجل أن لا يقول الشعب كلمته خوفا من الحقيقة، وبالتالي الخوف على المصالح المادية التي يتمتعون بها على حساب الشعوب الإسلامية. وخير دليل على ذلك فإن السلطات السويسرية لم تسمح بالاستفتاء إلا مرغمة ومن قبل من؟ اليمين المتطرف ! وستُرغم الحكومات الأوروبية الأخرى وستعود عاجلا أو آجلا إلى تسبيق قيم الحداثة على الفوائد العائدة من صداقات أهل النفط. ودون هذا يكتسح أوروبا الفكر اليميني المتطرف ويقترب الذين يمتطونه من الفوز بالسلطة وقد يحدث ما حدث في ألمانيا سنة1933.

إذا استمرت النخب الأوروبية في تجاهلها للرأي العام ستحفر قبر الديمقراطية بيدها وسينقض ساعتها أعداء الديمقراطية و التقارب بين الشعوب وحينها سيدخل العالم في دوامة لا يتمناها عاقل. بمباركة الأصوليين وعرابيهم الممولين فرضت النخب السياسية والثقافية الأوروبية، عن طريق آلتها الإعلامية المهولة تحت عنوان "الإسلاموفوبيا"، جوا موبوءا،جو ريبة واشتباه وغدا كل من ينتقد سلوك المسلمين مهما كانت طائشة ومنافية للقوانين وأعراف البلد، معاديا للإسلام وعنصريا. وهكذا تجنب الناس التعبير عن آرائهم في الإسلام وسلوكات المسلمين خوفا من 'تهمة العنصرية' المعلقة فوق رؤوسهم كسيف ديموقليدس.

ترتفع اليوم في أوروبا أصوات تستهجن الفعل الديمقراطي السويسري كأنه فعل مخل بالحياء وهي نفس الأصوات التي كانت تحشر أنفها في الشؤون الجزائرية مطالبة باحترام إرادة الشعب حينما كاد الأصوليون الانقضاض على الحكم في الجزائر عبر مهزلة انتخابية!

اعتبر السيد كوشنر الإشتراكي ووزير الخارجية في حكومة ساركوزي اليمينية تصويت السويسريين كارثيا ولم تتوان يومية ليبراسيون اليسارية في التعبير عن استيائها من الديمقراطية فوصفت موقف السويسريين بـ"اقتراع العار" دون حياء! ولا أستغرب هذا الموقف من جريدة كانت مؤيدة فيما مضى للخمير الحمر!

ولم يفوّت القائمون على مسجد ليون فرصة ارتكاب حماقة إذ طالبوا من المسلمين معارضة هذا الاقتراع والوقوف في وجهه! أي الوقوف ضد إرادة شعب حر.

وعجبا للتركي أردوغان! كيف يندد وهو القائل في كلمة أصبحت مشهورة: "المساجد ثكناتنا والمآذن حِرابنا والقباب خوذاتنا والمؤمنون جنودنا"!!لو كنت سويسريا لقلت له: أنا حر في عدم قبول الحراب في بلدي الحيادي المسالم؟

لقد تناسى بعض المثقفين اليسارويين وبعض السياسيين المرتشين أنهم هم الذين دفعوا الناس إلى الكبت بدل فتح لهم المجال لمناقشة الإسلام بحرية كما تناقش الديانات الأخرى في أوروبا. واليوم نجني في صناديق الاقتراع ما زرعوه و الآتي أخطر لو بقيت دار لقمان على حالها. أخشى ما أخشاه أن يبدأ آخرون في مناهضة الأسلمة عن طريق العنف وهو أمر غير مستبعد وإن استبعدته مراكز البحوث للأسباب التي ذكرت سابقا إذ أن استطلاعات الرأي لا تعني شيئا ولا تعبر عما يختلج في صدور الناس. وهو ما أفصح عنه اقتراع المآذن.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com